- ℃ 11 تركيا
- 2 نوفمبر 2024
“ما الذي سيدفعنا لتوظيف البشر؟”.. 5 طرق سيغير بها الذكاء الاصطناعي من طبيعة وظائفنا
“ما الذي سيدفعنا لتوظيف البشر؟”.. 5 طرق سيغير بها الذكاء الاصطناعي من طبيعة وظائفنا
- 14 مايو 2023, 7:02:15 ص
- 429
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
في عام 1965، قال العالم السياسي الحائز على جائزة نوبل، هيربرت سيمون: "ستكون الآلات قادرةً على تنفيذ أي عمل يفعله البشر في غضون 20 عاماً". وفي خضم الثورة الصناعية الرابعة التي نعيشها اليوم، بدأ وصول الذكاء الاصطناعي إلى أماكن العمل يُثير المخاوف المشابهة.
لكن فيليب تور، أستاذ العلوم الهندسية بجامعة أكسفورد، يرى أن قابلية أدوات الذكاء الاصطناعي للخطأ -الناتج عن البيانات والخوارزميات وليس العواطف- يعني أن وجود البشر في أماكن العمل سيظل ضرورياً.
وأوضح تور لصحيفة The Guardian البريطانية: "أدت الثورات الصناعية في الماضي إلى زيادة الوظائف، لا تقليلها. وأعتقد أننا سنشهد تغييراً في أنواع الوظائف، لكن هذا الأمر هو مجرد تطورٍ طبيعي".
5 طرق سيغير بها الذكاء الاصطناعي طبيعة أعمالنا
يُمكن القول إن تور متفائل عموماً بقدرة البشر على التعايش المشترك بشكلٍ مُنتج إلى جانب تقنيات كهذه، وهو ليس الوحيد الذي يرى ذلك. إذ يؤمن العديد من الخبراء في المجال بأن الأتمتة تستطيع ترك أثر إيجابي داخل مكان العمل، عند توفير القدر المناسب من التعليم والتشريع.
بينما يتنبأ البعض بمستقبل مظلمٍ أكثر سيشهد تقييم الموظفين بواسطة الخوارزميات واستبدالهم بالأتمتة. لكن هناك إجماعاً كبيراً في ما يتعلق بهذا المجال، وهو أن العديد من الصناعات ستشهد تغييراً دائماً وهيكلياً مع تقدم الذكاء الاصطناعي، سواءً للأفضل أو للأسوأ.
1- الرعاية الصحية
حتى الآن، تمحور استخدام الذكاء الاصطناعي في الطب حول فحوصات التصوير بالرنين المغناطيسي، والأشعة السينية، وكشف الأورام بحسب تور. وهناك بعض الأبحاث الجارية حالياً في مجال تشخيص الخرف عبر الهواتف الذكية. إذ تستطيع الهواتف تتبع المدة التي يستغرقها المستخدم لإتمام مهام روتينية مثل العثور على جهة اتصال ما، مع وضع علامةٍ على أي زيادةٍ في هذه المدة باعتبارها مؤشراً محتملاً على الإصابة بالمتلازمة.
وتستطيع كل من هذه التطبيقات توفير الكثير من وقت الأطباء والطاقم الطبي القيم. لكن تور يقول إن النماذج اللغوية الكبيرة سيكون لها أكبر أثرٍ على المرضى والممارسين الطبيين في المستقبل.
وضرب مثالاً على ذلك بوصول المرء إلى المستشفى وإجابته عن مجموعةٍ من الأسئلة، قبل نقله إلى غرفةٍ أخرى حتى تُطرح عليه الأسئلة نفسها ثانيةً. وبدلاً من ذلك، أوضح تور إمكانية تسجيل الإجابات داخل تطبيق مدعوم بالذكاء الاصطناعي، حتى يمرر معلومات المريض إلى أفراد الطاقم المختصين.
وأقر تور بأن التشخيص بواسطة الخوارزميات -أو الجراحة المؤتمتة التي يراها تطوراً مرجحاً- قد لا تحظى بشعبيةٍ بين المرضى، على الرغم من كفاءتها. وأوضح: "يمكنك أن تتخيل تصنيع نوعٍ من أنواع رجال المبيعات الآليين. لكن الناس سيظلون راغبين في رؤية رجل مبيعات حقيقي".
لكن هذه التقنية ستحظى بترحيب أكبر بين المخططين المركزيين للخدمات الصحية. إذ سيستفيدون بمساعدة الذكاء الاصطناعي في اقتراح الخطط والجداول، من أجل تقليل الضغوطات المتراكمة التي تواجهها الخدمات الطبية حول العالم، وذلك في ظل إدارتهم لمنظمات ضخمة ومعقدة وحاجتهم لتحقيق أهدافهم.
