- ℃ 11 تركيا
- 2 نوفمبر 2024
د. ناصر محمد معروف يكتب: تاريخ حافلٌ للمقاومة في ذكرى أسر شاليط وتطورٌ مثمرٌ يُسْعِدُ الشرفاء ويغيظ الجبناء
د. ناصر محمد معروف يكتب: تاريخ حافلٌ للمقاومة في ذكرى أسر شاليط وتطورٌ مثمرٌ يُسْعِدُ الشرفاء ويغيظ الجبناء
- 25 يونيو 2023, 12:19:04 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
قدَّر الله لنا كشعب فلسطين أن نولد في هذا الزمان لنرى أنفسنا من معاناة إلى معاناة، فقد بدأت معاناة هذا الشعب يوم أرهق نفسه وهو يؤم أروقة الدول محاولاً إلغاء وعد بلفور ومقاوماً له، ظاناً أنه سيجد من ينصفه، ليجد نفسه غارقاً أمام هجرة صهيونية ممنهجة، فينتقل في مقاومته لمنع هذه الهجرة التي ستجلب له الشقاء، ليفيق على احتلال انجليزيٍ بغيض يدَّعِي أنه ينتدب نفسه ليعطي بعد ذلك استقلالاً، حتى يظهر على حقيقته، ويظهر غدره وخيانته فينتقل شعبنا إلى مقاومته فيقدم خيرة رجاله، ومنهم الشهيد عز الدين القسام، عسى أن يجد استقلاله؟، وينتهي المطاف بتسليم أراضي ال 48 لبني صهيون، ولتبدأ مرحلةً جديدةً في حياة هذا الشعب المكلوم.
مع اشتداد المؤامرة وكبر حجمها باتفاق الدول الكبرى على شعبنا، تشرَّدَ شعبنا، فهاجر من هاجر ليبدأ الإعداد من جديد حتى استغرق ذلك جيلاً كاملاً، ولا زال شعبنا يطمع في مَنْ يُنصفه، وأثناء تلك الفترة لم يهدأ هذا العدو، فكانت اعتداءاته على شعبنا يومياً حتى ملئت سجونه بأبنائنا، وشعبنا يصرخ عسى أن يرأف قلب هذا العالم الظالم، فلا يجد إلا الصّدّ ودعم الإحتلال، ليضطر شعبنا أن يوجد ما يحرك قلوبهم فقام بانتفاضته الأولى في حقبة الثمانينات (انتفاضة الحجارة) واستطاع شعبنا أن يصقل جيلاً كاملاً ويعبئه بحب الجهاد والمقاومة.
لم يلتفت أحد إلى معاناتنا ولم تزد انفاضة الحجارة الإحتلال إلا تغطرساً ، وكان لا بد من إدخال أسلوب جديد في المقاومة فكان التحوُّل من الحجر إلى السكين، عسى أنْ يرتدع هذا العدو، ولكن دون جدوى، ومع إيغال هذا العدو بدمائنا، وامتلاء سجونه بأبنائنا، حتى أصبح لا يوجد بيت في الضفة وغزة إلا وأبناؤه داخل سجون الاحتلال، وهنا كان لا بد من أنْ يتطور العمل.
تشكَّلَتْ الخلايا العسكرية، واستطاعت المقاومة من تطوير نفسها، فكانت عملية أسر آفي سبورتس البداية عام 1988، ولم يشأ الله لها أن تكتمل، فكانت عملية أسر إيلان سعدون العام 1989، واستطاعت المقاومة إخفاء جثته، واشتعلت العمليات العسكرية، واستطاع عماد عقل أن يضرب من نقطة الصفر، واستطاع عياش أنْ يثخن في العدو بتفجيراته، ليستطيع المقاومون أسر نسيم طوليدانو في العام 1992 مطالبةً بالإفراج عن الشيخ أحمد ياسين، ومع غطرسة العدو قتل مجاهدوا «القسام» نسيم طوليدانو مما جعل العدو يبعد أكثر من 400 من القيادات ليستقر حالهم في مرج الزهور، ويشاء الله أن يكون هذا الإبعاد فاتحاً أمامه الإعلام على مصراعيه، لتصل ولأول مرة قضيتنا إلى العالم على حقيقتها، والاحتلال بكبريائه يُصِرُّ أنه فوق أن يفاوض المقاومة على إيلان سعدون، فسلك طريق أوسلو التي أثمرت بقدوم السلطة، وظن العدو أنه بها ملك الدنيا.
