-
℃ 11 تركيا
-
23 فبراير 2025
محمد عزت علي الشريف يكتب: آخِرُ ما تركَ موسى مِن آثارِ العصا
محمد عزت علي الشريف يكتب: آخِرُ ما تركَ موسى مِن آثارِ العصا
-
22 فبراير 2025, 9:34:01 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
محمد عزت علي الشريف يكتب: آخِرُ ما تركَ موسى مِن آثارِ العصا
ثلاثةُ صبيةٍ ارتقَوا ظَهر أبي الهول؛ يلعبون بطائرتهم الورقية..
سألهم زميلهم الذي بقى على الأرض: مَنْ منكم يقول لي كم المسافة بينكم وبيني؟
التقط أحدُهم قلَماً كان في جيب زميله، و أخذ قصاصة ورق من ذيل الطائرة، و كتب عليها: "لا أعلَم"
تناول الآخَرُ منه القلمَ وكتب على قصاصةٍ أخرى: " ابحث في جوجل عن ارتفاع أبي الهول".
استعاد صاحبُ القلمِ قلمَه، و ربَطه في طرف خيط الطائرة، و أدلاه إلى زميله الذي على الأرض قائلاً: قِسْ طول هذا الخيط ؛ تعرف المسافةَ بيننا و بينك.
ثلاثة حلول بلا شك..
استخدم الصبية فيها جميعاً القلمَ كأداةِ و وسيلةِ في محاولة الوصول إلى حلول.
في ظل أزمة الحصار الاقتصادي والاجتماعي و الثقافي الخانق على العراق في تسعينيات القرن الماضي؛ وقف مفكر عراقي كبير يُردّد حكمته الأثيرة: "للساكب قَطْرٍ من فكره، في بحرٍ أركده الطوقُ، قَدرُ شهيد"
و تَنَهَّد.. و رمى نفسه.. من فوق الجسرِ العتيق!
و مُذ ذاك الوقت، و دوائر الموج تتوالد و تتوالى و تتسع دون تَوَقُّفٍ أو انتهاء!
"لا شيء يأتي مِن لا شيء، و لا شيء يَؤولُ إلى العَدَم"
(هكذا يقول القلم).
أرأيتم عصا موسى؟!
ـ كانت كأيّ عصا مِن العِصيّ؛ يَتَوَكَّأ عليها، ويَهُشُّ بها على غنمه، و له فيها مآرِبُ أُخرى كأيّ مآرب لأي حاملِ عصا آخَر، و لكن بمجرد أنْ كانت عصا حقٍ، كانت كما الحق؛ منتصرةً بذاتها، وليس بحاملها؛ حتى ولو كان نبيّاً أو رسولاً من أُلِي العزم كموسى؛
نعم.. لم تبقَ العصا كأي عصا؛ بل لقفت كل ما دونها مِن عِصِيّ!.
والحقَّ منتصرٌ بذاته.
لقد كان موسى وفي كل مراحل المواجهة حذِراً خائفاً من كل شيء؛ حتى من العِصِيّ التي لقفتها عصاه!.
فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى (67)
لولا أن ربط الله على قلبه و طمأنه:
قُلْنَا لَا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلَى (68) وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى (69)
بل كان موسى خائفاً حتى من عصاه و هي تلقف كل عِصِيّ سحرةِ فرعون!
فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى (20)
نلاحظ دوماً أن العصا لم تظهر آيَتُها قط وهي بِيَدِ موسى.
بل كانت تظهر آياتُها للعيان بمجرد أن يُلْقيها موسى من يده، بإذنٍ من الله؛ وقد كانت مشاعر الخوف تسيطر عليه؛ حتى أنه كان يخشى العودة إلى الإمساك بها مرة أُخرى:
قَالَ خُذْهَا وَلَا تَخَفْ سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الْأُولَى (21)
سيرتها الأولى هي سيرتها كعصا يتوكأ عليها ويهش بها على غنمه و له فيها مآرب أخري كأي عصا أخرى؛ حتى إذا ما كانت عصا حق؛ هنا يمكن أن تتسع المآرب الأخرى حتى لَيَحصُل بها مواجهة الباطل.
