15 توصية حتى يتوقف تحول الحبس الاحتياطي إلى عقوبة

profile
  • clock 25 أبريل 2021, 12:44:29 م
  • eye 761
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

ورقة موقف للباحث شريف هلالي بالتعاون مع مركز التنمية والاعلام

تُعرف المواثيق الدولية وخبراء القانون الحبس الاحتياطي بالإجراء الاستثنائي "البغيض" الذي تلجأ إليه النيابة العامة في حالات خاصة وبشروط محددة لمساسه بحرية المواطن دون ثبوت تهمة بعد وقبل الحكم عليه، لكن هذا الاستثناء تحول إلى قاعدة في السنوات الأخيرة، وبات مثله مثل العقوبة، نتيجة التوسع في استخدام جهات التحقيق كافة الصلاحيات التي منحتها إياها النصوص القانونية من أجل تقييد حرية المقبوض عليهم بمسوغ قانوني.

التوسع في استخدام الصلاحيات والتعسف في أخرى حول منظومة الحبس الاحتياطي إلى "ثقب أسود" بحسب وصف حقوقيين مصريين، إذ تعج السجون وأقسام الشرطة بالآلاف بقضايا سياسية لا تستطيع الفرز بينها.

في ورقة يسلط فيها شريف هلالي المحامي والباحث الحقوقي بالتعاون مع مركز التنمية والدعم والإعلام (دام) على هذه الظاهرة الممتدة، 

يعالج من خلاله موضوع الحبس الاحتياطي في القانون المصري، وكيفية تطبيقه من النيابة العامة والقضاء المصري، 

والظواهر الجديدة التي باتت تتناول تطبيق هذا الإجراء، وأصبحت تتعارض مع الفلسفة الحاكمة له.

تقول الورقة إن الحبس الاحتياطي المفترض أنه إجراء احترازي يتم تطبيقه بضوابط معينة في قانون الإجراءات الجنائية،

 إلا أن تطبيقه الآن بات يخرج عن مضمون وفلسفة هذا الإجراء، بحيث يتم تطبيقه بشكل مطول بالمخالفة للقانون، 

كما يرافق هذا الإجراء فكرة إعادة اتهام المحبوسين احتياطيًا بعد انتهاء مدد حبسهم الاحتياطي في قضايا أخرى، وبنفس الاتهامات تقريبًا،

 رغم أنهم كانوا مودعين في السجون في ذات التاريخ الذي وجهت إليهم الاتهامات الجديدة، وهو ما يعتبر نوعًا من الاحتجاز التعسفي.

ويشبه ذلك ما حدث في مصر في تسعينيات القرن الماضي بتطبيق قانون الطوارئ والاعتقال الإداري للأشخاص حتى بعد صدور قرار بالإفراج عنهم،

 حيث يتم إصدار قرار اعتقال آخر... وهكذا، والذي شهدناه طوال حقبة التسعينيات وما بعدها، ويستخدم ذلك بشكل خاص ضد أناس عبروا عن آرائهم واستخدموا حقهم في حرية التعبير، 

وكثير من هؤلاء من الشباب من الذين شاركوا في ثورة 25 يناير وأعضاء الأحزاب السياسية المعارضة وحقوقيين ومحامين وصحافيين وأطباء وأساتذة جامعات لمجرد أنهم عبروا عن آرائهم على السوشيال ميديا.

كيف تطورت مدد الحبس الاحتياطي؟

خضعت المادة 143 من قانون الاجراءات الجنائية للعديد من التعيلات، 

فحدد المشرع لأول مرة منذُ نشأة القانون عام 1950 مدد الحبس الاحتياطي بحيث لا تجاوز ستة أشهر في مواد الجنح والجنايات قبل الإحالة إلى المحكمة المختصة.

لكن في 2006 توسع المُشرع في مدد الحبس الاحتياطي خلال كافة مراحل الدعوى الجنائية بحيث لا تجاوز ستة أشهر في الجنح وثمانية عشر شهراً في الجنايات،

 وسنتين إذا كانت العقوبة هي السجن المؤبد أو الإعدام.

