- ℃ 11 تركيا
- 24 يناير 2025
الداعية الشيخ خالد سعد يكتب: السعودية و الولايات المتحدة الامريكية بين شراكات اقتصادية والابتزازات السياسية
الداعية الشيخ خالد سعد يكتب: السعودية و الولايات المتحدة الامريكية بين شراكات اقتصادية والابتزازات السياسية
- 24 يناير 2025, 3:22:23 م
- 76
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
السعودية و الولايات المتحدة الامريكية
شهدت العلاقات السعودية-الأمريكية تحولات ملحوظة في السنوات الأخيرة، خصوصًا مع وصول الأمير محمد بن سلمان إلى ولاية العهد في المملكة العربية السعودية. ومع تطور رؤية السعودية لتعزيز دورها الاقتصادي والسياسي عالميًا ضمن إطار "رؤية 2030"، ظهرت بوادر شراكات جديدة مع القوى العالمية، وفي مقدمتها الولايات المتحدة. غير أن هذه الشراكات أثارت تساؤلات عدة حول طبيعتها الحقيقية: هل هي شراكة استراتيجية متكافئة، أم أنها تخضع لمنطق الابتزاز السياسي والاقتصادي الذي يميل إليه بعض القادة الأمريكيين، وعلى رأسهم الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب؟
اتصال #محمد_بن_سلمان بترامب شراكة أم أمنيات؟
مع إعلان #وكالةـالأنباء_السعودية عن اتصال الأمير محمد بن سلمان بالرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب لتهنئته بفوزه بالانتخابات، برزت دلالات سياسية واقتصادية عديدة تتطلب التأمل. خلال المكالمة، تحدث ولي العهد عن خطط استثمارية سعودية في الولايات المتحدة تُقدر بـ600 مليار دولار على مدى أربع سنوات، أي بمعدل 150 مليار دولار سنويًا.
هذا الرقم الضخم أثار تساؤلات حول واقعيته وإمكانية تحقيقه ضمن الظروف الاقتصادية السعودية الراهنة. هل كان هذا الإعلان يعكس خطة حقيقية أم أنه مجرد رسالة دعائية تهدف إلى استمالة الرئيس الأمريكي الذي لطالما اشتهر بميله للصفقات المالية الكبرى؟
#ترامب، الذي وصف دول #الخليج مرارًا بأنها "مصدر للمال السهل"، أظهر ميلًا صريحًا إلى استغلال هذه العلاقات لمصلحة الاقتصاد الأمريكي. زيارته الأولى للسعودية عام 2017 – والتي وصفها بأنها نتاج صفقة بقيمة 450 مليار دولار – كانت إحدى أكبر الشواهد على هذا النهج. كما أشار لاحقًا، وبصراحة لافتة، إلى أنه إذا أرادت السعودية أن تكون زيارته الأولى في ولايته الثانية، فستحتاج إلى زيادة المبلغ المدفوع.
أرقام طموحة أم استعراض سياسي؟
إعلان #السعودية عن استثمارات بقيمة 600 مليار دولار في الولايات المتحدة خلال أربع سنوات يثير العديد من التساؤلات، خاصة عند وضع هذه الأرقام في سياق الوضع #الاقتصادي #السعودي. وفقًا لتقديرات الميزانية السعودية للعام 2025، يبلغ العجز المتوقع 101 مليار ريال (26.88 مليار دولار)، في حين تصل النفقات إلى 1.285 تريليون ريال (342.05 مليار دولار)، بينما تقدر الإيرادات بـ1.184 تريليون ريال (315.17 مليار دولار).
إضافة إلى ذلك، ورغم الاحتياطي النقدي الكبير البالغ 1.754 تريليون ريال (467.7 مليار دولار) وصندوق الاستثمارات العامة الذي يُقدر بـ925 مليار دولار، فإن السيولة المتاحة لا تبدو كافية لتمويل استثمارات ضخمة بهذا الحجم. وبالتالي، قد يُفهم هذا الرقم الضخم كإشارة رمزية تهدف لتعزيز العلاقة مع الإدارة الأمريكية، أكثر منه خطة اقتصادية واقعية قابلة للتنفيذ.
شراكة اقتصادية أم شراء دعم سياسي؟
في ظل هذه التطورات، تبرز تساؤلات حول طبيعة العلاقة بين الرياض وواشنطن: هل تسعى المملكة إلى تحقيق شراكة اقتصادية حقيقية، أم أنها تحاول من خلال الاستثمارات المعلنة استمالة الدعم السياسي الأمريكي لمواقفها في القضايا الإقليمية؟
الواقع يشير إلى أن السعودية تستخدم استثماراتها أحيانًا كوسيلة للحصول على الدعم الأمريكي في ملفات إقليمية حساسة، مثل الملف النووي الإيراني والصراع في اليمن. العلاقة بين البلدين، رغم غلافها الاقتصادي، تحمل في طياتها أبعادًا سياسية واضحة، إذ تسعى المملكة إلى تعزيز مكانتها كقوة إقليمية لا غنى عنها، بينما تسعى واشنطن إلى ضمان مصالحها الاقتصادية والسياسية في المنطقة.
