الداعية الشيخ خالد سعد يكتب: لماذا يخافون من الإسلام؟

profile
  • clock 17 ديسمبر 2024, 1:25:28 م
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

الإسلام والشريعة: تفنيد مخاوف العلمانيين وتصحيح المفاهيم"
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد:
فلا شك أن الشريعة الإسلامية بما تحمله من عدل ورحمة ووسطية جاءت لتكون منهاجًا للحياة البشرية في جميع جوانبها؛ عقيدةً وعبادةً، تشريعًا وحكمًا، وأخلاقًا ومعاملات. ومع ذلك، نجد في عصرنا الحالي من يعارض تطبيق الشريعة أو يثير الشبهات حولها، خاصةً من بعض التيارات العلمانية التي ترى في الإسلام خطرًا على "الحريات" و"التقدم".
تُثار تساؤلات كثيرة: لماذا يخشى العلمانيون من حكم الإسلام؟ لماذا عندما انتصرت الثورة السورية وتم تعيين الأستاذ محمد البشير رئيسا للحكومة المؤقتة سارعت القوى العلمانية في التخويف من الإسلامين لماذ سارع رئيس دولة الامارات كما ذكر ذلك وول ستريت جورنال.


أن الإمارات أبلغت الولايات المتحدة أنها غير مرتاحة للحكومة السورية الجديدة بسبب هويتها الإسلامية، وأشارت لرفضها التام لتسامح أمريكا مع وصولهم للسلطة وتشكيل حكومة.وكثير من الإعلاميين والفنانين والعلمانيين ساروا على منوال التخويف من الاسلامين. ما هي أسباب رفضهم لتطبيق الشريعة؟ هل هذه المخاوف نابعة عن سوء فهم للإسلام أم عن عوامل فكرية وثقافية أخرى؟


في هذا المقال سنناقش هذه المخاوف بشفافية وموضوعية، نحلل أسبابها، ونرد عليها ردودًا علمية وشرعية تُظهر الحقائق وتُصحح المفاهيم الخاطئة، مُبيّنين أن الإسلام لا يُقيد الحرية ولا يُعيق التقدم، بل هو دين العدل والرحمة، وهو النظام الأمثل لإصلاح المجتمعات وتحقيق الاستقرار والكرامة الإنسانية.
تمهيد
نشأت العلمانية كفكر وفلسفة في الغرب الأوروبي كردّة فعل على هيمنة الكنيسة واضطهادها للعلماء والحريات خلال العصور الوسطى. كانت تلك المرحلة مظلمة في تاريخ أوروبا بل كانت تسمى بالعصور المظلمة، مما دفع المفكرين إلى المطالبة بفصل الدين عن الدولة وحصره في المجال الشخصي.
لكن هذه التجربة الغربية نقلها البعض إلى العالم الإسلامي دون مراعاة الفرق الجوهري بين الإسلام والمسيحية في التشريع والمفاهيم. فالإسلام لم يأتِ ليقيد الناس أو ليمنع التقدم كما فعلت الكنيسة، بل جاء لإخراج البشرية من الظلمات إلى النور.
ورغم ذلك، نجد أن هناك تيارات علمانية تخشى الإسلام أو ترفض حكم الشريعة، بدافع الخوف من التقييد أو الانغلاق كما يزعمون. في هذا التمهيد سنُبيّن أن هذه المخاوف قائمة على أسباب عدة، منها:
1. الفهم الخاطئ لحقيقة الشريعة ومقاصدها.
2. التأثر بالفكر الغربي وتجربته التاريخية.
3. الخلط بين الإسلام الصحيح وتطبيقاته الخاطئة من بعض الجماعات.
4. الخوف من فقدان الامتيازات الشخصية أو السياسية.


سنقوم في هذا المقال بتحليل كل سبب من هذه الأسباب، والرد عليها بأسلوب علمي وشرعي يُزيل اللبس ويُظهر جمال وعدالة الشريعة الإسلامية. .    


1. الاختلاف الفكري بين الإسلام والعلمانية
فالعلمانية تؤمن بفصل الدين عن السياسة، وترى أن الدين مسألة فردية لا علاقة له بتشريع القوانين أو إدارة الدولة.
أما الإسلام فيؤكد على أن الشريعة تشمل جميع جوانب الحياة، بما فيها السياسة والحكم.
فالإسلام لا يفرض فصل الدين عن السياسة؛ لأن الدين ليس طقوسًا شخصية فقط، بل هو منهج حياة شامل:
قوله تعالى: {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الأنعام: 162].
هذا يعني أن الحياة كلها، بما فيها الحكم والسياسة، يجب أن تكون وفق منهج الله.
فتجربة العلمانية الغربية نشأت بسبب طغيان الكنيسة، لكن الإسلام جاء منذ البداية ليعطي للناس حقوقهم وحرياتهم حتى في اعتناق الدينفلا يجبرهم على الدخول فيه بل لهم مطلق الحرية بلا استبداد ولا طغيان كما قال تعالى {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} [البقرة: 256].
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إنما الطاعة في المعروف" [صحيح مسلم].فالإسلام يُطبّق الشريعة لتحقيق العدالة، وحماية حقوق الناس، وهذا لا يتعارض مع الحرية.
2. الصورة النمطية الخاطئة عن الشريعة الإسلامية
يرى بعض العلمانيين أن الشريعة تعني إقامة الحدود فقط (مثل قطع يد السارق، أو الرجم)، ويتجاهلون مقاصد الشريعة الكبرى في العدل والرحمة.فالشريعة الإسلامية جاءت لتحقيق مقاصد سامية، تُعرف بـ"مقاصد الشريعة"وهي حفظ الدين، والنفس، والعقل، والمال، والنسل.
والحدود ليست الهدف الأول في الإسلام؛ بل هي آخر مرحلة بعد القضاء على الفقر والجهل والظلم:قول تعالى { إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} 
أما الحدود فتقام لضمان الأمن والردع، بعد تحقيق شروط التطبيق الصارمة. فالرسول صلى الله عليه وسلم لم يُقم الحدود على الفور، بل نشر العدل وأقام المجتمع على الرحمة أولًا.
3. تأثير الفكر الغربي
العلمانيون ينقلون تجربة أوروبا التي عانت من ظلم الكنيسة واضطهادها للعلماء، ويظنون أن الإسلام شبيه بذلك وهذا ليس صحيحا بل إن 
تاريخ الكنيسة لا يمكن مقارنته بالإسلام:
الكنيسة كانت تمنع العلم وتحارب العلماء (كقضية جاليليو مثلًا).
بينما الإسلام كان محرّكًا رئيسيًا للعلم والحضارة؛بل أول ما نزل على رسول الله كان قوله تعالى إقرأ باسم ربك الذي خلق و قال النبي صلى الله عليه وسلم: "من سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا سهّل الله له طريقًا إلى الجنة" [صحيح مسلم].

