- ℃ 11 تركيا
- 22 نوفمبر 2024
الاتجاهات الرئيسية لاستراتيجية الأمن القومي لإدارة بايدن
الاتجاهات الرئيسية لاستراتيجية الأمن القومي لإدارة بايدن
- 14 أكتوبر 2022, 11:03:17 ص
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
أصدرت الإدارة الأمريكية في 12 أكتوبر 2022 استراتيجية الأمن القومي لعام 2022 بعد تأخر دام فترة طويلة، وانتقادات عدة طالت الإدارة الأمريكية بسبب هذا التأخير. وقد شدَّد الرئيس الأمريكي جو بايدن في مطلع الاستراتيجية على أن الإدارة الأمريكية ستغتنم كافة السبل والأدوات المتاحة للحفاظ على المصالح الحيوية الأمريكية خلال العقد المقبل، وللتغلب على المنافسين الجيوسياسيين، وعلى رأسهم الصين وروسيا؛ هذا بجانب تعزيز التعاون مع الحلفاء في أوروبا وآسيا، والسعي نحو تخفيف التوترات في منطقة الشرق الأوسط لحماية مصالح الحليف الأول لواشنطن بالمنطقة (إسرائيل). كما أكدت الاستراتيجية أن التحديات التي يجابهها العالم الراهن، سواء جائحة كوفيد-19، أو الاضطرابات الاقتصادية أو التغيرات المناخية، تحتاج إلى زيادة التعاون الدولي، والدفاع عن القيم الأمريكية في مواجهة الخصوم. وفيما يلي يمكننا إيجاز أهم ما جاء في الاستراتيجية الجديدة الصادرة عن الإدارة الأمريكية، التي تأتي في وقت حرج يتخوف فيه العالم من حدوث تحولات كبيرة في البيئة السياسية العالمية.
تنافُس محموم
أفادت الاستراتيجية بأن روسيا والصين تعتبران مهددين أساسيين للنظام الدولي؛ فموسكو تضرب بعرض الحائط كافة القوانين العالمية وتهدد أمن أوروبا، وقد أظهرت ذلك في تدخلها في أوكرانيا. أما بكين فتسعى إلى إعادة تشكيل النظام الدولي مستخدمة كافة الأدوات الاقتصادية والعسكرية والدبلوماسية والتكنولوجية لتحقيق هذا الغرض، وتوسيع نفوذها الجيوسياسي. وتتمثل المعضلة هنا في أن الولايات المتحدة نفسها تشترك في مصالح مع كلتا الدولتين تتطلب منها البحث عن صيغ أكثر دبلوماسية للتعامل معهما. وفيما يلي يمكننا ذكر أهم ما تم ذكره عن خريطة التنافس العالمي والتهديدات التي تقوض مصالح واشنطن.
1- إصرار بكين على إعادة تشكيل النظام الدولي: رأت الاستراتيجية أن الصين هي المنافس الوحيد الذي يرغب في إعادة تشكيل بيئة النظام الدولي، وتعزيز سيطرتها على منطقة المحيطين الهندي والهادئ من خلال تطويع كافة أدواتها العسكرية والتكنولوجية والاقتصادية، حتى إنها ترغب في زيادة التأثير على المؤسسات الدولية لنشر قيمها وحماية مصالحها. وفي هذا السياق، شرحت الاستراتيجية آليات مواجهة بكين التي ستتمثل في تعزيز القوة الداخلية الأمريكية عبر الاستثمار في الديمقراطية والابتكار، بجانب تعزيز التعاون مع الحلفاء لمواءمة الجهود وحماية المصالح المشتركة، مع تلبية الاحتياجات الاقتصادية والتنموية للدول الشريكة، ومعالجة مجموعة من الثغرات تستغلها بكين، على غرار البنية التحتية الرقمية غير الموثوق بها.
وأكَّدت الاستراتيجية أن واشنطن ستلتزم في تعاملها مع تايوان بمبدأ الصين الواحدة، كما ستحرص على التعاون مع بكين والشراكة معها للحفاظ على المصالح المشتركة، وحل الأزمات الدولية، بما في ذلك أزمات المناخ والصحة والغذاء، ومنع انتشار الأسلحة النووية ومكافحة الاتجار في المخدرات، مؤكدة أن الخلافات مع الحزب الشيوعي الصيني لن تؤثر على علاقات الصداقة بين الشعبين الأمريكي والصيني.