#ترامب #التاجر الانتهازي بلا مبادئ ولا قيم
الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب اشتهر بنهجه الصريح والبعيد عن الدبلوماسية التقليدية، والذي يرتكز بشكل كبير على تحقيق المصالح المادية للولايات المتحدة بأي ثمن، حتى لو كان ذلك على حساب قيم العدالة أو المبادئ الأخلاقية. في علاقته مع المملكة العربية السعودية، لم يكن ترامب استثناءً لهذا النهج، بل كان تجسيدًا له.
ترامب تعامل مع السعودية كـ"مصدر مالي مفتوح"، ورأى في المملكة فرصة لتحقيق مكاسب اقتصادية ضخمة للولايات المتحدة، لكن ذلك لم يمنعه من التلويح بالتهديدات السياسية كلما احتاج إلى تحقيق أهدافه الشخصية أو تعزيز صورته أمام الداخل الأمريكي.
تهديدات متعددة: الضغط بورقة #خاشقجي
أحد أبرز ملفات الابتزاز التي استخدمها ترامب ضد السعودية كان قضية مقتل الصحفي جمال خاشقجي في قنصلية المملكة بإسطنبول عام 2018. ورغم التصريحات العلنية التي حاول فيها ترامب إظهار دعمه للسعودية، كان يستخدم القضية خلف الكواليس كوسيلة ضغط على القيادة السعودية، ملوحًا بإمكانية فرض عقوبات أو قطع الدعم الأمريكي إذا لم تستجب المملكة لمطالبه.
في إحدى تصريحاته، قال ترامب بوضوح إن الولايات المتحدة لن تتخلى عن صفقات السلاح مع السعودية بسبب خاشقجي، لكنه في الوقت ذاته أكد أن بلاده "ستراقب الوضع عن كثب". هذه الازدواجية تعكس بوضوح سعي ترامب لاستغلال القضية لتحقيق مكاسب اقتصادية وسياسية، مع إبقاء المملكة تحت تهديد مستمر.
الملف الإيراني فزاعة الابتزاز المستمرة
من بين أوراق الضغط الأخرى التي لجأ إليها ترامب كانت التهديد بالخطر الإيراني. فقد استغل التوترات الإقليمية بين السعودية وإيران للتأكيد على أن الولايات المتحدة هي الحليف الوحيد القادر على حماية #المملكةـالعربية_السعودية من "الخطر الإيراني".
ترامب لم يتردد في المبالغة بالحديث عن الخطر الإيراني لإجبار #السعودية على توقيع صفقات تسليح ضخمة بمليارات الدولارات. كما أظهر تهاونًا ملحوظًا مع إيران في بعض المناسبات، مثل استهداف منشآت أرامكو عام 2019، حيث اكتفى بإدانة الحادث دون أي رد عسكري قوي، مما أظهر أن الحماية الأمريكية للسعودية مشروطة بالمكاسب التي تحصل عليها واشنطن.
#التهديد بثورة وانقلاب داخلي
ترامب لم يتردد أيضًا في التلويح بورقة "الثورة والانقلاب" كأداة ضغط على القيادة السعودية. ففي أكثر من مناسبة، أشار ترامب إلى أن المملكة "لن تبقى أسبوعين بدون الحماية الأمريكية"، في تصريح يحمل تهديدًا مبطنًا بإمكانية تخلي واشنطن عن دعمها إذا لم تلتزم السعودية بتلبية طلباته.
ترامب كان يدرك تمامًا أهمية الاستقرار السياسي للنظام السعودي، ولذلك استغل هذا الملف للتلويح باحتمال حدوث اضطرابات داخلية إذا لم تحصل الولايات المتحدة على المكاسب التي تريدها. هذا النهج يظهر بوضوح كيف أن ترامب لم يكن يولي أي اعتبار لاستقرار المنطقة، بقدر ما كان يركز على تحقيق مصالحه الشخصية.
حقوق الإنسان والديكتاتورية: سلاح للاستهلاك الداخلي
ملف #حقوق_الإنسان كان أيضًا إحدى الأدوات التي استخدمها ترامب للضغط على السعودية. رغم أن ترامب لم يكن معروفًا بتقديره لقضايا حقوق الإنسان، إلا أنه استخدم هذا الملف كوسيلة للضغط على المملكة، سواء من خلال انتقاد الديكتاتورية أو التلميح بضرورة إجراء إصلاحات داخلية.
