- ℃ 11 تركيا
- 21 نوفمبر 2024
أمجد إسماعيل الآغا يكتب: "الصين" دور عالمي وعقبات متعددة.
أمجد إسماعيل الآغا يكتب: "الصين" دور عالمي وعقبات متعددة.
- 23 سبتمبر 2023, 10:47:28 ص
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
لا شك بأن الحرب الروسية الأوكرانية، شكّلت بمجمل مساراتها، فرصة للعديد من القوى الإقليمية والدولية، لإعادة ترتيب الأولويات، وتقييم الإستراتيجيات، بما يتوافق في العمق والمضمون، مع المعطيات الجديدة، والتي أفرزتها تداعيات استمرار الحرب الروسية الأوكرانية، مع محاولة إتخاذ موقع من شأنه تعزيز السياسات، بل وبلوراتها على أساس أن الولايات المتحدة تفقد هيمنتها، ولابد من ملئ الفراغ الأمريكي. وفي جانب آخر، فإن حالة "العُزلة" التي تعيشها روسيا جراء الحرب في أوكرانيا، دفع الصين إلى تبني رؤية جديدة، هدفها الأساس جعل الحلف الغربي أقل جاذبية وتأثير.
ربطاً بما سبق، فقد تسارعت الجهود الصينية لاستثمار الظروف الدولية المُستجدة، بُغية تقديم نفسها كـ وسيط قادر على تقريب وجهات النظر بين الدول المتخاصمة، وبذات الإطار، فإن الجهود الصينية لم تقتصر على ما سبق فحسب، بل كانت الجهود الصينية واضحة في إطار تصوير الولايات المتحدة بأنها باتت خارج الحسابات الشرق أوسطية وحتى الدولية. ترجمة جهود بكين جاءت في أطر ثلاث:
الأول- إتصال الرئيس الصيني، شي جين بينغ، مع نظيره الاوكراني، فولوديمير زيلنسكي، مطالباً الأخير بضرورة إجراء مفاوضات مع روسيا وأوكرانيا لأنها السبيل الوحيد للتسوية، ومحذراً زيلينسكي، من أنه لا منتصر في حرب نووية. كما أعلنت الصين في ذات الإطار، أنها سترسل ممثلاً خاصاً عن الحكومة الصينية، مسؤولاً عن الشؤون الأوروبية الآسيوية، إلى أوكرانيا ودول أُخرى لإجراء محادثات معمقة مع جميع الأطراف من أجل تسوية سياسية للأزمة الأوكرانية. يُذكر بأن كانت قد نشرت، في فبراير/ شباط الماضي، وثيقة من 12 نقطة تحض موسكو وكييف على الدخول في مفاوضات سلام.
الثاني- رعاية إتفاق المصالحة الإيرانية السعودية. فـ بعد قطيعة سياسية ودبلوماسية بين طهران والرياض، تمكنت بكين من جذب الحليف التقليدي لـ الولايات المتحدة، ورعاية اتفاق "مُصالحة"، تمت بموجبه إعادة العلاقات بين البلدين، ضمن اتفاق وُصف بالإنقلاب السياسي على الاستراتيجيات الأمريكية في المنطقة.
الثالث- فقد تجلت عبر طرح الصين نفسها، وسيطاً بشأن حل القضية الفلسطينية. واقع الحال يؤكد، بأن دخول بكين إلى المنطقة العربية، عبر البوابة الفلسطينية، يأتي بعد غياب الجهود الدولية الحقيقية والجادة، لإنهاء حالة الإنقسام الفلسطيني اولاً، وتقريب وجهات النظر بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل ثانياً. وعليه، فإن بكين تحاول انتزاع زمام المبادرة من واشنطن، في سياق يتعلق بتنافس مصالح عالمي بين الطرفين، وليس بالضرورة لأسباب مرتبطة بمصالح أهل المنطقة العربية، مع شكوك كثيرة حول مقدرتها بالأصل على إلزام الاحتلال الإسرائيلي بالقرارات الدولية.
كل ذلك يُشير صراحة، إلى أنه ثمة تغييرات في سياسات شي جين بينغ، آخذةً في التشكل، حيث يُمكن وضع السياسات الصينية الجديدة، في إطار إعادة ضبط السياسة الخارجية لـ الصين، لتحقيق الهدف الأوسع، عبر تحويل الصين إلى لاعب دولي؛ وقد ترافق ذلك، مع استمرار الصين في تبني سياسة مواجهة الغرب، واتهام الولايات المتحدة بأنها تؤسس لـ حرب باردة جديدة تستهدف الصين سياسياً وإعلامياً.
