- ℃ 11 تركيا
- 21 نوفمبر 2024
أيمن منصور ندا يكتب : أن تكون زملكاوياً في مجتمع أهلاوي
أيمن منصور ندا يكتب : أن تكون زملكاوياً في مجتمع أهلاوي
- 18 أبريل 2021, 8:02:13 م
- 870
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
بمناسبة مباراة الليلة.. مقال قديم عن الرياضة والسياسة..
أن تكون زملكاوياً في مجتمع أهلاوي!
للمفكر الفرنسي الأشهر "جان بول سارتر" عبارة شهيرة تشير إلى أن "الآخر ضروري لوجودي"؛ فلا وجودٌ للأنا بدون الآخر،
كما أنه لا وجود للأبيض بدون الأسود.. وقد لا أعرف نفسي إذا لم يكن لها منافس أو نقيض..
وهي نفس فكرة المفكر الإسلامي "ابن الورديّ": "ليس يخلو المرؤ من ضد ولو حاول العزلة في رأس جبل".. ولهذه الأهمية،
فإن أي مجتمع وأي إنسان يبحث دائماً عن الآخر بالنسبة له، وقد يخترعه إن لم يجده على أرض الواقع؛
شبيه بما قاله "نزار قباني" "الحبُّ في الأرض بعضٌ من تخيلنا .. لوْ لمْ نجده عليها لاخترعناه"..
وجود الزمالك بالنسبة للأهلي هو مطلب "لازم لازب" على حدّ تعبير أستاذنا العقاد،
كما أن وجود الأهلى بالنسبة للزمالك هو شرط ضروري للاستمرار، وجزء كبير من أهمية الأهلى ترجع إلى وجود الزمالك،
ما أن نسبة كبيرة من قيمة الزمالك ترجع إلى وجود الأهلي.. في مقابلة تليفزيونية مع الفنان "أحمد زكي" (مع محمود سعد على قناة دريم)
أشار إلى أن "جاك نيكلسون وعادل إمام وآل باتشينو ويحي الفخراني لهم نسبة في أجري!"؛ فعن طريق المنافسة ينبع الإبداع والإجادة؛
إذ يحاول كلُّ طرف التفوق على الآخر والوصول إلى نقطة أعلى من الآخرين..
والأمر نفسه ينطبق على عادل إمام ويحي الفخراني، إذ إنَّ جزءاً من أجورهم يرجع إلى أحمد زكي وأخرين!
وليس صحيحاً ما أشار إليه الشاعر الإنجليزي "كيبلنج":" الشرق شرق، والغرب غرب، ولن يلتقيا"، إذ إنَّ كلُّ الطرق قد تؤدي إلى روما،
ولابدَّ من صنعاء وإن طال المدى.. وقد تؤدي كل الطرق إلى التقاء الأهلي والزمالك.. والعلاقة بينهما قد لا تكون علاقة "تفاضل" بل علاقة "تكامل"،
ولا يمكن فصلهما في النهاية عن بعضهما البعض. ولذلك فإن الإبقاء عليهما معاً في حالة تفوق مطلب وجود، وتقوية مركز كلّ طرفٍ منهما شرط استمرار للآخر..
لماذا أنا زملكاوي؟!
في النصف الأول من القرن العشرين (1937) نشر "إسماعيل أدهم" كتاباً أحدث دويَّاً ثقافياً عنوانه "لماذا أنا ملحد؟!" ،
وذلك رداً على رسالة "لأحمد زكي أبو شادي" عنوانها "عقيدة الأولوهية".. وعلى نفس النمط (وما قد يحمله من دلالات!) يمكنني أن أشير إلى بعض الأسباب التي تجعلني زملكاوياً في مجتمع أغلبيته يشجع النادي الأهلي العريق.. يولد المرؤ في بلادنا على الفطرة في مجال الرياضة، فيجعله أهله أهلاوياً أو يجعلونه زملكاوياً، وقد يختار طريقاً آخر.
وبالنسبة لي فقد كان لي تشجيع الأهلي هو الأقرب بحكم نظرية العربة الشعبية أو تأثير الأغلبية Bandwagon Effect،
خوفاً من العزلة الاجتماعية أو التنمّر أو الخروج عما وجدنا عليه أباءنا وأجدادنا..
