- ℃ 11 تركيا
- 23 ديسمبر 2024
كيف تُعيد الجغرافيا تشكيل حروب المستقبل؟
كيف تُعيد الجغرافيا تشكيل حروب المستقبل؟
- 4 يناير 2022, 5:12:40 م
- 636
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
تمثل الحدود عبر العقود مصدر توتر أمني بالنسبة إلى العديد من دول العالم، خاصةً لما يرتبط بالحدود من معضلات أمنية مختلفة، مثل الهجرة غير الشرعية، والإرهاب، والصراع على الموارد، وغيرها من الأزمات الأخرى، وهو ما دفع الدول إلى تعزيز الاستثمار بدرجة كبيرة في أمن الحدود؛ وذلك في إطار ما يطلق عليها “الحدود الذكية”، وهي الحدود التي يتم فيها استخدام تقنيات المعلومات والاتصالات لتسهيل وتوسيع وتكثيف الضوابط الحدودية. وغالباً ما يشتمل عنصر تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في الحدود الذكية على قدرات وأنظمة القياسات الحيوية وتبادل المعلومات. وفي ضوء هذا، صدر عن كتاب “حروب الحدود الجديدة: الصراعات التي ستحدد مستقبلنا”، للكاتب “كلاوس دودز” أستاذ الجغرافيا السياسية في جامعة لندن. ويركز هذا الكتاب على إعادة طرح مسألة الحدود الدولية على نحو مختلف، بعيداً عن الحدود التقليدية المعروفة. ويتناول الكتاب مجموعة من المحاور، أهمها دوافع استثمار الدول في أمن الحدود، والأسباب الرئيسية للنزاعات الحدودية، وتأثير المناخ والطبيعة على تلك الصراعات، وتأثيرات الفيروسات والجوائح على الحدود، والفرص والقيود المرتبطة بالحدود الذكية، وأشكال النزاعات الحدودية المستقبلية المتوقعة.
دوافع مختلفة
أوضح الكتاب أن هناك العديد من الدوافع التي تشجع الدول على الاستثمار في أمن الحدود. ويمكن استعراض تلك الدوافع عبر ما يلي:
1- إمكانية تحقيق الدول أرباحاً طائلة: ثمة دافع اقتصادي يشجع على الاستثمار في أمن الحدود ومراقبتها؛ هو أن هذا المجال مربح للغاية، وسط تقديرات بأن تصل سوق أمن الحدود إلى ما لا يقل عن 168 مليار دولار بحلول عام 2025. وتركز التقنيات التي يتم بيعها لتعزيز أمن الحدود على تحليل البيانات بشكل أساسي، وتحسين قدرات وكالات أمن الحدود لكشف ومنع الحركة غير النظامية للأشخاص والبضائع. وتسعى الدول ذات الصناعات الأمنية الحدودية إلى تصدير تقنياتها الأمنية وقدرات المراقبة الرقمية. وتشير أغلب التوقعات إلى أن السوق العالمية للطائرات بدون طيار ستنمو بقدر كبير في الفترة المقبلة؛ إذ إنها سوق مربحة للغاية في المناطق الساخنة للهجرة، مثل أوروبا وأمريكا الشمالية، بالإضافة إلى المواقع الأخرى التي يوجد بها النزاعات الحدودية.
2- التوظيف السياسي لمسألة أمن الحدود: لا يتهاون القادة السياسيون عندما يتعلق الأمر بأمن الحدود الجغرافية وانعكاساته السياسية على الدول؛ فأمن الحدود جزء لا يتجزأ من الحملات السياسية في جميع أنحاء العالم. ويقدم القادة باستمرار وعوداً لمواطنيهم بأنهم سيتعاملون بحدة مع الأسباب التي تؤدي إلى انعدام الأمن على الحدود. ويفسر هذا الأمر الصور المروعة للمهاجرين على حدود الدول، على غرار صورة الطفل السوري الغريق إيلان الكردي في عام 2015، الذي أثارت حالته ردود فعل عنيفة ضد سياسات الهجرة في الاتحاد الأوروبي.
