- ℃ 11 تركيا
- 21 نوفمبر 2024
“لم يعد البقاء في الوسط مقبولاً لأحد”.. لماذا انتهى وقت السلطة الفلسطينية؟
“لم يعد البقاء في الوسط مقبولاً لأحد”.. لماذا انتهى وقت السلطة الفلسطينية؟
- 9 يوليو 2023, 10:23:00 ص
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
يتمثل دور السلطة الفلسطينية– الذي كان يتمناه الشعب الفلسطيني- في حماية الفلسطينيين ومساعدتهم في استمرار نضالهم، والتطور من سلطة إدارية مستقلة إلى رأس دولة مستقلة تماماً وذات سيادة، قائمة على أساس حدود عام 1967 وعاصمتها القدس. هذا هو الخطاب الذي يستخدمه مؤيدو اتفاقيات أوسلو على الأقل، وعلى هذا النحو كان يفهم معظم الفلسطينيين الهدف من وجود السلطة الفلسطينية.
لكن دورها الفعلي هو تحقيق الأمن في المناطق الخاضعة لسيطرة السلطة الفلسطينية؛ لمنع "العنف الفلسطيني" ضد الإسرائيليين وتنظيم الشؤون المدنية للسكان الفلسطينيين.
وهذا واضح على أرض الواقع وفي صياغة اتفاقيات أوسلو. وهنا يظهر التناقض الصارخ بين الدورين المتعارضين تماماً للسلطة الفلسطينية: فكيف لها أن تسعى للتخلص من الاحتلال وتحاول حمايته في الوقت نفسه؟
هذا ما طرحه الكاتب في موقع Middle East Eye البريطاني عوني المشني، والذي كان عضواً في المجلس الاستشاري لحركة فتح التي تسيطر على السلطة الفلسطينية.
ويقول المشني، إن ياسر عرفات، الرئيس الفلسطيني الأسبق الراحل، كان قادراً على حل هذا اللغز الغريب والمعقد، على الأقل لفترة من الوقت، ووجد صيغة تحقق التوازن الدقيق بين الدورين.
فكان عرفات يحاول تسهيل الدور الثاني- تحقيق الأمن للإسرائيليين- ويسعى لتحقيق الاستقلال والسيادة الفلسطينية. فكان يعتقل بعض أعضاء في حركة حماس وينسق معها أيضاً، وكان يشجع المقاومة ضد إسرائيل ويسجن المشاركين في أنشطتها، كما يقول المشني.
اتساع الفجوة بين السلطة والشعب الفلسطيني
يقول الكاتب في البداية لم يفهم أحد عرفات تماماً، لا الفلسطينيون ولا الإسرائيليون، ولكن بحلول عام 2000، حين فشلت قمة كامب ديفيد في إضافة أي جديد إلى اتفاقيات أوسلو، التي كانت وُقعت قبلها بسبع سنوات، لم يعد عرفات قادراً على الاستمرار في هذه السياسة المعقدة.
وهذا الجمود الدبلوماسي وضعه على مفترق طرق أجبره على الاختيار بين الدور الوطني للسلطة ودورها الفعلي. وفي هذه اللحظة الصعبة الحاسمة اختار الوقوف إلى جانب النضال الوطني، وهكذا انخرط في الانتفاضة الثانية.
وأدرك عرفات حين اتخذ هذا القرار أن وقته انتهى. وقال عام 2002، حين حاصرت القوات الإسرائيلية مقره في رام الله في ذروة الانتفاضة الثانية: "الإسرائيليون يريدونني أسيراً، أو طريداً، أو قتيلاً، بل أقول لهم شهيداً".
وفعلاً، بعد أن حصل عرفات على دعم شعبي، اغتيل في عملية قتل كانت بصمات الإسرائيليين واضحة في جميع جوانبها، بحسب المشني.
واستمرت السياسة نفسها بعد عرفات، مع فارق جوهري واحد، فاليوم أصبح الدور الوطني للسلطة الفلسطينية خاضعاً للدور الفعلي المتمثل في حماية إسرائيل بالكامل، وكان ذلك تحولاً في تطلعات الشعب الفلسطيني في الحرية والاستقلال. وهكذا اتسعت الفجوة بين السلطة الفلسطينية والشعب الفلسطيني أكثر من أي وقت مضى.
وما زاد الطين بلة أن السلطة الفلسطينية فشلت في تحقيق الدور السياسي أو الوطني أو حتى الفعلي الذي أقيمت لتحقيقه.
"انحياز السلطة إلى أي من الجانبين قد يؤدي إلى انهيارها"
يدرك معظم الفلسطينيين الظروف الصعبة التي نشأت عنها السلطة الفلسطينية، وبالتالي حدودها في اتباع استراتيجية ثورية كاملة، ولكن فحتى سياسة براغماتية متوازنة- تلك التي تترك مجالاً لاستراتيجية وطنية قائمة على التحرر- باتت غير ممكنة الآن.
فقد اختل هذا التوازن الحساس لأن المشروع الصهيوني وصل إلى مرحلة محاولة إنهاء الصراع إنهاءً تاماً.
وبدأ وزير المالية الإسرائيلي، بتسلئيل سموتريتش، في تنفيذ "خطته الحاسمة" تدريجياً بزيادة أعداد المستوطنات والإسراع في التهويد، وما يصاحبه من قمع للشعب الفلسطيني.
وكردّ فعل طبيعي، نما النضال الوطني الفلسطيني، الذي وضع السلطة الفلسطينية بين المطرقة والسندان، وهذا حد من خياراتها وقوض قدرتها على تحقيق التوازن.
فالإسرائيليون يضغطون عليها بشدة لتمارس دورها الفعلي في مطاردة واستئصال المقاومة الفلسطينية. ومن ناحية أخرى، يضغط الجمهور الفلسطيني في الاتجاه المعاكس، ويطالب السلطة الفلسطينية باختيار واضح والوقوف إلى جانب نضاله الوطني قبل فوات الأوان.
ولم يعد البقاء في الوسط مقبولاً للإسرائيليين ولا للفلسطينيين. وهذه معضلة معقدة للسلطة الفلسطينية، وهذا لأن الانحياز إلى أي من الجانبين قد يؤدي إلى انهيارها، كما يقول المشني.
فإسرائيل لن تسمح لها بالانحياز إلى مشروع التحرير الوطني. وإذا انحازت إلى الحفاظ على دورها في حماية إسرائيل، ستصطدم مع شعبها الذي سيحاول إسقاطها بكل قوة، وتلك أزمة حقيقية.