فالإسلام شجّع على حرية الفكر والنقاش في إطار الاحترام؛ حتى الملحدين والفلاسفة ناقشوا قضايا الدين مع العلماء.
بل من أعظم الإنجازات الفكرية في تاريخ الإسلام: المدارس العلمية، بيت الحكمة في بغداد، وعلماء أمثال ابن سينا، والرازي، والفارابي.
4. المخاوف من الفهم الخاطئ لتطبيق الإسلام
هناك من شوه تطبيق الإسلام، سواء جماعات متطرفة أو حكومات استبدادية مجرمة ظالمة.
لكن الإسلام لا يتحمل مسؤولية سوء التطبيق؛ لأن التشريع الإسلامي بريء من انحرافات الأفراد. فالحكم على الشريعة يجب أن يكون من مصادرها الصحيحة (القرآن والسنة) وليس من تصرفات البشر.
فالشريعة ليست قمعية قال النبي صلى الله عليه وسلم: "يسروا ولا تعسروا، وبشروا ولا تنفروا" [صحيح البخاري]
واذا نظرنا إلى تاريخ الخلافة الراشدة لوجدنا أنه تاريخ يقدّم مثالًا رائعًا لتطبيق الشريعة بعدل ورحمة، مثل عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
5. التخوف من فقدان الامتيازات الشخصية
بعض العلمانيين يخشون أن يؤثر تطبيق الشريعة على مصالحهم الاقتصادية أو السياسية. فالشريعة الإسلامية تُحقق العدل للجميع، وتحارب الفساد والاحتكار، ولا تُفرّق بين الغني والفقير.فالإسلام يفرض قواعد واضحة لإدارة المال تحريم الربا والاستغلال: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} 
وعمل الإسلام على محاربة الظلم الاقتصادي: "من ظلم قيد شبر من الأرض طُوّق به يوم القيامة من سبع أراضين" [صحيح مسلم].
الشريعة ليست ضد الكسب أو الغنى المشروع، بل تحمي حقوق الجميع.
6. التبعية الثقافية والفكرية
بعض العلمانيين يرون أن التقدم يعني اتباع الغرب بحذافيره ورفض أي دور للدين وهذه حماقة وعدم فهم فالتقدم العلمي والاقتصادي لا يتعارض مع الإسلام؛ بل الإسلام شجّع على العلم والعمل والتقدم والابداع 
وقد امر الله تعالى بالسعي والكسب {هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ} 
فهناك دول إسلامية في التاريخ حققت التقدم دون أن تتخلى عن دينها (الأندلس، الدولة العباسية). وقد قال غوستاف ليبون الكاتب المستشرف الفرنسي في كتابه حضارة العرب حيث قال :


“لو ان العرب فتحوا فرنسا لصارت باريس مثل قرطبة مركزًا للحضارة والعلم, حيث كان رجل الشارع يقرض الشعر يوم كان ملوك أوروبا لا يعرفون كتابة أسمائهم.
بل الحضارة الغربية نفسها استفادت من التراث الإسلامي في الرياضيات والطب والهندسة.


7. الخوف من فقدان الحريات الشخصية
بعضهم يرفض الشريعة لأنها تُقيد بعض التصرفات الشخصية.
الإسلام يحترم الحريات لكن بضوابط تحفظ المجتمع من الانحلال والفساد:
الحرية ليست انفلاتًا، بل مسؤولية: {وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ} القوانين العلمانية نفسها تضع قيودًا لحماية الأمن والنظام.
فالشريعة هدفها حماية الأفراد والمجتمع، لا فرض القيود دون سبب.
8. الربط بين الإسلام السياسي والتطرف
يُخلط بين الإسلام الصحيح والجماعات المتطرفة.
التطرف مرفوض في الإسلام؛ قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إياكم والغلو في الدين" [سنن النسائي].
والشريعة تقوم على الوسطية والاعتدال: {وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} [البقرة: 143].
التاريخ الإسلامي حافل بأمثلة للتسامح والعدل مع المسلمين وغير المسلمين.

فالخلاصة أن الشريعة الإسلامية ليست قمعية ولا عائقًا للتقدم، بل هي نظام عادل شامل يحمي الحقوق والحريات بضوابط تحقق مصلحة الفرد والمجتمع. ما يُثير المخاوف غالبًا هو سوء الفهم أو التشويه المتعمد. لذلك، الحل هو تصحيح المفاهيم وتوضيح الصورة الحقيقية للإسلام.


هام : هذا المقال يعبر فقط عن رأي الكاتب ولا يعبر عن رأي فريق التحرير
التعليقات (0)