3- تعزيز الوعي القومي والهوية الوطنية: يمثل أمن الحدود إحدى القضايا الرئيسية المرتبطة بالوعي والحفاظ على الهوية الوطنية، ولا تتهاون الدول والشعوب عند المساس بالخرائط الخاصة بحدودها الجغرافية، وتقوم بتصميم الخرائط الجغرافية لدعم الهوية الوطنية وتأكيد عدم انتهاكها. وعلى سبيل المثال، صممت وزارة الخارجية في طوكيو، في عام 2016، خريطة توضح “شكل اليابان”. وتكشف الخريطة أن اليابان تضم جزر سينكاكو المتنازع عليها مع الصين في بحر الصين الشرقي. وتهدف الخريطة إلى طمأنة الجمهور الياباني بأن هذه الجزر تعتبر يابانية، كما أنها تُذكِّر المواطنين بأن وحدة أراضي البلاد تعتمد على الاستثمار في القوات البحرية والعسكرية القادرة على ردع ثلاث دول نووية؛ هي: الصين وروسيا وكوريا الشمالية.
أسباب النزاعات الحدودية
استعرض الكتاب جملة من الأسباب رأى أنها تقدم تفسيرات للنزاعات التي تندلع بين الدول بشأن الحدود. وتتضح تلك الأسباب من خلال ما يلي:
1- التقسيم الاستعماري للحدود الدولية: يعتبر التقسيم الاستعماري للحدود أحد الأسباب الرئيسية للنزاعات التي تقع بين الدول بشأنها. وعلى سبيل المثال، لا تزال الحدود المقسمة تشكل مصدر توتر بين الهند وباكستان. ويعتبر تقسيم الهند البريطانية في أغسطس 1947 من أكثر التقسيمات تعبيراً عن نزاع الحدود. كما أن خلافات إسرائيل على الحدود مع جيرانها يعبر عن هذا الأمر بشكل جلي؛ حيث لا تزال إسرائيل عالقة في نزاع مع لبنان حول الحدود البحرية المشتركة بينهما. كما تستخدم الطائرات الإسرائيلية على طول حدود غزة، مبيدات الآفات لتدمير الأراضي الزراعية والغطاء النباتي؛ للتأكد من أن “الشريط الحدودي” واضح قدر الإمكان.
2- عوامل ديموغرافية محفزة على النزاع: يرتبط بذلك عدة أسباب؛ يأتي على رأسها غياب التجانس العرقي داخل الدول؛ إذ تعترف الدول في بعض الأحيان بحدود تحت الإكراه، لكن الناس والمجتمعات على جانبي تلك الحدود يدفعون الثمن. كذلك فإن هناك عواقب للهجرة البشرية عبر الحدود. وكانت هناك معارك قانونية وسياسية في جميع أنحاء العالم ضد الذين يسعون إلى مساعدة المهاجرين. ومن جانب آخر، يرى الكاتب أنه مع ازدياد النمو السكاني، ستكون المدن بؤراً للصراع والتوتر، مع وجود زيادات هائلة في أعداد السكان، وهو الأمر الذي سيشكل -بالتبعية- ضغطاً على الحدود الدولية. ومن الواضح أن قواعد التعامل مع الموارد والمساحات المشتركة، مثل أعالي البحار في العالم، تم تطويرها في عصر مختلف تماماً عن العصر الذي نعيشه الآن فضلاً عن اختلافه عن المستقبل؛ إذ إن تعداد سكان العالم آخذ في الازدياد. وعلى سبيل المثال، تشير التقديرات إلى أن نحو ربع سكان العالم يواجهون الإجهاد المائي. ويعني هذا الأمر أن ما يقرب من ملياري شخص يقتربون من استهلاك إمدادات المياه المتاحة كل عام. كما تشير التقديرات إلى أنه بحلول عام 2050، فإن مستوى الإجهاد المائي سيطال 5 مليارات شخص على الكرة الأرضية.