غير أن تشجيع الزمالك بالاختيار كان هو الأقرب إلى نفسي.. سهلٌّ أنْ تغيّر انتماءاتك الفكرية في مصر، وصعب أن تغيّر انتماءك الكروي!
الزمالك بالنسبة لي هو رمز للكفاح من أجل الوصول إلى نقطة إجادة..
هو الطالب المُجدُّ المتفوق الذي ينافس الطالب الأول على الدفعة ويسبب له توتراً يدفعه إلى اليقظة والتنبه..
وجود الزمالك في بلادنا وظيفة.. في الاقتصاد يمنع الاحتكار وما يؤدي إليه من مفاسد واستغلال،
وفي السياسة يمنع وجود الزمالك استبداد الأغلبية وديكتاتورية الأكثرية وطغيان الجماعة السائدة..
وفي العلاقات الاجتماعية يؤدي وجود الزمالك إلى الاعتدال والتوازن..
الزمالك هو عنوان الجمال في مقابل الجلال لدى الأهلي، هو تلخيص لجماليات اللعب والفن والهندسة في مقابل جلال وروعة الإدارة والتنظيم والجدية لدى منافسه ..
هو عنوان التحدي الدائم في مقابل الاستعداد المطلق.. الزمالك "واحد مننا"، وحاله من حال كثير منَّا؛ قليل البخت في فترات زمنية طويلة، ويستيقظ في بعض الفترات ليجد له مكاناً تحت الشمس!.
الزمالك وظيفته مثل وظيفة الأديب الروسي الشهير "مكسيم جوركي"، الذي كان يقول "خُلِقتُ لأعترض"..
المعارضة الكروية مطلوبة وبشدة ضماناً لانتقال السلطة والتتويج في عالم الكرة بشكل سلمي.. أفضل فترات "سعد زغلول" السياسية كانت في وجود معارضة "عدلي يكن"..
أفضل فترات "مصطفى النحاس" كانت في وجود "مكرم عبيد".. و
لو لم يكن "حافظ إبراهيم" موجوداً في عالم الشعر لما وصل "أحمد شوقي" لما وصل إليه.. حتى في العلاقات الدولية،
كانت الولايات المتحدة أقوى عندما كان الاتحاد السوفيتي قوياً، وبانهياره بدأت عوامل التحلل تنخر في الجسد الأمريكي!
قليل من الزمالك لا يكفي!
المفكر الإيطالي "فيلفريدو پاريتو" (1848- 1923) له قانون شهير يُستخدم في كثير من مجالات الحياة: 80/20،
والذي يشير إلى أن 80% من النتائج سببها 20% من الأسباب .. و80% من ثروتنا قد تتواجد لدى 20% من البشر.. الحياة فيها كثير من تطبيقات قانون پاريتو:
حتى كرات الدم نفسها داخل الجسم ينطبق عليها النسبة نفسها تقريباً بين كرات الدم الحمراء والبيضاء! والأمر كذلك في كرة القدم في مصر: 80% من البطولات أو أكثر يحتكرها النادي الأهلي وحده..
وهو ما يسبب مشكلة للزمالك.. قانون پاريتو يظلم الزمالك كمنافس.. ويفقد اللعبة كثيراً من جماليّاتها وقدرتها على التشويق والإثارة.
الصحيح، ألا توجد هذه النسبة .. الصحيح أن تكون المنافسة عادلة ومتكافئة:
ريال مدريد وبرشلونة متقاربان في عدد البطولات التي حصل عليها كلٌّ منهما.. والأمر نفسه بالنسبة لمانشستر يونايتد وليفربول في الدوري الإنجليزي.. وفي فرنسا، لا توجد فروق بين باريس سان جيرمان ومارسيليا في عدد مرات حصول كل منهما على الدوري.. ولذلك فإن هذه الدوريات هي الأقوى أوروبياً وعالمياً..
غير أنَّ الأمر مختلف في دوريّاتنا العربية: في السعودية، يسيطر نادي الهلال على بطولات الدوري في مقابل النصر والاتحاد.. وفي مصر،
يسيطر الأهلي وبفارق لا يمكن تعويضه خلال مائة عام عن أقرب منافسيه وهو الزمالك.
