- ℃ 11 تركيا
- 24 نوفمبر 2024
الانسحاب الأمريكي من أفغانستان.. بعد عام
الانسحاب الأمريكي من أفغانستان.. بعد عام
- 1 سبتمبر 2022, 10:47:13 ص
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
معهد دراسات الأمن القومي
يورام شفايتسر – إلداد شافيت
سُمعت الكثير من الانتقادات حول انسحاب القوات الأمريكية من الدولة الآسيوية المنقسمة. وادعى البعض أن “الإرهاب” العالمي سيصبح أقوى بعد ذلك، وهناك من اعتقد أن مكانة الولايات المتحدة كزعيم للعالم الحر ستتضرر بشكل كبير. وبعد مرور عام، يمكن القول إن معظم المخاوف ليس فقط تم دحضها بل تبين أن مزايا الانسحاب تفوق عيوبه.
كانت الاعتبارات العالمية هي التي أدت إلى القرار الأمريكي بالخروج من أفغانستان وليس الضغط العسكري من طالبان. ويمكن تأكيد ذلك في ذكرى الانسحاب رغم المشاهد الصعبة التي رافقت الأيام الأولى بعد سيطرة طالبان على العاصمة كابول والاحتفالات بانتصار طالبان والقاعدة. علاوة على ذلك، فإن الخطر من موجة إرهاب دولي يقودها تنظيم القاعدة في الغرب لا يبدو في هذه المرحلة تهديدًا ملموسًا ومباشرًا. كما ساهم اغتيال زعيم القاعدة أيمن الظواهري الذي كان مختبئا في كابول بصاروخ من طائرة امريكية مسيرة في ضعف التنظيم وحاجته للدفاع عن نفسه. فمن وجهة نظر الحكومة الأمريكية ومن منظور بعيد المدى، كان الانسحاب هو الخطوة الصحيحة التي لم تضر بالموقف القوي للولايات المتحدة، بل ساعدها في توجيه الاهتمام والموارد للتعامل مع التحديات الرئيسية. التي تفرضها الصين وروسيا في هذا الوقت.
في نهاية آب (أغسطس) 2022 سيكون مر عام واحد على الانسحاب الأمريكي من أفغانستان. ولقد أدى استيلاء طالبان السريع على العاصمة كابول وهروب الرئيس الأفغاني “أشرف غني” من البلاد إلى أن يجري انسحاب القوات في ظل تدهور عنيف للأوضاع على الأرض. إن وجود طالبان، على الرغم من التفاهم بين الإدارة الأمريكية وبينها بأنها ستمتنع عن التعرض تماماً للأمريكيين وقوات الناتو خلق الخوف والفوضى، حيث توافد الآلاف من السكان الأفغان على المطار في محاولة للهروب من رعب النظام الجديد. ولقيت المشاهد الرهيبة صدى واسع النطاق في العالم وخلقت الانطباع بأن الولايات المتحدة “تهرب”. بالإضافة إلى فشل المخابرات الأمريكية في توقع صمود وبقاء الحكومة الأفغانية، وبدت الأحداث وكأنها تشوه صورة القوة الأمريكية بشكل عام وصورة الرئيس بايدن بشكل خاص.
ومع ذلك، بعد حوالي عام من الانسحاب من الجدير دراسة معانيه ونتائجه من منظورين؛ الأول: “مكافحة الإرهاب العالمي”. الثاني: المصالح العالمية للولايات المتحدة كقوة عظمى.
الحرب ضد “الإرهاب”: اتخذت الولايات المتحدة قرارًا بعد سنوات عديدة من التواجد في أفغانستان الذي كلفها أثماناً باهظة من حيث المال والأرواح البشرية بمواصلة “مكافحة الإرهاب” أينما كان ذلك ضروريًا في العالم، بما في ذلك أفغانستان نفسها. ومع ذلك، فقد تم وضع الصراع في مرتبة منخفضة نسبيًا في ترتيب الأولويات مقارنة بالأهمية التي نسبت إليه في أعقاب الهجوم الإرهابي في 11 سبتمبر، وتم اتخاذ قرار باتخاذ مسارات سياسية في إطاره مختلفة عن تلك التي تم اتخاذها خلال العقدين المقبلين.