3- التنافس على موارد الحدود الاقتصادية: قد تمثل الثروات الطبيعية على جانبي الحدود، أحد محفزات النزاعات؛ ففي الوقت الحاضر أصبحت الجبال والموارد التي تحتويها في شكل أنهار جليدية ومياه ذائبة؛ جزءاً لا يتجزأ من الأمن القومي؛ حيث يتم استخدامها لتعزيز إمدادات المياه وتوليد الطاقة الكهرومائية، وهو أمر حيوي للعديد من البلدان التي تحتوي على سلاسل الجبال داخل أراضيها. كما أن التنقيب على النفط والغاز وصيد الأسماك والأنشطة الأخرى، مثل توليد الطاقة الكهرومائية في البحيرات المشتركة والبحار المتنازع عليها؛ أصبح مصدر توتر متزايد حول العالم. كذلك تتصاعد التوترات الحدودية مع سعي الدول إلى تأمين حقوقها المائية في مجالات مثل الزراعة وتوليد الطاقة الكهرومائية وشرب الماء. وأصبح بناء السدود في الأنهار أمراً مزعجاً للغاية للآخرين ولو تم ذلك بنية حسنة، فيما تسعى الدول، في كثير من الأحيان، إلى إنشاء آليات بناء الثقة للسيطرة المشتركة على الأنهار؛ فبينما تميل الجغرافيا الطبيعية إلى تأكيد التدفق والاتصال للنهر، فإن الجغرافيا السياسية تمنح دول المنبع امتيازات السيطرة والملكية.
وفي السياق ذاته، فقد أصبحت الأراضي غير المأهولة بالسكان في العالم تحت التهديد، وهي من “المشاعات العالمية” مثل محيطات العالم، والغلاف الجوي، والمناطق القطبية. وهناك حاجة ملحة للتوصل إلى اتفاق على أنظمة الحكم الخاصة بـ”المشاعات العالمية”، خاصةً أن غياب الاتفاق يعني تصاعد الصراعات المستقبلية بين الدول على تلك المشاعات. ويعد الصيد هو أكثر مجالات الاهتمام في تلك المناطق، كما أن هذه المناطق تظل ذات قيمة استراتيجية كبوابة إلى القطب الشمالي وطرق الشحن التي قد تزداد أهميتها في نهايات القرن الحادي والعشرين، إذا استمر الجليد البحري في التقلص كما يتوقع العلماء. وتشير التقديرات إلى أن الصيد في أعالي البحار سيتعرض لضغوط شديدة بحلول عام 2050.
سياقات محفزة
أكد الكتاب أن الظروف المناخية والطبيعية بجانب الفيروسات والجوائح العالمية، على غرار جائحة كورونا الحالية؛ يمكن أن تزيد من حدة الصراعات الحدودية بين الدول، وهو ما يمكن استعراضه عبر ما يلي:
1– تحديات ظاهرة الحدود المتحركة: تمثل الحدود المتحركة، نتيجة التغيرات المناخية، مصدر تهديد للعديد من البلدان. وعلى سبيل المثال، يمكن أن تنتهي البنية التحتية للمياه الحدودية التي تدمرها الانهيارات الطينية، وهو ما يمكن أن يؤثر بدوره على إمدادات المياه من مجتمعات المصب. وسوف يترتب على ذلك آثار عميقة في الوقت الذي يعتمد فيه نحو ملياري شخص بشكل مباشر على إمدادات المياه الجليدية حول العالم، كما يعتبر الجليد سلعة استراتيجية؛ إذ إن حصاد الجليد والنقل كان لقرون صناعة عالمية مربحة للغاية للموردين مثل النرويج. ولعب الجليد المُخزَّن دوراً حاسماً في الحفاظ على الطعام وإمدادات المياه، وكان أيضاً مصدر التبريد في أشهر الصيف الحارة.
2- أزمة ندرة المياه نتيجة الذوبان: تشير التقديرات إلى أن المليارات سيعيشون في مناطق من العالم معرضة لندرة المياه بحلول عام 2050، بسبب تأثير الاحتباس الحراري على ذوبان المياه في المناطق المرتفعة، فيما سيعتمد مليارات آخرون على إمدادات المياه المشتركة من الأنهار الجليدية، كما تعتمد عليها الحكومات بشكل جيد لتأمين مصادر المياه للمنازل والاستخدام الصناعي، وكذلك لإمكانات الطاقة والصحة العامة والنقل، والزراعة وصيد الأسماك. وقد أصبحت الدبلوماسية المائية ظاهرة سائدة في جميع أنحاء العالم. وعلى سبيل المثال، اجتمع ممثلون من باكستان والهند وأفغانستان في “مؤتمر ما وراء الحدود” في يناير 2020 لإجراء مناقشات عاجلة حول تقاسم المياه في المستقبل. ولاحظ المندوبون أن تغير المناخ، وتوليد الطاقة والتوسع الزراعي وزيادة السكان كانت تضع مزيداً من الضغوط على جميع الأطراف.
