الداعية خالد سعد يكتب: "قادة يُستشهدون.. وجهاد لا ينكسر"

profile
خالد سعد داعية إسلامي مصري
  • clock 1 فبراير 2025, 7:49:00 م
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

حين تسيل دماء القادة.. تكتب الأمة تاريخها من جديد ففي زمنٍ تكثر فيه التساؤلات، وتتسارع الأحداث، وتحتدم المواجهة بين أهل الحق وأعداء الأمة، تبرز قضية تأخير حركة المقاومة الإسلامية (حماس) في إعلان استشهاد قادتها من الصف الأول، وعلى رأسهم محمد الضيف وإخوانه، كحدثٍ له دلالاته العميقة ورسائله الممتدة في ساحات الجهاد والسياسة والعقيدة.


فلماذا لم تعلن الحركة فورًا عن استشهاد هؤلاء القادة؟ ولماذا اختارت هذا التوقيت بالذات؟ هل هو مجرد تكتيك عسكري أم أن الأمر أعمق وأشمل؟ هذه الأسئلة ليست مجرد استفسارات عابرة، بل هي محاولة لفهم استراتيجية مقاومةٍ تقوم على الصبر، والمباغتة، واستمرار المسيرة رغم المحن والشدائد، مستلهمةً من دماء الشهداء طاقةً لا تُهزم، وعزيمةً لا تنكسر.


الدماء التي لا تجف.. كيف تصنع الشهادة نصرًا لا يتوقف؟

 

إن دماء الشهداء ليست مجرد دماء تُراق، بل هي نورٌ يُضيء الدرب، وسراجٌ يُلهم الأجيال، وكلماتٌ غير مكتوبة تسطر أعظم الرسائل في ميادين الجهاد والتضحية.

 

فما قيمة الحياة إن لم تكن في سبيل الله؟ وما معنى البقاء إن لم يكن في نصرة دينه؟ إن الشهداء حين يرتقون، لا ينتهي أثرهم، بل تبدأ مسيرتهم الحقيقية في ضمير الأمة، حيث تتحول ذكراهم إلى وقودٍ يُشعل جذوة المقاومة، ويدفع الركب إلى المضي قدمًا حتى تحقيق النصر والتمكين.

 

لقد كانت سُنة الله في عباده المجاهدين أن يكون الاستشهاد جزءًا من مسيرتهم، فقد قُتل حمزة، وسعد، وخالد، وعشرات القادة العظام عبر التاريخ، لكن لم تمت الدعوة، ولم يضعف الجهاد، بل كانت كل شهادة سببًا في إشعال فتيل جديد للقتال في سبيل الله.

 

وها هي دماء القادة في فلسطين، تصرخ في وجه العدو، وتقول له: إن ظننتم أن قتل القادة يُنهي الجهاد، فأنتم لا تعرفون معنى الإيمان بالله ولا سر العبودية له!



حكمة التأخير: حين يصبح الصمت أبلغ من الكلام

 

قد يتساءل البعض: لماذا تأخرت حركة حماس في إعلان استشهاد قادتها؟ هل كان الأمر مرتبطًا باعتبارات عسكرية أم أن هناك رسائل أعمق من مجرد التكتيك؟

إن تأخير الإعلان لم يكن عبثًا، بل كان قرارًا مبنيًا على عدة اعتبارات عسكرية وأمنية ونفسية، تتجلى في عدة نقاط:

1. إرباك العدو وتحدي استخباراته

حين يظن العدو أنه باغت القادة واستطاع إيقاعهم، ينتظر فورًا تأكيدًا رسميًا ليطمئن أن مخططه قد نجح. لكن حين تتأخر حماس في الإعلان، فإن هذا يخلق لدى العدو حالة من الشك والارتباك، فيتساءل:

هل نجحنا حقًا؟

من يدير المعركة الآن؟

هل نخطط لضربة جديدة أم أننا وقعنا في فخ التضليل؟


هذا التشويش على العدو يمنحه إحساسًا بالفشل، ويجعله يعيش في هاجس الرعب والمجهول، وهو جزء من الحرب النفسية التي أتقنتها المقاومة على مدار سنوات.


2. استمرارية القيادة والتأكيد على أن حماس ليست أفرادًا

حين يسقط القائد، تنبت ألف قيادة جديدة من دمائه، وهذا هو جوهر الحركات الجهادية الصادقة. فحماس، كما غيرها من فصائل المقاومة، ليست قائمة على أشخاص بحد ذاتهم، بل على عقيدة ومنهج، مما يجعل استشهاد القادة محطة تعزيز لا محطة انكسار.

وهذا التأخير في الإعلان يوجه رسالة للعدو: "نحن مستعدون، القيادة جاهزة، والدماء لا تزيدنا إلا صمودًا وثباتًا."

3. كشف العملاء والجواسيس

توقيت إعلان الشهادة ليس قرارًا عشوائيًا، بل يرتبط أحيانًا بعملية اصطياد الجواسيس والمتعاونين. فمن خلال مراقبة تحركات العدو وردود فعله، يمكن للمقاومة كشف الاختراقات الأمنية، وتحديد من نقل المعلومات عن القادة.

4. رفع الروح المعنوية للصف الداخلي


حين يعلم العدو أن القادة استُشهدوا، يظن أن الروح المعنوية داخل المقاومة ستنهار، لكن حين يُعلن عن الشهادة بعد فترة، يكون الصف قد استعد معنويًا ونفسيًا لاستقبال الخبر، مما يجعله أكثر تماسكًا وأشد إيمانًا باستمرارية الطريق.



الرسائل السياسية: حين تتحول الشهادة إلى موقف

 

1. تفنيد أكاذيب العدو: دائمًا ما يحاول الإعلام الصهيوني تصوير قادة المقاومة على أنهم مختبئون بعيدًا عن ساحات المواجهة، لكن حين يُعلن عن استشهادهم، يسقط هذا الزيف، وتُثبت المقاومة أن قادتها في الميدان، جنبًا إلى جنب مع جنودهم.

2. تأكيد الثوابت وعدم المساومة: تأخير الإعلان يُرسل رسالة واضحة لكل من يظن أن المقاومة قد تضعف أو تهادن، بأن طريق الجهاد مستمر، وأن فلسطين ستبقى القضية الأولى للأمة.

3. توحيد الصف الإسلامي والفلسطيني: دماء القادة لا تفرق، بل تجمع، ولا تشتت، بل توحّد، وهذا ما يجعل هذه الشهادات وقودًا لحالة من التكاتف الداخلي بين الفصائل الفلسطينية والإسلامية.
 


الختام: القادة يموتون.. لكن المقاومة لا تموت!

 

إن استشهاد القادة ليس حدثًا عابرًا، بل هو جزء من الطريق الطويل نحو التحرير، وهو رسالة لكل من يحمل في قلبه حب الجهاد في سبيل الله، أن الطريق لا يُعبد إلا بالدماء، وأن الأرض لا تعود إلا بالتضحيات.

فيا أمة الإسلام!

لا تحزنوا على من قضوا في سبيل الله، فهم أحياء عند ربهم يرزقون.

لا تيأسوا، فالنصر قادم، وإن طال الزمان.

لا تركنوا إلى الدنيا، فإنها زائلة، ولا يبقى إلا ما كان لله خالصًا.


"وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ" (الشعراء: 227).

فاللهم تقبل شهداءنا في عليين، واكتب لنا شرف الجهاد في سبيلك حتى نلقاك شهداء في ساحات العزة والكرامة.

التعليقات (0)