- ℃ 11 تركيا
- 3 ديسمبر 2024
الجاسوسية أسرار وألغاز (17): الحفار.. صفعة على وجه الغرور الإسرائيلي
الجاسوسية أسرار وألغاز (17): الحفار.. صفعة على وجه الغرور الإسرائيلي
- 19 أغسطس 2024, 12:45:47 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
عالم الجاسوسية.. عالم غامض عجيب.. تكتنفه الأسرار وتغلفه الألغاز.. يمتلئ بالحوادث التي يصعب تصديقها.. ويندر أن تجول بخاطر أي إنسان.. لا تنتهي عجائب هذا العالم.. ولا تنضب أسراره.
ولا تزال سجلات المخابرات المصرية حافلة بالعديد من الجولات الناجحة التي خدعت فيها الموساد الإسرائيلي وتفوقت عليه وقضت على أسطورة الجهاز العبقري.. وكذبت شائعات الذكاء اليهودي الذي لا يهزمه احد أو يخدعه إنسان.
ولأهمية الجاسوسية أفردت لها الصحف والكتب والمواقع الإلكترونية صفحاتها لتسجيل أغرب الحوادث وأندر الحالات، وهو ما حولت جمعه وطرحة بين يدي القارئ في هذه السلسلة “سلسلة الجاسوسية أسرار وألغاز .. التي سبق أن نشرتها في جريدة النهار الكويتية في عام 2013 ولأهمية الموضوع ولحب الجمهور لقراءة ملفات المخابرات نعيد نشرها في موقع "180 تحقيقات”... خدمة لقراء الموقع الأعزاء إلى قلوبنا.. وذلك بمعدل حلقة أسبوعية ننشرها يوم الاثنين من كل أسبوع.
وفي هذه الحلقات نكشف خفايا هذه الملفات.. ونرفع الستار عن قصص جديدة وملفات مخفية شهدت صراعاً شرساً بين العقول.. ومواجهات حامية الوطيس بين المصريين والاستخبارات الإسرائيلية.. كانت أسلحتها الخطط المحكمة.. ومكائد مدبرة بعناية فائقة.. وسطر أبناء النيل بحروف من نور نجاحات مبهرة لعملاء أحسنت المخابرات المصرية تدريبهم.. ليتسللوا داخل المجتمع الإسرائيلي.. واستطاعوا بمهارة فائقة خداع أرقى المناصب. وأعلى الرتب في المجتمع الصهيوني ليحصلوا على أدق الأسرار.. وليكشفوا المستور.. وأماطوا اللثام عما يملكه الكيان المحتل من أسلحة وذخائر.. ونقلوا للقاهرة خرائط تفصيلية لمواقع وتحصينات جيش الاحتلال قبل معركة العبور المجيدة.
ولم يتوقف نجاح المخابرات المصرية على زرع عملاء داخل المجتمع الإسرائيلي وفي بيوت جنرالات جيش الصهاينة.. بل تمكن المصريون ببراعة فائقة من اصطياد جواسيس الأعداء و منعوهم من نقل الأسرار إلى تل أبيب.. وحجبوا عن الموساد المعلومات ووقعت جواسيسه تباعاً.. بل ونجحت المخابرات المصرية في تجنيد بعض جواسيس الموساد وجعلتهم عملاء للقاهرة وأرسلت من خلالهم رسائل خادعة إلى إسرائيل كان لها فضل كبير في خطط الخداع والتمويه التي مهدت لنصر أكتوبر العظيم.
الحلقة 17
>> تدمير «كنتنغ» في ساحل العاج عملية تدرس في أجهزة المخابرات العالمية حتى اليوم
>> البداية كانت خبراً قرأه جمال عبد الناصر فوجه سامي شرف لتتبع الموضوع
>> المخابرات المصرية قررت قبول التحدي وتدمير الحفار في عرض الأطلسي
>> تتبعوا كنتنغ ودمروه على بعد خطوات من قصر حاكم ساحل العاج
>> حاول الإسرائيليون تحطيم معنويات المصريين واستخراج بترول السويس أمام أعينهم .. فكان الرد قاسياً ومدمراً
>> وضعت خطة التدمير مع الأخذ بكل الاحتمالات بما فيها استخدام القوات الجوية كحل أخير
>> فيلم «عماشة في الأدغال» كان غطاء للمهمة
رغم مرور عشرات السنين على نجاح المخابرات المصرية في تدمير حفار البترول العملاق الإسرائيلي "كنتنغ" ، في ساحل العاج، ورغم إنتاج مسلسل تلفزيوني عن الواقعة، وكتابة الكثيرين عنها لا تزال هناك أسرار وتفاصيل لم يكشف عنها حتى اليوم .