2- تبني موسكو مؤخراً سياسة خارجية “إمبريالية“: نوَّهت الاستراتيجية بما اعتبرته سياسة خارجية روسية “إمبريالية” تم تبنيها في العقد الأخير، وكان آخر مظاهرها التدخل الروسي في أوكرانيا في فبراير الماضي، وسبقه التدخل في شبه جزيرة القرم في عام 2014، والتدخلات الروسية العسكرية في سوريا، والمحاولات الدؤوبة لتقويض العملية الديمقراطية في أوروبا وآسيا الوسطى. فضلاً عن محاولات موسكو زرع الانقسام داخل المجتمع الأمريكي، وبالرغم من ذلك عملت واشنطن طوال عقود على تحديد مجالات تعاون برجماتية بين موسكو وواشنطن، لكن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قد رفض تلك الجهود.
وفي هذا الإطار، أفادت الاستراتيجية بأن الولايات المتحدة ستستمر مع حلفائها في تقديم الدعم إلى الشعب الأوكراني في حربه ضد روسيا، كما ستحرص على محاسبة النظام الروسي، وسيكون هناك تقويض للقدرات الروسية من خلال زيادة تضييق الخناق على مجالات الدفاع والفضاء. ويضاف إلى ذلك الترحيب بانضمام فنلندا والسويد إلى حلف الناتو لزيادة قدرة الحلف على مواجهة التهديدات الروسية، مع تشجيع أوكرانيا على التكامل الإقليمي مع الاتحاد الأوروبي، والتصدي للتهديدات الروسية ضد البنية التحتية الحيوية الأمريكية، وعدم السماح لها باستخدام أسلحتها النووية في أوكرانيا. وبالرغم من ذلك ستحاول واشنطن إيجاد لغة تفاهم مشتركة مع موسكو للتعاون بشأن القضايا التي تهم الطرفين، كما سيكون هناك حفاظ على العلاقات الوثيقة مع الشعب الروسي.
3- تهديد متواصل من إيران وكوريا الشمالية: ارتأت الاستراتيجية أن إيران أيضاً تمثل تهديداً للشركاء والحلفاء من خلال التدخل في شؤونهم الداخلية، واستخدام الصواريخ والطائرات بدون طيار عبر وكلائها في مختلف المناطق، بجانب تآمرها لإلحاق الضرر والأذى بالمدنيين، إضافة إلى العمل على تطوير برنامجها النووي الذي لن يستخدم في أغراض مدنية سلمية كما تزعم، كما تطرقت الاستراتيجية إلى التهديدات التي يمثلها برنامج كوريا الشمالية النووي، وبرامج الصواريخ الباليستية.
رؤى مستقبلية
أشارت الاستراتيجية إلى أن الأوقات الراهنة ستحدد مستقبل العالم، وإذا ما كان سيصبح أكثر استقراراً أم اضطراباً؛ إذ انتهت حقبة الاستقرار التي عاصرها العالم بعد الحرب الباردة، كما أن حدة التنافس بين القوى الكبرى قد بلغت ذروتها. وهذا يتطلب من الولايات المتحدة وضع رؤية تمكنها من مواجهة التطورات الجديدة. وفيما يأتي يمكن توضيح تلك الرؤية:
1- السعي إلى الحفاظ على استقرار النظام الدولي: أكدت الاستراتيجية أن العالم الآن يحتاج إلى الولايات المتحدة أكثر من أي وقت مضى؛ وذلك بسبب كثرة المشكلات التي تواجهه وعلى رأسها ارتفاع مستويات التضخم منذ جائحة كوفيد-19، وتعرض الدول للاعتداءات العسكرية والغزو من جيرانها بصورة تُعيد ترسيم الحدود الجغرافية والسياسية بين الدول بالإكراه، مع الصراع بين الديمقراطيات والأنظمة الاستبدادية، وزيادة الكوارث الطبيعية وتأثر الأمن الغذائي بسبب زيادة حدة التغيرات المناخية. وهنا سيبرز دور واشنطن التي تُعد الدولة الأقوى عالمياً من النواحي الاقتصادية والعسكرية والتكنولوجية والابتكارية ومن حيث التنوعات الثقافية والعرقية الموجودة بها، وكلها أدوات ستُستخدم لجعل الولايات المتحدة شريكاً أمثل لكافة الحلفاء والدول التي تشترك مع الرؤى الأمريكية، بما في ذلك الحلفاء في أوروبا ومنطقة المحيطين الهندي والهادئ لكي يعملوا معاً ويحافظوا على الديمقراطية العالمية، وحقوق الإنسان، والنظام الدولي السلمي.
2- التوجه نحو تعزيز مكانة الولايات المتحدة العالمية: أوضحت الاستراتيجية أن الولايات المتحدة ستعمل على تعزيز استقرار أسواق الطاقة وسلاسل التوريد العالمية بالتعاون مع الحلفاء والشركاء في حلف الناتو ومنطقة المحيطين الهندي والهادئ، كما ستعمل على مواجهة التغيرات المناخية عبر الاهتمام بتقنيات الطاقة المبتكرة من خلال زيادة الاستثمارات الوطنية، وتعميق التعاون مع الشركاء لرسم وتشكيل البيئة الاستراتيجية العالمية، مع تعزيز قدرات الجيش الأمريكي وزيادة تجهيزه للتصدي للتهديدات الإرهابية وغيرها من التهديدات الخارجية، مع تنفيذ استراتيجية صناعية حديثة لدعم وتشغيل القوى العاملة الأمريكية على المستوى الداخلي. وذلك بجانب تعزيز استخدام الأدوات الدبلوماسية والاقتصادية، وتعزيز الرخاء المحلي لزيادة القدرة على حماية المصالح والقيم الأمريكية، والعمل على تقليل الموارد التي تحتاجها منطقة الشرق الأوسط من واشنطن على المدى الطويل من خلال تكريس العمل لتحقيق السلام والاستقرار به، بجانب العمل على تقليل حدة اللا مساواة في كافة دول العالم.
3- تكريس الترتيبات الاقتصادية مع الحلفاء والشركاء: سلَّطت الاستراتيجية الضوء على الترتيبات الاقتصادية التي ستسعى الولايات المتحدة إلى تبنيها خلال المرحلة القادمة التي تتمثل في: تعميق الشراكات وتنفيذ المبادرات الاقتصادية على غرار الإطار الاقتصادي لمنطقة المحيطين الهندي والهادئ، وتعزيز استثمارات البنية التحتية لمساعدة البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل على تحقيق التنمية. علاوة على تبني إجراءات لتعزيز فرص الاستثمار في الطاقة النظيفة، وخلق الوظائف ذات الصلة بها، مع حماية الفضاء السيبراني العالمي، وتبني إجراءات تضمن أن تدفع الشركات الكبرى نصيبها العادل والمستحق من الضرائب سواء في الولايات المتحدة أو خارجها. وتعميق التعاون الاقتصادي مع دول التحالف الأمني الرباعي: أستراليا واليابان والهند، بجانب الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة، وإسرائيل، والإمارات العربية المتحدة.
وفي السياق ذاته، أكدت الاستراتيجية التماهي بين السياسة الداخلية والسياسة الخارجية، مشيرة إلى أن ضمان خلق ميزة تنافسية أمريكية في بيئة التنافس العالمي يتطلب استثمارات محلية قوية، مع الاهتمام بالطبقة الوسطى الأمريكية، وتعزيز صناعة أشباه الموصلات في الولايات المتحدة، وهو الأمر الذي سيكفله قانون الرقائق والعلوم الذي وقَّع عليه الرئيس بايدن في الفترة الأخيرة، والذي يتيح استثمارات هائلة لتعزيز قطاع صناعة أشباه الموصلات، وخلق الملايين من فرص العمل.
