- ℃ 11 تركيا
- 17 نوفمبر 2024
أمجد إسماعيل الآغا يكتب:"خبايا" التقارب السوري التركي وفق المنظور الروسي
أمجد إسماعيل الآغا يكتب:"خبايا" التقارب السوري التركي وفق المنظور الروسي
- 25 يوليو 2024, 11:11:03 ص
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
إلحاح روسي واضح تعكسه تصريحات قادة الكرملين، حيال محاولة إحداث انعطافة في سياق إعادة العلاقات السورية التركية، فما تحاول موسكو هندسته ولعب دور الوساطة الفاعلة فيه، بغية إذابة جبل الجليد بين دمشق وأنقرة، تحدده تطورات إقليمية ودولية راهنة، تتعلق بـ الحرب على غزة، وكذا تطورات الحرب الروسية في أوكرانيا، وبما لهما من تداعيات جمّة لجهة الملفات الإقليمية، بالإضافة إلى الانتخابات الرئاسية الأمريكية وما يرتبط بها من سياسات إقليمية ودولية جديدة، وربطاً بذلك فإن روسيا تسعى من خلال تحركاتها على المسار السوري التركي، إلى منع استهداف دورها في المنطقة، وبذات الإطار فإن روسيا تسعى إلى تعزيز مصالحها المختلفة، من خلال الإستفادة من جُملة الظروف الإقليمية، وتسجيل نقطة انتصار عبر إعادة العلاقات السورية التركية، خاصة أن تلك العلاقات توترت لـ حدودها القصوى، منذ بداية الأزمة السورية وإنخراط تركيا في أتونها.
ما سبق يُعد مشهداً عاماً يؤطر التحركات الروسية، ومحاولتها إحداث تقارب بين دمشق وأنقرة، يُبرد الملفات المشتركة بينهما، ويكون أرضية لـ تفاهمات بعيدة المدى، ويمكن في مرحلة لاحقة إحداث خرق في عناوين الحل السياسي في سورية، لكن في العمق فإن التحركات الروسية الرامية لـ ترميم علاقات حليفتها مع تركيا، إنما تنطلق في أحد عناوينها من مخاوف تنامي الدور الإيراني في سورية، للحد الذي يُقلص بل ويُهمش النفوذ والمصالح الروسية، وفي المقابل فإن روسيا أيضاً تعمل على تشكيل معادلة تتماسك من خلالها المصالح الروسية التركية والسورية، ووضع الخصوم المشتركين في إطار العمل المشترك، لا سيما الإدارة الذاتية في شمال شرق سوريا، وعلى صعيد آخر بناء مقاربة مغايرة مع المعارضة السورية، بغية إدارة التناقضات بين دمشق والمعارضة السورية، لا سيما أن الأخيرة تبني مع أنقرة علاقة رعائية في إدلب وشمال غرب سوريا.
"مُعارضي الأسد" ورقة تستثمرها أنقرة ضمن رهانات الواقع السوري، وتسعى روسيا من خلال وساطتها إلى الحد من تأثير تلك الورقة إقليمياً ودولياً، وتشكيل واقع سياسي جديد بناءً عليها، يُحدث الانعطافة المطلوبة بين الرئيس التركي ونظيره بشار الأسد، ويضاف إليها الخصومة السورية التركية ضد الوجود الكردي، واعتباره عدواً يتم التعاطي معه عسكرياً وأمنياً.
ترجمة الدور الروسي ومساعيه، يمكن استشفافها من خلال تصريحات وزير الخارجية التركي هاكان فيدان، حين قال "إن توقف الصراع المسلح بين دمشق والمعارضة في سوريا، يمثل في الوقت الراهن الإنجاز الرئيسي لتركيا وروسيا"، وتابع فيدان "أهم شيء تمكّن الروس ونحن من تحقيقه في سوريا هو أنه لا توجد حرب حالياً بين النظام والمعارضة، كما أن مفاوضات أستانا والأشكال الأخرى جعلت ذلك ممكناً في الوقت الحالي"، مُردفا: "دمشق بحاجة لـ استغلال فترة الهدوء هذه بحكمة، ويجب عليها أن تستغلها كفرصة لإعادة ملايين الأشخاص الذين فرّوا إلى الخارج وإعادة بناء البلاد، وشدّدتُ على ذلك خلال اجتماعاتنا مع زملائنا الروس في موسكو، ويجب على سوريا أن تفعل ذلك بنفسها، ونحن ندرس هذا الأمر، عودة اللاجئين أمرٌ مهم".
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين كان له دور غير خفي في الأزمة السورية، وقد كان للتدخل الروسي سياسياً وعسكرياً دور بارز في الحد من تأثيرات الحرب على النظام السياسي في سورية، وبعد عام من التدخل الروسي المباشر في الحرب السورية، تم التوصل في نهاية 2016 لاتفاق وقف إطلاق النار بين دمشق ومعارضيها، بما يمهّد للبدء في عملية تفاوضية وحل سياسي سلمي. وجرى تدشين ثلاث اتفاقيات، أولهما وقف إطلاق النار، وثانياً، تتضمن مراقبة نظام وقف إطلاق النار، والثالثة تشمل استعداد القوى المختلفة ومدى استجابتها للانخراط في عملية التفاوض والتسوية السياسية.
