شهيدة الكاميرا والكلمة

«إذا متُّ.. أريد موتًا صاخبًا»: الاحتلال يقتل الصحفية فاطمة حسونة في غزة

profile
  • clock 18 أبريل 2025, 4:33:50 م
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01
الشهيدة الصحفية فاطمة حسونة التي قتلها الاحتلال

لم تكن فاطمة حسونة، المصورة الصحفية الشابة من غزة، تجهل أن الموت يحوم حولها، فهي عاشت 18 شهرًا توثّق الحرب بكل تفاصيلها: القصف، الدمار، النزوح، واستشهاد أفراد عائلتها. ومع كل هذا الألم، كان طلبها الوحيد بسيطًا، لكنه مزلزل: "إذا متُّ، أريد موتًا صاخبًا، لا أريد أن أكون مجرد خبر عاجل، أو رقم في قائمة طويلة، بل موت يسمعه العالم، وأثر لا يُمحى، وصورة خالدة لا يدفنها الزمن أو المكان".

لكن الاحتلال الإسرائيلي أصرّ على إسكات صوتها وعدستها إلى الأبد. ففي يوم الأربعاء، وقبيل أيام من زفافها، استهدفت طائرات الاحتلال منزلها في شمال غزة، لتُقتل فاطمة حسونة، ذات الـ25 ربيعًا، مع عشرة من أفراد عائلتها، من بينهم أختها الحامل.

تبريرات الاحتلال.. والمجزرة

وكعادته، زعم جيش الاحتلال أن الغارة استهدفت "عضوًا في حركة حماس متورطًا في هجمات ضد جنود ومدنيين إسرائيليين". لكن الحقيقة الجلية على الأرض أن بيتًا كاملًا دُمر على رؤوس ساكنيه، وأن فاطمة، الصحفية التي كانت تحمل الكاميرا لا السلاح، كانت من بين الضحايا.

عدسة لا تموت

قبل 24 ساعة فقط من استشهادها، أُعلن عن اختيار فيلم وثائقي يتناول حياة فاطمة في غزة ليُعرض في مهرجان فرنسي مستقل يُقام بالتوازي مع مهرجان كان السينمائي. الفيلم الذي يحمل عنوان "ضع روحك في يدك وامشِ"، أخرجته المخرجة الإيرانية المقيمة في فرنسا، سبيده فارسي، ويعتمد على حوارات مصورة بينها وبين فاطمة.

 

قالت فارسي: "كانت فاطمة عيناي في غزة... متقدة بالحياة، صوّرتُ ضحكاتها، دموعها، آمالها، واكتئابها. كانت نورًا، موهوبة إلى حد بعيد. لقد تحدثت معها قبل ساعات فقط لأخبرها بعرض الفيلم في كان، ودعوتها للحضور".

وأضافت المخرجة: "كنت أخشى على حياتها، لكني شعرت أنه ليس من حقي أن أخاف، إن لم تكن هي خائفة. تمسّكت بقوتها، بإيمانها الذي لا يتزعزع".

وتخشى فارسي أن تكون فاطمة قد قُتلت عمدًا بسبب عملها الصحفي المعروف، ومشاركتها مؤخرًا في الفيلم الوثائقي، في وقت باتت فيه غزة "المقبرة الأولى للصحفيين" في العصر الحديث، حيث قُتل أكثر من 170 صحفيًا منذ بدء الحرب عام 2023، وتقول بعض التقديرات إن العدد تجاوز 206.

دماء الشهداء في عنق الاحتلال

منذ بدء العدوان الإسرائيلي على غزة في 7 أكتوبر 2023، استشهد أكثر من 51,000 فلسطيني، أكثر من نصفهم من النساء والأطفال، بحسب وزارة الصحة في غزة. ومنذ انهيار الهدنة على يد الاحتلال الغادر في مارس 2025، عادت طائرات الاحتلال لتصبّ حممها على القطاع، وكان يوم الجمعة وحده شاهدًا على مذبحة جديدة راح ضحيتها 30 شهيدًا.

زملاء فاطمة في غزة عبّروا عن حزنهم وغضبهم. قال أنس الشريف، مراسل الجزيرة: "وثّقت فاطمة المجازر بعدستها، وسط القصف والنار، كانت تلتقط آلام الناس وصراخهم في صورها".

 

أما الصحفي المقداد جميل فدعا الناس إلى "رؤية صورها، وقراءة كلماتها، والشهادة على حياة غزة، ونضال أطفالها، من خلال عدستها".

العالم ينعي.. بصوت خافت

أصدر مهرجان "كان آسيد" الفرنسي بيانًا نعى فيه فاطمة، وقال: "شاهدنا فيلمًا يُجسّد قوة هذه الشابة التي بدت حياتها معجزة. ابتسامتها كانت ساحرة، تمامًا كعنادها. كانت توثق، تصوّر، توزع الطعام رغم القنابل، وتعيش الحزن والجوع. كنا نخشاها، لكننا كنا نحب رؤيتها على قيد الحياة".

الشمس الأخيرة

قبل استشهادها، طلبت فاطمة من الشاعر الفلسطيني حيدر الغزالي أن يكتب لها قصيدة بعد موتها. فكتب لها هذه الكلمات المفعمة بالأمل، كأنها وداع أخير لعالم قاسٍ، واستقبال في عالم أكثر رحمة:

شمس اليوم
لن تكون مؤذية
الزرعُ في الأحواض
سيرتب نفسه لزيارة لطيفة
ستكونُ ساطعة إلى ذلك الحد الذي يعين الأمهات
على تنشيف غسيلهن بسرعة
وباردةً حتى يلعب الأطفال طوال اليوم.
شمسُ اليوم 
لن تكونَ قاسيةً على أحد.
تعانق المدينة بدفء أمومةٍ لم تجربها
وتنفضُ حزنها بعزيمةِ عجوزٍ يزورها أولادها بعد انتظار.
وسيكونُ الكادرُ مناسباً من أعلى
كما تحبُ "فاطم" أن تلتقط صورها.

فاطمة.. خلدتك الصور

فاطمة حسونة رحلت، لكن صوتها وصورها باقية، شاهدة على جريمة أخرى يرتكبها الاحتلال، لا بحق مصورة صحفية فقط، بل بحق الحقيقة نفسها.

التعليقات (0)