إبراهيم جلال فضلون يكتب: العالم في عقل مُفلس؟!

profile
د. إبراهيم جلال فضلون أستاذ العلاقات الدولية
  • clock 18 يناير 2025, 6:39:23 م
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

عندما يذهب الواقع في اتجاهات الـ "لا-معقولية"، نندهش، نغضب، نثور وتقوم القيامة في أغلبها، علماً بأن القرآن الكريم، جوهر الإسلام وتعاليمه، مليء بكل ما يُمجد (العقل واللب والحكمة) القائمة عليهما، فنري فيه ما لا يقل عن ثمان وأربعين آية، تحض على التفكير وإعمال العقل، وربطهما بالإيمان الحق، لنجد أن كلمة "غير معقول" ما هي إلا مُجرد رد فعل، وكأنها حركة اعتباطية حدثت، وأن لا داعي للاندهاش ولا لأي انفعال. لنجد مفارقات تُعلمُنا بوجود تفسير معقول لجنون هذا العالم ولا معقوليته، وإذا عُرف السبب بطل العجب.

إنه عالمنا العربي الذي يُعاني ويلات التفكير بالعقل "أزمةَ منهجٍ وأداءٍ" أسبابها مُتعددة في ضروب التاريخ السحيق يرتد بعضها إلى أحداثنا المؤلمة الحالية، ويترسخ بعضها من مخرجات المناهج التعليمية وعَاهَاتِها، ومن كثرة استبداد الأنظمة وإكراهاتها... عاهات وأهات تحدث عنها ابن تيمية في كتابه درء تعارض العقل والنقل أو «موافقة صحيح المنقول لصريح المعقول» أو «الجمع بين العقل والنقل»، وقال عنه تلميذه ابن قيم الجوزية في كتاب "طريق الهجرتين وباب السعادتين": "من أراد معرفة هذا فليقرأ كتاب شيخنا وهو (بيان موافقة العقل الصريح للنقل الصحيح) فإنه كتاب لم يطرق العالم له نظير في بابه، فإنه هدم فيه قواعد أهل الباطل من أساسها، فخرت عليهم سقوفه من فوقهم، وشيد فيه قواعد أهل السنة والحديث، وأحكمها ورفع أعلامها، وقررها بمجامع الطرق التي تقرر بها الحق من العقل والنقل والفطرة، فجاء كتابا لا يستغنى من نصح نفسه من أهل العلم عنه، فجزاه الله عن أهل العلم والإيمان أفضل جزاء، وجزى العلم والإيمان عنه كذلك"، وبالتالي فهو كتاب بالفعل يُعالج مشكلة العلاقة بين العقل والشرع، تلك المشكلة التي أرَّقت الكثير من المفكرين قديمًا وحديثًا، وعندما يتعلق الأمر بالمجتمعات الإنسانية، يُمكننا أن نتكلَّم، مع "هيجل"، عن "اللا-معقول" ليس بمعنى غير القابل للتفسير، وإنما بمعنى المرفوض والذي ما كان له أن يحدث، ولا ينبغي أن يستمر.

 

إن العقل كما يقول كرشنا مورتي "إن الحقيقة هي التي تحرر، وليس ما نبذله لكي نكون أحراراً". إذ هو كإرادة حُرة، مخاطرة كُبرى مونها تعني مواجهة المجهول، فالحُر يختار أفاعيلهُ وسلوكياته، ويخلقها من العدم. لكن امتلاك العقل يعنى مواجه المجهول باستمرار، كونهُ يعمل على استكشاف المجهول. تحت قانون (أنا أفكر إذاً أنا موجود)، وقد تأتيه المواجهات من "حقائق" جديدة قاسية وغير مريحة والعكس، تفرض نفسها بقوة، وكأنها خارج عن سيطرة العقل، غير أنها في النهاية ستحرر الإنسان والعقل، وهو ما ينطبق على منحنى التفكير في مجتمعاتنا العربية بأثر تراجعي في جموح ونكوص نحو الماضي، وجعلها حكما على الحاضر وحتى المستقبل، لنعود لبؤر الخلاف فيُحْيِيهَا، ونيران الفرقة والاصطفاف فيُغَذِّيها، علماً بأننا مفاتيح السعادة للمجتمعات التي تدعي أنها متقدمة الأن وتقتلنا وتبيد أبنائنا في عالمنا المشلول، ولا نُدركُ إلا مؤخراً بأن الماضي ليس سوى مستودع يُساعدنا في بناء عالمنا برؤيتنا الحقيقية التي تُعانق عنان السحاب، وتحول المساحات الواسعة الجديدة معمارا حضاريا بديعا، كما تفعل مصر والسعودية آخذين من المستودع ما نحتاجه من وسائل للإسناد والإمداد، لبناء عالم الغد المشرق وحضارة تجعلنا محط الأنظار، دون أن نتخذه مأوى للخلود أو ملجأً للركود!.

إن أغلب العلل الفكرية والحضارية في مُجتمعاتنا، مردها ثلاث علل: (التطرف والتخلف والتزلف). فالأولى من الإفراط أو التفريط والتعصب، وثانيهم التخلف المعرفي، وأخيراً التزلف تلك الحالة النفسية المرضية لاستمرار الباطل واستطعام الهوان.. والحل بناءات ثلاث وهي: (الفكر والعقل والسلوك) مما يؤسس لتنمية الدافعية نحو الإنجاز الحضاري. كما أن تربية العقل تجتث الفكر الإرهابي، والعرب تقول (عدو عاقل خير من صديق أحمق، لأن الأحمق يريد أن ينفعك فيضرك) والإرهابيون تعدوا كل الحدود بسبب التربية والفجوة بين العقل والحرية أو بالأصح (العقل واللب والحكمة) كما في نهجنا الإسلامي، لنعي أن الحل في بيت أمير الشعراء المصري أحمد شوقي: فَعَلِّم ما استَطَعتَ لَعَلَّ جيلاً سَيَأتي يُحدِثُ العَجَبَ العُجابا.

وختاماً: تبدو المخاوف جميعها على شكل امتحانات، فالكل يُخطط للمستقبل وعلينا الاستعداد لما هو آت، فمن ينجح يجتاز ويقود، ومن يرسُب لا مكان له هنا أو هُناك، كما تفعل إسرائيل بغزة واحتلالها سوريا وتدميرها لبنان والعراق، ولسنا من ذلك ببعيدين (من النيل للفرات)، فلنستيقظ يا عرب قبل أن نندم، ويُهال علينا التراب الذي خُلقنا منه وإليه سنعود، فإما أن نحيا بكرامة أو نموت به فسياساتنا ستُترجم على أرض الواقع بدقة بين أسطر التاريخ وقلوب أبنائنا!.

 

 

 

 

  


هام : هذا المقال يعبر فقط عن رأي الكاتب ولا يعبر عن رأي فريق التحرير
التعليقات (0)