- ℃ 11 تركيا
- 7 فبراير 2025
الداعية الشيخ خالد سعد يكتب:العالم لا يحترم إلا الأقوياء حين يصبح القانون أداة بيد الأقوى، والإسلام ميزان العدل الحق
الداعية الشيخ خالد سعد يكتب:العالم لا يحترم إلا الأقوياء حين يصبح القانون أداة بيد الأقوى، والإسلام ميزان العدل الحق
- 7 فبراير 2025, 2:22:21 م
- 53
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
تعبيرية
الحمد لله القوي المتين، العزيز الذي لا يُغلب، القائل في كتابه: ﴿وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا ٱسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ ٱلْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِۦ عَدُوَّ ٱللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ﴾ [الأنفال: 60]. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، القائل: ﴿فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوٓا إِلَى ٱلسَّلْمِ وَأَنتُمُ ٱلْأَعْلَوْنَ وَٱللَّهُ مَعَكُمْ﴾ [محمد: 35]، وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله، قائد المجاهدين وإمام المتقين، القائل: "المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير" [رواه مسلم].
اللهم صلِّ وسلِّم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
سنة القوة في الكون
إن السنن الإلهية في هذا الكون ثابتةٌ لا تتغير، ومن أعظمها أن القوة هي التي تحفظ الحقوق، وأن الضعف لا يجلب إلا الذل والهوان. فمنذ أن خلق الله الأرض ومن عليها، والبقاء للأقوى، وليس للأضعف نصيب إلا إن احتمى تحت ظل الأقوياء أو سعى ليكون منهم. هذه هي الحقيقة التي يدركها العقلاء، ويغفل عنها الواهمون الذين يظنون أن العالم تحكمه المبادئ والقوانين، بينما في الواقع لا يحكمه إلا السيف والاقتصاد والقوة العسكرية.
وكأنه يعيد قول القائل قديما وهو يفخر بقوة وجبروت وسطوت قومه قائلاً. وَقَدْ عَلِمَ القَبَائِلُ مِنْ مَعَدٌ
إِذَا قُبَبٌ بِأَبطَحِهَا بُنِيْنَا
بِأَنَّا الْمُطْعِمُونَ إِذَا قَدَرْنَا
وَأَنَّا الْمُهْلِكُونَ إِذَا ابْتُلِيْنَا
وَأَنَّا الْمَانِعُوْنَ لِمَا أَرَدْنَا.
وَأَنَّا النَّازِلُونَ بِحَيْثُ شِيْئًا
وَأَنَّا التَارِكُوْنَ إِذَا سَخِطْنَا
وَأَنَّا الْآخِذُونَ إِذَا رَضِيْنَا.
وأنَّا العَاصِمُوْنَ إِذَا أَطَعْنَا
وَأَنَّا العَازِمُوْنَ إِذَا عُصِيْنَا
وَنَشْرْبُ إِنْ وَرَدْنَا المَاءَ صَفْواً
وَيَشْرَبُ غَيْرُنَا كَدِراً وَطِيْنَا .
فالعالم لا يحترم إلا الأقوياء، والدول والمنظمات التي تدَّعي العدل لا تنحاز إلا لمن يملك القوة. والتاريخ شاهد على ذلك، إذ لم يكن يومًا القانون الدولي وسيلةً لتحقيق العدالة، بل كان أداةً في يد القوى العظمى، تحركها متى شاءت، وتستخدمها في الوقت الذي تريد، بينما تبقى الشعوب الضعيفة ضحيةً لهذا الميزان المختل، الذي لا يقيم وزنًا للعدل إلا إذا كان في مصلحة الأقوياء.
---
القانون الدولي: أداة في يد القوي، وسلاح ضد الضعيف
لقد رُفع شعار القانون الدولي بعد الحرب العالمية الثانية، وزُعِم أن الأمم المتحدة وُجدت لحماية حقوق الإنسان، وأن مجلس الأمن وُضع ليضمن السلم العالمي، لكن الحقيقة التي لا يمكن إنكارها أن هذه المؤسسات ما هي إلا أدوات بيد القوى العظمى، تُسخِّرها لتحقيق مصالحها، وتغض الطرف عن الظلم حين يكون في صالحها.
كم من دولٍ إسلامية عانت من القمع والاستعمار، وكم من شعوبٍ سُحِقت تحت وطأة الاحتلال، ولم يتحرك "العدل الدولي" لإنصافها؟!
أمريكا وروسيا وفرنسا وبريطانيا وإسرائيل تفعل ما تشاء دون حساب، بينما الدول الإسلامية والعربية تُفرض عليها العقوبات لمجرد الدفاع عن نفسها!