3- المياه الجوفية العابرة للحدود: هناك بعض المسطحات المائية التي لا يمكن رؤيتها، وهي طبقات المياه الجوفية التي يمكن أن تخلق توترات بين الدول. وتشير التقديرات إلى نحو ستمائة طبقة مياه جوفية عابرة للحدود حول العالم. وقد أدى رسم الخرائط تحت الأرض والتصور الجغرافي إلى زيادة الاهتمام بأماكن تدفقات وتخزين المياه. وعلى سبيل المثال، فإن لدى بعض الدول مثل فرنسا وسويسرا، خططاً لإدارة الخزان الجوفي لمدة قرن ونصف، كما توصلت الأردن والسعودية إلى اتفاقية في عام 2015 بشأن الإدارة المشتركة لطبقة المياه الجوفية العابرة للحدود، وهو اتفاق حول كمية المياه التي ينبغي استخراجها، والمراقبة المشتركة لمستويات المياه.
4- بروز معضلة “اللاجئ البيئي”: تشير التقديرات إلى أن نحو 40% من الأراضي الحضرية على مستوى العالم ستتعرض لفيضانات منتظمة، ومنها الساحل الجنوبي الشرقي للولايات المتحدة؛ وذلك بحلول عام 2030. ومن المتوقع تأثر نحو سبعين دولة بارتفاع مستوى سطح البحر. وتشكل الدول الجزرية المنخفضة والصغيرة أغلبية الدول المهددة. وسيحتاج العالم مستقبلاً إلى الاعتراف بنوع جديد من الأشخاص وهم “اللاجئون البيئيون”. وقد تكون الأقاليم أو المناطق التي ستتلاشى نتيجة ارتفاع سطح البحر، سبباً رئيسياً في المستقبل لتوليد الصراعات الحدودية؛ فعندما تختفي منطقة ما، فإنها ستتسبب في ظهور صراعات، مثل جزر مارشال التي يمكن أن تقع بسهولة ضحية لتنافس القوى العظمى، مثل الصين والولايات المتحدة، كما ستثار تساؤلات من قبيل: ما حق “العودة” للاجئ البيئي؟! وهل يمكن أن يُصر الطرف المستقبل على عودة مجتمع اللاجئين إلى أرضهم الأصلية إذا عادت الجزر التي غرقت للظهور مجدداً؟
5- تضرر إمدادات المياه المشتركة: شهد العالم تفشي عدد من الأوبئة، مثل إنفلونزا الخنازير في عام 2009، وإيبولا في عام 2014، وكوفيد 19 في عام 2020. ويُعتقد أن تغير المناخ هو أحد العوامل المسببة للأمراض والأوبئة في المستقبل. ومن المحتمل أن يؤدي الاحترار والبيئات الأكثر رطوبةً إلى ظهور جيل جديد من مسببات الأمراض والطفيليات، كما يمكن أن يؤدي تكاثر الطحالب إلى الإضرار بجودة المياه، وسيؤدي في جميع الاحتمالات إلى مزيد من الضغوط والإجهاد على إمدادات المياه المشتركة في جميع أنحاء العالم.
6- فرض تدابير حدودية متطرفة: تكشف جائحة كوفيد 19 بوضوح عن القيود المفروضة على الحدود الوطنية؛ حيث واجهت الحكومات الوطنية في جميع أنحاء العالم خيارات صعبة فيما يتعلق بإغلاق الحدود بالكامل أو فرض حظر صارم على السكان المحليين، وطبيعة التنسيق المفترض مع الدول الأخرى التي تضررت من الوباء. وبوجه عام، شهد العالم إجراءات حدودية متطرفة، مع تقييد السفر خارج المحيط المباشر. ويعد تشديد الرقابة على الحدود والأمن وقت تفشي الجائحة، تدبيراً مفهوماً للصحة العامة، لكن له عواقب أوسع نطاقاً تطال الذين حوصروا بسبب القيود والإغلاق على الحدود.