أما في عام 2007، قام المُشرع بمنح محكمة النقض صلاحية تجديد حبس المتهم دون التقيد بأي من المدد المنصوص عليها إذا كان الحكم الصادر من محكمة الجنايات هو الإعدام؛ وهو ما يعني أن المتهم يظل قيد الحبس الاحتياطي إلى ما لا نهاية.

أدى هذا الوضع إلى الإسراف في ﺍﻟﺤﺒس ﺍﻻﺤﺘﻴﺎطي ﺩﻭﻥ مبرر لذلك،

 ﺒﻴﻨﻤﺎ ﺍﺸﺘﺭﻁﺕ ﺒﻌﺽ ﺍﻟﺘﺸﺭﻴﻌﺎﺕ ﺍﻷﺠﻨﺒﻴﺔ ﻟﺠﻭﺍﺯ ﺍﻟﺤﺒﺱ ﺍﻻﺤﺘﻴﺎطي ﺃﻥ ﺘﻜﻭﻥ ﺍﻟﺠﺭﻴﻤﺔ ﺍﻟﺼﺎﺩﺭ ﺒﺸﺄﻨﻬﺎ ﺍﻟﺤﺒﺱ ﻤﻌﺎﻗﺒًﺎ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺒﻤﺩﺩ ﺃﻜﺒﺭ ﻤﻥ ﺫﻟﻙ. 

على سبيل المثال ﺍﻟﺘﺸﺭﻴﻊ ﺍﻟﻔﺭﻨﺴﻰ ﻻ ﻴﺠﻴﺯ ﺍﻟﺤﺒﺱ ﺍﻻﺤﺘﻴﺎﻁﻰ ﺇﻻ في ﺍﻟﺠﺭﺍﺌﻡ ﺍﻟتي ﻴﺼل ﺍﻟﺤﺩ ﺍﻷﻗﺼﻰ ﻟﻠﻌﻘﻭﺒﺔ ﻓﻴﻬﺎ ﺇﻟﻰ ﺜﻼﺙ ﺴﻨﻭﺍﺕ ﻋﻠﻰ الأقل،

 في حين أن القانون الكويتي على سبيل المثال يشير إلى مدد أقل بكثير لا تتجاوز ستة شهور في الجنايات، وثلاثة أشهر في الجنح .

تضارب تطبيق القضاة للحبس الاحتياطي

تسلط الورقة الضوء على حالة تضارب المحاكم في تطبيق نصوص بعض مواد قانون الإجراءات القانونية،

 إذ يتذرع بعض قضاة محكمة الجنايات بنص المادة "380 " من قانون الإجراءات الجنائية التي تقرر أن «لمحكمة الجنايات في جميع الأحوال أن تأمر بالقبض على المتهم وإحضاره، 

ولها أن تأمر بحبسه احتياطيًا، وأن تفرج بكفالة أو بغير كفالة عن المتهم المحبوس احتياطيًا" متغافلين عن حكم الفقرة الرابعة من المادة 143 في القانون نفسه التي وضعت حدًا أقصى لمدد الحبس الاحتياطي.

استئناف أوامر الحبس الاحتياطي

تلفت الورقة إلى أزمة أخرى متعلقة بتحقيق ضمانة سلامة ممارسة الحبس الاحتياطي،

 وتحديدا في الجزئية الخاصة بالتعديلات التي أعطت الحق للمتهم أن يستأنف الأمر الصادر بحبسه احتياطيًا أو بمد هذا الحبس بعد أن كان مقتصرًا قبل التعديل على أن يكون الاستئناف للنيابة العامة وحدها، 

وفقا للمادة 164.

وتسجل عدة تقارير حقوقية أنه يتم إهدار تلك الضمانة من قبل النيابات المختلفة،

 فتارة تقوم بعضها بما فيها نيابة أمن الدولة بتمكين المحبوسين احتياطيًا من استئناف أوامر الحبس الصادرة قبلهم وتارة أخرى تقوم بإيقاف الاستئنافات دون سند قانوني بحجة "التعذرات الأمنية" فقد يستمر إيقاف تمكين المحبوسين احتياطيًا من استئناف أمر الحبس شهور.