وفي السطور التالية نكشف عن أهم هذه التفاصيل وخبايا وأسرار العملية التي تدرس حتى اليوم للمتدربين في أجهزة المخابرات العالمية، ونتناول كيف تم التخطيط لتفجير ذلك الحفار الذي كان سيحفر قلوب المصريين قبل أن ينقب على البترول في سيناء المحتلة من قبل العدو لصهيوني وقتها.
ونتعرض لنجاح المخابرات المصرية في عمليات الخداع والتمويه والسفر عبر القارات واختراق أجهزة الرصد وعمليات الحماية المبالغ فيها في كل الموانئ التي مر بها الحفار، لكن كل ذلك لم يثن المصريين عن عزمهم وإصرارهم على تدمير ذلك الحفار اللعين ، وتوجيه صفعة قوية على وجه العدو الصهيوني المتغطرس .
تعود بداية العملية عقب نكسة 1967، عندما حاول الإسرائيليون تحطيم الروح المعنوية للشعب المصري وتدمير أملهم القائم على تحرير الأرض المغتصبة ... فقاموا بتنفيذ مخطط لإذلال مصر, وقرروا استخراج البترول من خليج السويس أمام أعين المصريين وذلك في محاولة لإجبار القاهرة على قبول أحد الأمرين ..إما أن تقوم إسرائيل باستنزاف البترول المصري، وإما أن يرفض المصريون ذلك ويهاجموا الحقول المصرية التي تستغلها إسرائيل وهو ما كانت تل أبيب تنتظره لتتخذه كذريعة لضرب حقل (مرجان) حقل البترول الوحيد الباقي في يد مصر لتحرم الجيش المصري من إمدادات النفط.
تفاصيل مثيرة
للحفار الإسرائيلي قصة طويلة وتفاصيل مثيرة، تضمنتها سجلات المخابرات المصرية، بعضها أفرج عنه وصار بالإمكان تداوله، وبعضها الآخر لا يزال قيد الحفظ، وللقصة دائما بداية، والبداية من احتلال إسرائيل لسيناء، بعد نكسة العام ،1967 عندما بدأت في التفكير جديا في العديد من الطرق لاستغلال الوضع ونهب ثروات مصر الطبيعية في تلك المنطقة، وأهمها البترول، ومن أجل ذلك اشترت حفاراً بحرياً من كندا، لاستخدامه في البحث والتنقيب عن البترول في مياه خليج السويس.
والبداية كما رواها السيد سامي شرف سكرتير الرئيس الراحل جمال عبد الناصر كانت بخبر قرأه الناصر في نشرة الأخبار اليومية التي كانت تستعرض أهم الأحداث العالمية وكان من ضمنها خبر صغير مضمونه أن إسرائيل اشترت حفارا للبترول من إحدى الشركات الأجنبية، وكتب الرئيس الراحل بخط يده على الخبر: سامي يقصد سامي شرف..تكلف المخابرات العامة ببحث هذا الموضوع وان صحت الأخبار تشكل لجنة تجتمع مع لجنة العمل اليومي ويشارك فيها عناصر من المخابرات الحربية بالاتفاق مع الفريق فوزي تشمل مجموعة من الضفادع البحرية وتعمل خطة للقضاء على هذا الحفار توقيع ( جمال عبد الناصر).
وأبلغ السيد شرف هذه التعليمات لكل من أمين هويدي المشرف على المخابرات العامة والسيد شعراوي جمعة والفريق أول محمد فوزي واتفقنا على تشكيل فرق عمل لجمع المعلومات وأخرى للتدريب على تنفيذ ما سيتقرر بالنسبة لهذه العملية.
