- ℃ 11 تركيا
- 12 ديسمبر 2024
الداعية خالد سعد يكتب:شمس الحرية تشرق من سوريا.. بشائر النصر وعودة الحقوق"
الداعية خالد سعد يكتب:شمس الحرية تشرق من سوريا.. بشائر النصر وعودة الحقوق"
- 8 ديسمبر 2024, 11:03:56 ص
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
الحمد لله الذي وعد عباده المؤمنين بالنصر والتمكين، وأخبرهم أن العاقبة للتقوى، وأن الظلم مهما طال فإن نهايته الهلاك. لطالما كانت سوريا أرضًا زاخرة بالحضارة والتاريخ، تحمل في طياتها إرثًا غنيًا من العراقة والازدهار. ومع ذلك، شهدت البلاد عقودًا من القهر والظلم، وتحولت خلال السنوات الأخيرة إلى ساحة صراع مأساوي ألحق الأذى بشعبها وأرضها وبعد سنواتٍ من التضحيات والدماء الطاهرة التي روت أرض سوريا الحبيبة، ها نحن نشهد فجرًا جديدًا يلوح في الأفق، حيث تنتصر إرادة الشعب الحر على الطغيان، وتُفتح أبواب السجون لتحرر الأسرى المظلومين، وتعود القرى والمدن التي هُجّرت أهلها لتستقبلهم بالتكبير والتهليل، شاكرين ربهم على فضله العظيم.
بين الثورة والنصر
لقد أثبت الشعب السوري، رغم ما واجهه من ظلم الطاغية بشار الأسد ونظامه الوحشي، أن إرادة الشعوب لا تُكسر، وأن الدماء الطاهرة التي سالت على أرض الشام كانت ثمنًا غاليًا للحرية التي لطالما حلم بها السوريون. إن انتصار الثوار اليوم ليس مجرد نهاية لحكم مستبد، بل هو رسالة إلى العالم أن الثورة ليست جريمة، بل حق مشروع لكل شعب يسعى إلى حياة كريمة وعدل مستدام.
هذا النصر لم يأتِ من فراغ؛ بل كان ثمرة لصمود الشعب، وتضحيات الشهداء، وصبر الأمهات، وبطولات الثوار الذين رفضوا أن يُترك الوطن في يد من خانوا شعبه وباعوا سيادته لأعداء الأمة. كما يُبرز هذا الانتصار أن دعم الطغاة، سواء من الداخل أو الخارج، لا يمكن أن يصمد أمام إرادة شعب قرر أن يعيش حرًا أو يموت بكرامة.
سنة الله في دفع الظلم ونصرة المظلومين
قال الله تعالى: "وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ ۚ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ" [إبراهيم: 42]. لقد كان الشعب السوري تحت حكم آل الأسد نموذجًا حيًّا للمعاناة والظلم والاستبداد، حيث عانى هذا الشعب الصامد عقودًا طويلة من الاستعباد والتشريد والإهانة، حتى جاءت الثورة المباركة لتفضح الوجه الحقيقي لهذا النظام المجرم، وتكشف للعالم مدى وحشيته وبطشه.
تاريخ طويل من القتل والإبادة
لقد سجل نظام الأسد، بدءًا من عهد حافظ الأسد إلى عهد ابنه بشار، تاريخًا أسود في الجرائم والمجازر التي لا تزال شاهدة على حجم الإجرام الذي مارسه هذا النظام. ومن أبرز هذه المجازر:
1. مجزرة حماة (1982):
قادها الطاغية حافظ الأسد وارتكبها شقيقه رفعت الأسد، حيث تم إبادة مدينة حماة بالكامل، وراح ضحيتها عشرات الآلاف من المدنيين الأبرياء. كانت المجزرة إبادة جماعية بكل ما تعنيه الكلمة، استخدمت فيها المدفعية الثقيلة والدبابات لتدمير المنازل والمساجد فوق رؤوس ساكنيها، دون تفريق بين طفل وشيخ وامرأة.
2. مجازر الثورة السورية (2011 وما بعدها والتي قتل فيها مئات الآلاف ):
مع اندلاع الثورة، كشف بشار الأسد عن وحشية تفوق تلك التي مارسها والده. استخدم النظام كل أنواع الأسلحة ضد شعبه، بما فيها الأسلحة الكيماوية كما حدث في مجزرة الغوطة الشرقية عام 2013، والتي راح ضحيتها أكثر من 1400 مدني بينهم أطفال ونساء، خنقهم الغاز السام في مشهد يهتز له ضمير الإنسانية.
3. مجزرة الحولة (2012):
ارتُكبت في ريف حمص، حيث اقتحم النظام القرى بالدبابات والميلشيات الطائفية، وقتل أكثر من 100 مدني، بينهم أطفال قُتلوا ذبحًا بالسكاكين، في جريمة يندى لها الجبين.
4. مجزرة داريا (2012):
قُتل فيها المئات من المدنيين، حيث حاصرت قوات النظام المدينة وقتلت الأهالي بطريقة وحشية، ودفنوا في مقابر جماعية.