الحبس المسبب

أحد الأسباب التي تسببت أيضا في التوسع وزيادة رزنامة القضايا هو عدم التزام سلطات التحقيق بالإعلان عن مسببات قرار الحبس أو التجديد، رغم أم المشرع في عام 2006 أجرى تعديلا على قانون الإجراءات الجنائية بموجب القانون وحدد أسبابًا للحبس الاحتياطي ولا يجوز إصدار القرار إلا بتوافر أحد هذه الأسباب.

وكانت هذه الأسباب الواردة في نص المادة 143 من القانون على سبيل الحصر والمتمثلة في أن يكون إلقاء القبض على الشخص متلبسًا بارتكاب الجريمة،

 عدم وجود محل إقامة ثابت ومعلوم داخل جمهورية مصر العربية وخشية هروبه خارج البلاد، خشية الإضرار بمصلحة التحقيق سواء بالتأثير على المجني عليهم أو الشهود، أو خشية العبث في الأدلة والقرائن المادية وتوخي الإخلال بالأمن والنظام العام.

ويتضح من نص تلك المادة أن المشرع قد وضع ضمانة أن يصدر القرار وفقًا للأسباب الواردة وفقًا لنص المادة مراعاة للتوازن بين مصلحة التحقيق والحرية الشخصية للمواطنين، وحرصًا منه على ألا يتحول الحبس الاحتياطي من تدبير احترازي إلى عقوبة يتم الإفراط في استخدامها للتنكيل بالمحبوس احتياطيًا، لكنه لا يتم الالتزام بتسبيب هذا القرار.

ويرجع البعض ذلك إلى أن نص المادة 139 المشار إليها لا تتضمن إلزاما قانونيا بتسبيب قرار الحبس الاحتياطي بدليل أن المشرع ألزم بتسبيب القرار الصادر بعدم وجود مبرر لإقامة الدعوى الجنائية، ولا يستلزم هذا التسبيب في حالة صدور الأمر بالحبس الاحتياطي، وقد أغفل المشرع المصري أيضا ذكر التسبيب في التعديل الصادر عام 2013 بإلغاء الحد الأقصى للحبس الاحتياطي.

تمييز داخل السجون

وفي منطقة أخرى، لا يحصل المحبوسون احتياطيا على حقوقهم كاملة داخل السجون بسبب حرية التعبير،

 خاصة فيما يتعلق بالحق في التريض، أو مدة الزيارة المنصوص عليها في اللائحة، أو إدخال الكتب والمجلات إلى المحبوس احتياطيًا بالمخالفة لقانون للائحة التنفيذية لقانون السجون.

بدائل لا تطبق للحبس الاحتياطي

ورغم أن المشرع أتاح بدائل ﻟﻠﺤﺒس ﺍﻻﺤﺘﻴﺎطي ﻴﻤﻜﻥ ﻟﻠﻤﺤﻘﻕ ﺃﻥ ﻴﻘﺭﺭﻫﺎ ﺒﺩﻻً ﻤﻥ ﺇﺼﺩﺍﺭﻩ ﺃﻤﺭًﺍ ﺒﺤﺒﺱ ﺍﻟﻤﺘﻬﻡ ﺍﺤﺘﻴﺎﻁﻴًﺎ،

 وفقا ﺍﻟﺘﻌﺩﻴل ﺍﻟﺼﺎﺩﺭ بالقانون ﺭﻗﻡ 145 ﻟﺴﻨﺔ 2006، إلا أن ورقة "دام" ترى أنه كثيرا ما لا يتم اللجوء لتطبيق هذه المادة كبديل للحبس الاحتياطي، بل كمكمل لها، 

حيث إن المتهم يتعرض للحبس الاحتياطي لفترات طويلة، بعدها يتم اللجوء إلى هذه البدائل إلى ما لا نهاية، وهذا ما يؤثر على استكمال المتهم لحياته الخاصة وقيامه بعمله.

