- ℃ 11 تركيا
- 21 نوفمبر 2024
“الصهيونية الدينية”…حزب الفاشية والعنصرية السافرة مرآة تعكس صورة الإسرائيليين
“الصهيونية الدينية”…حزب الفاشية والعنصرية السافرة مرآة تعكس صورة الإسرائيليين
- 31 أكتوبر 2022, 10:52:29 ص
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
الناصرة- “القدس العربي”: يشّكل صعود التيار الفاشي العنصري، المتّمثل بحزب “الصهيونية الدينية”، أبرز عناوين انتخابات إسرائيل للكنيست الـ25، غداً الثلاثاء، بعدما تصاعدت قوته من أربعة مقاعد، في البرلمان الحالي، إلى 15 مقعداً، في البرلمان الجديد، وفق كافة استطلاعات الرأي.
ويلوم عدد من قادة حزب “الليكود” رئيسهم بنيامين نتنياهو، بعدما كان قد اهتم بالتوفيق بين مكونات حزب “الصهيونية الدينية”، وتعاملَ معهم بإيجابية، وأسبغ عليهم الشرعية من منطلق تأمين اجتيازه نسبة الحسم أملاً بأن ينجح المعسكر المناصر له بالفوز بـ61 مقعداً فما فوق. لكن السحر انقلب على الساحر، وبات حزب “الصهيونية الدينية” كبيراً، ويحتل مكانة الحزب الثالث في إسرائيل (على حساب حزب الليكود الآخذ بالتراجع) رغم مواقفه الفاشية والعنصرية، بل بسببها. وعلى هذه الخلفية، وغيرها، تشهد العلاقات بين “الليكود” و”الصهيونية الدينية” احتداماً، في ظل إعلان قائد الحزب الأخير ايتمار بن غفير عزمه على إشغال حقيبة وزارة الأمن الداخلي، وهذا ما يتحفظ منه نتنياهو خوفاً من تبعات سلبية تضر به وبحزبه انتخابياً نظراً لمخاوف أوساط في اليمين من سيناريو يصبح فيه بن غفير وزيراً للأمن الداخلي، يدفع لانفجار في العلاقات بين العرب واليهود في البلاد.
ويومياً يؤكد بن غفير، وشريكه في قيادة “الصهيونية الدينية ” باتسلئيل سموطريتش، على برنامج حزبه بفتح الحرم القدسي الشريف لصلاة اليهود أيضاً، وإنزال وحدات عسكرية للمدن الساحلية الفلسطينية في الداخل عكا وحيفا واللد والرملة ويافا من أجل مجابهة مظاهرات يقوم بها فلسطينيو الداخل، على غرار هبة الكرامة في مايو/ أيار 2021. هذا علاوة على إصلاحات في الجهاز القضائي تخضع السلطة القضائية للسلطة البرلمانية، إضافة لإلغاء محاكمة نتنياهو، وإلغاء بند “خيانة الأمانة والغش” من قانون مكافحة الفساد، وكذلك إلغاء حقوق ليبرالية تتعلق بالمرأة والمثليين، وغيرها من القضايا الاجتماعية التي يريد حزب “الصهيونية الدينية” التعامل معها بناء على الشريعة اليهودية.
كما أن قادة هذا الحزب يتوعدون بقمع الأوساط المعارضة سياسياً لدى فلسطينيي الداخل وترحيل “مؤيدي الإرهاب” ويذكر بعضهم بالاسم، ومنهم النواب العرب في الكنيست الذين سينقلهم في حافلة إلى دمشق دون رجعة، كما يكرّر يومياً وهو يجول بين المدن اليهودية حاملاً مسدسه الذي أشهره عدة مرات في وجه فلسطينيين، كما حصل في حي الشيخ جراح المقدسي، قبل أسبوعين.
وفي مؤتمر صحفي عقد أمس الأول، قال بن غفير إن “خطتي الشاملة في وزارة الأمن الداخلي، التي أعددتها بالتشاور مع مختصين وعشرات الضباط المتقاعدين وقادة سابقين في جهاز الشرطة، ترتكز على خمس نقاط مركزية، التي سنعمل على تنفيذها، بالتزامن مع الاهتمام بأوضاع ضباط الشرطة، ورفع الرواتب وتعزيز التجنيد للشرطة.
في المقابل، أكد رئيس المعارضة ورئيس حزب “الليكود”، بنيامين نتنياهو، بعيد تصريحات بن غفير، أن الأخير “سيكون وزيراً في الحكومة فقط إذا قام هو بتشكيلها، وقال إنه كي يحدث ذلك يجب أن يكون “الليكود” أكبر من حزب يائير لبيد (“ييش عتيد”).
