خالد سعد يكتب: العلمانية في العالم العربي بين الواقع المرير والحل الإسلامي

profile
  • clock 6 مارس 2025, 6:27:44 م
  • eye 28
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01
العلمانية

في ظل التحولات العالمية المتسارعة، والتدخلات الغربية التي تُحكم قبضتها على مصير الشعوب، تتجلى قضية العلمانية في العالم العربي بوصفها أحد أكبر التحديات الفكرية والثقافية التي واجهتها الأمة الإسلامية في العصر الحديث. فالعلمانية ليست مجرد نظرية سياسية تُنادي بفصل الدين عن الدولة كما يدّعي مروّجوها، بل هي مشروع استعماري وُضع خصيصًا لضرب الهوية الإسلامية، وتفكيك قوة الأمة، وتجريدها من أصولها الفكرية والعقدية، لتصبح تابعًا ذليلًا في مسرح الهيمنة الغربية.

 

الغرب الذي يتشدّق بالديمقراطية وحقوق الإنسان لم يكن يومًا صادقًا في تطبيقها، وإنما جعل منها أداةً لخدمة مصالحه، فإذا اقتضت مصلحته أن يُنصّب طاغيةً عميلًا على شعب مسلم، فعل ذلك دون تردد، وإذا وجد في نشر الفوضى والدمار وسيلةً لاستمرار هيمنته، لم يتوانَ عن ذلك لحظة. ومن هنا، فإن العلمانية في بلادنا لم تكن يومًا اختيارًا شعبيًا، بل كانت مشروعًا مفروضًا بالحديد والنار، زرعه الاستعمار ورعاه العملاء، ليبقى سيفًا مسلطًا على رقاب المسلمين.

العلمانية صنم الغرب الذي أكله


في الوقت الذي يُعلن فيه الغرب حربه الصريحة على الإسلام، ويرسم وزير الخارجية الأمريكي الصليب على جبهته، ويُهدد الرئيس الأمريكي بالإبادة، نجد بيننا طابورًا طويلًا من المروجين لصنم العلمانية، وكأنهم لم يروا بأم أعينهم كيف تخلى الغرب عن هذا "الصنم" في لحظةٍ واحدة عندما تعارض مع مصالحه! فهل بقي لمن يُدافع عن العلمانية في بلادنا ذرة من العقل أو الكرامة؟

فعلى مدار العقود الماضية، كانت العلمانية أداةً لتفريغ الأمة الإسلامية من محتواها الحضاري والديني، فتم إقصاء الشريعة من الحكم، وتغييب القيم الإسلامية عن المجتمع، وتمييع العقيدة حتى لا يبقى منها إلا اسمها، بينما روحها الحقيقية أُجهضت واغتيلت بأيدي الطغاة والعملاء.

لكن المفارقة العجيبة أن هذا "الصنم" الذي فرضوه علينا، قد أكله الغرب نفسه حين وجد أنه لم يعد يُناسب مصالحه!

 

فعندما تتعارض الديمقراطية والعلمانية مع الأهداف الاستعمارية الغربية، يتم التخلي عنها فورًا، ليُستبدل بها الخطاب الديني المتطرف أو حتى الديكتاتورية الصريحة. والوقائع الحديثة خير شاهد على ذلك؛ فعلى سبيل المثال:

حينما صوّت الشعب الجزائري لصالح الإسلاميين في الانتخابات عام 1991، تدخل الغرب لدعم الانقلاب العسكري وإجهاض إرادة الشعب.

 

حينما فاز الإسلاميون في مصر بالانتخابات عام 2012، لم تتردد القوى الغربية في دعم الانقلاب وإعادة الحكم العسكري.

 

وحينما تتحدث الشعوب المسلمة عن تطبيق الشريعة، تُقابل بالعنف والتشويه الإعلامي، بينما يُشجَّع "التدين" في السياقات التي تخدم المصالح الغربية، كما نرى في دعم الجماعات الطائفية والمليشيات العميلة.


ومن هنا، يتضح أن العلمانية في العالم الإسلامي لم تكن يومًا خيارًا حرًا، وإنما كانت أداةً استعمارية لإضعاف المسلمين، وإبقاء الأمة في حالة من التبعية والضياع.

 

الغرب والازدواجية في التعامل مع الشعوب

 

إن الحديث عن الديمقراطية والعلمانية كقيمٍ إنسانيةٍ عالميةٍ ليس إلا كذبة كبرى، لأن الغرب لم يتعامل يومًا مع العالم بمعايير واحدة، بل ينظر إلى الشعوب وفق مبدأ "السيد والعبد".

ففي الوقت الذي تُشجع فيه القوى الغربية الشعوب الأوروبية على الاعتزاز بدينها وثقافتها وهويتها، نجدها تُحارب أي نزعة إسلامية في بلادنا، وتُجرّم كل دعوة للتمسك بالشريعة. بل وأكثر من ذلك، فإن الغرب الذي يُدين المقاومة الإسلامية ويُصنفها "إرهابًا"، هو نفسه الذي يُمجّد أي مقاومة في صفّه.

