- ℃ 11 تركيا
- 21 نوفمبر 2024
اشرف دوابة يكتب: قراءة في السياسة النقدية المصرية
اشرف دوابة يكتب: قراءة في السياسة النقدية المصرية
- 9 أغسطس 2023, 7:27:08 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
رفع البنك المركزي المصري أسعار الفائدة يوم الخميس الماضي بمقدار 100 نقطة أساس بعد تثبيتها خلال الشهرين السابقين، ليصل سعر الفائدة على الإيداع والإقراض لليلة واحدة إلى 19.25 في المئة و20.25 في المئة على الترتيب، وسعر الائتمان والخصم والعملية الرئيسية للبنك المركزي عند 19.75 في المئة، وبذلك تكون أسعار الفائدة قد ارتفعت بنحو 1100 نقطة أساس منذ آذار/ مارس 2022. وقد عزا البنك المركزي هذه الزيادة لتفادي الضغوط التضخمية والسيطرة على توقعات التضخم، وقد بلغ معدل التضخم بمدن مصر أعلى مستوى له على الإطلاق في حزيران/ يونيو مسجلا 35.7 في المئة مقارنة بـ32.7 في المئة في الشهر السابق.
وقد رأى البعض أن هذا القرار جاء مخالفا للتوقعات، حيث كان الرأي أن الاتجاه سيكون نحو تثبيت سعر الفائدة، وفي رأينا أن هذه التوقعات لم تكن صائبة، وأن ما فعله البنك المركزي من رفع سعر الفائدة كان متوقعا وهو تحصيل حاصل في ظل الظروف الصعبة التي يعيشها الاقتصاد المصري وأوشك على الغرق، فقد بدت ظواهر هذا الارتفاع من خلال ما سبقه من طرح البنك الأهلي المصري وبنك مصر (وهما بنكان حكوميان يعكسان سياسة الحكومة) شهادتين دولاريتين بفئة 1000 دولار أمريكي ومضاعفاتها للشهادة، وذلك للمصريين والأجانب؛ الشهادة الأولى بعائد 9 في المئة سنوياً، ويصرف العائد مقدماً للسنوات الثلاث 27 في المئة تراكمي بالجنيه المصري؛ كما أن الشهادة الثانية ذات عائد 7 في المئة سنوياً، ويصرف العائد ربع سنويا بالدولار الأمريكي، ويبدأ تاريخ إصدار الشهادة اعتباراً من يوم العمل التالي للإيداع ويعتبر أساس العائد والاسترداد، طبقاً للشروط والأحكام المنظمة لذلك، كما يمكن لحاملي الشهادة الأولى الاقتراض بالجنيه المصري وحتى 50 في المئة من القيمة الاستردادية للشهادة وبحد أقصى 10 ملايين جنيه، ويتم استرداد الشهادات بالدولار الأمريكي.
لا يختلف إصدار هذه الشهادات عن النظام الهرمي الذي يأخذ الأموال من هذا ويعطيها لآخر دون توزيع عائد حقيقي، أو ما يمكن تسميته سياسة الترقيع
فهذه الشهادات صدرت بعائد مغالى فيه رغبة في المساهمة في سد الفجوة الدولارية التي تجاوزت 30 مليار دولار، وإنقاذا للبضائع المكدسة في الموانئ المصرية والتي تحتاج لأكثر من 5.5 مليار دولار، ومعالجة لعدم ثقة المواطن المصري في الوضع الاقتصادي؛ حيث انخفضت تحويلات المصريين العاملين في الخارج بما يزيد عن نسبة 26 في المئة. ولا يختلف إصدار هذه الشهادات عن النظام الهرمي الذي يأخذ الأموال من هذا ويعطيها لآخر دون توزيع عائد حقيقي، أو ما يمكن تسميته سياسة الترقيع. بل إن البنك الأهلي وبنك مصر بعد قرار رفع البنك المركزي سعر الفائدة قاما برفع أسعار الفائدة على شهادات الادخار الثلاثية ذات العائد المتغير بنسبة 1 في المئة لتصل إلى 19.5 في المئة بدلا من 18.5 في المئة في السابق.
إن السياسة النقدية المصرية والتي باتت أكثر تشددا من خلال المزيد من رفع سعر الفائدة، لها خطورتها وتبعاتها لا سيما على تكلفة الائتمان، وزيادة الأسعار، والمزيد من انكماش القطاع الخاص، والدخول في ركود تضخمي، ولن يزيد هذا الرفع الأمور إلا ترقيعا وتعقيدا.
السياسة النقدية المصرية والتي باتت أكثر تشددا من خلال المزيد من رفع سعر الفائدة، لها خطورتها وتبعاتها لا سيما على تكلفة الائتمان، وزيادة الأسعار، والمزيد من انكماش القطاع الخاص، والدخول في ركود تضخمي، ولن يزيد هذا الرفع الأمور إلا ترقيعا وتعقيدا
وهذه الزيادة في سعر الفائدة -في رأينا- هي رسالة لصندوق النقد الدولي بأن الحكومة المصرية تسير وفق توصياته وتخضع لإرشاداته، لا سيما الخضوع لشروط القرض الأخير بقيمة ثلاثة مليارات دولار، والذي لم تحصل مصر سوى على دفعة واحدة منه في نهاية العام الماضي، وتوقفت الدفعة الثانية بسبب عدم إجراء المراجعة الأولى لبرنامج الصندوق والتي كان مقررا لها في منتصف آذار/ مارس الماضي لتأخر الحكومة في تنفيذ الإجراءات المتفق عليها مع الصندوق؛ التي تشمل الاستمرار في تحرير سعر صرف العملة المحلية، والمضي قدما في برنامج الطروحات الحكومية للشركات المملوكة لها لصالح القطاع الخاص.
إن سلوك الحكومة المصرية يكشف أنها في طريقها للمزيد من الخضوع والتضحية بالمواطن من أجل تحقيق الرضا للصندوق، فقد منحت مؤسسة التمويل الدولية وصاية على خصخصة الشركات الحكومية، ورفعت سعر الفائدة، ومن المتوقع في أيلول/ سبتمبر أو تشرين الأول/ أكتوبر القادمين أن تقوم بتعويم جديد للعملة المصرية، وما هو ما يعني فتح باب الدمار للاقتصاد وغلاء الأسعار وقتل الحماية الاجتماعية، وبذلك يكون حدث ما قلته وكتبته -قبل سنوات- بعد الانقلاب العسكري؛ بأن السياسة الاقتصادية للانقلاب تتلخص في كلمات ثلاث: "التجريف والتوريط والتخدير".. تجريف لموارد مصر بالبيع، وتوريط للبلاد والعباد في ديون، وتخدير للشعب بتجميل زائف لمشروعات باهظة التكاليف قليلة العائد من خلال ديون بلا تنمية.. لك الله يا مصر.