4- تأكيد محورية الشراكات والتحالفات الأمريكية: لفتت الاستراتيجية الانتباه إلى الدور الحاسم الذي لعبته التحالفات والشراكات الأمريكية مع الحلفاء على مدى ثمانية عقود، مشيرة إلى الدور الذي لعبه حلف الناتو في التصدي لتصعيد “العدوان الروسي” داخل أوروبا، فضلاً عن تداركه التهديدات التي تمثلها الصين على الأمن العالمي في قمة مدريد في عام 2022. وأضافت أن الشراكة الأمنية مع تحالف العيون الخمس (أستراليا وكندا ونيوزيلندا والمملكة المتحدة)، بجانب التحالف الأمني الرباعي (اليابان والهند وأستراليا)، وتحالف أوكوس (أستراليا والمملكة المتحدة)، يحفظ أمن واستقرار منطقة المحيطين الهندي والهادئ، ويضمن سلامة وحرية العبور عبر مضيق تايوان.
كما أكدت الاستراتيجية الحاجة إلى تعزيز تلك التحالفات على مختلف الأصعدة كما في الشراكة من أجل البنية التحتية العالمية والاستثمار، التي نجحت في تأمين 3 مليارات دولار من مجلس دول التعاون الخليجي لدعم مشاريع البنية التحتية العالمية، والصحة العالمية، وأمن الطاقة والمناخ؛ لأن ذلك من شأنه حماية الأمن القومي للولايات المتحدة ودعم استقرار بيئة النظام العالمي، وتعزيز المساءلة والديمقراطية واحترام القانون الدولي، ومواجهة القمع والسلطوية. وفي السياق ذاته، أكدت الاستراتيجية أهمية الشراكات مع المنظمات المالية الدولية مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، بجانب الشراكات مع منظمات المجتمع المدني، والمؤسسات الخيرية، وشركات القطاع الخاص لتبني مبادرات مختلفة تعالج التحديات التي تواجه العالم، وتحقق التنمية العالمية.
5- مواصلة العمل على تعزيز قدرات الردع: أكدت الاستراتيجية أن التعاون مع الحلفاء وتعزيز قدرات الجيش الأمريكي مع الاستثمار في البرامج التكنولوجية وبرامج حماية وتعزيز الأمن السيبراني وأمن الفضاء والقدرات النووية الأمريكية ستكون السبيل لزيادة القدرة على ردع وترهيب الأعداء، وعلى رأسهم الصين وروسيا، والتصدي للتهديدات الإرهابية التي تواجه واشنطن، وحلفاءها.
قضايا عالمية
ركزت الاستراتيجية على القضايا ذات الاهتمام العالمي المشترك التي تسعى الولايات المتحدة إلى التعامل معها بالتعاون مع حلفائها وشركائها حول العالم، وهي على النحو التالي:
1- أولوية التغيرات المناخية وأمن الطاقة العالمي: أكدت الاستراتيجية أن الحرب الروسية–الأوكرانية كانت إنذاراً بضرورة تقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري، والتوجه نحو الطاقة النظيفة، وهو أمر لن يتم بين ليلة وضحاها، ولكنه سيحتاج إلى شراكات وتعاون مع الحلفاء لضمان الانتقال السلس نحو الاعتماد الكلي على الطاقة النظيفة، والتعاون من خلال الوكالة الدولية للطاقة، وغيرها من المؤسسات المعنية بقطاع الطاقة. وأكدت الاستراتيجية ضرورة مساعدة البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل على التكيف مع تبعات التغير المناخي، مشيرة إلى استهداف واشنطن توفير نحو 11 ملياراً سنوياً بالتعاون مع الحلفاء للمساعدة على التكيف مع تغيرات المناخ.
2- التشديد على الاستعداد للأوبئة المستقبلية: أضحت الاستراتيجية أن الأوبئة القادمة ستكون أشد خطراً من فيروس كوفيد-19 الذي أودى بحياة ما يصل إلى 6,5 مليون شخص حول العالم، وهو ما يتطلب تبني خطوات قوية على الصعيدين الوطني والعالمي لتأمين النظام الصحي العالمي، وتعزيز الدفاعات البيولوجية، وتحسين أنظمة الإنذار المبكر ومراقبة الأمراض وتبادل البيانات، والتعاون مع المنظمات وشركات القطاع الخاص لتعزيز التصنيع المستدام للقاحات، بجانب تقوية اتفاقيات الأسلحة البيولوجية مع الدول لردع الدول على خوض حروب بيولوجية، ومنع استحواذ الإرهابيين عليها أو استخدامها.
