أمجد إسماعيل الأغا يكتب: «مسرح نزاعات». التسوية السورية وفق المعايير الدولية.

profile
أمجد إسماعيل الأغا كاتب وباحث سوري
  • clock 16 سبتمبر 2022, 6:05:35 م
  • eye 755
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

بكثير من الواقعية، فإن الأزمة السورية بأبعادها الإقليمية والدولية، دخلت مرحلة جديدة عنوانها تثبت النفوذ السياسي والعسكري والاقتصادي، لكن ثمة تحديات جمَّة تتعلق بطبيعة المرحلة القادمة، لجهة المشاهد العسكرية أو الدبلوماسية. هذا الأمر مرتبط بقدرة القوى الإقليمية والدولية على تسوية خلافاتها، واقتسام المصالح السياسية ضمن الجغرافية السورية، لا سيما أن المنطقة برمتها، تشهد عملية إعادة تشكيل خرائط النفوذ السياسي والعسكري. وعلى اعتبار أن سوريا تُشكل إحدى الساحات التي تلتقي فيها المصالح الإقليمية والدولية، فإن هذا الامر سيدفع حُكماً إلى صراعات وتحالفات جديدة، قائمة على تثبت مواقع النفوذ وتصفية الملفات العالقة. نتيجة لذلك، فإن توزع مصالح الأطراف الفاعلة على الجغرافيا السورية، قسّم الخارطة السورية إلى مناطق ساكنة ظاهرياً، ولكنها تحمل إمكانات الانفجار في أي وقت، وذلك تبعاً لقدرة اللاعبين في كل منطقة على الوصول إلى تفاهمات.

في الأزمة السورية، فإن حالة الاستثمار الإقليمي والدولي، أدت وبشكل مباشر، إلى تضارب خطط الاستثمار ضمن الجغرافية السورية، الأمر الذي فاقم مشكلة التفاهم حول تحديد نسب التحاصص بين اللاعبين المؤثرين في المشهد السوري، فضلاً عن أن التحول اللافت في مواقف عواصم عربية حيال الأزمة، وانفتاحها على تسويات "مشروطة" مع الدولة السورية، الأمر الذي وجدت به بعض القوى الإقليمية والدولية، تضارباً في نهج مصالحها، وربما سيكون له تأثير في مرحلة لاحقة، على سياق الأجندات التي أُعتمدت من قبل تلك القوى في سوريا، ولتكون منطلقاً نحو معادلة تجمع في طياتها، عناوين سياسية وأمنية.

موسكو لا تُخفي قلقها حيال الملف السوري، وفي ذات الإطار، فإن الموقف الروسي الداعم للدولة السورية، بات اليوم مؤطراً ضمن عناوين فرضتها التطورات الدولية، لا سيما الحرب الروسية في أوكرانيا، فضلاً عن إدراك موسكو بأن الملف السوري بات لزاماً تفكيك تعقيداته وحلحلة معادلاته. إذ تسعى روسيا لحصد ما زرعته في سوريا، وليكون مقدمة لتمدد إقليمي أوسع في الشرق الأوسط وشرق المتوسط. وربطاً بذلك، فإن روسيا دائماً ما تدعو لإنهاء حالة قانون قيصر، خاصة أن موسكو لديها هواجس تتعلق باستمرار الانحدار في الواقع السوري؛ يقابل الموقف الروسي موقفاً أميركياً واضحاً يترجمه وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، قائلا إن "الفساد المنهجي وسوء الإدارة الاقتصادية في الدولة السورية أدى إلى تفاقم الأزمة الإنسانية الرهيبة". وبذات السياق يأتي المفوض الأعلى لشؤون الخارجية والأمن في الاتحاد الأوروبي، جوزيف بوريل، ليعلن بدوره "أن الدولة السورية وتصرفاتها هما المسؤول الأول عن اندلاع الأزمة الإنسانية، وليس العقوبات".

نتيجة لذلك، يمكن وضع الموقف الروسي في أطر الهواجس الاستراتيجية، والتي تتعلق بتفكك الدولة السورية، جراء السياسات الأمريكية والأوروبية في سوريا، وتحديداً سياسات واشنطن الداعمة للنزاعات الإنفصالية، كما أن الإدارة الأمريكية ترفض الإعتراف بالرئيس السوري، بشار الأسد، وترى في المحاولات الروسية لجهة فرض حل سياسي، محاولة لفرضه على الشعب السوري، وذلك ضمن قرار وخطة روسية، تسعى وبحسب الإدارة الأمريكية، إلى إعادة تقديم بشار الأسد، للمجتمع الدولي.