في أكثر من مناسبة، أشار ترامب إلى أن النظام السعودي "يحتاج إلى تغيير نهجه"، لكنه كان في الواقع يستخدم هذه الانتقادات كأداة لابتزاز المملكة دون نية حقيقية لدعم هذه القضايا. بل إن هذه التصريحات كانت موجهة غالبًا للاستهلاك الإعلامي الداخلي في الولايات المتحدة، لإظهار أن الإدارة الأمريكية تتعامل بصرامة مع السعودية.
#الخلاصة
علاقة مبنية على الابتزاز
تعامل #ترامب مع #السعودية كان نموذجًا واضحًا للعلاقة القائمة على الابتزاز. فهو لم يتردد في استخدام أي ملف، سواء كان قضية خاشقجي، أو الخطر الإيراني، أو حتى ملف حقوق الإنسان، لتحقيق مكاسب مادية وسياسية على حساب المملكة. هذه السياسة الانتهازية أظهرت بوضوح أن ترامب لا يحمل أي مبادئ أو قيم حقيقية في علاقاته الدولية، بل يتعامل بمنطق "التاجر" الذي يرى في الآخرين مجرد أدوات لتحقيق أرباح.
وبينما كانت السعودية تسعى لتعزيز شراكتها مع الولايات المتحدة، وجدت نفسها في كثير من الأحيان تحت رحمة ضغوط ترامب وتهديداته، مما دفعها إلى دفع أثمان باهظة للحفاظ على استقرار علاقاتها مع واشنطن.
تعامل ترامب مع السعودية خلال فترته الرئاسية الأولى كشف عن نمط واضح من التفكير القائم على الابتزاز الاقتصادي. فقد صرح علنًا بأن الولايات المتحدة لن تقدم خدماتها للدول الخليجية دون مقابل مالي كبير. بالنسبة له، السعودية وغيرها من دول المنطقة ليست سوى "بنك مفتوح" يمكن الاعتماد عليه لدعم الاقتصاد الأمريكي من خلال عقود التسلح والاستثمارات الضخمة.
تصريحاته المتكررة، مثل قوله: "السعودية ستنهار دون الحماية الأمريكية"، توضح أن رؤيته للعلاقات الثنائية كانت تتمحور حول المصالح المالية أكثر من كونها شراكة استراتيجية حقيقية. هذا النمط من التعامل يُظهر المملكة كدولة تسعى لشراء الحماية والدعم، مما يضعف موقفها أمام الرأي العام الدولي.
رؤية 2030 ووضع السعودية الحالي: فرص جديدة وتحديات مستمرة
رغم الانتقادات الموجهة للنهج السعودي في التعامل مع الولايات المتحدة، لا يمكن إنكار أن المملكة قد حققت خطوات مهمة على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي منذ إطلاق رؤية 2030. هذه الرؤية، التي تهدف إلى تنويع الاقتصاد وتقليل الاعتماد على النفط، عززت من مكانة السعودية كدولة طموحة تسعى إلى التحول إلى مركز اقتصادي عالمي.
الوضع الحالي للسعودية أفضل بكثير مقارنة بعام 2017، إذ نجحت المملكة في تنفيذ مشاريع ضخمة في مجالات مثل السياحة، الطاقة المتجددة، والذكاء الاصطناعي. هذه الإنجازات تمنحها أوراق قوة في التعامل مع الولايات المتحدة وغيرها من القوى الكبرى، مما يمكنها من التفاوض من موقع أقوى مقارنة بالسابق.
خلاصة: توازن حساس بين الاقتصاد والسياسة
العلاقات السعودية-الأمريكية تمر بمرحلة دقيقة تتطلب توازنًا بين تعزيز الشراكات الاقتصادية وتجنب الابتزاز السياسي. المملكة تسعى لتقديم نفسها كقوة إقليمية قادرة على تحقيق شراكات اقتصادية كبرى، لكن عليها أيضًا أن تحذر من الوقوع في فخ الاعتماد المفرط على الدعم الأمريكي.
الأحداث القادمة ستكشف مدى قدرة المملكة على الموازنة بين تحقيق طموحاتها الاقتصادية وتعزيز مكانتها السياسية، وبين الحفاظ على استقلاليتها أمام إدارة أمريكية براغماتية تميل إلى رؤية المصالح بعيون مادية بحتة بل وتتعامل مع السعودية كبقرة حلوب يمكن الانتفاع بكل جزء منها .