غيورا آيلاند يكتب: إسرائيل تنازلت عن الرسالة الدولية الأهم في لبنان

profile
  • clock 30 نوفمبر 2024, 3:09:33 م
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

يمكن الإشارة إلى حدثين هذا الأسبوع: الاتفاق مع لبنان ومرور عام على اتفاق تبادُل الأسرى الوحيد حتى الآن في غزة. يجري أمر مشابه على جبهتَي لبنان وغزة - نجاح عسكري من جهة، ومن جهة أُخرى، عدم القدرة على ترجمة هذا النجاح إلى إنجاز استراتيجي. سبب الفشل واحد: التبني التلقائي للنهج الذي يؤمن بأن القوة العسكرية وحدها هي ما سيؤدي إلى تحقيق أهداف القتال.

في لبنان، ينعكس النهج الخاطئ هذا في خطوتين كان علينا القيام بهما. الخطوة الأولى تتطرق إلى السؤال البسيط - مَن هو العدو ؟ مثلما حدث في سنة 2006، أقرّ الكابينيت، ومن دون نقاش وبحث، أن العدو الذي نقاتل ضده هو حزب الله.

إنه خطأ كبير، فالعدو هو دولة لبنان المعرّف بأنه دولة عدوة، وفي اللحظة التي جرى إطلاق النار منها على إسرائيل، كان يجب أن يُترجم ذلك إلى إعلان حرب إسرائيلية عليها. 

كان يمكن أن تتضمن ترجمة هذا الإعلان حصاراً بحرياً ومنع حركة الطيران في مطار بيروت وضرب أهداف لها أكثر من استعمال، كالجسور المؤدية إلى الليطاني، وضربات سايبر على بنى تحتية قومية، وغيرها. كان يمكن أن يُترجم ضغط كهذا على دولة لبنان إلى ضغط كبير على حزب الله.

ويجب أن نتذكر أن حزب الله ليس "داعش"، ولا "القاعدة". إنه تنظيم لبناني، ومقاتلوه وقياداته مواطنون لبنانيون، أيضاً هو حزب شريك في الحكومة، والأهم من ذلك أن عمله يرتبط بالشرعية الداخلية اللبنانية إلى حد بعيد جداً. إن التنازل عن أداة الضغط هذه لا يُغتفر.

الخطأ الثاني هو تنازُل إسرائيل عن الرسالة الدولية الأهم، وهي أن إيران اخترعت نوعاً جديداً من الكولونيالية. فهي ليست بحاجة إلى احتلال دول للسيطرة عليها، بل يكفي أن تقيم ميليشيات داعمة لها في دولة قريبة، ثم تعمل على تقوية هذه الميليشيات، عسكرياً، من أجل الوصول إلى سيطرة فعلية على الدولة. هذا ما تفعله إيران في لبنان والعراق واليمن، وما تحاول القيام به في سورية، وتحاول تصدير الطريقة نفسها إلى الأردن.

طريقة العمل الإيرانية هذه تتعارض بشكل حاد مع النظام الدولي الذي أقيم قبل 79 عاماً، ويستند إلى مبدأ ناظم واحد، وبحسبه، فإن الدول القومية تتحمل المسؤولية الكاملة عن كل ما يحدث على أراضيها. وما دام هذا المبدأ لا يزال قائماً، يمكن توقيع اتفاقيات دولية ومعاهدات وقواعد تسمح بالاستقرار والازدهار. إيران تعمل ضد هذا المبدأ، والنتيجة هي تفكُّك الدول داخلياً، وخلق حالة انعدام استقرار منتشرة.

كان يجب على وزير الخارجية الإسرائيلي - إذا كان لدينا شخص كهذا خلال العام الماضي- التوجه إلى عشرات الدول، ليشرح لها أن تفكيك حزب الله كتنظيم عسكري، لا يشكل فقط مصلحة إسرائيلية، ولا حتى مصلحة لبنانية فقط، بل إن خطوة كهذه هي الأمر الأكثر صواباً، إذا كنا نريد وقف انتشار الهيمنة الإيرانية الهدامة. كانت الفرصة متاحة للقيام بذلك خلال الأشهر الماضية، فإسرائيل تحملت عبء العمل وحدها. وجهت إسرائيل ضربات قوية إلى قدرات حزب الله العسكرية، واغتالت قياداته، وأيضاً أثبتت ما هو أكثر من ذلك، أنه يمكن ضرب إيران أيضاً، من دون أن يكون لديها القدرة على مساعدة أذرعها - "حماس" والحوثيون وحزب الله.

لذلك، هذه كانت فرصة لخطوة دولية تعيد النظام الدولي إلى مكانه. وبكلمات أُخرى - التصميم على تطبيق قرار الأمم المتحدة الرقم 1559. لم يكن هناك في إسرائيل مَن قام بتسويق هذا الشرح المهم، لأن كل شيء لدينا يعتمد فقط على الخطوات العسكرية.

المسار الجاري في غزة ليس مختلفاً. فما زالوا معتمدين على شعار "فقط الضغط العسكري سيقود إلى..."، لقد أهملنا الرواية الصحيحة كلياً، وهي أن دولة غزة (فعلاً، تحولت غزة، بحكم الواقع، إلى دولة في سنة 2007) شنّت حرباً يوم 7 تشرين الأول/أكتوبر ضد إسرائيل.

لنفترض أن الأردن شنّ حرباً على إسرائيل بشكل مفاجئ، وقتل 1200 شخصاً، وخطف 250، هم في أغلبيتهم، من المدنيين. أرجّح أن تكون الخطوة الأولى التي ستقوم بها إسرائيل هي وقف تزويد الأردن بالماء والغاز، فالدولة الطبيعية لا تزود عدوها بالطاقة. أعتقد أن "الأرواح الطيبة" كانت ستصرخ بأنه لا يوجد ماء لدى الناس في الأردن، وهم يموتون في المستشفيات في عمّان بسبب النقص في الطاقة. طبعاً، سيكون الجواب الإسرائيلي: يمكن أن نوفر هذه المعاناة كلها إذا استسلم الأردن، أو على الأقل، إذا أعاد جميع المخطوفين من دون قيد أو شرط.

هذا بالضبط ما كان يجب أن يحدث في اليوم الأول ضد دولة غزة. في الحقيقة، إن غباءنا دفعنا إلى قبول الرواية الأمريكية بأن "حماس" هي مجموعة من "الإرهابيين"، وليست الحكومة في غزة، هو ما دفعنا إلى الوضع الذي نعيشه اليوم. عام كامل ونحن نتذلل لتحرير المخطوفين، في الوقت الذي مات نصفهم.

القوة العسكرية الإسرائيلية مذهلة، وهذا ما ثبت في غزة ولبنان وسورية، وأيضاً في إيران. وعلى الرغم من ذلك، فإننا نفشل استراتيجياً، المرة تلو الأُخرى.

* غيورا آيلاند هو لواء صهيوني متقاعد ورئيس سابق لمجلس الأمن القومي الصهيوني، وبعد تقاعده من القطاع العام، كان باحثًا مشاركًا أول في معهد دراسات الأمن القومي، وواضع "خطة الجنرالات".


هام : هذا المقال يعبر فقط عن رأي الكاتب ولا يعبر عن رأي فريق التحرير
المصادر

قناة N12

التعليقات (0)