ترجمة السياسات الصينية تتجلى في محاولة بكين إظهار نفسها، على أنها قوة عظمى تسعى إلى ترسيخ معادلة تعدد الأقطاب، وهي تعمل على تحييد الغرب عموماً عن خرائط النزاعات والقضايا الدولية، وصولاً إلى الشرق الأوسط، وبالتالي فإن الصين تُقدم نفسها كـ قطب في النظام الدولي الجديد، لكن الواقع يؤكد، بأن النظام الدولي الجديد يتطلب قوى، تمتلك مقومات سياسية ذات تأثير عالمي، وليس بالضرورة أن الجاذبية الاقتصادية، قد تُحقق تأثيرات عالمية، كما أن التكتلات الاقتصادية، قد لا تؤسس نفوذاً دبلوماسياً سياسياً قادراً على التأثير.
رغم ما سبق، فإن الطموحات الصينية تؤخذ في الغرب على محمل الجدّ، خاصة أن مساعي الصين لترسيخ فكرة الدبلوماسية الناجحة، يدفعها إلى طرح نفسها كوسيط هنا وهناك، مع تشديد موازٍ على أن صورة ومكانة واشنطن تتراجع، ويسري ذلك على منطقة الشرق الأوسط، في الوقت الذي يقلل فيه باحثون، من قدرة الصين على تحقيق أهدافها الاستراتيجية المُعلنة.
فـ طرح حل للقضية الفلسطينية يحتاج إلى إمكانيات لا تمتلكها الصين، كما أن الحرب الروسية الأوكرانية، تصطدم بجوهر المواقف الصينية، ومنها عدم التواصل مع كييف، وطروحات تصب في نهاية المطاف في التشكيك بمشروعية واستقلالية الدول التي شكلت الاتحاد السوفييتي السابق، وهو الأمر الذي أثار لغطاً واستنكاراً من دول البلطيق وأوكرانيا، وغيرها، لا سيما بعد تصريحات السفير الصيني في باريس "لو شاي" لمحطة "إل سي إي" التلفزيونية الفرنسية، إذ اعتبر "لو شاي" أن الدول المنبثقة عن الاتحاد السوفييتي ليس لها وضع فعلي في القانون الدولي لأنه لا يوجد أي اتفاق دولي يكرس وضعها كدول ذات سيادة.
أما الملف السوري الأكثر تعقيداً، ورغم أن الصين قد دعمت دمشق سياسياً، عبر استخدام حق النقض في المحافل الدولية، لمنع إدانة دمشق خلال الحرب، إلا أن الصين لم تتمكن فعلياً من الولوج إلى عمق الملف السوري، وحلحلة تعقيداته، كما أن المنظور الصيني لـ سورية، لا يضعها في أطر "الوجبات الدسمة"، حتى تُنافس روسيا وإيران عليها، وإنما الصين ترى في سورية ورقة للإستثمار، تُنافس بموجبها الغرب والولايات المتحدة، والأهم في هذا الإطار، أن بكين كانت من بين الأطراف الموقعة على قرار مجلس الأمن 2254 الذي يدعو إلى حل سياسي قبل البدء بإعادة الإعمار.
في المُجمل، صحيح أن العالم يتجه نحو نظام جديد، لكن طريق الصين في هذا المسار، لا يزال طويلاً، وعلى الصين اتخاذ خطوات كثيرة يكون لها التأثير المطلوب، للعب الدور الفاعل والمؤثر في الصراعات الدولية، أما نجاح الصين في إعادة العلاقات الإيرانية السعودية، فإن ذلك لا يُعد مقياساً لقدرة الصين على حل الخلافات، واستقبال الرئيس السوري، بشار الأسد، وتوقيع اتفاقيات استراتيجية مع دمشق، أيضاً لا يُعد هذا الأمر نجاحاً في اختراق الملف السوري المُعقد، ووضعه على طرق الحلول السياسية والاقتصادية، وبين هذا وذاك، فإن الصين وإن بدت شريكاً مُفضلاً لدول المنطقة، لكنه شريك يفتقر إلى إحداث تأثيرات عميقة، تُحقق له جوهر استراتيجيته.