7- ارتفاع نبرة النزعات القومية: تؤدي الأوبئة والجوائح إلى بروز القومية الحدودية؛ فعندما تُغلق الحدود، تزداد نزعات القومية والشعبوية. وعلى سبيل المثال، أعطى تفشي الأمراض في أستراليا في أوائل القرن التاسع عشر زخماً إضافياً للتعبير عن القومية البيضاء؛ حيث تم إلقاء اللوم على المهاجرين الصينيين لنقلهم العدوى. وتلا ذلك دعوات لتشديد القيود على الهجرة، كما واجه المهاجرون الصينيون التهديدات نفسها في عام 2020؛ حين عانوا من العنصرية والعنف في العديد من البلدان، واعتبرهم البعض بطريقة ما مسؤولين عن حدوث الوباء.
8- بروز أهمية الحدود الذكية: زادت أهمية الحدود الذكية، وتسارعت تقنيات التتبع والتعقب كتدابير الصحة العامة والرقابة الاجتماعية بعد ظهور جائحة كورونا؛ حيث لجأت السلطات الوطنية إلى مثل هذه التدخلات لضمان إمكانية تخفيف تدابير التباعد الاجتماعي والإغلاق. وعلى سبيل المثال، أصبحت تطبيقات هواتف التعقب والتتبع منتشرة على نطاق واسع في المملكة المتحدة.
أمن الحدود الذكية
نوه الكتاب بأن الحدود الذكية “Smart Borders” تقدم فرصاً عديدة للدول لتعزيز أمن حدودها، لكنه لفت إلى أن ثمة قيوداً تحد من تلك الفرص. ويمكن استعراض ذلك عبر ما يلي:
1- استفادة كبيرة من الحدود الذكية
أ- تعزيز قدرات مواجهة الإرهاب: كثفت دول العالم استثماراتها في الآونة الأخيرة لتعزيز قدراتها في مجال مكافحة الإرهاب؛ حيث استخدمت الدول تقنيات حديثة لضبط حدودها، واهتمت بتحليل “البيانات الضخمة” المتعلقة بالحدود. وتعتمد تقنيات تحليل “البيانات الضخمة” بصورة أساسية على البنى التحتية الداعمة لتكنولوجيا المعلومات.
ب- معالجة أفضل لأزمات الهجرة: استثمرت الدول والمنظمات الإقليمية، مثل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، في المجالات المرتبطة بالحدود الذكية؛ بسبب الالتزامات بمعالجة أزمات الهجرة، والسعي إلى ضبط الحدود الجنوبية للولايات المتحدة أو حدود الاتحاد الأوروبي مع جيرانه.
ج- تسهيل مهام حراسة الحدود: تعتبر الحدود الإلكترونية أكثر اتساعاً بكثير من الحدود البرية أو البحرية التقليدية. فيمكن أن تتبع الحدود الذكية شيئاً أو شخصاً مهماً على بعد أميال عديدة من أي خط حدودي رسمي. ومن شأن الحدود الذكية القضاء على العمل الشاق لوكالات أمن الحدود.
2- عيوب متعددة للحدود الذكية
أ- العجز عن منع صراعات الحدود: على الرغم من المزايا العديدة لتقنيات الحدود الذكية، فإنها لا تجعل الصراع الحدودي أو الهجمات المباشرة من قبل الأعداء أقل احتمالاً؛ ففي عصر الهجمات الإلكترونية والأخبار المزيفة وهجمات الطائرات بدون طيار، يمكن لأطراف ثالثة، بما في ذلك الإرهابيون، ضرب أي مكان في العالم. وعلى سبيل المثال، تسبب هجوم بطائرة بدون طيار في إحداث دمار لمنشأة أرامكو السعودية في سبتمبر 2019.