3- العمل على تحقيق الأمن الغذائي العالمي: أشارت الاستراتيجية إلى آثار الحرب الروسية–الأوكرانية وجائحة كوفيد-19 والتغيرات المناخية والصراعات الطويلة الأمد على الأمن الغذائي العالمي؛ حيث تناقص إنتاج الحبوب الغذائية، وباتت هناك صعوبة في توفير احتياجات الناس الغذائية، مؤكدة أن الولايات المتحدة هي “أكبر مساهم في برنامج الغذاء العالمي، والجهة المانحة الرئيسية في كل بلد – تقريباً – يعاني من أزمة غذائية إنسانية”، لكن هناك حاجة لبذل جهود أكبر على الساحة الدولية من خلال الشراكة بين الحكومات والمؤسسات الفاعلة والمنظمات غير الحكومية للحفاظ على سلاسل الإمداد الغذائية.وقد أطلقت واشنطن بالفعل بالتعاون مع حلفائها “خارطة الطريق من أجل تحقيق الأمن الغذائي العالمي”، التي تتضمن مجموعة من الخطوات للمساعدة على تحقيق الأمن الغذائي للمواطنين داخل أكثر من 100 دولة موقعة على تلك الخريطة.
4- التعاون الدولي للحد من التسلح وعدم الانتشار: أكدت الاستراتيجية الحاجة إلى التعاون الدولي لمنع انتشار أسلحة الدمار الشامل، خاصة في أوقات الصراع، وهو ما ستعمل عليه الولايات المتحدة خلال الفترة القادمة عبر الشراكة مع الحلفاء والمنافسين لتحقيق الاستقرار الاستراتيجي وتقليل مخاطر في بيئة النظام الدولي، وتعزيز عمل الهيئات التابعة للأمم المتحدة المختصة بهذا الشأن، ودعم اتفاقيات منع انتشار تلك الأسلحة والحد منها.
5- مُواصلة القتال لمكافحة الإرهاب الدولي: أوضحت الاستراتيجية أن أفغانستان واليمن وسوريا والصومال لا تزال ملاذات آمنة للإرهابيين، وأن هناك فروعاً راسخة من التنظيمات الإرهابية على غرار تنظيم داعش متمركزة بها. وكل تلك الجماعات تعتزم مهاجمة الولايات المتحدة. وبالرغم من التدابير التي تم تبنيها خلال الفترة الماضية والتي قوضت قوة تلك الجماعات إلى درجة ما، لكن تظل هناك تهديدات ناجمة عنها؛ لذلك ستستمر واشنطن في مواصلة القتال ضد تلك التنظيمات، بالتعاون مع الحلفاء والشركاء، وتحسين عملية تبادل المعلومات الأمنية معهم، مع زيادة تأمين الحدود، ورصد الأموال لتمويل برامج مكافحة الإرهاب، والعمل على معالجة الأسباب التي تدفع إلى التطرف.
6- تعزيز الأمن السيبراني وحماية الشبكات: تطرقت الاستراتيجية إلى ضرورة تعزيز الاستثمارات العالمية في تعزيز الأمن السيبراني عبر بناء بنية تحتية رقمية قوية، مؤكدة ضرورة عدم الاكتفاء بالاستثمار داخل البلدان الغنية، مع ضمان تحقيق سلامة وأمن البيانات، وحماية الشبكة الرقمية لسلاسل التوريد، وسد الفجوة الرقمية بين البلدان الغنية والمتوسطة والمنخفضة الدخل، بجانب التأكد من عدم تهديد التكنولوجيا للديمقراطية وعدم انتهاكها حقوق الإنسان، مع حماية الشبكات من الهجمات الإلكترونية المختلفة، ومحاسبة مجرمي الإنترنت.
7- الحفاظ على قواعد التجارة الحرة العادلة: ارتأت الاستراتيجية أن الاقتصاد الأمريكي قد استفاد من قواعد التجارة العالمية الحرة وفرص التصدير والاستيراد، مشيرة إلى ضرورة التحرك والعمل على حماية تلك القواعد التي تقوضها الصين من خلال الممارسات التجارية غير العادلة التي تزيد حدة اللا مساواة، ومشددة على أهمية حماية حقوق الملكية الفكرية، وضمان القضاء على ممارسات العمل الجبري وأي شكل من أشكال قمع العمال، مع إعطاء قدر أكبر من الأهمية لاتفاقيات التجارة الدولية، وتعزيز الاستجابة لتحديات الديون التي تُواجه مختلف الدول، والعمل من أجل ضمان إشراك النساء والفئات المهمشة في القوى العاملة.
مناطق الاهتمام
استرسلت الاستراتيجية متطرقة في جزء آخر إلى مجموعة من المناطق التي يجب ضبط الأوضاع بها والتي تُعد محور اهتمام الولايات المتحدة. وفيما يلي يمكن الإشارة إلى تلك المناطق:
1- اهتمام خاص بمنطقة المحيطين الهندي والهادئ: أولت الاستراتيجية تلك المنطقة اهتماماً خاصاً، مشيرة إلى ضرورة حماية حرية التجارة وحرية الملاحة البحرية بها؛ وذلك عبر تعزيز الشراكات مع دول منظمة الآسيان، ودول جنوب شرق آسيا في مختلف القضايا مثل التغير المناخي ومواجهة وباء كوفيد-19، مشيرة إلى أهمية منطقة بحر الصين الجنوبي التي تعد طريق عبور ربع التجارة العالمية، ومؤكدة ضرورة التقريب بين حلفاء واشنطن في تلك المنطقة – وعلى رأسهم الهند – وبين دول الاتحاد الأوروبي، والحفاظ على التزامات واشنطن الأمنية تجاه حلفائها، وتحديداً أستراليا واليابان وكوريا الجنوبية والفلبين وتايلاند، بجانب استمرار الجهود لنزع السلاح النووي من شبه الجزيرة الكورية، واستعادة التحول الديمقراطي في بورما.
2- توثيق التحالفات مع أوروبا وحلف الناتو: رأت الاستراتيجية أن أوروبا والولايات المتحدة تجمعهما المصالح والقيم الديمقراطية، فضلاً عن الروابط التاريخية؛ فأوروبا حليف وثيق لواشنطن في معالجة مختلف التحديات العالمية. وفي ضوء ذلك، ستحافظ واشنطن على تدعيم العلاقات مع الحلفاء والشركاء الأوروبيين من خلال مختلف التحالفات، بما في ذلك حلف الناتو؛ وذلك للدفاع عن القيم الديمقراطية، ودعم أوكرانيا في حربها ضد روسيا، وتقديم الدعم الإنساني اللازم لشعبها، ومساعدة الدول الأوروبية الأخرى التي تكافح لإقرار الديمقراطية مثل جورجيا ومولدوفا ودول غرب البلقان، وهذا سيتطلب تعزيز القدرات الدفاعية للحلف لمواجهة التحديات الأمنية المختلفة، بما في ذلك أمن الفضاء، والصين، والأمن المناخي، وروسيا، وأمن الطاقة، والإرهاب. كما يتطلب استمرار العمل والتنسيق مع تركيا لتستمر في الحفاظ على علاقتها المتعددة الأبعاد مع الغرب.
3- تعميق الروابط والتعاون مع دول الأمريكيتين: أفادت الوثيقة بأن الولايات المتحدة تربطها روابط وثيقة مع دول نصف الكرة الغربي في الأمريكيتين من حيث الروابط العائلية أو القيم المشتركة والتجارة المتبادلة، ومن الضروري أن تعمل واشنطن للتعاون مع دول الأمريكيتين لحل مختلف المشكلات التي تواجهها، سواء كانت صحية أو اقتصادية أو غير ذلك لتهدئة الاضطرابات السياسية والاجتماعية داخل تلك البلدان، ومعالجة مشكلة الهجرة غير النظامية إلى الولايات المتحدة.
وهذا سيتطلب تعزيز الشراكات الثنائية، وتبني مبادرات إقليمية بالتعاون مع مختلف الدول في المنطقة، وأهمها كندا والمكسيك، مع تنفيذ الالتزامات التي تم التعهد بها في القمة التاسعة للأمريكيتين، مع بناء نظام هجرة عادل عبر توسيع المسارات القانونية للهجرة النظامية، بجانب مكافحة التهريب والاتجار غير المشروعين بالبشر، ومساعدتها على تنفيذ برامج التكيف مع المناخ، ودعم أنظمة الحكم الديمقراطية التي تسعى إلى تلبية احتياجات المواطنين.
4- أهمية الشراكة الأمريكية مع الدول الأفريقية: رأت الاستراتيجية أن إفريقيا تعتبر قوة جيوسياسية لا غنى عنها خلال الفترة القادمة؛ حيث تشكل دول القارة كتلة إقليمية يمكنها قيادة التصويت داخل المؤسسات الدولية الكبرى بما في ذلك الأمم المتحدة. ومن المهم تعزيز الشراكة الأمريكية مع دول القارة، وكذلك مع منظمة الاتحاد الإفريقي، ومنظمات المجتمع المدني وشركات القطاع الخاص في مختلف المجالات على غرار التصدي للأوبئة، والتهيؤ لمواجهة التغيرات المناخية. مع الضغط على الشركاء لمراعاة حقوق الإنسان، وتعزيز الديمقراطية، ودعم جهود حل الصراعات وحفظ عمليات السلام، ومكافحة الإرهاب وتعزيز الأمن الغذائي للقارة.
5- الحفاظ على أمن منطقة القطب الشمالي: أكدت الوثيقة مخاطر التغيرات المناخية على أمن وسلامة منطقة القطب الشمالي، والنظام البيئي به، مشيرة إلى احتمالية حدوث صراعات على المنطقة مستقبلاً نظراً إلى أن التغيرات المناخية ستساهم في خلق فرص اقتصادية محتملة بالقارة؛ حيث تسعى الصين وروسيا إلى زيادة استثماراتهما في المنطقة؛ *ما يعقد بيئة التنافس مع الولايات المتحدة بها، وفي ضوء ذلك، ستعمل واشنطن على حماية مصالحها معتمدة على وعيها البحري الكبير، وقدرتها على الاستجابة للكوارث الطبيعية، وإثبات حضور الحكومة الأمريكية بها من خلال زيادة النشاط الاقتصادي، والعمل على تعزيز البنية التحتية بالمنطقة. مع زيادة التعاون مع مؤسسات القطب الشمالي.
منطقة الشرق الأوسط
تناولت الاستراتيجية الرؤية الأمريكية تجاه منطقة الشرق الأوسط، التي رأت أنها من المناطق المُهمة لواشنطن، لا سيما مع بروز التهديد الإيراني؛ وذلك على النحو التالي:
1- الحفاظ على استقرار الأوضاع بالشرق الأوسط: أكدت الاستراتيجية أن منطقة الشرق الأوسط ستظل منطقة هامة للولايات المتحدة، مشيرة إلى اهتمامها بالتهديدات الناجمة عنها طوال العقدين الماضيين، وموضحة أن الوقت بات مناسباً لمساعدة الحلفاء في منطقة الشرق الأوسط على تحقيق المزيد من الاستقرار. وأضافت أن الولايات المتحدة رسمت إطار عمل للتعامل مع دول المنطقة، يدور حول تعزيز الشراكات لمساعدة الدول على صد التهديدات الخارجية، وتعزيز الردع للحيلولة دون السماح للقوى الإقليمية والأجنبية – خاصة إيران – بتهديد حرية الملاحة في الممرات المائية بالمنطقة على غرار مضيق باب المندب ومضيق هرمز، مع استخدام الدبلوماسية لتهدئة التوترات، والحد من اندلاع صراعات جديدة طويلة الأمد، وخفض التصعيد في أي أزمة، هذا مع العمل على تعزيز التكامل الإقليمي وبناء روابط سياسية واقتصادية وأمنية مع شركاء واشنطن بالمنطقة. إضافة إلى تعزيز احترام حقوق الإنسان، ومواصلة الجهود الرامية لضمان ألا تمتلك إيران سلاحاً نووياً مع الاستعداد لاستخدام أدوات أخرى غير الدبلوماسية إذا فشلت المفاوضات مع طهران. وكل ما سبق سيكون مصحوباً بمساعدات دبلوماسية وأمنية واقتصادية للتخفيف من معاناة شعوب المنطقة، ومنع تصدير الإرهاب من سوريا وليبيا واليمن.