بلطجة ثلاثية
في تلك الفترة أعلنت إسرائيل عن تكوين شركة ميدبار بالتعاون مع شركتين أميركية وإنكليزية للبحث والتنقيب عن البترول في الأراضي المصرية، وقامت الشركة الثلاثية باستئجار الحفار كينتنج، ما بدا معه أن إسرائيل عازمة على البدء في مهمتها غير عابئة بالظروف الدولية السائدة، أو بالتوترات الإقليمية الناشئة عن حربها مع مصر، وقد حاولت بعض الدول إثناء اسرائيل عن هذا العمل، حتى لاتزيد من توتر الموقف، غير أن كل المساعي فشلت واستمرت اسرائيل في الإعلان عن مخططها.
بدأ في تلك الأثناء أن هناك خطة اسرائيلية لاستدراج مصر إلى مواجهة عسكرية، لم تستعد مصر لها جيدا، أو أن يكون البديل هو سكوت المصريين واكتفائهم بالتراجع والصمت على تلك السرقة العلنية لثروات بلادهم.
وفي شهر فبراير من العام ،1970 صدرت الأوامر إلى قيادة القوات البحرية، لمنع وصول هذا الحفار إلى منطقة خليج السويس، وكانت الأوامر وقتها واضحة وتقضي بأن يتم تدمير هذا الحفار العملاق قبل دخوله حقل البترول المصري مرجان الكائن في منطقة خليج السويس، فشرعت القوات الجوية على الفور في جمع المعلومات المتيسرة عن الحفار، من خلال المخابرات العامة، التي علمت عن طريق عيونها المنتشرة في إفريقيا، أن الحفار وصل بالفعل إلى ميناء داكار في السنغال على الساحل الغربي، وأنه سيمكث هناك حوالي ثلاثة أسابيع لإجراء بعض الاصلاحات.
في تلك الفترة العصيبة تغير التوجه وقرر جهاز المخابرات المصري أن يتصدى إلى تلك المهمة، ليجنب مصر تداعيات قصف الحفار بالطائرات، وما يسفر عن ذلك من اندلاع حرب في غير وقتها، وحدث أن تقدم رئيس جهاز المخابرات العامة المصرية حينذاك أمين هويدي باقتراح إلى الرئيس جمال عبد الناصر، يقضي بضرب الحفار خارج حدود مصر، عن طريق عملية سرية مع عدم ترك أي أدلة تثبت مسؤولية المصريين عن هذه العملية.
كانت الخطة في بدايتها تعتمد على الاستعانة بسفينتين مصريتين، كانتا تعملان في خدمة حقول البترول، وعندما بدأت اسرائيل عدوانها في عام، 1967 تلقت السفينتان الأمر بالتوجه إلى ميناء بورسودان والبقاء في حالة استعداد لتنفيذ ما يوكل لهما من مهام، واستغلت المخابرات المصرية وجود السفينتين في إمكانية أن يتوليا مهمة نقل الضفادع المصرية، ومهاجمة الحفار من ميناء مصوع في حالة إفلاته من المحاولات الأخرى، وقد وضعت الخطة مستندة إلى عدة احتمالات، فإذا ما فشلت هذه الاحتمالات، تتم الاستعانة بالقوات الجوية كحل أخير.
كما سبق ذكره أوكل الرئيس عبد الناصر للمخابرات العامة التخطيط الكامل لهذه العملية وتنفيذها، على أن تقوم أجهزة الدولة في الجيش والبحرية بمساعدتها، وتم تشكيل مجموعة عمل من ثلاثة أعضاء في الجهاز، كان من ضمنهم محمد نسيم، الذي لقب فيما بعد بـقلب الأسد، وتم تعيينه قائداً ميدانياً للعملية، ومن خلال متابعة دقيقة قامت بها المخابرات المصرية، أمكن الحصول على معلومات كاملة عن تصميم الحفار، وخط سيره ومحطات توقفه للتزود بالوقود وإجراء عملية الصيانة اللازمة. بدأ الفريق المنتدب لهذه العملية في اختيار مجموعة الضفادع البشرية التي ستنفذ المهمة فعليا، والتي ستتولى تلغيم الحفار تحت سطح الماء، في أثناء توقفه في أحد الموانئ الإفريقية، ورغم تكتم إسرائيل لتفاصيل خط السير، تأكد جهاز المخابرات المصري من مصادر سرية، أن الحفار سيتوقف في داكار بالسنغال، فسافر نسيم تاركا لضباط المخابرات في القاهرة، مسؤولية حجز الأماكن المطلوبة لسفر طاقم الضفادع البشرية.