5. مجازر السجون السورية:
لا تزال السجون السورية، مثل سجن صيدنايا، شاهدة على أسوأ أنواع الجرائم. آلاف المعتقلين تعرضوا للتعذيب حتى الموت، وتم توثيق ذلك في صور قيصر الشهيرة التي أظهرت جثث المعتقلين وقد بدت عليهم آثار التعذيب والتجويع.
صور من الظلم والتشريد والاستعباد
على مدى عقود، حوّل نظام الأسد سوريا إلى سجن كبير لشعبها، حيث عاش السوريون في ظل القمع والخوف والاستعباد. ومن أبرز صور هذا الظلم:
1. التشريد:
منذ اندلاع الثورة، اضطر أكثر من 13 مليون سوري للنزوح أو اللجوء خارج وطنهم، حيث هُجرت المدن والقرى بالكامل، ودمرت المنازل والمساجد والمدارس والمستشفيات، وتحول الشعب إلى لاجئين في دول الجوار أو مشردين في الداخل.
2. الإهانة والاعتقال:
مارس النظام سياسة الاعتقال التعسفي على نطاق واسع، حيث امتلأت السجون بعشرات الآلاف من الأبرياء، وتعرض المعتقلون لأبشع أنواع التعذيب النفسي والجسدي، بما في ذلك الاغتصاب والإذلال اليومي.
3. القمع الفكري والسياسي:
عاش الشعب السوري في ظل حكم آل الأسد محرومًا من أبسط حقوقه، مثل حرية التعبير والرأي. كان مجرد الانتقاد أو المطالبة بالإصلاح يعني السجن أو الإعدام.
4. استغلال الموارد ونهب الثروات:
احتكر النظام خيرات البلاد لصالح فئة صغيرة من المتنفذين وأعوانه، بينما كان الشعب يعاني من الفقر والبطالة وسوء الخدمات.
5. الطائفية والميلشيات:
اعتمد النظام على إثارة النعرات الطائفية، واستقدم الميلشيات الأجنبية، مثل حزب الله اللبناني والمليشيات الإيرانية، التي ارتكبت جرائم مروعة بحق الشعب السوري.
النصر سنة الله في دفع الظالمين
قال تعالى: "إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ" [الحج: 38]. إن ما فعله النظام السوري بشعبه هو طغيان لا مثيل له، لكن سنة الله اقتضت أن يُمهل الظالم ولا يُهمله، ليأتي يوم يرى فيه الظالمون عاقبة ظلمهم، ويشهد فيه المظلومون نصر الله الذي وعدهم به.
إن تحرير سوريا من هذا الطغيان هو خطوة نحو العدالة الإلهية، ومشهد يعيد الأمل لكل مظلوم. نسأل الله أن يكون انتصار الشعب السوري بداية لحقبة جديدة من الحرية والكرامة، وأن يعم العدل والخير بلاد المسلمين جميعًا.
عودة المكبرين إلى ديارهم
أي مشهد أعظم من رؤية الأمهات تحتضن أبناءها بعد سنوات من الفراق؟ أي فرحة أكبر من عودة المهجّرين إلى ديارهم حاملين معهم التكبير والتهليل؟ لقد رأينا شوارع سوريا اليوم تزدان بالزغاريد والتكبيرات، ورأينا الأطفال الذين عرفوا الخوف بدل الأمان يضحكون أخيرًا وهم يشعرون أنهم في وطنهم الذي لا يقبل الطغاة ولا المجرمين.
إنه مشهدٌ يعيد إلى الأذهان قصص النصر في الإسلام، حين كان المسلمون يعودون إلى ديارهم بعد فتح الله عليهم، يرددون: "وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ ۚ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا" [الإسراء: 81].
أمل الربيع العربي في كل مكان
إن ما حدث في سوريا يعيد الأمل لكل شعوب الربيع العربي. فالنصر الذي تحقق اليوم هو بشارة لكل من خرج يطالب بحريته في مصر وتونس وليبيا واليمن. رغم التحديات والعقبات، فإن إرادة الشعوب لا تموت، وما من طاغية مهما بلغ جبروته إلا وكتب الله له نهاية، كما قال تعالى: "وَتِلْكَ الْقُرَىٰ أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِم مَّوْعِدًا" [الكهف: 59].
نقول للمؤمنين في كل مكان: اصبروا وصابروا، فإن نصر الله قريب، وما انتصار سوريا اليوم إلا خطوة أولى نحو تحرير الأمة الإسلامية من الظلم والاستبداد. الأمل باقٍ، والعمل مستمر، والثقة بالله لا تهتز.
وعد الله حق
لقد وعدنا الله بأن الظلم لا يدوم، وأن النصر حليف المؤمنين الصادقين. وها هي سوريا تقدم درسًا خالدًا للأمة: أن التضحيات مهما عظمت، فإنها تنتهي بنصر مبين وفرحة تعم القلوب. نسأل الله أن يثبت أهل سوريا على الحق، وأن يبارك لهم في نصرهم، وأن يعيد الربيع إلى كل الشعوب التي خرجت مطالبة بحريتها، حتى يعم العدل والخير في أوطاننا، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين