- ℃ 11 تركيا
- 21 نوفمبر 2024
أمجد إسماعيل الآغا يكتب: "مخاطر غير متوقعة".. إضعاف روسيا وفق المنظور الغربي.
أمجد إسماعيل الآغا يكتب: "مخاطر غير متوقعة".. إضعاف روسيا وفق المنظور الغربي.
- 24 يوليو 2023, 9:52:35 ص
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
قد تبدو نظرية تحول القوة The power Transition، التي قدمها ابرانو اورجانيسكي، قديمة تاريخياً، لكن مفرداتها وعناوينها تصلح للتعمق بـ طبيعة الحروب الحالية، وقوة العلاقات الدولية. تفسيراً لهذا الوضع. فقد قسّم أورجانيسكي الدول، حسب درجة القوة ودرجة الرضا عن موقعها من التوازنات الدولية، إلى أربعة فئات رئيسية هي: الدول القوية والراضية، والدول القوية وغير الراضية، والدول الضعيفة والراضية، والدول الضعيفة وغير الراضية.
وبصرف النظر عن الفئات التي أوردها أورجانيسكي، لكن ما يهمنا في هذا التوقيت، الفئة الثانية التي تتمثل في الدول القوية وغير الراضية، والتي قد تتحول إلى مصدر مباشر للتهديد، وقد تتسبب في حالة من عدم الاستقرار الدولي، لا سيما أن هذه الفئة لديها تصورات لجهة امتلاكها فائض من القوة، الأمر الذي يؤهلها للعب دور على الساحة الدولية، وأخذ مكانة أكبر في هيكل القوى الدولية، وبإسقاط ذلك على ما يحدث حالياً على الساحة الدولية، تبدو روسيا إحدى دول هذه الفئة.
في ما يتعلق بواقع الحرب الروسية الأوكرانية، ثمة افتراضات رئيسية تؤطر مسار هذه الحرب، ويبدو واضحاً أن الهدف الرئيسي الذي تسعى إليه واشنطن وشركاؤها في الاتحاد الاوروبي، هو منع روسيا من تحقيق الانتصار، خاصة أن روسيا في وقت سابق، قد فرضت رؤيتها وتحدت الغرب، وحتى المنظومة الأمنية في حلف الناتو، عبر استعادة جزيرة القرم في عام 2014، واليوم تشن حرباً على أوكرانيا منذ 24 فبراير 2022.
مع المعطيات التي تُفرزها تطورات الحرب الروسية الأوكرانية، ثمة معطيات تشي في المضمون والأهداف، بأن مسار الحرب الأوكرانية، واحتمالات خسارة روسيا الحرب، لن تكون صفرية النتائج والتداعيات على الدول الغربية، وبذات التوقيت، فإن انتصار روسيا في الحرب، أيضاً سيكون له تداعيات ونتائج أكثر فداحة، لكن رغم ذلك، ومع افتراض هزيمة روسيا، يبقى تساؤل جوهري، يتعلق بالتداعيات التي ستفرضها تلك الهزيمة أولاً، وفي اليوم التالي للهزيمة ثانياً.
بهذا المعنى، يُمكن ترجمة الأصوات الغربية، والتي تطالب صراحة بالتريث والتعمق، في تفاصيل اليوم الذي سيلي هزيمة موسكو. ففي 29 يونيو / حزيران الفائت، حذر مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل من مخاطر "إضعاف" الرئيس الروسي فيلاديمير بوتين، مضيفاً: "علينا الآن النظر إلى روسيا على أنها مصدر خطر بسبب عدم استقرار الأوضاع الداخلية"، وربطاً بذلك، ثمة أيضاً أصوات غربية طالبت بضرورة توخي الحذر، في تبني سياسة إمداد كييف بالسلاح ومحاولات إضعاف روسيا، على غرار الدعوة التي وجهها وزير الخارجية الأمريكي الأسبق، هنري كيسنجر، في 18 ديسمبر / كانون الأول 2022.
يبدو واضحاً أن الدعوات الغربية التي طالبت وحذرت من سياسات اضعاف روسيا، ومحاولة هزيمتها في الحرب، لم تُحقق الزخم المطلوب لتُصبح واقعاً، وذلك لاعتبارين: أولهما، أن التحذيرات الأخيرة جاءت بعد عام ونصف على اندلاع الحرب، دون أن تُظهر مؤشرات توحي باحتمال اقترابها من النهاية، وثانيهما، أنها توازت مع اندلاع التمرد الذي قادته حركة "فاغنر"، على نحو فرض متغيراً جديداً في معادلة التوازن بين روسيا والغرب، لم يكن يحظى باهتمام كبير في الفترة السابقة، بعد أن كشف هذا التمرد، رغم أنه لم يستمر سوى 24 ساعة، وجود ثغرات لا يمكن تجاهلها في الأداء العسكري الروسي.
