- ℃ 11 تركيا
- 15 نوفمبر 2024
إيكونوميست: المساعدات الخارجية غير كافية لتفادي المجاعة بـ غزة
إيكونوميست: المساعدات الخارجية غير كافية لتفادي المجاعة بـ غزة
- 11 يناير 2024, 8:38:45 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
سلطت مجلة "إيكونوميست" الضوء على حالة "المجاعة" التي بدأت تسود قطاع غزة بالفعل بعد 97 يوما من العدوان الإسرائيلي، مشيرة إلى أن سكان القطاع كانوا يعانون أصلا من سوء التغذية على مدى سنوات.
وذكرت المجلة البريطانية، في تقرير أن غزة كانت قبل الحرب الجارية واحدة من أكثر الأماكن اعتماداً على المساعدات في العالم، فقد سحقت الحروب المتكررة والحصار الإسرائيلي المصري القطاع الخاص بها.
ومع ذلك، ظلت العملية الإنسانية التي غطت نحو 80% من سكان غزة، البالغ عددهم 2.2 مليون نسمة، معتمدة على القطاع الخاص، فإذا احتاجت مؤسسة خيرية إلى الدقيق مثلا كانت تتصل بتاجر في غزة، الذي كان يتصل بمطحنة في إسرائيل أو الضفة الغربية، وقد يتولى عمال الإغاثة عملية توصيل الميل الأخير إلى المخابز والأسر، لكن الشركات تتولى الباقي.
وأصبحت الأزمة الإنسانية المتفاقمة في غزة من بين أسوأ الأزمات في القرن الحادي والعشرين، وتقول وكالات الإغاثة إن استمرار الأوضاع الحالية يعني أن عدد الفلسطينيين الذين سيموتون في غزة هذا العام بسبب الجوع والمرض سيفوق عدد الذين يموتون بسبب القصف الإسرائيلي هذا العام.
وتشير المجلة البريطانية، في هذا الصدد، إلى أن تجنب المجاعة بغزة سيتطلب من إسرائيل تسهيل تدفق السلع التجارية، وربما توفير الإمدادات مباشرة، وهو ما عبر عنه فيليب لازاريني، رئيس وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، التي تساعد اللاجئين الفلسطينيين، قائلا: "إن المساعدات وحدها لن تكون كافية. نحن بحاجة إلى القطاع الخاص".
وأوضح أن "تمكين الشركات الخاصة يمكن أن يؤدي إلى تخفيف اختناقات التوزيع والسماح باستيراد المزيد من المساعدات".
وتقول الأونروا إنها ربما تتحول بعد ذلك إلى تقديم المساعدات النقدية بدلاً من مجرد توزيع حصص الإعاشة الضئيلة، على أن يستخدم المستفيدين هذه الأموال لشراء الطعام.
وتلفت المجلة إلى أن حجم الأزمة الغذائية في غزة مذهل، فقد نزح حوالي 1.9 مليون شخص (85% من سكان غزة)، ويلجأ 1.4 مليون شخص إلى المدارس والمرافق الأخرى التي تديرها الأونروا.
ويستضيف أحد المستودعات في مدينة خان يونس الجنوبية حوالي 30 ألف شخص، فضلا عن وجود عشرات الآلاف من المخيمات في جنوبي غزة، فيما يعني الاقتصاد الوحشي في زمن الحرب أن العديد من سكان غزة لا يستطيعون حتى تحمل تكلفة سقف من النايلون فوق رؤوسهم.
وتصل تكلفة الخيام الكبيرة، التي تكفي عائلة ما يصل إلى 5000 شيكل (حوالي 1335 دولارًا)، أي ما يعادل أجر 8 أشهر تقريبًا من متوسط الأجر في غزة قبل الحرب.
وتقول منظمة الصحة العالمية إن كل 220 شخص في غزة له مرحاض واحد، وذلك بعدما انهارت البنية التحتية، إذ بات ما يقرب من ثلثي مستشفيات القطاع مغلقة؛ وتكتظ المستشفيات الثلاثة عشر التي لا تزال تعمل، بالمرضى الذين يعالجون على أرضيات ملطخة بالدماء، وليس لديهم ما يكفي من الإمدادات أو الموظفين.
وتوقفت محطات تحلية المياه، التي كانت توفر المياه النظيفة في السابق، عن العمل بسبب نقص الوقود وقطع الغيار، ويحصل الأطفال النازحون على لترين فقط من الماء يومياً.
وبحسب مقياس الأمم المتحدة لتصنيف مراحل الأمن الغذائي (IPC)، فإن نحو 706 آلاف شخص في غزة مصنفون بالمستوى الخامس، وهو مستوى "التضور جوعا"، وغالبًا ما يبقون دون طعام لمدة 24 ساعة.
ويقول عارف حسين، كبير الاقتصاديين في برنامج الأغذية العالمي، إن "حجم هذه الأزمة وشدتها وسرعتها يجعلها غير مسبوقة".
وفي المقابلات التي أجريت خلال الأسابيع القليلة الماضية، قال معظم الفلسطينيين النازحين في رفح إنهم يتلقون حصصاً غذائية ضئيلة من وكالات الإغاثة، إذ تحصل الأسرة على علبة واحدة من الفاصوليا في اليوم.
وقد تحتوي الأسواق المحلية على بعض الطماطم والباذنجان، ولكن القليل من المواد الغذائية الأساسية، وعندما تكون متاحة، لا يمكن تحمل تكلفتها، إذ يبلغ سعر كيس الدقيق 10 أضعاف ما كان عليه قبل الحرب.
أما سكان غزة المحظوظين بما يكفي من المدخرات فلا يستطيعون الحصول عليها، إذ يصطفون بالآلاف في طوابير أمام أجهزة الصراف الآلي، التي نفدت منها النقود جميعًا.
معايير إعلان المجاعة
ووفق التصنيف الدولي هناك 3 معايير لإعلان المجاعة، وهي: أن يكون 20% من السكان يتضورون جوعا، وأن يعاني 30% من الأطفال من سوء التغذية الحاد، وأن يموت شخصان من كل 10000 شخص كل يوم بسبب الجوع.
وتشير المجلة البريطانية إلى أن المعيار الأول متحقق في غزة بالفعل، وأن وكالات الإغاثة تقول إنها لا تستطيع تقييم المعيارين الآخرين بسبب تدمير النظام الصحي.
وعلى بعد دقائق من غزة، عبر الحدود في إسرائيل، يوجد نظام صحي على المستوى الغربي ولا يوجد نقص في الغذاء، فالظروف اليائسة في غزة ليست نتيجة حتمية للحرب، بل هي نتيجة للقرارات السياسية التي اتخذتها الحكومة الإسرائيلية.
فخلال الأسبوعين الأولين من الحرب، لم تسمح إسرائيل بدخول أي شيء إلى القطاع، ما أجبر الشركات والأسر على استنزاف مخزون الغذاء والدواء وغيرها من الضروريات.
وفي 21 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، بدأت إسرائيل السماح بتدفق البضائع عبر معبر رفح مع مصر، لكن معدل دخول الشاحنات يوميا قد يصل إلى 8 شاحنات فقط، وحتى وقت قريب، كان يتعين على كل شاحنة أن تسير من رفح على بعد 50 كيلومترا جنوبا إلى نيتسانا، على الحدود بين إسرائيل ومصر، ليتم تفتيشها من قبل السلطات الإسرائيلية، ومن ثم تعود إلى رفح. وفي الشهر الماضي، وتحت ضغط أمريكي، قالت إسرائيل إن عمليات التفتيش يمكن أن تتم في كرم أبو سالم، وهي نقطة حدودية بين إسرائيل وغزة كانت المعبر الرئيسي للسلع التجارية قبل الحرب، ومع ذلك فحتى مع وجود معبر ثانٍ، فإن دخول الشاحنات ظل أقل بكثير من معدل 500 إلى 600 شاحنة يوميًا، كانت تدخل غزة قبل الحرب.
تقول تانيا هاري، مديرة منظمة "جيشا" الإسرائيلية غير الحكومية، التي تضغط من أجل حرية حركة البضائع والأشخاص إلى غزة: "كان ذلك في وضع كان فيه إنتاج الغذاء يحدث داخل غزة. اليوم لا يوجد أي إنتاج تقريبًا يمكن الحديث عنه، ولا زراعة ولا صيد أسماك".
ويصر المسؤولون الإسرائيليون على أن هناك الكثير من القدرة غير المستخدمة للشاحنات الإضافية في نيتسانا وكرم أبو سالم، ويزعمون أن الأمم المتحدة تستطيع جلب المزيد من المساعدات إلى غزة، "إذا أرادت ذلك"، فيما يصف العاملين بوكالات الإغاثة ذلك بأنه مخادع.
فعمليات التفتيش الإسرائيلية معقدة وتستهلك وقتا طويلا رغم أن الحكومة الهولندية دفعت تكاليف أجهزة المسح بالأشعة السينية في معبر كرم أبو سالم، وتم استخدامها منذ ديسمبر/كانون الأول، وبالتالي ينبغي السماح بفحص الشاحنات دون تفريغها وإعادة تحميلها، لكن دولة الاحتلال تصر على تفتيشها يدويا، ما يضيف ساعات طويلة إلى كل عملية تسليم. وساعات العمل في المعابر محدودة، والسائقون داخل غزة يشعرون بالقلق بشأن العمل بعد حلول الظلام، عندما يكون القصف الإسرائيلي أعنف في كثير من الأحيان.
كما أن إسرائيل لديها قائمة دائمة التغير من "المواد ذات الاستخدام المزدوج" المحظورة دخولها إلى غزة بزعم أنها يمكن استخدامها للأغراض العسكرية، ومنها قطاع غيار محطات تحلية المياه، والعشرات من المولدات الكهربائية التي تبرعت بها الكويت، إلى جانب الألواح الشمسية والمصابيح التي تعمل بالطاقة الشمسية.
وتشير المجلة البريطانية إلى مشكلة أخرى، وهي أن كثيرا من الدول المانحة تقوم بإرسال كل ما تجمعه، وقد لا تكون غزة بحاجة له دائمًا، وهو ما عبر عنه لازاريني، قائلا: "في البداية رأينا حتى شحنات من لقاحات كوفيد، وهي بالتأكيد واحدة من آخر الأشياء التي نحتاجها الآن. ما يتم إرساله عينيًا لا يتطابق دائمًا مع ما هو مطلوب على الأرض".
وتنتقد المنظمات الإنسانية دور مصر باعتبارها القناة الرئيسية للمساعدات، ويقول أحد مسؤولي الأمم المتحدة في القدس إن الهلال الأحمر المصري، المسؤول عن توصيل المساعدات إلى رفح، "ليس مختصاً"، كما أن الفساد منتشر في مصر ولذا تختفي البضائع المربحة من المستودعات بينما تصل البضائع منتهية الصلاحية إلى غزة.
وحرصاً منها على تحقيق الربح من عملية المساعدات، تبيع الشركات في مصر منتجات غير أساسية، مثل الشوكولاتة، لتحميلها على شاحنات المساعدات.
وتؤكد "إيكونوميست" أن أفضل طريق لتزويد غزة بالإمدادات يمر عبر إسرائيل، وهو الطريق الذي دخل منه حوالي ثلثي البضائع إلى القطاع قبل 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
وطلبت الشركات الخاصة أكثر من 90% من هذه الشحنات، بينما جرى تخصيص 4% منها فقط لوكالات الإغاثة، التي حصلت على معظم احتياجاتها من الشركات في غزة.
لكن معظم الشاحنات التي تصل إلى غزة تتجه اليوم إلى الأمم المتحدة، وسمحت إسرائيل فقط بشحنة تجارية صغيرة في الشهر الماضي، وليس من الواضح كم نسبة القطاع الخاص في غزة الذي يمكن الاعتماد عليه في سلسلة الإمداد، غير أن العاملين في مجال الإغاثة يعتقدون أن الاعتماد على القطاع الخاص لا يزال قابلاً للتطبيق.
لكن ذلك يتطلب من إسرائيل السماح بدخول الشحنات من أراضيها، وهو ما يعترف مسؤول أمني إسرائيلي بأنه "سيحدث في نهاية المطاف، لكن السياسيين يماطلون"، حسبما نقلت المجلة البريطانية.
وإذا لم تتمكن الشركات في غزة من الشراء من الشركات الإسرائيلية، فيمكنها اللجوء إلى الموردين في الضفة الغربية، الذين كانوا قبل الحرب يرسلون حوالي 25% من البضائع إلى غزة، وغالبًا ما تكون البضائع هناك أرخص من تلك الموجودة في إسرائيل.
وتخلص "إيكونوميست" إلى أن إسرائيل هي "القوة المحتلة في أجزاء من غزة على الأقل، وبالتالي فإن القانون الدولي يلزمها باستخدام كافة الوسائل المتاحة لضمان حصول غزة على ما يكفي من الغذاء والدواء"، مشددة على أن وقف إطلاق النار لفترة طويلة هو أفضل وسيلة لإغراق غزة بالمساعدات اللازمة، لكن المسؤولين الإسرائيليين أوضحوا أنهم يخططون لمواصلة القتال.
المصدر | إيكونوميست