وفي الأسبوعين الأخيرين تجري الرياح الانتخابية الإسرائيلية بما لا تشتهيه سفن نتنياهو، إذ تتراجع قوة حزبه “الليكود” فيما تتصاعد قوة حزب “الصهيونية الدينية”، الذي بات الأوسع شعبية لدى الفئات العمرية اليهودية، مما ينذر بالمزيد من التصاعد في قوة هذا التيار الفاشي.
هذا الخوف من التصاعد الكبير دفع النائب عن حزب “ييش عتيد” رام بن براك، نائب سابق لرئيس الموساد، للقول، قبل أيام، محذراً: “إن هتلر صعد للسلطة بواسطة انتخابات ديموقراطية”. ولاحقاً سارعَ للتراجع والتوضيح، بعد موجة انتقادات من قبل أوساط إسرائيلية رفضت المقارنة بين “الصهيونية الدينية” وقادته وبين أدولف هتلر.
ويبقى السؤال؛ لماذا هذا التصعيد الفاشي العنصري السافر كما يظهر في حزب “الصهيونية الدينية”، الذي أدين اثنان من قادته بالإرهاب، وهما مستوطنان يعلقّان في صدري بيتيهما صورة سفاح الخليل باروخ غولديشتاين، ولماذا الآن، ولأي مدى هو مرآة تعكس التحولات في صفوف الإسرائيليين ممن ينزاحون نحو اليمين واليمين المتطرف في الفترة الأخيرة باستمرار؟
يديعوت: بن غفير المنتصر الأكبر
من وجهة نظر إسرائيلية، يرى الكاتب المعلق الصحفي آري شافيط، في مقال نشرته صحيفة “يديعوت أحرونوت”، أنه لا حاجة لانتظار الأول من تشرين الثاني، فالمنتصر الأكبر في حملة الانتخابات 2022 هو ايتمار بن غفير. وينوه بأنه الرجل الذي علمّ التوراة في مدرسة دينية كانت تعّلم توراة الحاخام العنصري، مئير كهانا، وسيكسب قسماً مهماً من أصوات الجنود. وتتابع الصحيفة: “الرجل الذي كان معجباً بالقاتل في الحرم الإبراهيمي في الخليل باروخ غولدشتاين، سيحظى بالتأييد الحماسي لمئات الآلاف. الرجل الذي ساهم مساهمة نشطة في أحداث العنف التي سبقت اغتيال رابين سيكون نجم الروك للمعسكر الوطني. والرجل الذي طالب بتحرير يغئال عمير اللعين، قاتل رابين، من السجن سيكون متوج ملوك القدس الجديدة. نشيط قومي متطرف، راديكالي، وذو نزعة قوة سينتقل من الهوامش غريبة الأطوار إلى لباب السياسة الإسرائيلية”.
انعكاس لتغير الإسرائيليين
ويرى شافيط أن الصعود النيزكي إلى الحكم يثير مخاوف المخابرات الإسرائيلية (الشاباك)، هو الدليل الأكثر دراماتيكية لمسيرة التغيير التي اجتازها المجتمع الإسرائيلي في العقد الأخير.
ويضيف: “هاكم ما حصل لنا. هاكم الوجه الجديد في المرآة. لا حاجة لانتظار الأول من تشرين الثاني: الخاسر الأكبر في حملة الانتخابات 2022 هو حكم القانون. مسؤولون كبار في “الليكود” يتحدثون منذ الآن عن إضعاف مؤسسة المستشار القانوني، وعن استبدال المستشارة القانونية. ويتحدث مسؤولون في “الصهيونية الدينية” منذ الآن عن قانون فرنسي، وإلغاء مخالفة الغش وخيانة الأمانة. يؤيد مسؤولون في كتلة نتنياهو سن بند قانوني لإخضاع عملية تعيين القضاة إلى أماني السياسيين. والمعنى هو تدمير حكم القانون، وتقويض جهاز القضاء، وجعل إسرائيل دولة ليست ديمقراطية ليبرالية”.
