- ℃ 11 تركيا
- 2 نوفمبر 2024
عبدالناصر سلامة : تعريص النخبة
مبكراً كنت أرى أن مصيبة مصر في نخبتها، خاصة كلما اقتربتُ من بعضهم، حتى أنني كنت أتوقف كثيراً أمام تعريف النخبة كلما اكتشفتُ ذلك، طوال الوقت أراهم مجموعات متناثرة من حثالة المجتمع، المرتزقة أحياناً، المتسلقين أحياناً أخرى، المرضى النفسيين تارة رابعة، المنكرون لحدود الله وأحياناً لوجوده تارة رابعة، المهم أن التعريص يجمع بينهم جميعاً خصوصاً وقت الأزمات، وقت ضرورة توحيد المواقف، وقت ضرورة النطق بالحق، تراهم يتشرذمون فوراً، ذلك أن الجهات الأمنية تفعل أفاعيلها في أوساطهم، هناك تسجيلات تشين هذا الغضنفر، هناك صور تفضح ذلك المدعي، هناك أحكاماً قضائية تنتظر ذلك الشجيع، هناك مناصب تداعب مخيلة الآخرين.
حين ذلك تتوارى النخبة، التي يبحث أفرادها عن مصلحة شخصية طوال الوقت، تتبعثر وتتشرذم وكأن شيئا لم يكن، قد تصدر تعليمات لبعضهم بالانضمام الفوري إلى جوقة المعرصين حول قضية محددة، تعليمات للبعض الآخر بالصمت التام، احتواء البعض الثالث بالجوائز التقديرية والتعيينات البرلمانية والاستشارية، قد لا يتبقى من النخبة إلا بعض الشاردين هنا أو هناك، دعهم يهرطقون، الشكل العام أمام العالم الخارجي وربما الداخلي أيضاً يحتاج إلى ذلك، المنظر العام مهم إلى حد كبير، هي إذن عملية تعريص متكاملة، من البداية حتى النهاية.,
حالات النشاز المحترمة التي تفرزها الأحداث، لا علاقة لها بالنخبة، حتى النخبويون لا يعترفون بهم، لا تراهم على موائدهم، لا تراهم في منتدياتهم، ليسوا أيديولوجيين، ليسوا حنجوريين، ليسوا أمنجية، إذن ليسوا منا، أي ليسوا من النخبة، ظهر أحدهم على إحدى الشاشات ذات يوم، متسائلاً عن العبد لله باستنكار بالغ: نفسي أعرف هو ينتمي إلى أي فصيل؟!، وكأن الانتماء للوطن ليس كافياً، الانتماء لمصر وحدها غير مقنع، يجب أن تنخرط في التلوث، يجب أن تصبح جزءاً من الزبالة حتى تحصل على الصك القذر، صك النخبة العفنة.
قضوا حياتهم يحصلون على تمويل أجنبي بزعم الجمعيات الأهلية، يحصلون على رشاوى الراحل صفوت الشريف بزعم دعم الصحف الحزبية، يتقاضون مِنح الراحل كمال الشاذلي بذريعة مساعدة الاحزاب السياسية، يبيعون تأشيرات الحج والعمرة التي حصلوا عليها لأعضاء أحزابهم وجمعياتهم، يتاجرون بالأراضي هنا والوحدات السكنية هناك، آخرون امتدت أنشطتهم المشبوهة إلى خارج القُطر، حصلوا على أموال من معمر القذافي، كوبونات نفط من صدام حسين، حتى على عبدالله صالح وعلى زين العابدين لم يسلما منهم، اتجهوا في السنوات الأخيرة إلى الرياض وأبو ظبي.
حتى على المستويات السياسية نخبوياً كانوا أكثر خسة وتعريصاً، في جامعة الدول العربية باعوا ليبيا، وفي الأمم المتحدة باعوا العراق، وفي وكالة الطاقة الذرية باعوا إيران، وحتى في الفيفا باعوا قطر، إنه التعريص العابر للحدود، الذي ترعاه الصهيونية العالمية الآن في صور عديدة، وعواصم كثيرة بدءاً من الساسة، مروراً بما تُسمى القوى الناعمة ثقافياً وإعلامياً، وحتى رياضياً، والأدهى أنه في أكثر من عاصمة تم إنشاء أكاديميات متخصصة لهذا الهدف الآن.
في تسعينيات القرن الماضي، ومع انتهاء الحقبة الشيوعية، والزحف النخبوي الأحمر إلى موسكو، حرص معتادي الحج في الكرملين على عدم إضاعة الوقت، قاموا بتغيير البوصلة ١٨٠ درجة، اتجهوا فوراً وفي إطار التعريص الاحترافي إلى البيت الأبيض بواشنطن، تحت مسمى، مجموعة كوبنهاجن للتطبيع مع العدو الصهيوني، أذكر أن زعيمهم تجاوز كوبنهاجن متوجهاً بعد ذلك إلى الرياض بدعوة من مهرجان الجنادرية، حينها تم ترتيب سريع للقيام بمناسك العمرة كما جرت العادة ضمن برنامج الدعوة، رفض زعيم مجموعة كوبنهاجن أو الكرملين سابقاً، الطواف إلا بالبدلة والكرافت، والسيجار طبعاً، رفض ارتداء ملابس الإحرام أو ملابس الطواف، وبعد مناقشات واسعة مع المضيفين وإحراج لأنصاره، تم استبعاده.
في اعقاب أحداث ٢٥ يناير ٢٠١١، كشفت وثائق إحدى الوزارات، أن الغالبية العظمى من هذه النخبة المزيفة تجمعهم كشوف البركة بالوزارة، يتقاضون مكافآت شهرية دون عمل، الوزير الجديد أوقفها فوراً، كانت النتيجة مظاهرات يومية أمام الوزارة، بعد إشاعة أخبار كاذبة بحق ذلك الوزير، التقت أهدافهم جميعاً حول التعريص وفقط، أثبتوا إنهم مراكز قوة لا يستهان بها، كشفوا عن وجوههم القبيحة التي كانت مخفية في معظمها، لا يُهم، المهم استمرار العمل بالكشوف، لم يجرؤ أحد على إعلان الحقيقة حتى الآن، الخوف كان سيد الموقف، سيطرتهم الإعلامية واسعة النطاق، لا يتورعون عن فعل أي شئ، مصلحة الدولة المصرية لا تعنيهم من قريب أو بعيد، جاهزون للعمل مع كل الأنظمة، التسجيلات والصور لا تسقط بالتقادم، الشهادات التقديرية تداعب أحلامهم.
التعويل على ما تسمى بالنخبة أيها السادة من دروب الخيال، سوف تراهم فقط حين يتأكدون أن الأوضاع تتغير بالفعل، ينتهزون الفرص لاقتناص ما كان ممكناً، الآن لا تسمع لهم صوتاً ولن تسمع، تم استيعابهم بطرق مختلفة، لقيمات بسيطة يمكن أن تقي مصر من شرورهم، كاسات خمر قليلة تجعلهم طواعية لأمرك، لا يحزنون على من اختفى حتى لو قسرياً، لا يبكون على من قبضت روحه حتى لو همجياً، إنهم آفة المجتمع ولو كانوا تحت عناوين مختلفة، فقط تجمعهم وضاعة الأصل، وسوء الطباع، إنهم أصل التعريص.
موضوعات متعلقة:
تقرير : بعد مطالبته السيسي بالتنحي ..اعتقال عبد الناصر سلامة بتحريض من لجان إلكترونية
عاجل : أنباء عن اعتقال الكاتب الصحفي عبدالناصر سلامة
الكاتب الصحفي عبدالناصر سلامة : افعلها ياريّس
عبدالناصر سلامة :الخيانة بالتعريص
عبدالناصر سلامةيكتب : التعريص القاتل
عبد الناصر سلامة يكتب : وللتعريص مدارس .. (٢)
الكاتب الصحفي عبدالناصر سلامة يكتب : المهنة معرّص !!