ب- خطر بروز تحليلات كاذبة: يعتبر تحليل البيانات عبر تقنيات الحدود الذكية أمراً محفوفاً بالتحديات، بما في ذلك خطر الإيجابيات الكاذبة. وعلى سبيل المثال، قد يؤدي إدخال بيانات غير صحيحة إلى ظهور تحليلات غير دقيقة، وبالتبعية اتخاذ قرارات خاطئة.
ج- احتمالية اختراق البيانات: يظل خطر اختراق البيانات من أهم مثالب الحدود الذكية؛ إذ إن الحدود الذكية تعتمد على البيانات الضخمة والحيوية، مثل جمع معلومات بصمات الأصابع وشبكية العين من قبل وكالات أمن الحدود في جميع أنحاء العالم. وعلى سبيل المثال، تم الإبلاغ في يونيو 2019 عن انتهاك قاعدة بيانات هيئة الجمارك وحماية الحدود بالولايات المتحدة.
مستقبل النزاعات الحدودية
رأى الكتاب أن العقود القادمة ستشهد أنواعاً عديدة من الحروب على الحدود. ويمكن استعراض أبرز تلك الحروب المتوقعة عبر ما يلي:
1- حروب المهاجرين والمجتمعات الحدودية: جادلت الكاتبة المكسيكية جلوريا أنزالدوا بأن الحدود رُسمت لتحديد الأماكن الآمنة وغير الآمنة بالنسبة إلى واضعيها والتمييز بين البشر. وعلى الرغم من أن وكالات إنفاذ القانون تقوم بجهود كبيرة لمعالجة “الهجرة غير الشرعية” وحماية الحدود، فإن لغة أمن الحدود لا تُلقي اهتماماً للذين يسعون إلى عبور الحدود أو المجتمعات الحدودية.
2- النزاعات الحدودية القائمة على الهوية: من المتوقع أن يشهد المستقبل نزاعات حدودية قائمة على الهوية. وعلى سبيل المثال، وجدت جمهوريات آسيا الوسطى، بعد انهيار الاتحاد السوفييتي في عام 1991، نفسها وسط مجموعة من النزاعات الحدودية التي لم يتم حلها مع جارتها الجديدة الصين. وبدون عباءة القوات المسلحة السوفييتية، اضطرت هذه الدول الصغيرة، في كثير من الأحيان، إلى التنازل عن الأراضي وأحياناً امتدت الامتيازات إلى آلاف الكيلومترات المربعة من الأرض والمياه. وعلى الرغم من أن تلك الدول تتعاون اقتصادياً بقوة مع الصين في الوقت الحالي، فإن ثمة احتمالية أن تتولد صراعات حدودية بين تلك الدول وبكين على أمل استعادة الهوية القديمة المفقودة.
3- اندلاع توترات على الحدود المتحركة: ستستمر الحدود المتحركة “الغامضة” في تحدي الخرائط الوطنية في المناطق الجبلية والمغطاة بالجليد في العالم، مثل جبال الهيمالايا وهندوكوش؛ حيث يوجد عدد كبير من الخلافات غير المحسومة بين الهند والصين وباكستان. وكان حادث المناوشات الحدودية بين الصين والهند في يونيو 2020 مدفوعاً جزئياً باتهامات بأن القوات الصينية قامت ببناء سد نهري في المنطقة المتنازع عليها، ثم حطمت السد لإغراق منطقة سيطرت عليها القوات الهندية. ومن المتوقع أن تتسبب الحدود المتحركة بسهولة في إشعال حرب حدودية بين الدول.
4- تفجر نزاعات على المشاعات الدولية: على اعتبار أن الحدود بين الدول لم تعد في إطارها التقليدي المتمثل في حدود برية أو بحرية؛ حيث تتسع دائرة تلك الحدود في ضوء التنافس الدولي على ما تُعرف بـ”المشاعات الدولية”؛ فإن هذا الأمر قد يخلق نزاعات مستقبلية بين الدول.
المصادر:
“إنترريجونال للتحليلات الاستراتيجية”
Klaus Dodds, The New Border Wars: The Conflicts That Will Define Our Future, (New York: Diversion Books, September 28, 2021).