إبراهيم نوار يكتب: الخيار النووي السلمي السعودي بين الرفض الإسرائيلي والتلاعب الأمريكي

profile
  • clock 4 أكتوبر 2023, 1:08:55 م
  • eye 418
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

يمثل الموقف من المشروع النووي السلمي السعودي، واحدا من المحطات الرئيسية على طريق العلاقات مع الولايات المتحدة، وخطة التطبيع مع إسرائيل. ونظرا لأن امتلاك السعودية للتكنولوجيا النووية للاستخدامات السلمية يمثل أحد المحاور الرئيسية لرؤية 2030، فإنه يحتل مكانة رئيسية في علاقتها بالدول النووية في العالم، ومنها الولايات المتحدة. ومن هنا كان الحرص على أن يكون هو أحد أركان إعادة صياغة العلاقات مع الولايات المتحدة، وهي العملية الدبلوماسية الجارية منذ مجيء إدارة بايدن للحكم. وعندما طلبت واشنطن من الرياض إقامة علاقات رسمية مع إسرائيل، فقد جاء رد الرياض متضمنا ثلاثة شروط أساسية لتحقيق ذلك، هي إعادة صياغة العلاقات الدفاعية بين البلدين، بما يحقق احتياجات الأمن القومي السعودي، وانتزاع اعتراف من الولايات المتحدة بشرعية البرنامج النووي السلمي السعودي، من خلال تأييد هذا البرنامج، وتقديم المساعدات له، وتسوية القضية الفلسطينية على أساس مبادئ مبادرة السلام العربية لعام 2002.

يمكن القول بوجود إجماع في كل من واشنطن وتل أبيب على رفض فكرة تخصيب اليورانيوم في السعودية، أو ابتكار صيغة تضمن إخضاع عمليات التخصيب لسيطرة خبراء أمريكيين

هذه المقدمة ضرورية لبيان أن تطبيع العلاقات بين السعودية وإسرائيل هو مطلب أمريكي، وليس احتياجا سعوديا من الولايات المتحدة. وأن رؤية القيادة السياسية في الرياض لهذا المطلب، تعتبره زاوية من زوايا إعادة صياغة علاقتها بالولايات المتحدة ومنطقة الشرق الأوسط والعالم، وليس موضوعا قائما بذاته. من هذا المنطلق فإن السعودية ليست في عجلة من أمرها بشأن التطبيع مع إسرائيل. وكنا قد أكدنا ذلك في مقالات سابقة. لكن إعادة التأكيد على هذه الحقيقية أصبح ضرورة دبلوماسية، على ضوء حملة التزييف الإسرائيلية – الأمريكية، التي تبشر بأن إسرائيل أصبحت قاب قوسين أو أدنى من التطبيع مع السعودية. خطة تزييف الحقائق وخلق الوهم وترويجه بشأن قرب تطبيع العلاقات السعودية – الأمريكية دخلت الاسبوع الماضي إلى منعطف جديد، شاركت فيه وكالة «رويترز»، بنشر تقرير مجهول المصادر، يزعم أن السعودية ماضية في التطبيع، سواء تم الاتفاق بشأن أسس التسوية السياسية للقضية الفلسطينية أم لا، أي مع الفلسطينيين أو من دونهم. وزادت على ذلك صحيفة «إسرائيل اليوم» المقربة من نتنياهو واليمين الصهيوني، أن السعودية تخلت عن تمسكها بمبدأ تخصيب اليورانيوم محليا، وإنها أصبحت على استعداد لتوقيع القسم 123 من قانون الطاقة النووية الأمريكي، الذي يضمن خضوعها للشروط النووية الأمريكية، وعدم تخصيب اليورانيوم محليا، وهي خطوة كانت ترفضها من قبل.