وﻨﺼﺕ ﺍﻟﻤﺎﺩﺓ 201 ﺍﻟﻤﺴﺘﺒﺩﻟﺔ ﻋﻠﻰ ﺃﻥ يجوز للسلطة المختصة ﺒﺎﻟﺤﺒس ﺍﻻﺤﺘﻴﺎﻁﻰ ﺃﻥ ﺘﺼﺩﺭ ﺒﺩﻻً ﻤﻨﻪ ﺃﻤﺭًﺍ ﺒﺄﺤﺩ ﺍﻟﺘﺩﺍﺒﻴﺭ ﺍﻵﺘﻴﺔ:

ﺇﻟﺯﺍﻡ ﺍﻟﻤﺘﻬﻡ ﺒﻌﺩﻡ ﻤﺒﺎﺭﺤﺔ ﻤﺴﻜﻨﻪ ﺃﻭ ﻤﻭﻁﻨﻪ.

ﺇﻟﺯﺍﻡ ﺍﻟﻤﺘﻬﻡ ﺒﺄﻥ ﻴﻘﺩﻡ ﻨﻔﺴﻪ ﻟﻤﻘﺭ ﺍﻟﺸﺭﻁﺔ ﻓﻰ ﺃﻭﻗﺎﺕ محددة.

حظر ارتياد المتهم أماكن محددة.

فإذا خالف المتهم الالتزامات التي يفرضها التدبير جاز حبسه احتياطيًا، ويسري في شأن مدة التدبير أو مدها والحد الأقصى لها واستئنافها ذات القواعد المقررة بالنسبة إلى الحبس الاحتياطي.

واتبعت جهات التحقيق الحلول البديلة في أكثر من حالة خلال الفترة الأخيرة، أبرزهم الأكاديمي حازم حسني،

 الذي ظل رهن الحبس الاحتياطى على ذمة تحقيقات القضية 488، حتى أصدرت غرفة المشورة بمحكمة جنايات جنوب القاهرة قرارها فى 31 أكتوبر 2020 باستبدال حبسه الاحتياطى بتدابير احترازية بعدم مبارحة مسكنه.

توصيات لإنهاء أزمة الحبس الاحتياطي

وضعت الورقة البحثية عددًا من التوصيات من شأنها المساهمة في حل هذه الأزمة الممتدة،

 في مقدمتها بكل تأكيد وقف الحبس الاحتياطي المطول الذي تلجأ إليه النيابة العامة والمحاكم والالتزام بالتعديلات الواردة بموجب القانون 143 لسنة 2006،

 اقتصار حق استخدام الحبس الاحتياطي من قبل النيابة العامة على درجة معينة من أعضائها، وإلزام النيابة العامة أو المحاكم بتسبيب أوامرها القضائية بالحبس الاحتياطي.

كما رأت ضرورة.إعادة النظر في المنظومة القانونية بشكل عام، خاصة في نصوص المواد العقابية ذات العلاقة بممارسة حرية الرأي والتعبير بشكل عام، وعلى وسائل التواصل الاجتماعي بشكل خاص.

توصي كذلك بالفصل بين سلطتي الاتهام والتحقيق اللتين تتمتع بهما النيابة العامة بأعمال نظام قاضي التحقيق بشكل دائم، 

ومعالجة القصور في قانون الإجراءات الجنائية وتحديثه، وإيجاد طرق عقابية لبعض الجرائم المالية غير الحبس مما يخفف الحمل عن السجون وإعادة ترتيب الأوضاع داخلها.

ورقة "دام" اقترحت تكوين لجنة قضائية تقوم بإصدار قرارات الإفراج تباعًا وعلى دفعات بما يتناسب،

 وتصنيف المحبوسين احتياطيًا على أن تشمل من هم على خلفيات سياسية وجنائية، وهو ما يحل جزءًا كبيرًا من أزمة تكدس السجون.

ومن بين التوصيات التي خرجت بها الورقة البحثية وقف ظاهرة التضارب بين قرارات القضاء في شأن الحبس الاحتياطي بدون حد أقصى،

 وهو ما يستلزم أن تفسر المحكمة الدستورية العليا التضارب الظاهري بين المادة 380،

 والمادة 143 من قانون الإجراءات الجنائية والتي تضع والتي وضعت حدًا أقصى لمدد الحبس الاحتياطي.حيث يتبنى عدد من المحاكم المادة 380 في إعطائهم الحق في الحبس الاحتياطي دون الالتزام بحد أقصى.

التعليقات (0)