إذا تطاولت دولة ضعيفة على هذه القوى، رُفعت ضدها دعاوى الإرهاب، وجُرّ قادتها إلى محاكم العدل الدولية، وكأن العدل لا يُطبق إلا على الضعفاء!
---
ازدواجية المعايير في ميزان الظلم الدولي
العالم مليء بالأمثلة التي تثبت أن القانون الدولي ليس إلا ستارًا يخفي خلفه مصالح الكبار، وأداةً تُستخدم للضغط على الضعفاء.
عندما غزت أمريكا أفغانستان والعراق ودمرت شعوبًا بأكملها وقتلت الملايين، لم يحاسبها أحد!
عندما قصفت روسيا الشيشان وسوريا وحوّلت مدنًا إلى أنقاض، لم يجرؤ أحد على محاكمتها!
عندما ارتكبت إسرائيل مجازر بشعة في دير ياسين وصبرا وشاتيلا وجنين وغزة، لم يُفتح أي تحقيق دولي حقيقي!
لكن، عندما يُدافع الفلسطيني عن أرضه، أو يقاوم شعبٌ مسلم ضد الاحتلال، يُسمَّى "إرهابيًا"، وتُفرض عليه العقوبات، ويجتمع مجلس الأمن لإدانته! فأي عدل هذا؟! وأي ميزان مختل يحكم هذا العالم؟!
---
الإسلام: ميزان العدل الحق
إذا كان القانون الدولي ظالمًا، وإذا كان العالم لا يحترم إلا الأقوياء، فإن الإسلام جاء بنظامٍ عادل لا يفرق بين الضعيف والقوي، ولا بين الغني والفقير، ولا بين الحاكم والمحكوم، ولا بين الأبيض والأسود، فميزانه واحد، وهو التقوى.
قال النبي صلى الله عليه وسلم:"إنما أهلك الذين قبلكم، أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، وأيم الله، لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها" [رواه البخاري ومسلم].هذا هو العدل المطلق، الذي لا يحابي أحدًا، ولا يخضع لقوة السلاح أو نفوذ المال.الإسلام أمر بالقوة، لكنه لم يجعلها أداة للظلم، بل وسيلة لحماية الحقوق.
الإسلام أمر بالجهاد، لكنه لم يجعله وسيلةً للعدوان، بل أداةً لدفع الظلم وإقامة العدل.الإسلام جعل العقوبات واحدة للجميع، فلا فرق بين حاكم ومحكوم، ولا بين غني وفقير، ولا بين مسلم وغير مسلم، إذا وقع الظلم، فإن العدل يُطبق على الجميع.
---
لا احترام إلا للقوي، ولا بقاء إلا للأمة القوية
إنَّ الحقيقة التي يجب أن يفهمها المسلمون اليوم أن العالم لا يحترم إلا الأقوياء، ولا يهاب إلا من يمتلك القوة. فالدول الإسلامية التي تحلم بالحصول على حقوقها عبر الاستجداء والمفاوضات لن تحصل إلا على الخيبة والخذلان.
الحرية لا تُمنح، بل تُؤخذ بالقوة.
الحقوق لا تُستعاد بالتوسل، بل تُنتزع انتزاعًا.
الأمم التي تُريد العزة، يجب أن تمتلك من القوة ما يحمي كرامتها.
ولله در القائل.
لا رأي للحق الضعيف ولا صدى
والرأي رأي القاهر الغلاب
لا عدل الا إن تعادلت القوى
وتصادم الارهاب بالارهاب
فافعلْ مشيئَتكَ التي قد شئتَها
وارحمْ جلالكَ من سماعِ خطابي
فلا بد أن تُدرك الأمة الإسلامية أن السبيل الوحيد لنيل العزة والكرامة هو امتلاك القوة، فلا عدل إلا عندما تكون الأمة قادرة على فرض العدل، ولا احترام إلا لمن يملك من القوة ما يجعله نِدًّا لخصومه.
اللهم ارزق أمتنا القوة والعزة، وأعد لها مجدها المفقود، واهدِ قادتها إلى ما فيه صلاحها، وأبرم لها أمر رشد يعز فيه أهل طاعتك، ويُذل فيه أهل معصيتك، وينصر فيه دينك.
اللهم اجعل أمتنا قويةً بعقيدتها، عزيزةً بدينها، منصورةً بجهادها، واجعلها يدًا واحدة على من عاداها، إنك على كل شيء قدير.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.