فيما يتعلق بأفغانستان على وجه التحديد، كان قرار سحب التواجد العسكري من الدولة من نصيب الإدارات الثلاث الأخيرة في الولايات المتحدة. وأخيراً كانت إدارة الرئيس دونالد ترامب هي التي وقعت اتفاقية الانسحاب مع طالبان في فبراير 2020 وقامت إدارة بايدن بتنفيذها. يتشارك الرئيسان على الرغم من الاختلافات الكبيرة بينهما في رؤية مشتركة؛ مفادها أنه على الرغم من المخاطر المحتملة التي ينطوي عليها الانسحاب – الأمنية والسياسية، وبالطبع صورة الولايات المتحدة – إلا أن مزاياه في النهاية تفوق عيوبه. من الناحية العملية، فإن الحرب ضد “الإرهاب”، التي كانت حجر الزاوية في السياسة الأمريكية، قد تم وضعها في مكانة أقل بروزًا على جدول الأعمال بسبب انخفاض نطاق “الإرهاب الدولي” والحاجة إلى التعامل مع التحديات العالمية ، التي من وجهة نظر الإدارة تهدد أمن الولايات المتحدة أكثر.
وهكذا، قررت الولايات المتحدة تقليص الوجود المكثف لقواتها العسكرية في أفغانستان بشكل كبير واستبدالها بممثلية أمنية عسكرية محدودة يتمثل دورها في مساعدة القوات المحلية في مكافحة الإرهاب من خلال التعاون الاستخباراتي والتدريب والدعم اللوجستي والمالي.
أوضح الرئيس بايدن مثل أسلافه في البيت الأبيض، مرة أخرى أن الولايات المتحدة ليس لديها مصلحة في التورط في حروب “لا نهاية لها” وأن لديها الأدوات ذات الصلة للتعامل مع التحديات دون وجود “قوات على الأرض”.
من منظور “مكافحة الإرهاب الدولي” ، لا توجد مؤشرات على أن القاعدة تعتزم مرة أخرى جعل أفغانستان معسكر تدريب عالمي “للإرهابيين” من مختلف الجنسيات كما في الماضي، لتدريبهم على القيام ب”أعمال إرهابية” في الغرب. على الرغم من اغتيال الولايات المتحدة في يوليو الماضي الدكتور أيمن الظواهري زعيم تنظيم القاعدة في شقته السرية في كابول، لم يتضح بعد ما إذا كان باقي قادة التنظيم القدامى والمعروفين الذين يعيشون في الشتات قد تجمعوا أو ينوون التجمع مرة أخرى في أفغانستان. علاوة على ذلك، في هذه المرحلة لا يبدو أن طالبان نفسها تسمح للقاعدة بإعادة أمجادها كما كانت في الماضي في أراضي أفغانستان، بين طالبان التي ليست جميعها نفس الشيئ هناك معارضون لذلك. يتذكر العديد من قادة التنظيم الحاليين الثمن الباهظ الذي فرضته الولايات المتحدة على النظام السابق لإتاحة الفرصة للقاعدة للعمل تحت رعايته واستخدام أراضي الدولة ليس فقط كقاعدة تدريب للإرهاب ولكن أيضًا كنقطة انطلاق للإرهاب القاتل وخاصة ضد الولايات المتحدة وحلفائها.
يمكن التقدير – وبحذر شديد – أن القاعدة في الوضع الحالي لقدراتها وبنيتها التحتية العملياتية في الخارج لا تستطيع مرة أخرى تنفيذ هجمات “إرهابية” واسعة النطاق كما حاولت أن تفعل في الماضي، ولكن رغم الصعوبات التنظيم لم يختفِ من العالم وهو يعمل، وبالتالي يتطلب المراقبة الاستخباراتية الوثيقة لتقليل مخاطر المفاجأة . لا بد من الأخذ بعين الاعتبار أنه خلال السنوات المقبلة ستستغل القاعدة والتنظيمات الإرهابية الأخرى الموجودة في أفغانستان والمؤيدين لها مساحة العيش الآمن في هذا البلد على الرغم من اغتيال أيمن الظواهري ، لإعادة التنظيم وتجنيد قوات جديدة وتدريب قوى بشرية مدربة وماهرة جديدة، وأيضا قيادة عمليات “إرهابية” في المستقبل في الغرب. يشار إلى أن نظير القاعدة وخصمها تنظيم الدولة الإسلامية ينشط في أفغانستان وركزت هجماتها الإرهابية في العام الماضي بشكل أساسي ضد نظام طالبان والأقليات في أراضي الدولة، وكذلك نشاط متقطع ضد جيران أفغانستان، وأنها ليست متفرغة في هذه المرحلة في الاستثمار في تصدير الإرهاب من أفغانستان إلى دول في الغرب.