تخصيب اليورانيوم محليا

ويمكن القول بوجود إجماع في كل من واشنطن وتل أبيب على رفض فكرة تخصيب اليورانيوم في السعودية، والاستعاضة عن ذلك بتعاون نووي لا يتضمن السماح لها بذلك، أو ابتكار صيغة تضمن إخضاع عمليات التخصيب لسيطرة خبراء أمريكيين. ويؤكد بيان أصدرته الخارجية الأمريكية، أن واشنطن تدعم برامج الطاقة النووية السلمية «طالما تم استيفاء الالتزامات بمعاهدة منع انتشار الأسلحة النووية، واتفاقيات ضمانات الوكالة الدولية للطاقة الذرية بالكامل، وطالما تم الالتزام بأعلى المعايير المتعلقة بالسلامة، ومنع الانتشار النووي واتباع ضوابط التصدير والأمن المادي بدقة». وأضاف البيان أن واشنطن «تعلق أهمية كبيرة على استمرار المملكة العربية السعودية في تنفيذ هذه الالتزامات».

وجهة نظر إسرائيلية: مئير بن شبات

جاء تعليق مئير بن شبات رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي السابق، سريعا جدا بعد ساعات من البيان الذي ألقاه الأمير عبد العزيز بن سلمان وزير الطاقة السعودي، بشأن قرار بلاده وقف العمل بـ»بروتوكول الكميات الصغيرة»، والانضمام إلى «اتفاقية الضمانات الشاملة» لوكالة الطاقة الذرية. وقال بن شبات في مقال نشرته صحيفة «إسرائيل اليوم» إن البرنامج النووي السعودي يحتاج للكثير من الفحص والتحليل، واتخاذ قرارات واضحة بشأنه عاجلا، لا تنطوي على مخاطر طويلة الأجل، مؤكدا إن المعضلة الكبرى في المطالب السعودية هي ما يتعلق بمطلب «تخصيب اليورانيوم محليا». وفي محاولة منه للتشكيك في النوايا السعودية قال، إن أي شخص لا يحتاج أن يكون خبيرا في الشؤون النووية لكي يفهم الغرض من تخصيب اليورانيوم محليا. وحذّر من أن انضمام السعودية إلى النادي النووي، سيوسع نطاق الانتشار النووي في الشرق الأوسط، وإطلاق سباق بين دول أخرى في المنطقة من أجل الحصول على قدرات نووية. وللخروج من هذه المعضلة يقترح بن شبات، أن يلتزم بايدن بعدم تخصيب اليورانيوم في السعودية، على أن يوازن ذلك بموقف ضد إيران يضمن «تحييد» قدراتها النووية التي تمثل تهديدا للسعودية. مثل هذا الحل يتميز من وجهة نظره بأنه لا يقضي فقط على القلق السعودي من التهديد النووي الإيراني، بل إنه يمنع انفجار سباق الانتشار النووي في الشرق الأوسط، ويرسل إشارة قوية إلى الجميع بشأن المعايير التي تحدد ما هو مسموح، وغير المسموح به في شأن القدرات النووية لدول الشرق الأوسط. هذه الإشارة بالطبع تستثني إسرائيل.