صعود الشعبوية
وضمن تفسيره للظاهرة يعتبر شافيط أن هناك خطاً مباشراً يربط بين انتصار المنتصر في انتخابات 2022 وبين حزب الخاسر، فالتعاظم الهائل لـ “الصهيونية الدينية” ينبع من ثلاثة أسباب: رد فعل مضاد حاد على الشرعية التي أعطيت لمنصور عباس ولمشاركة حزب عربي في الحكم (القائمة العربية الموحدة)، وقلق على الطابع اليهودي لإسرائيل وخوف فقدان الحوكمة، وروح عصر عالمية وإسرائيلية تشجع الشعبوية، وتتحفظ على مؤسسات الدولة وتمقت النخب. منوهاً بأن السقوط في المكانة العامة لجهاز القضاء ينبع أيضاً من ثلاثة أسباب: رد فعل مضاد حاد على فاعلية المحكمة العليا، غضب بسبب الأخطاء الجسيمة التي ارتكبت في الشكل الذي أديرت فيه ملفات نتنياهو، وروح عصر عالمية وإسرائيلية تتراجع عن الالتزام بالقيم الإنسانية والكونية.
ويعتقد شافيط أن ما هو مشترك بين كل هذه التطورات هو الرعب والغضب، ملمحاً إلى هبة الكرامة في مايو/ أيار 2021، خاصة في المدن الساحلية التي شهدت نوعاً من الحرب الأهلية، وفقدان الأمن بالكامل في شوارعها طيلة أيام: الرعب بسبب ما يعتبر تهديداً للهوية القومية لإسرائيل، والغضب على الشكل الذي حكمت فيه القوى الليبرالية هنا. الرعب بسبب ما يجري في النقب، في الجليل، وفي المدن الساحلية المختلطة، والغضب على أن الوسط الإسرائيلي القديم والمتنور أساء استغلال القوة التي أودعت في يديه.
أخطاء الماضي
وتعتبر “يديعوت أحرونوت” أنه ينبغي الاعتراف بأخطاء الماضي، وينبغي إصلاحها. تقول إن قسماً من قرارات المحكمة العليا سار شوطاً بعيداً عن التيار المركزي المألوف، وإن قسماً من قرارات المؤسسة القضائية كان مغلوطاً. وترى أن حكومة لبيد– بينيت لم تكن واعية بأنها تقصي وتثير حفيظة ملايين الإسرائيليين، ولكن من المحظور بأي حال السماح لهذه الأخطاء بأن تحدث هنا ثورة قيم وهويات خطيرة. وتحذر بالقول إنه من المحظور السماح للرعب والغضب أن يشعل ناراً شريرة تفسد وجه الدولة اليهودية – الديمقراطية وتتابع: “متزمتون خربوا “البيت الثاني”، ومتزمتون يمكنهم أيضاً أن يخربوا “البيت الثالث” الذي بنته الصهيونية هنا في البلاد. قومي متطرف ذو نزعة قوة يدمر الآن روسيا، وقوميون متطرفون ذوو نزعة قوة من شأنهم أن يدمروا إسرائيل أيضاً. وعليه فإن الانتخابات التي ستجري هنا، غداً الثلاثاء، هي حقاً انتخابات مصيرية. لم يعد الحديث يدور عن نتنياهو أو لا نتنياهو. يمين أو يسار. هذه المرة الاختيار هو بين بن غفير وشركائه وبين وجود وإصلاح الديمقراطية الإسرائيلية”.
ماذا وراء صعود الصهيونية الدينية
ويتفق مع شافيط أيضاً دكتور دورون ماتسا، المستشرق الإسرائيلي، والباحث في قسم الأبحاث التابع لـ “حركة الأمنيين”، وهو الآخر يرى أن ظاهرة إيتمار بن غفير ستكون مفاجأة الانتخابات. ويقول في مقاله إن اليسار الوسط– واستناداً إلى مفاهيم قديمة مأخوذة من فترة التسعينيات يحرص على اتهام بن غفير وحزبه بالعنصرية والقومية المتطرفة، لكن ظاهرة تعاظم قوته لا علاقة لها بصعود التيار الكهاني (تيار الحاخام العنصري الراحل مئير كهانا) ولا تعّبر عنه.
ويتابع: “الواقع لا يشبه أيضاً ما تحدث عنه نائب رئيس الأركان السابق، يائير غولان، بشأن بروز ظواهر مشابهة في ألمانيا في الثلاثينيات. أثارت ظاهرة بن غفير وصعود القوة السياسية للصهيونية الدينية ردة فعل على التوجه الوسطي في السياسة الإسرائيلية خلال السنوات الأخيرة، والذي تميزت به الأحزاب التي تتشارك توجهاً وسطياً مرناً في كل المجالات تقريباً، الأمنية والوطنية والاقتصادية والاجتماعية، ما يطمس الحدود الفكرية في ما بينها، ما يمكن تشبيهه بحساء فكري كثيف لا يسمح بالتمييز بين المواد التي يتألف منها. كما أن التحول نحو الوسط ألغى عملياً الخطوط التي كانت تميز تقليدياً اليسار من اليمين في إسرائيل. فالنموذج السياسي لحكومة بينيت– لبيد يعتمد على هذا الأمر، إذ سمح بالجمع بين أطراف سياسية متناقضة في السياسة اليهودية (بين ميرتس اليسارية وحزب يمينا اليميني)، وأتاح الربط بين السياسة اليهودية والسياسة العربية، ومكّن القائمة العربية الموحدة من الانضمام إلى الائتلاف”.