ويروي أحد أبطال عملية تدمير الحفار القصة قائلا: كنت حينذاك رائدا بالمخابرات الحربية، ومسؤولاً عن البحرية الإسرائيلية في فرع المعلومات، ووصلت لي معلومة تقول إن اسرائيل قامت باستئجار حفار بترول من شركة اميركية، ليقوم بالتنقيب عن البترول المصري في خليج السويس، وأن هذا الحفار يعبر المحيط الأطلنطي في طريقه إلى الساحل الغربي لإفريقيا، وبدأت أتتبع أخبار هذا الحفار حتى علمت أنه رسا بميناء داكار بالسنغال، وأن قاطرة هولندية تقوم بسحبه، وعلى الفور أبلغت مدير المخابرات الحربية، الذي أبلغني بدوره بأنني مدعو لإلقاء محاضرة عن الحفارات البحرية في هيئة الخدمة السرية بالمخابرات العامة، وحينما ذهبت اكتشفت أنها لم تكن محاضرة، ولكنها كانت اجتماعاً على أعلى درجة من السرية، وكان يضم رئيس هيئة الخدمة السرية في المخابرات العامة، ورئيس هيئة المعلومات والتقديرات، وأحد ضباط المخابرات الحربية وكان متخصصاً في أعمال النسف والتدمير.
و كان لا بد لي من وضع عدد من الخطط لتدمير الحفار لنضمن نجاح العملية وكانت الخطة الأولى تعتمد على أن يتم اختيار مجموعة من الضفادع البشرية، وأن يستعان بألغام قامت بتطويرها القوات البحرية المصرية، بإضافة ساعة توقيت لها على أن تسافر مجموعة التنفيذ تحت سواتر مختلفة، وكل فرد فيها يسافر بصفة تختلف عن الآخر، ونتسلل إلى الميناء الموجود به الحفار ونضع الألغام تحت جسمه لتفجيره، والغريب أن الخطة رغم أنها كانت تعتبر بدائية جداً وساذجة، لكنها هي التي نفذت.
خطط بديلة
ولم تكتف الأجهزة المعنية بالخطة السابقة بل أعدت أربع خطط أخرى بديلة في حالة فشلها، وكانت الخطة الثانية تعتمد على استدعاء إحدى سفن الصيد المصرية من أعالي البحار، وأن يوضع عليها طاقم الضفادع البشرية والألغام، وتتبع المركب الحفار لاسلكياً في المحيط، وحينما يدخل أي ميناء تدخل وراءه وتلغمه وتدمره، بينما كانت الخطة الثالثة تعتمد على استئجار يخت في الميناء الموجود به الحفار، وان تقيم المجموعة المكلفة بالتفجير حفلاً صاخباً فوق اليخت، وأثناء الحفل ينزل أفراد الضفادع لتلغيم الحفار ثم يرحل الجميع باليخت بعيدا.
وكانت الخطة الرابعة هي التي يتقرر تنفيذها في حالة هروب الحفار، وتنص على ضرب الحفار بالمدافع الآر بي جي عند دخوله البحر الأحمر، وقد كان في الصاعقة البحرية والضفادع البشرية أفراد مدربون على هذه المدافع تدريباً عالياً جداً، وكان من المقرر تحميل هذه المدافع على قوارب الزود ياك. وأضاف رئيس هيئة المعلومات والتقديرات خطة خامسة، وهي أن تخرج طائرة مصرية تتمركز في ميناء عدن، ويتم ضرب الحفار بالطيران في حالة هروبه من كل المراحل السابقة.
