- ℃ 11 تركيا
- 2 نوفمبر 2024
أمجد إسماعيل الآغا يكتب: «تأثيرات ومتغيرات».. النزاع الروسي الأوكراني والورقة السورية.
أمجد إسماعيل الآغا يكتب: «تأثيرات ومتغيرات».. النزاع الروسي الأوكراني والورقة السورية.
- 16 سبتمبر 2022, 6:24:25 م
- 784
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
داهمت الأزمة الأوكرانية وبعجالة، الملفات المتشابكة بين روسيا والولايات المتحدة، وتحديداً في منطقة الشرق الأوسط، وبصرف النظر عن جدلية المسببات التي دفعت روسيا، لإطلاق عمليتها العسكرية في أوكرانيا، وبعيداً عن نتائج وتطورات الصراع بين الطرفين الروسي والأوكراني، إلا أنه ثمة مفاعيل وتأثيرات واضحة على ملفات التفاعل الشرق أوسطية، بين الجانبين الروسي والأمريكي، لا سيّما أن جُلّ الملفات بينهما، يتم استخدامها واستثمارها كأدوات للضغط، بُغية الوصول إلى ما يمكن تسميته بـ"المقايضات الجيوسياسية".
الملف السوري وأوراقه المبعثرة بين القوى الإقليمية والدولية، يأتي ضمن الملفات التي تشغل موسكو وواشنطن على السواء؛ فـ الملف السوري لا يزال يُعاني من غياب إطار دولي مُحدد للتسوية السياسية، الأمر الذي يُبقي الملف السوري بجزئياته كافة، كـ رهينة ضمن خرائط النفوذ والمصالح، التي رسمتها القوى الفاعلة والمؤثرة في الجغرافية السورية، وفي جانب أخر، فإن المشهد السوري، أستقر ضمنياً عند نقطة القبول الضمني للواقع الراهن، مع بقاء معادلات توازن القوى والمصالح، خياراً ثابتاً، الأمر الذي أدخل الملف السوري، في حالة من الجمود، مع بقاء خرائط النفوذ العسكري دون أي تغيّرات.
سوريا التي أعلنت تأييدها لـ روسيا في عمليتها العسكرية في أوكرانيا، وقد استبق هذا التأييد قيام وزير الدفاع الروسي، سيرجي شويغو، بزيارة لقاعدة حميميم العسكرية الروسية في اللاذقية، واجتماعه بالرئيس السوري بشار الأسد قبل العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، الأمر الذي اعتبره مراقبون، أن سوريا باتت تمثل امتداداً للأمن القومي الروسي، لاسيما وأن قاعدة حميميم تعتبر خط الدفاع الروسي المُتقدم في البحر المتوسط لمواجهة الناتو، الذي يتمتع بوجود قوي في قاعدة انجيرليك الجوية في جنوب تركيا أحد أهم أعضاء الحلف.
وكـ نتيجة منطقية مرتبطة بمجريات الحرب الروسية في أوكرانيا، فإن اهتمام موسكو بالملف السوري، بات مؤطراً بتراجع نسبي لا سيما على المستوى العسكري، وانعكس هذا التراجع في انخفاض ملحوظ لنشاط القوات الروسية في العديد من المناطق السورية؛ وإن كان هذا التراجع لا يُعبر عن تغيير فعلي بشأن إدارة روسيا لكافة أبعاد الأزمة، حيث لا تزال تتحكم في كافة مفاعيلها على أرض الواقع، يخدمها في ذلك طبيعة الاهتمامات الأمريكية في ظل إدارة بايدن تجاه بؤر الصراعات المسلحة؛ حيث تولى هذه الإدارة اهتماماً نوعياً ببعض المسارات الفرعية داخل الملف السوري؛ كملف المساعدات الإنسانية، ومحاربة الإرهاب، وضمان أمن إسرائيل في مواجهة المخاطر التي يمثلها وجود إيران في منطقة الجنوب السوري، الأمر الذي يتيح لروسيا هامش مناورة كبيراً في معالجة الصراع السوري؛ سواء على مستوى مسارات التفاوض السياسية المتوقفة، أو على مستوى التحركات العسكرية على الأرض.