منذ ذلك الوقت، دخلت الأزمة السورية مرحلة معقدة تشابكت من خلالها المصالح الإقليمية والدولية، ومع الدور الأمريكي البارز في الأزمة، والقرار الأممي 2254 ومفاعيله الواضحة، برز معطى جديد شكل بموجبه نقطة إلتقاء سوري تركي. حيث أن مناطق الإدارة الذاتية في شمال شرق سورية، تُمثل عامل ضغط على تركيا، إذ ترى أنقرة أن توجهات الإدراة الذاتية في هذا الإطار، هي في الحقيقة تهديداً لأمنها القومي، ودمشق في المقابل ترى رغبات إنفصالية وأجندة أمريكية لـ تقسيم الجغرافية السورية، وبين هذا وذاك فإن الرئيس التركي رجب طيب اردوغان، يعاني إزمان سياسي واضح حيال الكُرد، والذي أنتج استمرار تهديده بشنّ حرب عسكرية على شمال سوريا.
في وقت سابق، بدا لافتاً ما كشفه المرصد الحقوقي، ومقره لندن، عن "اجتماع سرّي، بين عسكريين روس وأتراك في مدينة تل أبيض الواقعة ضمن منطقة نبع السلام الخاضعة لسيطرة القوات التركية وفصائل الجيش الوطني السوري الموالي لأنقرة، وسط استنفار وتخبط بين الفصائل، ومخاوف من احتمال تسليم المنطقة، باتفاق روسي تركي، للجيش السوري بهدف بسط سيطرته على المنطقة، وأكد المرصد، إنه في الوقت الذي يبدو أن هناك اتفاقيات ضمنية بين الجانبين الروسي والتركي في المناطق الخاضعة لسيطرة الأخير ضمن مناطق غصن الزيتون ودرع الفرات ونبع السلام لإعادة سيطرة الجيش السوري على تلك المناطق وإضعاف قسد، تشهد إدلب وريفها تعزيزات عسكرية تركية في الجهة المقابلة لخطوط التماس مع القوات السورية، تحسباً لتصعيد عسكري أو معارك محتملة.
عموماً ومنذ نهاية عام 2022، تسعى موسكو جاهدة لـ إعادة العلاقات بين سوريا وتركيا كـ جزء من استراتيجيتها الأوسع لمواجهة حلف شمال الأطلسي في الساحة الأوكرانية. روسيا ترى في تركيا حليفاً محتملاً يمكن أن يلعب دوراً مهماً في تحقيق أهدافها الإقليمية، لذلك، تعمل على ضخ الدماء من جديد في العلاقات السورية التركية، وأما بالنسبة لمستقبل العلاقات بين روسيا وإيران والولايات المتحدة، فلابد من التذكير بأن لروسيا حساباتها الخاصة ولإيران حساباتها الخاصة كذلك، ورغم دعم الطرفين لـ دمشق، إلا أن هناك تضارب مصالح أيضاً، فبعد التصريحات الأخيرة حول التقارب بين أنقرة ودمشق بوساطة روسية، جاء الضغط الإيراني بالكشف عن مشروع اتفاقية مع الحكومة السورية لاسترداد ديونها، وعليه لا يمكن أن نتكهن بحلول نهائية، على الأقل خلال المدى القريب المنظور.
بصرف النظر عن ما سبق، إلا أن روسيا تسعى إلى تأمين خاصرة نفوذها الإقليمي على البحر المتوسط، الأمر الذي لن تتمكن من تحقيقه واقعاً، ما لم تتحسن العلاقات بين أنقرة ودمشق، خاصة أن الحضور العسكري الروسي الأبرز في الخارج هو في الساحل السوري، بهذا المعنى يمكن القول أنه إذا تمكنت موسكو من إعادة التقارب السوري التركي، فإنه سيكون الموقف الروسي أقوى بالنسبة لسياستها تُجاه أميركا، حيث ستحصّن تواجدها في الشرق الأوسط من خلال تواجدها في قاعدة حميميم والقامشلي، الأمر الذي يعطي موسكو ورقة أقوى في التأثير بالشأن السوري، وفي حل مشاكل الشمال السوري.
التقارب السوري التركي قد يحدث في إطار التنسيق الميداني مبدئياً، وبما يُلبي رغبات روسيا، لكن يبقى التساؤل الأهم والمؤطر لـ إعادة العلاقات السورية التركية واقعاً. هو تساؤل يتعلق بشروط دمشق وأنقرة، وما بين ذلك من عامل إيراني مؤثر على دمشق.