اللواء الدكتور سعد معن الموسوي يكتب: العشائرُ والدولة عهدُ الدم والوطن

profile
اللواء الدكتور سعد معن المستشار الأمني لوزير الداخلية العراقي
  • clock 11 فبراير 2025, 3:01:07 م
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

رؤية حول كلمة السيد رئيس الوزراء في مؤتمر العشائر الذي أقامته وزارة الداخلية اليوم

في العراق، حيثُ تُعرف الأرضُ بأسماء القبائلِ قبل أن تُسجَّل في دفاتر الحكومات، وحيث الولاءُ متجذرٌ في الترابِ قبل أن يُوثَّق في السجلات، وقفَ  سيد رئيسُ مجلس الوزراء محمد شياع السوداني مخاطبًا شيوخَ عشائر العراق، لا بصفتهِ رجلَ دولةٍ ، بل كرجلٍ خرجَ من صُلبِ العشائر، نشأَ في بيئتها، وتشربَ مبادئها، واستوعبَ قيمها. لم يكن حديثهُ إملاءً، بل استنهاضًا لإرثٍ ممتدٍ في عمقِ التاريخ، لأنَّ العراقَ لم يُبنَ بقرارات الحكومات وحدها، بل بسواعدِ رجالٍ حملوا السلاحَ حين استدعت الكرامة، وألقوهُ حين اقتضت الحكمة.

العشائرُ والدولةُ ركنانِ لوطنٍ واحد، إن اختلَّ ميزانهما، اهتزَّ كلُّ شيء. لم يكن دورُ العشائرِ يومًا هامشيًا، فقد كان لها الحضورُ الأبرزُ في صمود العراق أمام الغزوات والمحن، واليوم يتجددُ هذا الدور، لكن المعركةَ لم تعد مع عدوٍّ ظاهرٍ، بل مع تحدياتٍ أكثر تعقيدًا، كالمخدرات، والجريمة المنظمة، والتجاوز على القانون. مسؤوليةُ العشائرِ في تحصين أبنائها أمام دعوات الفتنة ليست خيارًا، بل واجبٌ تاريخي، لأنَّ العراق لم يكن يومًا ساحةً للانقسام، بل أرضًا تجمعُ أبناءها تحت راية واحدة، رغم كل المحاولات التي سعت إلى تمزيق نسيجهِ الاجتماعي.

في هذا المؤتمر العشائري الكبير، لم يكن رئيسُ الوزراء يعرضُ وعودًا، بل كان يضعُ الحقائقَ أمام من يهمهُ الأمر. لقد انطلقت مشاريعُ التنمية، أُعيد تشغيلُ المصانع، واستعادت الأرضُ إنتاجها، واستقرَّ الأمن، ولم يكن ذلك بجهدِ الحكومة وحدها، بل بتعاونِ الرجالِ الذين يدركون أن بناءَ الوطن لا يكونُ بالخطب، بل بالأفعال. العشائرُ لم تكن يومًا على هامش المشهد، بل كانت وما زالت ركيزةً أساسيةً فيه، وإن تجاوزَ العراقُ محنًا كبرى، فذلك لأنَّ شيوخهُ وقفوا حيثُ يجب، وأدركوا أن الوطنَ مسؤوليةٌ لا مساومةَ عليها.

الأمنُ ليس ملفًا حكوميًا بحتًا، بل التزامٌ جماعي، وهويةٌ تُصانُ بالموقفِ العادل والمسؤولية، لا بالسلاح وحده. الدولةُ ليست نقيضًا للعشائر، بل امتدادٌ لها، وشراكةُ الاستقرارِ بينهما ليست مجرَّدَ ضرورةٍ مرحلية، بل واجبٌ تاريخي. رئيسُ مجلس الوزراء، ابنُ هذه الأرض، لا يطلبُ دعمًا شخصيًا، بل يذكّرُ بأن العراق لا ينهضُ إلا بسواعد أبنائه، وأن العشائرَ التي كانت حصنَهُ في الأزمات، قادرةٌ اليوم على أن تكونَ سندَهُ في البناء.

لا يُطلبُ منها اليوم رفعُ السلاح، بل اتخاذُ الموقف الصائب، لأن العراق يقفُ على مفترقِ طريقٍ بين ماضٍ يريدُ البعضُ إعادته، ومستقبلٍ تصنعهُ الدولةُ رغم كلِّ الإرث الثقيل. البرنامج الحكومي، الذي ارتكزَ على الجانبِ الخدمي، كان للعشائرِ فيهِ دورٌ جوهريٌّ، سواءٌ في دعمِ المشاريعِ التنموية، أو في حمايةِ استقرار المجتمع. لقد قطعَ العراقُ أشواطًا كبيرةً في الإصلاحات، وهذا المسارُ يحتاجُ إلى دعمٍ حقيقيٍّ من العشائر، التي كانت وما زالت صمَّام الأمان الاجتماعي.

التغييرُ لا يحدثُ بقراراتٍ رسميةٍ فقط، بل بمواقفٍ يتشاركُ فيها الجميع، وما حققتهُ الحكومةُ حتى الآن لم يكن خططًا مكتوبةً، بل خطواتٍ ملموسةً في التنميةِ والإعمار، تحتاجُ إلى حمايةٍ واستكمال. العراقُ ليس ساحةَ تجاذبات،  إنما  وطنٌ تُحفظُ كرامتُهُ حين يعي أهلُهُ مسؤوليتهم تجاهه، والعشائرُ التي كانت شريكًا في الدفاع عنه، هي اليوم شريكٌ في إعادة بنائه. هذا العهدُ لم ولن يتغير.

التعليقات (0)