- ℃ 11 تركيا
- 2 نوفمبر 2024
د. محمود لملوم يكتب: المهارات القيادية للقائد الرباني في سورة الإسراء (2)
د. محمود لملوم يكتب: المهارات القيادية للقائد الرباني في سورة الإسراء (2)
- 6 مايو 2024, 1:41:18 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
نستكمل المهارات القيادية في سورة الإسراء
10. إكرام الذات: توجه السورة الكريمة القائد أن يحب نفسه ويكرمها بمتابعة الهدايات الإلهية، ولا يدمر ذاته باتباع الضلالات والأفكار المادية أو اللاأخلاقية ﴿مَّنِ ٱهۡتَدَىٰ فَإِنَّمَا يَهۡتَدِي لِنَفۡسِهِۦۖ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيۡهَاۚ 15﴾.
ومن إكرام النفس وحب الذات طلب المعالي من الأمور ومنها السعي لمرافقة الحبيب ﷺ في الجنة، وشتان بين حب النفس وبين الأنانية المقيتة.
ومن إكرام الذات حرص القائد على ما ينفعه في جسمه وصحته، وعقله وثقافته، وروحه وربانيته، وعلاقاته وخيريته.
11. عدالة التوزيع: من عجائب ودقة اللفظ القرآني في توجيهاته للقائد الرباني اختياره لفظة "وَزَرَ" في قوله تعالى: ﴿وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٞ وِزۡرَ أُخۡرَىٰۗ 15﴾ أي لا تَرفع حِملا ولا مهمة من المهام عن صاحبها مجاملة له ثم تكلف بها غيره، أو مؤاخذة رجل بذنب وجريرة غيره، فالعدالة في العقوبات، والعدالة في توزيع المهام والتكليفات مبدأ قرآني قيادي أصيل.
قال الأصفهاني: الوزر هو الحمل الثقيل ومنها "الوزير" المتحمِّلُ ثقل أميره وشغله، ومنها "المُوَازَرَةُ".
12. لا عقوبة لجاهل: من رحمة الإسلام عدم معاقبة أهل الفترة "فترة انقطاع الرسل"، أو مَن لم يصل إليهم الإسلام من الأمم، ومنه يكون التوجيه للقائد الرباني أن يُعلم الأتباع اللوائح والقوانين التي تحكم العمل في المنظمة قبل تكليفهم بالمهام المطلوبة منهم.
لذا؛ قال الفقهاء بـ "العذر بالجهل" ﴿وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّىٰ نَبۡعَثَ رَسُولٗا (15)﴾.
13. الترف قرين الفسق: يوجه القرآن القائد لضبط نفسه في المباحات حتى لا تصل للترف والسرف، فمجاهدة النفس وأخذها بالعزائم في التزام الطاعات، وضبط الترخص والمباحات هو ديدن الفالحين.
﴿وَإِذَآ أَرَدۡنَآ أَن نُّهۡلِكَ قَرۡيَةً أَمَرۡنَا مُتۡرَفِيهَا فَفَسَقُواْ فِيهَا فَحَقَّ عَلَيۡهَا ٱلۡقَوۡلُ فَدَمَّرۡنَٰهَا تَدۡمِيرٗا (16)﴾ (أمَرْنا مُتْرَفِيها بِالطّاعَةِ؛ لِأنَّ اللَّهَ تَعالى لا يَأْمُرُ إلّا بِها، ﴿فَفَسَقُوا فِيها﴾ أيْ فَعَصَوْا بِالمُخالَفَةِ) قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ.
وأيضا إذا أراد الله بقرية "أو جماعة" هلاكا بعد عصيانهم الكبير له -سبحانه- أن يترك أمراؤهم الفساق في القيادة ويمنع عنهم الهدايات ليحق العذاب عليهم جميعا.
(وقَرَأ يَعْقُوبُ (آمَرْنا) بِالمَدِّ بِهَمْزَتَيْنِ هَمْزَةِ التَّعْدِيَةِ، وهَمْزَةِ فاءِ الفِعْلِ، أيْ جَعَلْناهم آمِرِينَ، أيْ داعِينَ قَوْمَهم إلى الضَّلالَةِ) ابن عاشور.
14. التغافل والإنجاز: توجه السورة الكريمة القائد الرباني ألّا يقف كثيرا أمام أخطاء الآخرين سواء في حقه أو في حق المنظمة؛ بل عليه أن يركز على الإنجاز، وعلى المهام المطلوبة، والإتقان في تنفيذها. فالمعوقون للإنجاز كثر، والحاقدون والحاسدون أكثر، ويكفيك ربك سبحانه خبيرا بصيرا بأفعالهم وأقوالهم ﴿وكَفى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا(17)﴾ فلا تضيع وقتك وعمرك في القيل والقال، واستثمره في العمل والإنجاز.
15. التحفيز المعنوي: يعلم القرآن القائد الرباني طرق التحفيز الفعال للأتباع ومنها شكرهم على إنجاز المهام المطلوبة منهم، ولننظر إلى الله العظيم سبحانه جل شأنه وهو يشكر عباده على طاعتهم التي هي في الأصل واجبة عليهم، وهم المستفيدون منها ﴿وَمَنۡ أَرَادَ ٱلۡـَٔاخِرَةَ وَسَعَىٰ لَهَا سَعۡیَهَا وَهُوَ مُؤۡمِنࣱ فَأُو۟لَـٰۤىِٕكَ كَانَ سَعۡیُهُم مَّشۡكُورࣰا ١٩﴾ وقوله تعالى ﴿وَمَن تَطَوَّعَ خَیۡرࣰا فَإِنَّ ٱللَّهَ شَاكِرٌ عَلِیمٌ﴾ [البقرة 158].
16. معرفة حِكَم العطاء: يقول سبحانه ﴿كُلا نُمِدُّ هَؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا (٢٠)﴾ ليتعلم القائد الرباني عدد من الدروس المستفادة؛ ومنها:
السنن الإلهية في العطاء لا تحابي ولا تجامل أحدا ولو أولياؤه سبحانه.
الحكيم سبحانه يسيّر الكون وفق حِكَم لن يستطيع البشر حصر مقاصدها.
أن ينافس القائد المتنافسين وهو يملك ميزة إضافية؛ أن له عطاء آخر ينتظره في الآخرة.
أن لا ينهزم القائد نفسيا عندما يرى أعداء الإسلام في علو دنيوي مادي، فالآخرة خير وأبقى.
أن يسعى القائد لصالح جماعة المسلمين لتحصيل القدر الأعظم من عطاء الله بالعمل الدؤوب، ويكن ديدنه الاستعانة بالله في الحركة والدعوة والحروب.
وللحديث بقية إن شاء الله