الحارث طه يكتب : حرب العقيدة الأمريكية على شواطئ المتوسط

profile
الحارث طـه صحافي سوري ، ومنتج إخباري، مقيم في هولندا
  • clock 1 نوفمبر 2023, 9:40:58 م
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01
متداول

كتب : الحارث طه 

"من قاعات مونتيزنيا إلى شواطئ طرابلس نحن نحارب معارك بلادنا في الجو والأرض والبحر".

عندما ينشد الشعب الأمريكي النشيد الوطني يشعرون بالفخر الكبير، أنهم أبناء تلك الدولة العظيمة، وأنهم ينتمون إلى أقوى أمة عرفتها التاريخ، لكنهم عندما يصلون بالنشيد إلى جزء محدد، يشعرون بالغصة ومرارة الهزيمة كل صباح ينشد الجيش الأمريكي وكل صباح يتذكرون تلك الهزيمة...

إنها سواحل طرابلس في العهد العثماني في عام 1801

شنت أميركا أول حرب خارج حدودها، وأرسلت أسطولها البحرية إلى البحر المتوسط، لمحاربة الدولة العثمانية، وقد كان والي طرابلس يفرض الجزية على السفن البحرية وعلى الأسطول الأمريكي. امتنعت أمريكا عن دفع الجزية مما دفع يوسف باشا والي طرابلس إلى كسر سارية العلم وطرد السفير الأمريكي، وما كان من الرئيس الأمريكي جفرسون إلا أن أمر الأسطول الأمريكي بالإغارة على طرابلس.

اشتعلت الحرب بين الطرفين، وانتهت بأسر الجنود الأمريكيين، وأخذ غنيمة السفينة فيلادلفيا فخر الأسطول الأمريكي، وقام جفرسون بتجهيز حملة عسكرية على طرابلس ودرنا، واستعان والي طرابلس بوالي تونس والجزائر وآخرين لمواجهة الحملة عليه، مما أدى إلى انتصار والي طرابلس وقتل 1800 جندي أمريكي وأسر 700 وإخضاع جفرسون على توقيع معاهدة مذلة حينها، وبدفع الجزية ودفع تعويضات مالية لكل جندي عربي قتل في تلك الحرب...

ذلك الجزء في النشيد الأمريكي (ثأرنا من قاعات مونتيزنيا إلى شواطئ طرابلس)

تعتمد الإدارة الأمريكي منذ نشأتها على بناء ما تم البناء عليه، ولكل رئيس دور في كل مرحلة من مراحل التاريخ الأمريكي، وقام مهندس السياسة الأمريكية هنري كسينجر على وضع سياسة لمدة مئة عام قادمة، وعليه وزعت مراحل الصعود والوصول إلى قمة عظمة الأمة الأمريكية بناء عليها. لكن كان لكل رئيس أمريكي طموحه الخاص هو أن يصبح الأعظم في التاريخ الأميريكي ويخلد اسمه بجانب الآباء الأولين وملوك كسري وقيصر وحتى الفراعنة.

وعليه يقوم كل واحد منهم بافتعال حرب، واختلاق عدو، حتى وصلنا إلى ذلك الولد المهزوز كما وصفته الصحافة العالمية إثر احتلال العراق. ذو العقيدة الأمريكية والنزعة التوسعية، وقد صور له ديك تشيني الثعلب الماكر، والذي قام بتدريسه القواعد العسكرية، والقيادة وأصول الأستراتيجة الأمريكية الصرفة، وحوله من سكير إلى رئيس الولايات المتحدة الأمريكي جورج دبليو بوش الأبن

كشف ذلك المخطط بكل استهتار عبر تصريحات السابقة لأوانها عندما قال في خطابه الشهير بعد هجمات ١١ سبتمبر إبان الحرب على أفغانستان (أنها حرب صليبية مقدسة)، مصورا نفسه القديس، وعليه خوض حرب مقدسة، لا يخفى على الجميع أن الاقتصاد الأميريكي كان يعاني من عثرة كبيرة وضائقة اقتصادية في سوق الأسهم، وهذا يوضح نوع وطبيعة السياسة الاقتصادية الأمريكية القائمة علي اقتصاديات الحرب (اقتصاد حرب) وليس علي التنمية، في تلك السياسات الاقتصادية تنمو وتنتعش من خلال بيع الأسلحة وتحرك عجلة مصانع الذخائر والعتاد العسكري وتقنياته، وتجميع اقتصاديات العالم تحت راية القوى الأكبر في العالم وهو الاقتصاد الأميريكي.