الجزئية المتعلقة بحالة التفاعل الروسي الأمريكي في الملف السوري، ارتبطت بحالة التوتر المتصاعدة بين الطرفين حيال الملف الأوكراني، إذ يبدو واضحاً، أن هذا التفاعل سيشهد تحولات في نمطية التعامل، لينتقل من حالة التوافق الضمني، التي تمثلت فى القبول بمسار التفاوض السوري السوري، بشأن اللجنة الدستورية برعاية روسية باعتباره مساراً منبثقاً عن القرار الأممي رقم 2254، إلى حالة من التشدد الحاد التي سيكون لها انعكاسات سلبية على حلفاء الولايات المتحدة من الأكراد السوريين في مناطق الإدارة الذاتية شمال سوريا، وتحديداً قوات سوريا الديمقراطية "قسد"، المدعومة عسكرياً ولوجستياً من قبل واشنطن، هذا فضلاً عن احتمالات قوية بممارسة روسيا ضغوطاً تجاه الوجود العسكري الأمريكي في الشمال السوري، بما يزيد الضغط على قوات سوريا الديمقراطية، ويجعلها بلا غطاء عسكري أو سياسي في مواجهة الدولة السورية.
وعطفاً على ما سبق، فإن انعكاسات الحرب الروسية في أوكرانيا، حظيت أيضاً بتعاطي تركي مُتغير، خاصة أن تركيا المنخرطة عسكرياً في سوريا، تضع التطورات في أوكرانيا ضمن منظارها الجيوسياسي، وعلى الرغم من أن تركيا قد أبدت موقفاً حذراً ومتبايناً، إلا أن الميزان الإستراتيجي لـ أنقرة، تماهى مع السياسات الأوروبية الأمريكية، وقامت تركيا بإغلاق ممري البوسفور والدردنيل، في وجه السفن العسكرية الروسية، ما يعد تطوراً نوعياً في الموقف التركي من العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، الأمر الذي يشي بحدوث تداعيات حادة وسلبية على العلاقات الروسية التركية على المدى الطويل.
الموقف التركي السابق جاء مُعززاً بهدفين، الأول أن تثمن الدول الأوروبية الموقف التركي بما يدفعها إلى إبداء قدر من المرونة تجاه مطالب أنقرة المستمرة بالانضمام إلى الاتحاد الأوروبي.
والثاني، رغبة أنقرة فى التأثير على الموقف الأمريكي الداعم لقوات سوريا الديمقراطية "قسد"، بما يدفع واشنطن للأخذ في الحسبان تخوفات تركيا الأمنية من وجود كيان كردي مسلح على حدودها الجنوبية.
ومن ضمن المتغيرات التي رافقت الحرب الروسية الأوكرانية، برز جليًّا المُتغير الإسرائيلي؛ فحالة الحذر الشديدة التى أبدتها الحكومة الإسرائيلية، وربما التأييد الضمني لصالح الغزو الروسي، جاءت مدفوعة بمخاوف تل أبيب من قيام موسكو بتقييد الضربات العسكرية المستمرة التي تقوم بها إسرائيل ضد الأهداف الإيرانية والسورية، في العمق السوري.
ضمن ما سبق، بات واضحاً أن الورقة السورية باتت مكبلة بالكثير من الإشكاليات، وبالتوازي، ثمة إرهاصات تؤشر على دخول الأزمة الأوكرانية في المسار نفسه الذي دخلته الأزمة السورية، وهو أن كلا الأزمتين باتتا بؤراً صراعية جاذبة للمقاتلين الأجانب، على نحو يعني فتح بؤر جديدة للإرهاب على المستوى الدولي من ناحية، وفى قلب أوروبا من ناحية ثانية، وربط الأزمة الأوكرانية بمتغيرات العلاقة بين روسيا والولايات المتحدة والدول الأوروبية في ملفات الشرق الأوسط من ناحية ثالثة.
ختاماً. يتضح بأن ملف الأزمة السورية، قد ارتبط بجملة واسعة من الصراعات الدولية بين روسيا والولايات المتحدة وكذا أوروبا، وعلى رأس تلك الصراعات، العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، وربطاً بذلك، فإن دمشق تأمل أن ينتهي هذا الصراع، بانتصار روسي على الأرض، وانتصار سياسي على الولايات المتحدة وأوروبا، بما قد ينعكس إيجاباً على رؤية روسيا للحل السياسي في سوريا، وبما يتوافق مع أهداف الدولة السورية. وحتى ذلك الحين، سيبقى الملف السوري في حالة تأرجح، تحكمه حالة التوافق والتفاهمات، بين روسيا والولايات المتحدة وتركيا، مع ملاحظة أن مستقبل هذه التوافقات والتفاهمات سيظل رهناً بمآلات الصراع الروسي- الأوكراني، ومدى قدرة روسيا والولايات المتحدة على عزل مسارات تفاعلاتهما عن بعضها البعض؛ سواء في أوروبا، أو في الشرق الأوسط .