وهنا ننتقل نقلةً زمانية و نتساءل:
كيف إذن نواجه بعصا الحق افتراءات الباطل في زمننا هذا؟
هل مثلاً بأن نضع عصا الحق في عجلة الباطل؟
أم نضعها في عرض طريقه؟
أم يا تُرى نفقأ بها عينه؟!
ثلاثةُ حلولٍ بلا شك..
استخدمنا فيها جميعاً العصا كأداةِ و وسيلةِ في محاولة الوصول إلى حلول.
ألا يُذَكِّرُنا هذا بالقلم الذي استخدمه الصبية جميعاً في محاولاتهم الوصول إلى حل السؤال عن ارتفاع الصبية و الذي هو نفسه ارتفاع أبي الهول عن الأرض؟!
إنما هو محض سؤال؛
والسؤال التالي: هل ثمّةَ علاقة حقيقية بين العصا و القلم؟
وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِن شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِن بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَّا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (27)
بالطبع إنّ كلماتُ الله ليست محض كلمات لفظية و حروفا مَرتّبة!
بل؛ كلماتُ الله أوامر و تشريعات.
كلمات ربي رحمات وعطاءات.
كلمات ربي كتابُ بيانٍ؛ وحكمةُ تطبيقٍ تضع الأمور في نصابها، والمكينَ في مكانه..
ولكن؛ قمينٌ بنا أنْ نتساءل هنا عن سر ارتباط القلم بالشجرة؟
وسِرّ ارتباط الشجرة بالعصا؟
الشجرة هي مادة القلم، كما وهي مادة العصا.
العصا هي اذن كما القلم، و القلم كما العصا،
ولا تظهر آيةُ وبركةُ العصا إلا كلما نُفِّذَت إرادة الله بها:
فَأَوۡحَيۡنَآ إِلَىٰ مُوسَىٰٓ أَنِ ٱضۡرِب بِّعَصَاكَ ٱلۡبَحۡرَۖ فَٱنفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرۡقٖ كَٱلطَّوۡدِ ٱلۡعَظِيمِ (63) الشعراء
وَإِذِ استسقى مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِب بِّعَصَاكَ الْحَجَرَ ۖ فَانفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا ۖ قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَّشْرَبَهُمْ ۖ كُلُوا وَاشْرَبُوا مِن رِّزْقِ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (60) "البقرة"
كذا لا تظهر آيةُ، وبركةُ القلم إلا كلما نُفِّذَت إرادة الله به:
بل القلم وما يسطرون جميعاً هو من إرادة الله
فلننظر ذلك النص من الآية (282من سورة البقرة) والذي جاء في سياق الحديث عن تنظيم الدَين في المجتمع المسلم:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى فَاكْتُبُوهُ ۚ وَلْيَكْتُب بَّيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ ۚ وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ أَن يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ ۚ
هنا وفي غير هنا :
1 ـ الكاتبُ مَنْ علَّمَهُ (هو الله)
2 ـ الكاتب لا يأبى الكتابة ( نَهْيُ الله)
3 ـ الكاتب كاتبٌ بالعَدْلِ (أمرُ الله)
هكذا يجب أن تكون نظرتنا الصحيحة للقلم والكاتب والكتابة.
فلننظر مرة أخرى لبدايات سورة القلم:
"ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ * مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ * "
اذن؛ فالقلم وما ينتج عنه هو نعمة؛ وهو علمُ، والعلمُ نعمةٌ..
(وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ) هكذا جاء الأمر الإلهي في نهاية سورة الضحى.
فكيف إذا جاء مَنْ يُخالفُ كلَّ ذلك؛ وقام بمصادَرة القلمَ ، و قصَفَهُ، و حجبَه، و ثم أَلجمَه، وحبسه، ومن ثمَّ في النهاية وَأَدَه؟!.
الموضوع أكبر من مجرد تساؤل..
لكن لا بأس.. هَوِّن عليك:
لا شيءَ يأتي مِنْ لا شيء، ولا شيء يَؤُولُ إلى العدم.
أتعلمون مَنْ أنا؟!
"أنا آخِرُ ما تركَ موسى مِنْ آثار العَصَا"
(هكذا قال القلم.. ومِنْ ثمّ غَفا)
**