تعود فكرة العقيد العسكرية الأميريكية إلى الواجهة وبقوة عبر حشد كبير في سواحل المتوسط وهو الأكبر منذ الحرب العالمية الثانية، عبر تكتل عسكري ضخم من عتاد وأفراد وفرق خاصة والنخب الأمنية والعسكرية.

تنزل فرقة دلتا من جديد إلى الأرض كقوى قتالية تلك الفرقة المدربة علي اقتحام مناطق داخل المدن والتي شاركت بعمليات كثير منها عملية انزل لإنقاذ الدبلوماسيين الامريكيين في طهران والتي باءت بالفشل، وعملية مقديشو التي باءت بالفشل أيضا.  

هناك ست عمليات فاشله كانت من نصيب الفرقة دلتا. تلك الفرقة تم وضعها في خط المقدمة للدخول إلى غزة والجنوب اللبناني والجزء الشرقي والجنوبي من سوريا على أساس الخطة التي تم وضعها من قبل البنتاغون في حرب غزة التي تديرها فعليا، في خطوة تعتبر الأكثر توسعا للوجود العسكري المباشر للولايات المتحدة الأمريكية، والتي تعتبر بالمسمى الحقيقي أكبر احتلالا مباشرا.

هذه الحرب التي تدور في البحر المتوسط الأن، كشفت المتغير في العقيدة الاميريكية اليوم الا وهو نزعاتها التوسعية على عكس ما كانت عليه بخلق نزاعات محدودة تستطيع السيطرة عليها في السابق.

لم يكن التحول السريع والمفاجئ للتحرك العسكري الامريكي في منطقة الشرق الأوسط الا لعمل عسكري ضخمة يتناسب وضخامت الحجة والمصيبة التي حلت على دولة إسرائيل من قبل كتائب القسام الجناح العسكري لحركة حماس في غزة والذي نتج عنه تحرك جميع القواعد العسكري البحرية التابعة للجيش الامريكي واستنفار جميع القواعد الجوية في المنطقة وإرسال قوات المشاة إلى دولة إسرائيل تلك الهجمات من قبل كتائب القسام سرعت من الاصطفاف الدول الأوروبية وبريطانيا خلف العقيدة الامريكية لبداية مرحلة مختلفة عم قبلها ولخارطة جديدة للعالم.

ذلك ظهر جليا في حرب أفغانستان وكان الفرز واضحا بالنسبة للإدارة الأمريكية "من لم يكن معنا فهو ضدنا" ذلك كان شعار المرحلة، واليوم إعادة نفس السيناريو "من يقف مع إسرائيل فهو معنا ومن يقفو ضدها فهو ضدنا" والحرب على كل من هو ضدنا، وكان الحشد الأضخم اليوم، وفي تلك البقعة من الأرض على شواطئ المتوسط، حيث ينشد النشيد الوطني الأمريكي بصوت جنودها من على حاملات الطائرات الموجودة على نفس الشواطئ التي هزمت بها يوما...

لاشك أن العقيدة الأميريكية قوية اليوم، وقوية جدا، على اعتبارها أقوي دولة بالتاريخ، كما صرح بايدن، ورغم ذلك كل الحروب التي دخلتها أميريكا خرجت منها خاسرة بحسب علم الحرب وفي نهاية كل حرب تقوم القوات الأمريكية بعمليات انسحاب وهي لم تحقق اي هدف من أهدافها غير الفوضى ولم تحرز ذلك النصر المرجو من تلك الحروب وللمفارقة التاريخية دائما ما كانت أمريكا تحارب الدول الاقل قوى منها ولا تنتصر.

لم تكن سارية السفينة فيلادلفيا من الأسطول الأمريكي المنصوبة بساحة طرابلس اليوم، إلا شاهدا على الانتصار والإيمان بعقيدة النصر، وتوحيد الصفوف، واصطفاف أخوة يوسف لمواجهة العدو الخارجي.

إنها حرب العقائد... التي تبدأ بطرح سؤالها اليوم، أيهما ستنتصر العقيدة الأمريكية وحلفاؤها، أم عقيدة شواطئ طرابلس وشواطئ وغزة

التعليقات (0)