وجهة نظر أمريكية: سايمون هندرسون

أعتبر سايمون هندرسون خبير الطاقة الأمريكي، مدير برنامج الطاقة في معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى، أن قرار انضمام السعودية إلى اتفاقية الضمانات النووية الشاملة يمثل تنازلا منها في مفاوضات التطبيع غير المباشرة مع إسرائيل. وقال هندرسون إن القرار السعودي من شأنه أن يثير إشكالية بشأن طلب المساعدة من الولايات المتحدة، خصوصا بعد تصريح الأمير محمد بن سلمان ولي العهد، الحاكم الفعلي للسعودية بأن بلاده ستسعى لامتلاك سلاح نووي في حال حصلت عليه إيران، يضاف الى ذلك كما قال هندرسون إن السعودية كانت في السابق مترددة في قبول الانضمام إلى اتفاقية الضمانات الشاملة. ونقل هندرسون عن بنيامين نتنياهو رئيس وزراء إسرائيل، أنه علق على حديث محمد بن سلمان بشأن امتلاك سلاح نووي إذا امتلكته إيران، بأنه يثير قلقا كبيرا بشأن توقعات تخصيب اليورانيوم في السعودية. وقال هندرسون إن قرار السعودية الذي تم إبلاغه لوكالة الطاقة الذرية ربما ينطوي على افتراض بأن هناك طريقة ربما تم التفاهم عليها بشأن التعامل مع القرار. وطبقا لهندرسون فإن «بروتوكول الكميات الصغيرة» الذي كانت تلتزم به السعودية لم يكن يسمح للوكالة الدولية للطاقة الذرية بالحصول على معلومات كافية، أو الوصول الحر والكامل إلى المواقع النووية السعودية، أو معرفة مكونات البرنامج النووي السعودي. ترتيبات هذا البروتوكول لم تعد تتناسب، في رأي هندرسون، مع التقدم الذي أحرزته السعودية في برنامجها النووي. ومن ثم فإن «اتفاقية الضمانات الشاملة» تمثل الصيغة الأفضل والأكثر ملاءمة من وجهة نظره، إضافة إلى ذلك، يطالب هندرسون بأن تلتزم السعودية بتطبيق «البروتوكول الإضافي»، الذي يسمح لمفتشي الوكالة بإجراء زيارات مفاجئة، وحرية التفتيش على المواقع النووية، بصرف النظر عن الدور الذي تقوم به هذه المواقع في البرنامج النووي السعودي.
ومع أن قرار السعودية لا يتضمن الموافقة على تطبيق «البروتوكول الإضافي» فإن هندرسون يدعو إلى ضرورة إخضاعها له منذ البداية، حتى لا تتكرر تجربة إيران في منع المفتشين من حرية التفتيش على المواقع التي يحددونها. وحذر هندرسون بشكل غير مباشر من تداعيات التساهل في تطبيق هذه المعايير الخاصة بحرية التفتيش الطارئ، خصوصا وأن السعودية من المتوقع أن تبدأ قريبا في تشغيل مفاعل نووي للأبحاث بالقرب من العاصمة الرياض. وقال إن السعودية يجب أن تقدم مسبقا إلى الوكالة جميع الخطط المتعلقة بتشغيل المفاعل، والمنشآت والمعدات كافة المرتبطة به، وأن تسمح بإجراء أعمال التفتيش الطارئ، حتى إذا لم توقع على البروتوكول الإضافي. ولم يكتف هندرسون بالدعوة إلى إخضاع مفاعل الأبحاث النووية وأية منشآت نووية للتفتيش الطارئ، بل إنه مضى إلى ما هو وراء ذلك بكثير، مطالبا بإخضاع السعودية للاستجواب بشأن نواياها النووية في الماضي، وتقديم معلومات واضحة لشرح علاقاتها بدولة باكستان، أو السماح لمفتشي وكالة الطاقة الذرية للقيام بالتحقيق في هذا الشأن. وكشف هندرسون الغطاء عن الشكوك الأمريكية – الإسرائيلية بشأن البرنامج النووي السعودي، قائلا، إن السعودية كانت العميل الرابع لعالم الفيزياء الباكستاني عبد القدير خان الملقب بـ»أبو القنبلة النووية الباكستانية». وقال هندرسون، إن السعودية إلى جانب ليبيا وإيران وكوريا الشمالية، كانت لها علاقات بالعالم الباكستاني. وذكر أن الأمير محمد بن سلمان التقى عددا من القيادات العسكرية خلال زيارته لباكستان عام 2019، منهم الجنرال عاصم منير قائد الجيش الباكستاني، الذي يتحكم أيضا في قيادة القوة النووية. وذكر هندرسون أن الجنرال منير سافر إلى السعودية في زيارة سرية استمرت لعدة أيام في يناير/كانون الثاني من العام الحالي. وفي نهاية مقاله دعا هندرسون إلى ضرورة إصرار واشنطن وشركائها على توجيه الأسئلة الصعبة إلى المسؤولين السعوديين، حول نواياهم بشأن البرنامج النووي، واتخاذ الإجراءات الكفيلة بعدم تحول البرنامج النووي السعودي «السلمي» إلى برنامج عسكري.
كاتب مصري


هام : هذا المقال يعبر فقط عن رأي الكاتب ولا يعبر عن رأي فريق التحرير
التعليقات (0)