2- التعليم
يجري استخدام الذكاء الاصطناعي في المدارس والكليات والجامعات بالفعل، لكنه يُستخدم بطرقٍ محدودة. بينما ترى أستاذة التعلُّم المتمركز حول الطالب في مختبر علوم كلية لندن الجامعية، روزي لاكين، أن الخيارات التي نتخذها الآن ستحدد الأثر المستقبلي للذكاء الاصطناعي، بالتزامن مع تعمُّق الأتمتة أكثر داخل الفصول الدراسية.
وأوضحت: "هناك نسخة مريرة من الرواية تشهد تسليم مهام أكثر من اللازم للذكاء الاصطناعي. فينتهي بنا المطاف إلى نظامٍ تعليمي أرخص بكثير، حيث سيجري توصيل قدرٍ كبير من المحتوى التعليمي عبر أنظمة الذكاء الاصطناعي".
وفي هذا المستقبل، سيحصل المعلمون على مساعدة النماذج اللغوية الكبيرة في تصحيح وتخطيط الدروس، ليصبح لديهم وقت أطول للتركيز على جوانب عملهم الأخرى. لكن من المحتمل تفويض عملية "شرح" الدروس للآلات في محاولةٍ لخفض التكاليف، مما سيسلب المعلمين والطلاب ميزة التفاعل البشري.
وأوضحت روزي: "سيحدث ذلك مع الطلاب الأقل ثراءً بالطبع. بينما سيحتفظ الطلاب الأكثر ثراءً بالكثير من التفاعلات البشرية وجهاً لوجه، إلى جانب مجموعةٍ من أدوات الذكاء الاصطناعي المدمجة ببراعةٍ شديدة".
وتدعو روزي في المقابل إلى مستقبل يُخفف أعباء المعلمين دون تعطيل رعايتهم للتلاميذ -أو التأثير على طلاب المناطق الأفقر بشكل غير متكافئ. وتقول: "التفاعل البشري هو أمرٌ يجب تقديسه، وليس التخلص منه".
3- مراكز الاتصال
تشتهر مراكز الاتصال بارتفاع معدل دوران الموظفين، وعادةً ما تكون عبارةً عن بيئات يقضي الموظفون فيها غالبية أوقاتهم وهم يحاولون تهدئة العملاء الغاضبين. ولهذا السبب يُوضح بيت مانتيلو، أستاذ الإعلام والسياسة الإلكترونية في جامعة ريتسوميكان آسيا والمحيط الهادئ، أن تلك المراكز ستصبح موطناً رائجاً لما يُعرف باسم الذكاء الاصطناعي العاطفي.
فباستخدام التعرّف على نغمة الصوت، ستسمح هذه الأدوات للموظفين والمديرين بأن يقيسوا الحالة العاطفية لزبائنهم وعمالهم. مما يعني أن الموظفين سيتمكنون من مساعدة المتصلين بصورةٍ أفضل، بينما سينجح المديرون في العناية بموظفيهم بصورةٍ أفضل. لكن مانتيلو حذّر من أن هذه التقنية تمثل أحد أشكال المراقبة أيضاً.
حيث قال: "ترتبط المراقبة بالضبط الاجتماعي وتشكيل سلوكيات الناس. ولهذا فإن فكرة التحلي بالإيجابية، والأصالة، والسعادة في مكان العمل ستصبح أكثر ارتباطاً بالإنتاجية".
وتنبع مخاوف مانتيلو من إمكانية إساءة استخدام بيانات الذكاء الاصطناعي بواسطة أصحاب المناصب العليا، كالمدير الذي قد يستخدم بيانات تُظهر ضعف الإنتاجية حتى يفصل الموظف الذي لا يعجبه، أو إصدار حكم إحصائي خالص على قيمة الفرد.
ولا شك أن نمو مثل هذه التقنيات يحمل تداعيات على العاملين في قطاعات أخرى أيضاً. إذ لطالما كان إظهار السلوك الإيجابي جزءاً لا يتجزأ من وظائف بعينها، بدايةً بالعلاقات العامة، ووصولاً إلى تقديم المشروبات. لكن مانتيلو يقول: "أعتقد أننا سنشهد لعب العواطف لدورٍ أكثر أهمية في بناء أو قياس فكرة الموظف الجيد".
4- الزراعة
يرى روبرت سبارو، أستاذ الفلسفة في جامعة موناش، أن العديد من مجالات الزراعة ستقاوم الأتمتة المتزايدة. ويستفيد المزارعون من تطبيقات الذكاء الاصطناعي في التنبؤ بحالة الطقس ونمذجة الآفات والأمراض بالفعل، لكنه يقول إن إحداث هذه التقنية لثورةٍ حقيقية سيتطلب تحقيق تقدم كبير في مجال الروبوتات.