تطبيق مبدأ پاريتو في المنافسات الرياضية يؤدي إلى إفسادها.. التكافؤ أساس التنافس، والندية جوهر المتعة.. و
عدم اليقين بشأن النتائج يحمل الإثارة كلها.. أن تكون النتائج مضمونة، والبطولات محسومة، والمنافسة المتكافئة غير قائمة، فهذا كلُّه يفسد اللعبة، سواء كانت لعبة كرة القدم أو حتى "لعبة الأمم"!
قليل من الزمالك لا يكفي.. وكثير من الأهلى لا يفيد.. يا ليت قومي يعلمون..
السياسة وطول العمر!
في استطلاع نشر مؤخراً في الصحافة الأمريكية ، سئل المبحوثون " هل يجب وضع سن معين لتقاعد السياسيين؟" ،
وأشارت نتائج الاستطلاع إلى أن 75% من العينة يرون أنه يجب على السياسيين التقاعد عند بلوغهم سن السبعين كحد أقصى،
فما ينطبق على الجمهور العام ينطبق على السياسيين..
في حين أشار 25% من عينة البحث إلى أن القدرة على العطاء ليست مرتبطة بسن معين ..
والحقيقة أن نتائج هذا الاستطلاع وغيرها تكشف عن درجة من أنواع القلق الذى بدأ يتسرب في عديد من المجتمعات الغربية إزاء السياسيين بشكل خاص، فمن يدخل في لعبة السياسة لا يخرج منها إلا مرغماً ،
والسياسيون بصفة عامة أطول عمراً من غيرهم (ترامب 74 عاماً، وبايدن 78 عاماً)..
وعلى عكس الاعتقاد السائد بيننا، وعلى عكس ما يحدث في بلادنا ، فقد أظهرت نتائج كثير من الدراسات أن العمل بالسياسة يطيل العمر،
وأن السياسيين يعيشون عمراً أطول مقارنة بغيرهم من المهن الأخرى.. في الولايات المتحدة ، يموت رؤساؤها عادة في سن متقدمة .. جيرالد فورد مات عن 93 عاماً ، وكذلك رونالد ريجان عن ذات العمر تقريباً ..
ومات جون أدامز وكذلك هربرت هوفر عن 90 عاماً ، ومات هنرى ترومان عن 88 عاماً .. ومات منذ أيام الرئيس الفرنسي جيسكار ديستان عن عمر يناهز 94 عاما..
ولا يزال كارتر (96 سنة) يمارس نشاطه السياسى، ولا تزال الملكة إليزابيث (94 سنة) في الحكم.. بل إن بعض السياسيين يموتون بمجرد تركهم للسلطة وتخليهم عن السياسة .. مات شارل ديجول بعد سنة واحدة من اعتزاله الحياة السياسية (1970) ، ومات جورج واشنطن بعد مغادرته الحكم بعامين (1799)، ومات جيمس بولك بعد ثلاثة أشهر من انتهاء ولايته كرئيس للولايات المتحدة (1849)..
تفسيرات عديدة أشار إليها الباحثون في هذا المجال، أبرزها أن العمل بالسياسة في المجتمعات الغربية ليس عملاً مجانياً أو مسئولية وطنية كما هو الحال في بلادنا،
بل هو على العكس عمل مربح.. وأغلب السياسيين البارزين في المجتمعات الغربية من ميسورى الحال، وبالتالي تتوفر لأغلبهم القدرة على الاهتمام الصحى وعلى توفير المناخ الصحى الجيد لأنفسهم .. كذلك، وعلى عكس الشائع، فإن نسبة القلق والتوتر في العمل السياسى في هذه البلاد أقل من غيرها من المهن الأخرى ..
صحيح هناك قلق، ولكنه ليس قلق الشخص العادى الذى تؤرقه متاعب الحياة اليومية، هو قلق ثانوى مقارنة به..
والعمل في السياسة يكسب صاحبه "جلدا ثخيناً" يجعله لا يتأثر كثيراً بالأحداث التي تدور من حوله،
وتكسبه مناعة قوية ضد القلق والتوتر.. ولهذا هم يعيشون أطول ..
ما أسعد السياسيون الغربيون ، وما أحلى عيشتهم وفقاً لهذه الدراسات ،
ولا عزاء لنا نحن غير السياسيين (جتنا نيلة في حظنا الهباب!!)..