استدعى قائد القوات البحرية المصرية، قائد المجموعة المسند إليها تنفيذ مهمة تدمير الحفار، وأخطره بالمهمة المنتظرة، وبدأت الخطة بعمل رسم تفصيلي للحفار، ويقول العقيد متقاعد أنور عطية: العجيب أن من أمد مصر بتلك المعلومات كان شخصا (أميركي الجنسية)، وحدث أن اتصل المهندس علي والي بمديري شركة إسو للبترول في القاهرة، وكان أميركي الجنسية وطلبت منه أن يساعد الجانب المصري فيما يطلبه، وذهب إليه أحد أفراد الفريق المكلف بتنفيذ العملية وأدخله إلى مكتبه، فوجدت كتاباً عن كل الحفارات الموجودة بجميع أنحاء العالم، ومنها الحفار كينتنج 1 بمواصفاته ومقاساته وصوره، ، وبدأ بعد ذلك جمع المعلومات عن المناطق التي يتوقع أن يوجد فيها الحفار، وتوجه العنصر إلى مكتبة القوات البحرية بالإسكندرية، وجمع معلومات عن منطقة الساحل الإفريقي الغربي بأكمله، بكل موانئها وجغرافيتها والتيارات البحرية فيها والأعماق وكل شيء، حتى العملة السائدة واقتصادها، وبدأت عملية حساب الوقت الذي يمكن أن تستغرقه القاطرة والحفار حتى تصل لأقرب ميناء، وقدرت أن القاطرة لن تسير بسرعة أكثر من 8.1 كم في الساعة، لأنها تسحب وراءها حفاراً ضخماً وكان هذا هو توقعي وتقديري.
وتلخصت الخطة الموضوعة حينذاك في تقسيم قوة الهجوم، المكونة من سبعة أفراد إلى مجموعتين، الأولى: مكونة من أربعة أفراد تتوجه إلى باريس، والثانية مكونة من ثلاثة أفراد وتتوجه إلى زيوريخ.
سرية تامة
كانت الخطة تقتضي لظروف السرية التامة أن تتحرك المجموعتان في توقيت واحد، من باريس وزيوريخ إلى السنغال بعد أن يحصل كل منهم على تأشيرة الدخول، ثم تتوجه المجموعتان بعد ذلك، بطريقة فردية إلى داكار، وبعد ليلة واحدة يجب أن تتم العملية.
وفي السنغال قام نسيم باستطلاع موقع رسو الحفار، واكتشف أنه يقف بجوار قاعدة بحرية فرنسية، مما يصعب من عملية تفجيره.
ويروي العقيد أنور عطية أحد أبطال العملية تلك اللحظات قائلا: بعد أن اخترنا مجموعة التنفيذ انتقلوا للقاهرة، ووضعناهم في منزل آمن إلى حين تنفيذ العملية، وبدأنا في تلقينهم الأسماء الجديدة التي اختيرت لكل منهم، والشخصية التي سينتحلها عند سفره. .وكان من بين المجموعة من سيسافر على أنه مستشار بالخارجية، ومنهم على أنه من مؤسسة دعم السينما، وأنه ذاهب إلى تلك الدولة لتصوير فيلم سينمائي مصري، يقال انه فيلم عماشة في الأدغال بطولة صفاء أبو السعود وفؤاد المهندس ومحمد رضا، واثنان منهم كمدرسين ومنهم من انتحل صفة موظف بشركة النصر للتصدير والاستيراد.
وأضاف: ظلت المجموعة في البيت الآمن لمدة ستة أيام، عاشوا فيها وتعاملوا بشخصياتهم الجديدة، وكنت ومعي محمد نسيم وأحمد هلال من المخابرات العامة، نتعامل معهم على أساس شخصياتهم الجديدة، وكان من المقرر أن نحمل معنا أربعة ألغام وستة أجهزة تفجير من القاهرة إلى داكار، مع الوقوف ترانزيت بمطار أمستردام لعدم وجود خطوط طيران مباشرة بين القاهرة والدول الإفريقية وقتها، وكنت أنا الذي سيحمل الألغام على أن يسافر الباقون على دفعات..وكان محمد نسيم قد سبقنا إلى داكار هو وأحمد هلال، وأذكر أننا قبل سفرنا قابلنا أمين هويدي مدير المخابرات العامة، وذهبنا إليه في منزله لأنه كان مصاباً بأنفلونزا حادة، وبعد أن جلسنا معه قام وأمسك بكتفي بقوة قائلاً: يا أنور سيادة الرئيس معتمد على الله وعليك لضرب الحفار.. فقلت له اعتبر أن الحفار تم ضربه بالفعل.