وأوضح: "أستطيع مطالبة ChatGPT بكتابة مقال أفضل من العديد من طلابي. لكن إذا طلبت من روبوت أن يدخل هذه الغرفة ويفرغ سلة المهملات، أو يُعد كوباً من القهوة، فلن يتمكن من فعل ذلك ببساطة".
ويرى أن غياب البراعة والعجز عن التكيف مع المساحات والمهام غير المتوقعة، بالإضافة إلى تكلفة هذه التقنية، هي أمور تجعل من المستبعَد أن تحل الروبوتات محل العاملين في الزراعة خلال المستقبل القريب.
لكن سبارو وصف الزراعة بأنها صناعة تقدمية على الصعيد التقني. إذ عادةً ما يسافر الطعام حول العالم من أجل بلوغ الزبائن. ويصف سبارو الجوانب اللوجستية بأنها من العوامل الزراعية التي يتمتع الذكاء الاصطناعي بفرصةٍ حقيقية لزيادة الكفاءة فيها -رغم أن الأمر لن يكون خالياً من المخاطر على العمال البشر.
وأردف: "بالنسبة لكل الأشخاص الذين يعملون حالياً على تحديد طلبيات النقل التي ستوضع على كل شاحنة، والسفن التي ستشحنها حتى تصل إلى السوق في الموعد المناسب -ليس من الواضح ما إن كانوا سيعثرون على وظائف في مكانٍ آخر أم لا في حال فقدانهم لوظائفهم بسبب تطور الذكاء الاصطناعي".
5- الجيش
يقول سبارو إن معدل الاستثمارات العسكرية في الذكاء الاصطناعي مرتفع، وهناك اعتقاد شائع بأنه سيكون المحرك الأساسي لمستقبل الحروب. ولا تزال هذه التقنية مستخدمةً بدرجةٍ أقل من المتصور اليوم، رغم ظهور الطائرات والدبابات والغواصات شبه المُسيّرة.
لكن هذا الوضع سيتغير على الأرجح -وخاصةً بالنسبة لمن يخدمون في البحر أو الجو. إذ قال: "لست الوحيد الذي يعتقد أن البشر لن يستطيعوا النجاة من المعارك الجوية في المستقبل. فضلاً عن أن التحليق بدون طيار سيجعل الطائرة أخف، وأسرع، وأقدر على المناورة، وأكثر قابلية للاستهلاك".
كما يؤمن سبارو بأن الأوامر سيجري توصيلها بواسطة الذكاء الاصطناعي في النهاية، بدلاً من كبار الضباط. وسيظل البشر جزءاً من عملية صنع القرار بالطبع، لكن احتمالية وجود تحيزات آلية تثير المخاوف -نتيجة ميل الإنسان إلى الانصياع للآلات.
وضرب مثالاً على ذلك بكتيبة يرسلها جنرال ذكاء اصطناعي لمواجهة نيران العدو الكثيفة، الأمر الذي قد يضطر لفعله جنرالات البشر أحياناً. وأوضح: "أنت تعلم أن هؤلاء الأشخاص سيتعرضون للقتل. لكن سيصعب تقبل ذلك في حال صدور الأوامر عن آلة".
ومن المحتمل أن تؤدي الحرب الآلية عن بُعد إلى تغييرات في الثقافة العسكرية وطريقة النظر إلى العمل في هذا القطاع. إذ من المعتاد أن تُنسب سمات مثل الشجاعة، والرحمة، والتعاطف إلى الجنود اليوم. لكن سبارو يقول إن القتال المدعوم بالذكاء الاصطناعي "سيجعل الحفاظ على تلك الأوهام أمراً بالغ الصعوبة".
ولا شك أن إيجابيات إبعاد الأفراد العسكريين عن مخاطر القتال المباشر واضحة، بغض النظر عن التغييرات التي تطرأ على الرأي العام. لكن سبارو لا تزال لديه مخاوف حقيقية بشأن مستقبل يلعب البشر فيه دوراً أقل من التقنية خلال الحرب، ويؤمن بأن أنظمة الأسلحة المؤتمتة قد تكون قادرةً على جر البشر للحرب ذات يوم.
كما يشكك في مستقبل الذكاء الاصطناعي داخل مختلف أماكن العمل. حيث قال: "فكرة أن تلك الأدوات ستترك جوهر الوظائف على حاله هي مجرد فكرة دعائية في أغلب الأحيان. وإذا أصبحت التقنية أفضل من البشر في تأدية وظيفةٍ ما، فما الذي سيدفعنا لتوظيف البشر؟".