2- الاستمرار في تنمية العلاقات الإسرائيلية العربية: أفادت الاستراتيجية بأن الولايات المتحدة ستعمل على بناء علاقات إسرائيل مع مختلف الدول العربية، معتمدة في ذلك على تشجيع الدول على توقيع المزيد من الاتفاقيات على غرار اتفاقية إبراهيم، ومؤكدة أن واشنطن ستظل تحافظ على أمن إسرائيل، وستسعى إلى تحقيق حل الدولتين الذي من شأنه ضمان الحفاظ على دولة إسرائيل وتحقيق تطلعات الشعب الفلسطيني.
3- الحد من انخراط الجيش الأمريكي في الصراعات بالمنطقة: تم الإشارة إلى أن الولايات المتحدة لن تزج بقواتها العسكرية من أجل تغيير الأنظمة الحاكمة في المنطقة أو لإعادة ضبط التوازنات داخل المجتمعات، وسيكون استخدام القوة العسكرية مرهوناً بتهديد المصالح الأمريكية، وعوضاً عن ذلك ستعمل واشنطن على تعزيز قدرات الشركاء لمساعدتهم على الذود عن أنفسهم من التهديدات الإرهابية والخارجية.
4- المطالبة بإجراء إصلاحات سياسية واقتصادية بالمنطقة: أوضحت الاستراتيجية أن واشنطن لن تكف عن مطالبة أنظمة المنطقة بتحقيق إصلاحات سياسية واقتصادية، كما أنها ستشجع منتجي الطاقة في المنطقة على الحفاظ على استقرار أسواق الطاقة العالمية، وتشجعهم على التوجه نحو الطاقة النظيفة. وفي مقابل ذلك، ستستمر الولايات المتحدة في تقديم المساعدات الإنسانية ودعم اللاجئين والنازحين.
ويمكن القول بأن موقع منطقة الشرق الأوسط في الاستراتيجية لا يحمل تغييرات جوهرية في سياسات إدارة بايدن بشكل عام تجاه المنطقة منذ توليه السلطة، إذ تركز واشنطن على تقليل الانخراط العسكري في الصراعات مع محاولة تقديم الدعم للحلفاء وتحييد القوى المناوئة لها في المنطقة، ومن جانب آخر عمل واشنطن على توسيع دائرة العلاقات العربية الإسرائيلية كون ذلك من وجهة النظر الأمريكية يمكن أن يمثل حائط صدّ أمام تمدُّد حالة عدم الاستقرار السياسي والأمني التي تشهدها المنطقة خلال السنوات الماضية.
وختاماً، أكدت الاستراتيجية أن الولايات المتحدة مع حلفائها سينجحون في الحفاظ على قواعد النظام الدولي، وتحقيق نظام عالمي مستقر وآمن بعيداً عن الأنظمة الأوتوقراطية، مع الحفاظ على قواعد التجارة الحرة، والمؤسسات الدولية المتعددة الأطراف، كما سينجحون في معالجة مختلف التحديات وعلى رأسها الأمن الغذائي والاستعداد للأوبئة القادمة، والتغيرات المناخية، والأمن السيبراني. وستبدأ الولايات المتحدة في تحقيق تلك الطموحات من خلال تحسين ومعالجة المشكلات الداخلية أولاً التي تؤرق الشعب الأمريكي؛ لتعزيز القدرات الأمريكية الاقتصادية والعسكرية والتكنولوجية، وتحسين قدرات الردع للأعداء، وتعزيز مصداقية واشنطن على المسرح العالمي من خلال تعزيز استخدام الأدوات الدبلوماسية مع الدول التي تشارك الولايات المتحدة في رؤيتها المستقبلية.