مارست السلطة دورها في اعتقال المجاهدين، ولم يرضخ المجاهدون لكل عمليات السلام الكاذبة، واستطاع مجاهدوا «القسام» أسر الجندي ناخشون فاكسمان، وأمهلت جيش الاحتلال للإفراج عن الشيخ أحمد ياسين، لكن الجيش رفض ذلك، فتمّ في 14/10/1994 قتْل فاكسمان بعد محاصرة مكان احتجازه، حيث اندلعت اشتباكات أدّت إلى مقتل قائد الوحدة المختارة في قوات العدو، وجندي منها، وإصابة 20 آخرين، في مقابل استشهاد أفراد خلية الخطف، وأجهضت السلطة عملية أسر إيلان سعدون، وسلمت خارطة مكانه هدية إلى الاحتلال لتنال منزلة عنده، ليكافئها الاحتلال بزيادة الاستيطان ومصادرة الأراضي، والعمل على تهويد مدينة القدس والمسجد الأقصى، التي اختتمها باقتحام شارون للمسجد الأقصى، لتنطلق شرارة انتفاضة المسجد الأقصى.
كان لا بدّ أن تجتهد المقاومة في تطوير نفسها، فهي ومع تجاربها يئست من أن تساندها أي دولة من دول المنظومة، فاستطاعت إضافة إلى التفجيرات أن تبدأ بصناعة الصواريخ التي تسارع تطورها محلياً يوما بعد يوم، واستطاعت مجموعة من المجاهدين في مثل هذا اليوم 25-6-2006م وفي عملية معقدة أن تأسر الجندي الصهيوني شاليط لتحتفظ به حياً أكثر من خمس سنوات، ويخضع الاحتلال للمقاومة وتستطيع المقاومة العام 2011، عبر صفقة «وفاء الأحرار» تحرير 1050 أسيراً.
لم تهدأ المقاومة فأبناؤها غوالي، فكثفت من مقاومتها لتخوض العام، 2008 - 2009، حربا شرسة ويتمكّن مقاتلو «القسام» من أسْر 6 جنود على جبل الريس شرق حيّ التفاح. وفي أثناء العملية، تدخّل الطيران المروحي الصهيوني وقصَف الجنود مع المجموعة التي أسرتْهم. وفي الحرب نفسها، أسرت مجموعة أخرى من «القسام» جندياً إسرائيلياً شرق مخيم جباليا، واحتفظت به لمدّة يومَين، ليقصْف العدو المكان بما فيه مما أدّى إلى مقتل الجندي والمجموعة التي أسرتْه.
والمقاومة تُصِرٌّ مع غطرسة الاحتلال أن تكثف من عملياتها، وتبذل كل ما بوسعها لتحرير أبنائنا من سجون هذا العدو، فاستطاع مقاتلوا «القسام» بتاريخ 12/6/2014، أسر 3 جنود في مدينة الخليل، واحتجزوا جُثثهم لعدّة أيّام، قبل أن تَعثر عليهم قوات الاحتلال لتندلع العام 2014، حرباً طاحنةً «العصف المأكول» وفيها أقدمت قوّة خاصة من «كتائب القسام»، على استدراج قوّة صهيونية حاولت التقدّم شرق حيّ التفاح شرق غزة، لتنجح في إيقاعها في حقل الألغام المُعدّ مسبقاً، وتعمد إلى تفجر الحقل بالآليات، ومن ثم تتمكّن من أسْر الجندي شاؤول أرون، ويفرح شعبنا ليزداد فرحه بعد أيام، عندما تمكّن تشكيل قتالي من قوّات النخبة التابعة لـ«القسام»، من أسْر الضابط هدار جولدن، خلال كمين نصبتْه الكتائب لقوّة من جيش الاحتلال تسلّلت شرق رفح جنوب القطاع، حيث تمكّن المقاومون من قتْل عدد من الجنود الإسرائيليين والقبض على جولدن.
إننا في ذكرى أسر شاليط، نؤمن ونستيقن، بأن تاريخ المقاومة حافل بما يثلج الصدور ويشفي غليلها، وأن المقاومة لا زالت تغتنم الفرص، ولن تهدأ حتى تحرر بإذن الله سائر أسرانا من سجون الاحتلال، وإننا نثق في مقاومتنا ونبايعها على الموت وعلى تقديم كل ما نملكه حتى يأتي اليوم الذي نرى فيه جميع أبائنا وبناتنا قد تحرَّرُوا من سجون الإحتلال، وعندا نفرح الفرحة الكبرى بإذن الله.
( وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللَّهِ