احمد سراج يكتب : طردية حجازي احلام الشاعر الكبير

profile
أحمد سراج مؤلف مسرحي وشاعر مصري
  • clock 7 مايو 2021, 7:25:54 م
  • eye 825
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

«طَرْدِيّة» حجازى | أحلام الشاعر الكبير


يتبنى النص الحداثي المصري عند رواد شعر التفعيلة اتجاهًا رئيسًا وهو تخفيف حمولات المجاز بنوعيه؛

 التصويري (التشبيه والاستعارة والكناية) والمرسل بعلاقاته المتعددة (السببية، المحلية، الحالية...

 إلخ) ويتبنى أيضًا التخفيف من قداسة للفظ وجزالة قبل دخوله في النص الشعري، 

راميا في هذه وتينك إلى أن يكون النص منتج الشعرية، عبر منتجه النهائية.
من هنا فالشعرية التي أرادها جاكوبسون والتي مؤداها أن علاقات المفردات في عالم النص المحكم هي ما يجعل النص شعريًّا.
من هنا فقد يقرأ البعض قصائد عبدالصبور والبياتي وحجازي على أنها ليست شعرًا؛ فهذا يخصه..

 مثلما حدث مع نقاد الطائي والمتنبي..
وسواء كان الحديث عن "شربت شايا في الطريق" أو عن "سلة ليمون" أو عن "جيكور" أو عن "خد العذراء فالنتيجة واحدة..

 كأن تعود بهاتف محمول إلى فنان فرعوني وهو يستعد لتزيين مقبرة!
ومهما كان الخلاف النقدي فإنه لا يستوجب أن يكون هناك حكم قيمة، ولا تهجم ولا (قلة أدب).
كان العقاد سيد الحدث الثقافي العربي لدرجة أن صلاح عبدالصبور وحجازي ذهبا إلى مؤتمر في دمش ورفضت اللجنة أن يلقيا شعرهما خوفًا من العقاد،

 وجرت بين العقاد وصلاح معركة نقدية ثقيلة.. على إثر تحويل الأول قصائد صلاح وحجازي للجنة النثر..

 لكن هذا لم يمنع العقاد حين سئل: من تختار ليناقشك؟ أن يقول هذا الولد.. وأشار إلى صورة صلاح.. ويكمل لأنه يقرأ.
أقرأ معكم قصيدة حجازي "طردية"
هو الربيع كان
واليوم أحدْ
وليس فى المدينة التى خلت
وفاح عطرها سواى
قلت: أصطاد القطا
كان القطا يتبعنى من بلد إلى بلدْ
يحطّ فى حُلْمى ويشدو
فإذا قمتُ شردْ
حملتُ قوسى
وتوغلت بعيدا فى النهار المبتعدْ
أبحث عن طير القطا
حتى تشممت احتراق الوقت فى العشب،
ولاح لى بريق يرتعدْ
كان القطا
يدخل كاللؤلؤ فى السماء،
ثم ينعقدْ
مقتربا،
مسترجعا صورته من البَدَدْ
مُسَّاقطا
كأنما على يدى
مرفرفا على مسارب المياه كالزَّبَدْ
صوبتُ نحوه نهارى كله،
ولم أَصِدْ
عدوْتُ بين الماء والغيمة،
بين الحلم واليقظة،
مسلوب الرَّشَدْ
ومذ خرجت من بلادى لم أَعُدْ
رغم أن المعنى ليس من أهداف النص الجديد لكنه واضح لا لبس فيه هنا: هناك ما يغوي الرجل،

 يخاتله وكلما حاول الإمساك به أفلت، حتى قرر الرجل ألا يعود دون ما يغويه لكنه خرج ولم يعد.
ثمة تناص بين هذه القصيدة وبين "الشاعر وصورة الكمال" لعبد الرحمن شكري،

 وبين عشرات القصائد التي تناولت الموضوع ذاته؛ بل اقرأ هذا البيت:
والنفس كالطفل إن تتركه شب على حب الرضاع وإن تفطمه ينفطم.
واقرأ:
أرانا موضعين لأمر غيب ... ونسحر بالطعام وبالشراب
ثم اقرأ قصيدة جبران "البلاد المحجوبة"
أَسرابٌ أَنتَ أَم أَنتَ الأَمَل ... في نُفوسٍ تَتَمنّى المُستَحيل
هناك إذن موضوعان في النص؛ سطحي، واضح؛ محاولة اصطياد لا تنجح، لكنها مستمرة،

 وهناك ما يشبه الغرض الشعري (الطراد) وفيه آلاف القصائد.
لكن النص يخالف سابقيه؛ فهو يطارد طائرًا خفيفًا خفيفًا لا يؤكل.
ثمة دوال تفتح آفاق التأويل، وإن حاولت تقييدها بمعنى فأنت تربط نجمة بحبل؛ (الربيع - المدينة - عطرها - أحد - القطا) لكن جرب معي
الربيع: موسم التفتح والانطلاق، المدينة: مكان السكن المقيد، مكان الغواية الصناعية؛ لذلك وجب أن نضع (عطرها)
هناك صنفان من الجمال إذن:
(1) جمال طبيعي (الربيع) خلت المدينة من أجل الذهاب إليه.
(2) جمال صناعي (المدينة) بعطرها وغوايتها.
لكن الشاعر يستجيب لمصدر غواية خاص (يتبعه حتي يتعلق به فيفلت منه،

 وفي النهاية يخسر الشاعر الخروج للربيع والتمتع بالمدنية ويعود دون صيد)
لكن هل خسر الشاعر؟
لا يموت الشاعر هنا كما في قصيدة شكري:
فرحمةُ الله على شاعـــرٍ ماتَ قتيلاً للأمانِي الطِّــــــوال
ولا يكتشف أن الكنز داخله كجبران:
أَنتَ في الأَرواحِ أَنوارٌ وَنار .. أَنتَ في صَدري فُؤادي يَختَلج
هذه محض محاولة لقراءة نص شديد الثراء لشاعر إنساني كبير..

التعليقات (0)