وربطاً بما سبق، يُمكن الإشارة إلى الحقبة التاريخية التي تتمثل في انهيار الاتحاد السوفيتي عام 1991، حينها برزت أراء غربية متعددة، انتقدت سياسة الغرب ازاء هذا التحول التاريخي، إذ وُصفت هذه السياسة بالحذرة أكثر من اللازم، وأنها لم تستفد من الفرصة التي واتتها من أجل "إنهاء" الخطر الذي شكله الاتحاد السوفيتي وفرضته روسيا فيما بعد، لكن هذه الآراء تعرّضت بدورها لانتقادات عديدة، باعتبار أن ممارسة الضغوط بشكل قد يتجاوز الغرض منها، يمكن أن يُنتج مفاعيل عكسية في النهاية، وهو ما حدث في حالتي ألمانيا بعد الحرب العالمية الأولى، وروسيا بعد تفكك الاتحاد السوفييتي. وبمعنى أدق، فإن الفرصة قد تتحول إلى "تحدٍ" في حالة ما إذا أدت الضغوط إلى تغير التوازنات السياسية والديموغرافية الداخلية، بشكل قد يدفع إلى الواجهة قوى تتبنى سياسة أكثر تشدداً في إدارة العلاقات مع الدول الغربية.
نتيجة لذلك، ثمة تصورات في موسكو تؤكد بان الغرب عموما يسعى للقضاء على روسيا. ترجمة ذلك جاء عبر ما قاله الرئيس الروسي السابق والنائب الحالي لرئيس مجلس الأمن الروسي ديمتري ميدفيديف، في 4 سبتمبر / أيلول 2022، والذي قارن بين الحرب الحالية وانهيار الاتحاد السوفيتي، قائلاً: "إنهم يفعلون كل شيء حتى تتوقف مؤسسات الدولة في روسيا عن العمل. فهم يحاولون حرمان البلاد من الحكم الفعّال كما حدث عام 1991.
تصريحات ميدفيدف ألمحت صراحة إلى أن الغرب، لا زال حريصاً على تفكيك روسيا، بُغية إضعافها وتحييد تأثيراتها المستقبلية على محيطها أولاً، وتأثير السياسات الروسية على الغرب ثانياً. وربطاً بذلك، يمكن تفسير التحذيرات التي أطلقها رئيس بيلاروسيا، الكسندر لوكاشينكو، في 29 يونيو / حزيران الفائت، حين قال: "إذا انهارت روسيا فسنبقى تحت الأنقاض وسنهلك جميعاً"، وأضاف: "التهديد بنشوب صراع عالمي جديد لم يكن قريباً من أي وقت مضى كما هو عليه اليوم. إنهم يحاولون مرة أخرى نسف بلدنا ومنطقتنا بأكملها لإرباك الناس".
الرسالة غاية في الوضوح، ومفادها أنه كانت توجهات الغرب لاضعاف روسيا وتفكيكها، تأتي في إطار مواجهة التهديدات الروسية، فإن تلك التهديدات ستبدو دون تأثيرات، مقارنة بما ستكون عليه التهديدات والتأثيرات، في حال طُبقت توجهات الغرب، الرامية لـ إقصاء روسيا عن المشهد الدولي.
وعليه، يُمكن تفسير التحذيرات التي جاءت حيال محاولة هزيمة روسيا في أوكرانيا، لا سيما أن تلك الهزيمة "المُفترضة"، قد لا تُمثل نهاية المطاف لما يعتبره الغرب تهديداً روسياً مزمناً، بل ستكون بداية لمرحلة جديدة من التهديدات قد لا تقارن بما تبدو عليه الساحة الدولية في المرحلة الحالية.
قُصارى القول. نهاية الحرب الروسية الأوكرانية، قد لا تبدو قريبة، كما أن حدوث تغيير سياسي داخل روسيا ربما يظل "أمريكياً وغربياً" الخيار الأكثر ملائمة والأقل كلفة، لكن إذا كان ثمة أمل في حدوث مثل هذا التغيير، فهو لن يتم عبر التفاوض مع موسكو أو الضغط على الحكومة الأوكرانية للقبول بالوضع الراهن، وإنما على العكس، سيتم عبر التمسك بالسياسات الحالية والمتمثلة في تزويد أوكرانيا بما تحتاجه من معدات عسكرية ودعم سياسي ودولي، وفي الوقت نفسه فرض المزيد من العقوبات على روسيا وإحكام عزلها. ورغم ذلك، تبقى نهاية الحرب الروسية الأوكرانية، في أطر يصعب التكهن بها.