وفي معرض قراءته للحلبة السياسية الإسرائيلية، يقول ماتسا أيضاً إن الحكومة المنتهية ولايتها انتهجت خطوطاً سياسية طمست سياسات الهوية التقليدية، والموضوعات الخلافية البارزة، ولا سيما في المجال السياسي واعتمدت إلى حد بعيد على تصور حكومات نتنياهو، الذي يبدو ظاهرياً كشخص يميني بارز، وكصاحب خطاب يميني صارم، لكنه، عملياً، زعيم انتهج سياسة وسطية براغماتية واقعية في كل المجالات تقريباً. ويعتبر أن حكومات نتنياهو أظهرت قدرة على المناورة في المجال السياسي– الأمني بين موقف علني نشط وبين سلوك حذر في مواجهة إيران و”حماس” و”حزب الله”، وقادت في المجال الاقتصادي– الاجتماعي نهجاً وسطياً بين الاقتصاد الحر وبين محاولة التعويض عن تأثيراته المضرة. ويضيف: “تحول الاقتصاد خلال فترة نتنياهو إلى نقطة الثقل المركزية التي لم تسمح بتطوير ثقافة الاستهلاك فحسب، بل ساهمت أيضاً في دمج المواطنين العرب في الدولة من خلال مجموعة خطط حكومية ذات ميزانيات كبيرة (شكلت بالطبع منصة لاتفاقات أبراهام على الساحة السياسية الإقليمية، وساعدت في إرساء هدوء نسبي في غزة والضفة الغربية).
زوال الحدود بين اليمين وبين اليسار
ويزعم ماتسا أنه من النتائج السياسية المرافقة لزوال الحدود بين اليمين واليسار تآكل قوة “الليكود”، وتعبر جهود نتنياهو في استعادة الناخبين عن نجاح سياسته الوسطية التي أدت إلى الاضمحلال الاجتماعي لـ “إسرائيل الثانية”، وتحولها إلى إسرائيل الأولى– ناقص، أي إلى مجموعة أكثر ثراء وأقل نشاطاً في كل ما له علاقة بالتعبير عن معارضتها من خلال التصويت لليكود. ويقول إنه في المقابل، ساهمت في خلق فجوة لدى بعض ناخبي الليكود التقليديين بين الصورة اليمينية للحزب، وبين سياسته الفعلية التي هي فعلاً سياسة براغماتية شبيهة بسياسة حزب العمل أيام “مباي” برئاسة دافيد بن غوريون.
ويضيف ماتسا: “في رأيهم تراجع استعداد الحزب لاتخاذ موقف صهيوني متشدد في وجه التهديدات الخارجية والداخلية لصالح أجندة غامضة أخفقت في مواجهة الظواهر المرافقة لسياسته الوسطية، أي خسارة الحوكمة وتفاقم الجريمة، كما أظهر الحزب ضعفاً استراتيجياً– أمنياً على الساحة الخارجية. يشكل حزب “الصهيونية الدينية” الوعاء السياسي– الفكري لاستيعاب مَنْ خاب أملهم من الأجندة الجديدة التي تعتمد على السياسة الوسطية، فهو البديل المعاصر للواقع ما بعد الحداثي”.
ويخلص ماتسا للقول إن بن غفير وسموطريتش يطرحان نفسيهما على أنهما البديل الذي يعتمد على حدود وخطوط ترسيم وتعريفات حادة وبارزة وواضحة، وعلى هذا الأساس يجذبان جماهير كبيرة سئمت من مرحلة ما بعد الحداثة التي تدفعهم إلى صناديق الاقتراع مرة تلو أُخرى، وتمنع التوصل إلى حسم سياسي وفكري في إسرائيل.
لا شك أن الإعلام العبري الغارق هو الآخر في تغطيات سطحية تبحث عن نسب المشاهدة العالية، وتشارك في تغييب القضية الفلسطينية والقضايا الداخلية الجوهرية، قد لعب دوراً في تنمية قوة “الصهيونية الدينية” من خلال “صناعة النجوم” واستضافة بن غفير وسموطريتش بشكل مفرط وتسليط الضوء عليه بلغة ناعمة لطيفة ومحتضنة، رغم تصريحاته وتحرشاته الاستفزازية بالفلسطينيين.