في مواجهة هذا الاحتمال الخطير بتجدد “الإرهاب” على الساحة الدولية، يقف وعد الرئيس بايدن بأن الولايات المتحدة ستستمر في الحفاظ على قدرة “خلف الأفق”؛ مما سيسمح لها بإحباط مثل هذه الخطط وهي لا تزال في مهدها. في هذا السياق من المتوقع أن تعتمد الولايات المتحدة على جمع المعلومات الاستخبارية عن بعد باستخدام التكنولوجيا المتقدمة وخاصة توثيق التعاون مع الحلفاء الإقليميين. هذا على الرغم من حقيقة أنه بدون وجود مادي على الأرض في أفغانستان وبدون تمثيل دبلوماسي، سيكون من الصعب على الحكومات الأمريكية تحقيق هذه الالتزامات.
مكانة الولايات المتحدة: صور الانسحاب القاسية تلازم إدارة بايدن حتى يومنا هذا، ويبدو أنه حتى لو انخفض وزنها في تقييم أدائه، فمن المحتمل أن تنضم إلى بقية العوامل الأخرى التي تضعف من شعبية الرئيس.. بل إنه من المرجح أن يحاول الحزب الجمهوري الاستفادة منها عشية انتخابات الكونجرس النصفية (نوفمبر 2022). ومع ذلك من منظور بعيد المدى، يبدو أن قرار الانسحاب الفعلي الذي اتخذه بايدن كان صحيحًا من حيث توزيع الموارد الأمريكية ولم يضر بمكانة للولايات المتحدة القوية.
أتاح الانسحاب للإدارة الأمريكية ليس فقط تركيز الانتباه والموارد في التعامل مع التهديدات الرئيسية التي تقف أمامها اليوم – مثل المنافسة مع الصين والتنافس مع روسيا بالذات على خلفية الحرب في أوكرانيا، ولكن أتاح لها أيضًا إظهار عزيمة وإصرار أكبر غطّيا إلى حد ما على مشاهد الانسحاب القاسية. علاوة على ذلك، فإن التزام الحكومة الأمريكية بمساعدة أوكرانيا حتى لو لم يشمل إرسال قوات عسكرية هو إثبات من ناحية الإدارة على أنها حتى بعد مغادرة أفغانستان هبت لمساعدة الحلفاء المحتاجين.
أدى الانسحاب الأمريكي إلى عودة سيطرة طالبان على أفغانستان؛ مما يعني من بين أمور أخرى، فرض قوانين إسلامية مشددة وتدهور ملحوظ في حقوق المرأة بشكل خاص والمواطنين الأفغان بشكل عام. كما تشهد البلاد أزمة اقتصادية وإنسانية. وهذه تطورات إشكالية، لكن من وجهة نظر الإدارة الأمريكية – اللوم لا يقع عليها بل على طالبان، الذين ربما كانوا سيتلقون مساعدات دولية لو تصرفوا بشكل مختلف.
من ناحية “إسرائيل”، لم يكن الانسحاب الأميركي من أفغانستان منعطفاً مهماً؛ لأن “تنظيمات الجهاد السلفية السنية” لا تركز نشاطاتها ضدها. أهميته بالنسبة لها كانت معنوية بشكل أساسي وكذلك بالنسبة للمنظمات التي تنتمي إلى المحور الشيعي. من وجهة نظرهم أوضح الانسحاب حقيقة أن الولايات المتحدة ركيزة أو سند ضعيف لا يمكن لحلفائها الاعتماد عليها. أما بالنسبة لإيران الخصم الرئيسي “لإسرائيل”، فعليها الآن أن تولي اهتمامًا متزايدًا لما يحدث على الحدود بينها وبين أفغانستان – على الرغم من أن هذا لا يضر بأنشطتها في جميع أنحاء الشرق الأوسط; ما تم تفسيره أثناء الانسحاب وبعده على أنه ضرر بالصورة القوية للولايات المتحدة الأمريكية، لم يغير في الواقع نظرة الجهات الفاعلة في المنطقة تجاه الولايات المتحدة، مثلما انعكس ذلك في زيارة قام بها الرئيس بايدن في يوليو من هذا العام: هؤلاء الفاعلون مهتمون من جهة بعلاقات وثيقة مع الولايات المتحدة ويحتاجون إليها، ويفهمون في الوقت نفسه أن سياستها تجاه المنطقة أكثر حذراً من ذي قبل، وبالتأكيد في كل ما يتعلق باستخدام الموارد العسكرية.
ترجمة : موقع الهدهد