- ℃ 11 تركيا
- 2 نوفمبر 2024
مصطفى إبراهيم يكتب: فتح النوبة-رمضان عام 31 هجرية
مصطفى إبراهيم يكتب: فتح النوبة-رمضان عام 31 هجرية
- 1 مايو 2022, 1:01:36 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
انتصارات رمضان
في شهر رمضان عام واحد وثلاثين هجرية، تم فتح النوبة، وسبب فتح بلاد النوبة هو الرغبة في تامين حدود مصر القبلية ، فانطلقت سرية في السادس من رمضان عام اثنين وعشرين للهجرة بقيادة عقبة بن نافع لإتمام عملية تأمين حدود مصر الجنوبية.
.وتحديداً باتجاه أرض النوبة واستشعر أهلها قدوم المسلمين وقرروا القتال ودارت الاشتباكات بين القبائل في تلك المناطق .
وفوجىء المسلمون في هذه المعركة بأن النوبيين يجيدون رمى السهام واصيب عدد كبير منهم في حدق عينهم من جراء النبل فسموا "رماة الحدق".
وكان المسلمون يطلقون علي النوبة لفظ "الأساود"، إذ أن كل المصادر والمراجع القديمة تصفهم بهذا الاسم، وقد اصطدم المسلمون بالنوبة في أول سنوات الفتح لمصر حيث أرسل إليهم عمرو بن العاص جيشا بقيادة عقبة بن نافع الفهري سنة 21هـ، ولكن الجيش رجع دون تحقيق شيء، إذ قابله أهل النوبة ببأس شديد، ورجع كثير من المسلمين بأعين مفقوءة، فقد كان النوبة رماة مهرة بالسهام، يصيبون بها إصابات دقيقة حتي في العيون، ولذلك سماهم المسلمون "رماة الحدق" .
وقد ذكر الواقدي أنه شهد فتح النوبة مرتين في ولاية عمر بن الخطاب، فلم أر قومًا أحد في حرب منهم. لقد رأيت أحدهم يقول للمسلم: أين تحب أن أضع سهمي منك؟ فربما عبث الفتى منا فقال: في مكان كذا، فلا يخطئه، كانوا يكثرون الرمى بالنبل فما يكاد يرى من نبلهم في الأرض شيء. فخرجوا إلينا ذات يوم فصافونا ونحن نريد أن نجعلها حملة واحدة بالسيوف، فما قدرنا على معالجتهم. رمونا حتى ذهبت الأعين فعدت مئة وخمسون عينًا مفقوءة. فقلنا: ما لهؤلاء خير من الصلح، إن سلبهم لقليل وإن نكابتهم لشديدة" (فتوح البلدان، ص234).
غير أنه لا مهارة النوبيين ( الأساود)، ولا شدة بأسهم، ولا فقر أرضهم وجدبها، كانت لتمنع المسلمين من تحقيق هدفهم في نشر دين الله تعالى، فهي رسالة ولا بد من تبليغها مهما كانت الصعاب، ولعل محاولة المسلمين المستميتة لضم أرض النوبة تنفي نفيا قاطعا الأسباب المادية للفتوحات الإسلامية، لأن النوبة لم يكن بها شيء يقيم حتي أود أهلها الذين يسكنوها، فكيف يطمع فيها غاز ليتقوي بها؟!
ورغم ما سبق فإن عمرو بن العاص لم يصالح أهل النوبة، وقد توالت محاولات المسلمين لدخول النوبة، لكنها استعصت على الفتح نحو عشر سنين. ثم كانت ولاية عبد الله بن سعد بن أبى سرح لمصر فى عهد الخليفة الراشد الثالث عثمان بن عفان سنة 25هـ، فنقض النوبيون الصلح وهاجموا صعيد مصر, فما كان من ابن أبى سرح إلا أن خرج في جيش تعداده عشرين ألف مقاتل وسار إلى دنقلة عاصمة النوبيين وحاصرها وضربها بالمنجنيق، وفي الحقيقة فإن عبد الله بن سعد بن أبي السرح استطاع أن يدوخ مملكة المقرة المسيحية دون أن يقضي علي سلطانها تماما.
وفي النهاية بعد حصار طويل استسلم أهل النوبة وسألوا عبد الله بن سعد الصلح والموادعة، فأجابهم إلى هدنة اتُفِقَ عليها عرفت باسم معاهدة البقط، وكان هذا الصلح فى رمضان سنة 31هـ.
وهي أشبه بمعاهدة اقتصادية بين مصر وبلاد النوبة: مصر تمدهم بالحبوب والعدس، والنوبة ترسل الرقيق لمصر. فهي في واقع الأمر عبارة عن هدنة أمان أو معاهدة عدم اعتداء وضعت بلاد النوبة في وضع فريد أو مرحلة وسطي بين دار الإسلام ودار الحرب. وقد شكلت هذه الإتفاقية طبيعة العلاقات بين مصر وبلاد النوبة طيلة ست قرون. وهي لا شك إنجاز يضاف لإنجازات عبد الله بن سعد بن أبي السرح وإسهامه في نشر وتأصيل الإسلام في إفريقيا.
وبمعاهدة البقط دخل الإسلام النوبة، فلم يمض إلا زمن قليل ليسلم أهل النوبة كلهم، وكان صلح عبد الله بن سعد بن أبى سرح مع أهلها فتحا حقيقيا، أنهى كل قتال سبقه بين النوبة وبين المسلمين.
وتماسك المسلمون حتى نجح عقبة بن نافع بالتوغل داخل بلاد النوبة إلى أن وصل إلى العاصمة النوبية "دنقله وبعد ذلك تم التوصل لهدنة بين المسلمين وبلاد النوبة واستمرت حتى تولى عبدالله بن أبي السرح ولاية مصر خلافا لعمرو بن العاص وتولى عثمان بن عفان خليفة للمسلمين، لكن النوبيين قاموا بعد ذلك بشن هجوم على صعيد مصر كرسالة لأبى السرح بانتقاضهم الهدنة المتفق عليها من قبل، فقرر ابن أبى سرح الخروج في جيش تعداده عشرين ألف مقاتل متوجها إلى دنقلة عاصمة النوبيين وحاصرها وضربها بالمنجنيق حتى استسلم اهلها وقاموا بطلب الصلح.
وأقر أمير المؤمنين عثمان بن عفان بنود الصلح بين النوبيين والمسلمين، وجاءت اهمها فى أن يدفعوا للمسلمين كل عام ثلاثمائة وستون رأسا من أوسط رقيق بلادهم، وفي مقابل الرقيق الذي يأخذه المسلمون يتبادلوه بقمح وعدس للنوبيين.
بالإضافة إلى حفظ المسجد الذي بناه المسلمون في فناء المدينة وألا يمنعوا منه مسلما، وفى في مقابل ذلك يتعهد المسلمين بأمان النوبين فلا يحاربونهم ولا يغزونهم... وهكذا كان بقاء المسجد وعدم التعرض للمسلمين في المدينة يعنى انتشار الإسلام بين الناس، كونه منطلق الدعوة ومركزها وكان أول شيء يقوم به المسلمون في أي مكان يفتحونه .