يتضح مما سبق، أن وضعية التمترس المتعلقة بالملف السوري، ترتكز بين فريقين، أحداهما داعم للدولة السورية، وإبرازها كلاعب لا يمكن الاستغناء عنه في أي سياق سياسي يُفضي لحل الأزمة في سوريا، والفريق الآخر يرفض استمرار النظام السياسي في سوريا، على اعتبار أنه يتحمل المسؤولية الكاملة، لجهة تدمير البلاد، وإلحاق الكارثة الإنسانية والاقتصادية بالسوريين. وبين هذا وذاك، برز موقف مستجد عبر عن نفسه من خلال بيانات جامعة الدول العربية، لطرح تسويات وحلول جديدة، تُعيد الأمل لحلحلة الملف السوري، والبحث عن حلول مُجدية، تُجنب الجميع نتائج وتداعيات استمرار الأزمة السورية إقليمياً ودولياً.

ونظراً لتعدد الفاعلين في الملف السوري، فإن لكل طرف أولويات تُهندس مسار سياساته واستراتيجياته. وبالتالي، فإن أولويات موسكو في سوريا اليوم، ترتكز على ترسيخ العقود العسكرية والتجارية البعيدة المدى الموقعة مع الدولة السورية، وكذا تأمين الانتخابات الرئاسية القادمة، وانهاء عمل اللجنة الدستورية بأسرع وقت، إضافة إلى المعابر وإعادة الإعمار، أما ما تتمسك به واشنطن من أوراق، ترتكز على قانون قيصر ومحاسبة رموز الدولة السورية على أفعالهم بحسب التعبير الأمريكي، إضافة لوضع توصيفات واضحة للمرحلة الانتقالية، وكذا للورقة الكردية.

ضمن ذلك تحاول موسكو فرض ما تريده مستغلة تمددها العسكري والسياسي وعلاقاتها مع طهران وأنقرة، لكن واشنطن وسياساتها في سوريا لجهة تطبيق استراتيجيتها، فإن تلك الإستراتيجية مدعومة من قبل العديد من العواصم الأوروبية، فضلاً عن موقف تل أبيب الذي يتجلى في التصدي لحلفاء أستانة في سوريا وتحديداً إيران، ولا بد أن تكون الأولوية في هذا السياق، هي إضعاف حلفاء دمشق، فهذا يعني إضعافهم في ملفات إقليمية أُخرى.

حقيقة الأمر، إن فشل قمة طهران الأخيرة في تجاوز الكثير من الحواجز والعقبات للتقدم باتجاه تسوية ثلاثية ممكنة بين موسكو وطهران وأنقرة، عزز فرص اللاعب الأميركي والإسرائيلي لاسترداد ما فقده من ثقل ودور في الأعوام الثلاث الأخيرة للتأثير على الملف السوري. دليل ذلك هو الموقف الأمريكي الجديد، لا سيما أن أميركا - بايدن تقول إن الانسحاب وتسليم الملف لموسكو، ليس بين خيارات اليوم، وإن هزيمة الروس في سوريا ستعني تراجعهم في المنطقة والبلقان والقرم والقوقاز.

اللافت في جملة السياسات السابقة، أن المتضرر الأبرز في كل ما يحدث، هو الشعب السوري فقط، والذي من حقه أن يتدخل لطرح صيغة الحل. لكن ثمة مجموعة من العواصم العربية تسعى لتسجيل اختراق أمام الطاولة السورية، ومحاولة استرداد ما فقدته من ثقل إقليمي، إضافة إلى أن العديد من العواصم الفاعلة في الملف السوري، عدلت من سياستها في سوريا، بعدما تعقد المشهد واختلطت الحسابات. أوروبا مثلاً تريد حماية نفسها من موجات لجوء جديدة، نتيجة لذلك، حاولت أوروبا مفاوضة تركيا قبل 5 أعوام لكنها اليوم تريد من واشنطن أن تتولى إدارة الملف نيابة عنها، حيث توجد روسيا وتركيا وإيران في الجانب الآخر. وأنقرة متمسكة برفض أي مشروع انفصالي على حدودها الجنوبية، وتصر على ضمانات المنطقة الآمنة لإبعاد نفوذ قسد عن المنطقة، وتسهيل عودة مئات الآلاف من السوريين إلى أراضيهم. أما طهران في وضعية "أب العريس" يده الأولى في جيبه والثانية على قلبه. لبنان والأردن والعراق ينتظرون الفرج، وإسرائيل تركز على حماية حدودها الشمالية وهمها مواجهة الخطر الإيراني، أكثر من محاولة معرفة ما الذي سيحل بالملف السوري.

جُملة ما سبق، هناك حقيقة لا يمكن إنكارها، تتمثل في معاناة السوريين، وضياعهم بين مؤيد للدولة السورية، ومعارض لها، فضلاً عن اختلاف التوجهات الإقليمية والدولية حيال رؤية المشهد السوري، والبدء الفعلي بالحل السياسي. كل ذلك أدى إلى المزيد من التعقيدات في المشهد السوري، ليكون عنوان هذا المشهد «نزاعات سياسية»، والبحث عن حلول تناسب حجم المصالح التي تطمح إليها القوى الفاعلة والمؤثرة في الشأن السوري.


هام : هذا المقال يعبر فقط عن رأي الكاتب ولا يعبر عن رأي فريق التحرير
التعليقات (0)