وتابع عطية :مرت الساعات على أفراد العملية طويلة للغاية، وعند الظهر في اليوم التالي، وبينما كان قائد المجموعة يعد الألغام والمعدات الخاصة بالتفجير، ويقوم بتلقين الأفراد بتفاصيل الخطة، كانت المفاجأة في انتظاره، إذ علم بخروج الحفار من ميناء داكار مقطورا بوساطة قاطرة هولندية، إلى جهة غير معلومة، فلم يكن هناك من حل سوى تأجيل العملية إلى حين الحصول على معلومات جديدة، وتقرر عودة الأفراد إلى القاهرة عن طريق زيوريخ.
معلومات متسارعة
نشطت أجهزة المخابرات المصرية المختلفة في تجميع المعلومات عن الحفار، وبعد عشرة أيام جاءت المعلومات تفيد بأن الحفار لجأ إلى ميناء أبيدجان في ساحل العاج، وكان محمد نسيم طار قبلها إلى باريس، ومعه بعض المعدات التي ستستخدم في تنفيذ العملية، ليصل إلى أبيدجان، مما أتاح له أن يلقي نظرة شاملة على الميناء من الجو، واكتشف وجود منطقة غابات مطلة على الميناء، تصلح كنقطة بداية للاختفاء والتحرك، حيث لا يفصل بينها وبين الحفار سوى كيلومتر واحد.
وفور وصول الحفار إلى أبيدجان في فجر يوم 6 مارس 1970 علم نسيم بوجود مهرجان ضخم لاستقبال عدد من رواد الفضاء الأميركيين، الذين كانوا يزورون إفريقيا لأول مرة حينذاك، فأرسل في طلب جماعات الضفادع البشرية، لاستثمار هذه الفرصة الذهبية لانشغال السلطات الوطنية بتأمين زيارة رواد الفضاء وحراستهم، عن ملاحظة دخول المجموعات وتوجيه الضربة للحفار، الذي كان يقف على بعد أمتار من قصر الرئيس العاجي ليكون في ظل حمايته.
بعد ساعات من وصول الخبر، كانت المجموعة المكلفة بتنفيذ العملية وصلت إلى أبيدجان، وتقرر أن تتم في مساء السابع من مارس، وهي الليلة التي كان الأهالي يحتفلون بها برواد الفضاء الاميركيين حتى الصباح. تجمعت الدفعة الأولى من الضفادع مكونة من ثلاثة أفراد هم: الملازم أول حسني الشراكي، والملازم أول محمود سعد، وضابط الصف أحمد المصري، بالإضافة إلى قائدهم الرائد خليفة جودت، وبقي أن تصل بقية المجموعة حيث كان مخططا أن يقوم بالعملية ثمانية أفراد، وهنا بدأت المشاورات بين جودت ونسيم، واتفقا على انتهاز الفرصة وتنفيذ العملية دون انتظار وصول باقي الرجال، خاصة أنهم لم يكونوا متأكدين من وجود الحفار في الميناء لليلة ثانية.
سيارة أجرة
بعد الاستطلاع الدقيق للميناء، تم وضع الخطة التفصيلية لتنفيذ الهجوم على الحفار، وفي منتصف الليل تماما، بدأت المجموعة في تجهيز الألغام وتعميرها وضبطها، على أن تنفجر بعد ثلاث ساعات من نزع فتيل الأمان، كما جرى تجهيز المعدات وأجهزة الغطس، واستقل أفراد المجموعة سيارة أجرة، أوصلتهم في الرابعة صباحا إلى منطقة العملية، وغادر الأفراد الشاطئ، واتخذوا خط السير في اتجاه الحفار، حيث وصلوا إليه في الساعة الخامسة، لينجحوا في تثبيت الألغام الأربعة، ويعودوا إلى الشاطئ الساعة الخامسة وعشر دقائق. بعد فترة قصيرة من الراحة، توجهت مجموعة الضفادع إلى الفندق، فجمعوا ما كان لهم من متاع، ثم توجهوا مباشرة إلى المطار، الذي وصلوا إليه في الساعة الثامنة، وهو توقيت انفجار الألغام، وبينما كانت الطائرة المتجهة إلى باريس، تستعد للإقلاع، وقبل إقلاع الطائرة من أبيدجان، علم الفريق أن الألغام الأربعة انفجرت في الحفار بين الساعة السابعة والنصف.