 

فمثلًا:


عندما قام جندي أوكراني بتفجير نفسه على جسرٍ لمنع تقدّم القوات الروسية، وصفت الصحف الغربية عمله بأنه "بطولي".

وعندما يدافع الفلسطيني عن أرضه ضد الاحتلال الصهيوني، يُوصف بأنه "إرهابي"!

إنها نفس الفعلة، ولكن لأن الفاعل مسلم، أصبح "إرهابيًا"، وإن كان غير ذلك، فهو "بطل قومي".

ومن هنا يتضح النفاق الغربي في التعامل مع الشعوب، حيث تُطبَّق معايير حقوق الإنسان بحريةٍ في الغرب، ولكن حين يتعلق الأمر بالمسلمين، تُكسر كل هذه القواعد، ويُفرض عليهم ما يُناسب الهيمنة الغربية.

الإسلام هو الحل لا خلاص للأمة إلا بالعودة إلى شريعتها

إن التجربة العلمانية في العالم الإسلامي لم تنتج إلا الفشل والانحطاط، فبعد عقود من تغريب المجتمعات الإسلامية، لم تجلب العلمانية سوى الديكتاتوريات، والتبعية، والانحلال الأخلاقي، وضياع الهوية.

وفي المقابل، يبقى الإسلام هو الحل الوحيد لإحياء الأمة، وبعث نهضتها من جديد. فالإسلام ليس مجرد طقوس وشعائر، وإنما هو نظام حياة متكامل، يُحرر الإنسان من العبودية للطواغيت، ويمنحه الكرامة والعزة والسيادة.

إن تطبيق الشريعة الإسلامية لا يعني الظلم والقهر كما يُروّج العلمانيون، بل يعني إقامة العدل، وحماية حقوق الناس، وتحرير الأمة من الاستعمار السياسي والفكري والاقتصادي. فكم من دولة علمانية فشلت في تحقيق أبسط مقومات العدالة لمواطنيها، بينما نجد في التاريخ الإسلامي دولًا وحضاراتٍ أبهرت العالم بعدلها ونزاهتها، حتى شهد بذلك المنصفون من غير المسلمين.

ومن هنا، فإن الخيار الوحيد أمام الأمة الإسلامية اليوم هو العودة الصادقة إلى دينها، واستعادة هويتها، والتخلص من التبعية الفكرية للغرب.

التحالف الشيطاني بين الصهيونية والصليبية والعلمانية العربية

ليس غريبًا أن نرى التحالف الوثيق بين الصهاينة والصليبيين والعلمانيين العرب، فجميعهم يُحاربون الإسلام، وكلٌّ منهم يُكمّل الآخر في تنفيذ المخططات الغربية للسيطرة على الأمة الإسلامية.

الصهاينة يُمارسون القتل والاحتلال باسم التوراة والتلمود، ويُحاولون تبرير جرائمهم بغطاءٍ دينيٍّ زائف.

الصليبيون الجدد، بقيادة أمريكا وأوروبا، يُحاربون الإسلام بشعارات الحرية والديمقراطية، لكنهم في الحقيقة لا يريدون إلا تدمير المسلمين واستعبادهم.

العلمانيون العرب، وهم أخطر هؤلاء جميعًا، يُمارسون دور العملاء والمبرّرين، فيروجون للعلمانية، ويُحاربون الشريعة، ويدعون إلى تمييع الدين، حتى تُصبح الأمة بلا هوية ولا قوة.
وهذا التحالف ليس جديدًا، بل هو امتدادٌ للمؤامرات التي تعرّضت لها الأمة الإسلامية عبر التاريخ، منذ الحملات الصليبية إلى الاحتلال الغربي الحديث، ومرورًا بزراعة الكيان الصهيوني في قلب الأمة.
آن للأمة أن تستفيق

إن ما تمر به الأمة الإسلامية اليوم من ضعفٍ وتشرذم، هو نتيجةٌ حتميةٌ للابتعاد عن الإسلام، والخضوع للمشاريع الغربية الهدّامة.

وآن الأوان لأن تُدرك الأمة أن العلمانية ليست حلًا، بل هي جزءٌ من المشكلة، وأن الإسلام وحده هو السبيل للخلاص.

على كل مسلم أن يُدرك أن عزّتنا في ديننا، وقوّتنا في شريعتنا، وأنه لا مجال للنهضة إلا بعودة صادقة إلى منهج الله. فالطريق واضح، والمسؤولية عظيمة، والواجب على كل فرد أن يُساهم في إعادة الأمة إلى مجدها.
"إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم" [محمد: 7].

التعليقات (0)