إبراهيم جلال فضلون يكتب: الحُرية التي ننتظرها.. للسلمية كلمة!

profile
د. إبراهيم جلال فضلون أستاذ العلاقات الدولية
  • clock 20 يناير 2025, 10:31:50 م
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

إنها الحرية هُنا.. من “حقل غلال” هو المُشرق شمسها، ومهد حواضرها، وبستان ثمارها، وحديقة ياسمينها، ومنبت أحرارها، ومكتبة فكرها، وممرّ حضارات البشرية ونقطة تقاطعاتها.. لتأتينا حقبة قد تكون مصيرية لأهلنا وشعبنا الحر في سوريا، التي تمرّ بمرحلة الولادة أو الحياة الجديدة بعد وضعه في غرف انعاش طالت أكثر من عقدين هما تشريد وتهجير وانهيار للمجتمع السوري، فآخر ما يحتاجه الوضع الملتهب هناك صبّ المزيد من الزيت على النار تلبية لرغبات بعض الدول التي تسارعت في "فرصة مجانية" لاحتلال أراضيها كإسرائيل التي أبلغت الولايات المتحدة مسبقاً التوسع جغرافيا باحتلالها اراضي سورية في هضبة الجولان ونقاط المراقبة في الأراضي السورية التي تصل مساحتها  235 كيلومترًا مربعًا، أي ما يعادل حوالي 60% من مساحة قطاع غزة، كالسيطرة على منطقة جبل الشيخ تمثل "إنجازًا استراتيجيًا مجانيًا" لإسرائيل، خاصة أنها منطقة شهدت معارك دامية في حروب سابقة بين سوريا وإسرائيل.. لتخرق دولة الاحتلال للمرة الأولى منذ حرب عام 1973، ليكون هذا التوسع هو ما يعكس رغبة إسرائيل في استغلال اللحظة التاريخية بعد سقوط الأسد لتعزيز نفوذها الإقليمي.

لكن رغم انتصارنا ودحر بشار ونفوذ إيران وقوات الباسيج وحزب الله وأنصاره عن الحياة السورية، نخشى على مستقبل سوريا الحرة من غموض قادم، فهيئة تحرير الشام، كانت مرتبطة بتنظيم القاعدة، باتت من اللاعبين الرئيسيين في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة، وهو الوضع الذي يثير قلقًا لدى إسرائيل والدول الغربية بشأن إمكانية تحول سوريا إلى مركز للجماعات المتشددة.

في هذه الأثناء، لم تباغت "مطابخ السياسات"، حتى بدأت الولايات المتحدة، المحرك الرئيسي للعديد من الخيوط في المنطقة، مع لاعبها التركي كما نعرف، العد التنازلي لتولي إدارة جديدة تحمل معها جملة من المتغيرات الكبرى في مقاربة عدد من الملفات الإقليمية الخاضعة لمراجعة الدور الإيراني والدور الإسرائيلي. لنجد الحادث أن كلاً من الحكم السوري و”حزب الله” يتأثران جداً بلعبة التوازنات التي ستديرها “واشنطن دونالد ترمب” بين طموحات طهران وأولويات تل أبيب. لتظهر للواجهة “الخطوط الحمراء” المنسية، التي رسمها باراك أوباما، لترتفع أسهم التشدد في دمشق بالتلازم مع تسجيل “تراجع” عسكري تركي أمام الروس، و”تنازلات” سياسية تركية للإيرانيين تبلورت في “مسار آستانة”، الذي اعتبره كثيرون خذلاناً للمعارضة السورية.

الآن الحالة مُتفجّرة ما عاد يجوز تجاهلها أو الاستخفاف بمخاطرها إذا خرجت عن السيطرة. ولا ينسى أحد أياً كان فرداً أو دولة أن نجاح الثورة السورية لهم، وأن يستثمروا في الواقع السوري الجديد لمصالحهم، لكن السوريين أذكى من أن يتذاكى عليهم أحد، وهذا لا يعني عدم التعاون مع القادم لحكمها كدولة جارة للجيران منها، ومهمة للانفتاح السوري القادم، ولكن الاعتقاد أنها يمكن أن تكون المخلص لسوريا الجديدة من آلامها وجروحها ودمارها وخراب اقتصادها وفقرها، هو وهم وسراب، وصحيح أن نظام بشار قد سقط، ولكن سقوط الطغاة لا يعني نزول اللبن والعسل على الشعوب تلقائياً، هكذا يحكي لنا التاريخ، فالشعب السوري اليوم يعيش فرحة عارمة ونشوة غامرة ومتنفس لهواء الحرية، ولكن غداً ستذهب السكرة وتأتي الفكرة – كما يقول القول المأثور - وسيجد من يحكم سوريا الغد ملفات عديدة ومعقدة للبناء والتصالح والتفاهم مع الأكراد شرقاً والتعامل مع إسرائيل في الجولان، ومع الملف التركي وحدوده ومع مدن الساحل غرباً واحتوائها واستيعاب تطلعاتها.

ولعل استمرار تجاهل “الانتقال السياسي”، الذي كان ولا يزال محور الجهود السياسية والدولية والطموح الأعظم عند السوريين، خطيئة تُنذر بكارثة قد لا يظل بالإمكان احتواء آثارها وتداعياتها، والخوف كل الخوف من الفوضى الناجمة عن مغامرات تدخّل خارجي جديدة., والحل الحقيقي والنهائي هو “انتقال سياسي” سريع وجادّ، يستحقه السوريون وتستحقه سوريا العريقة الرائعة... @drIbrahimgalal

 

 

 

 

كلمات دليلية
التعليقات (0)