- ℃ 11 تركيا
- 1 فبراير 2025
الداعية خالد سعد يكتب: محمد الضيف الأسد الذي لا يُروض.. قصة رجل لا يعرف الهزيمة
الداعية خالد سعد يكتب: محمد الضيف الأسد الذي لا يُروض.. قصة رجل لا يعرف الهزيمة
- 1 فبراير 2025, 1:11:55 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
الحمد لله القائل: ﴿مِّنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا۟ مَا عَـٰهَدُوا۟ ٱللَّهَ عَلَیْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُۥ وَمِنْهُم مَّن یَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا۟ تَبْدِیلًا﴾ [الأحزاب: 23]، والصلاة والسلام على سيد المجاهدين، قائد الغر المحجلين، وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
ميلاد فارس.. في أرض البأس
في زمانٍ كثرت فيه الأصوات وقلّت فيه الأفعال، وفي عالمٍ تهاوت فيه المبادئ، وسقطت فيه كثير من الرموز، يبرز رجالٌ لا يتحدثون كثيرًا، لكن أفعالهم تهدر كالرعد، وتصيب العدو بالزلزال. رجالٌ آمنوا بربهم، وصدقوا العهد، فما لانت لهم قناة، ولا وهنت لهم عزيمة. ومن هؤلاء الرجال، فارس الميدان، قائد الجند، صانع المعجزات، محمد الضيف، الذي حفر اسمه في سجلات التاريخ بدمائه وجراحه، وصبره وثباته.
في ألأرض المباركة التي اغتصبها الاحتلال، حيث يولد الأطفال بين الدمار والمخيمات، ويكبرون بين القهر والحرمان، وُلد محمد دياب إبراهيم المصري عام 1965. ابن لعائلة فلسطينية لاجئة شُرّدت قسرًا من قريتها "القبيبة" عام 1948، فتجرّع منذ صغره مرارة الظلم والحرمان، لكنه لم يكن طفلًا عاديًا، بل كان مقدَّرًا له أن يكون شوكة في حلق الاحتلال، ورجلًا يحمل همّ الأمة على كتفيه.
كبر محمد الضيف في شوارع المخيم، حيث لا يملك الأطفال إلا الصبر، ولا يعرفون إلا التحدي. لم تكن حياته رفاهيةً ولا راحة، بل كانت كفاحًا مستمرًا، حيث صنع الفقر والإيمان رجلاً يعرف طريقه جيدًا، ولا يلتفت إلى الخلف.
طفولة بين الجراح وميلاد العقيدة
وُلد محمد دياب إبراهيم المصري عام 1965، في عائلة لاجئة شُرِّدت قسرًا من قريتها القبيبة عام 1948. فتح عينيه على الفقر، وعاش في المخيمات، حيث الألم يصنع الأبطال، والمعاناة تصقل الرجال. لكنه لم يكن يومًا ممن ينكسرون، بل كان يزداد قوة كلما ازداد الألم.
كان منذ صغره يحمل همَّ الأمة، ويرى في أزقة غزة المحتلة واقعًا لا يُغيَّر إلا بالجهاد. فانضم إلى جماعة الإخوان المسلمين، ثم التحق بحركة المقاومة الإسلامية حماس، وسرعان ما صار من كبار رجالها.
العلم والسلاح جناحا النهضة والجهاد
لم يكن محمد الضيف مجرد مقاتل يحمل البندقية، بل كان عقلًا يدير، وقلبًا يؤمن، ولسانًا ينطق بالحكمة. درس العلوم في الجامعة الإسلامية بغزة، وكان متميزًا بين أقرانه، لأنه كان يؤمن أن المعركة تحتاج إلى علم كما تحتاج إلى سلاح، وإلى يقين كما تحتاج إلى قوة.كان مؤمنًا بأن الجهاد لا يكون إلا بعلم وإعداد. فتعمق في الفكر الإسلامي، وتشرّب معاني العزة والكرامة، فانضم إلى جماعة الإخوان المسلمين، ومنها إلى حركة حماس، ليصبح أحد أبرز جنودها الميدانيين.
ثم في السجن، حيث تظن الأنظمة الطاغية أنها تحطم الرجال، ازداد الضيف إيمانًا وعزيمةً، فكان السجن له مدرسةً في الصبر، وتربيةً على التحمل، وتأكيدًا على أن طريق الجهاد محفوفٌ بالمحن، لكنه يورث العزة والكرامة.
التضحيات العظيمة في سبيل الله
اعتقلت قوات الاحتلال الإسرائيلية محمد الضيف عام 1989، وقضى 16 شهرًا في سجونها، وبقي موقوفًا دون محاكمة بتهمة الانتماء إلى حركة المقاومة الإسلامية حماس. لكنّ السجن لم يزده إلا ثباتًا وإصرارًا على مواصلة طريق الجهاد، فقد كان يرى أن هذه الابتلاءات لا تزيد المجاهد إلا صلابةً، مصداقًا لقوله تعالى:
﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَىْءٍۢ مِّنَ ٱلْخَوْفِ وَٱلْجُوعِ وَنَقْصٍۢ مِّنَ ٱلْأَمْوَٰلِ وَٱلْأَنفُسِ وَٱلثَّمَرَٰتِ ۗ وَبَشِّرِ ٱلصَّٰبِرِينَ﴾
(البقرة: 155)
خرج الضيف من السجن أكثر عزيمة، واستمر في طريق الجهاد، فكان له دور أساسي في تطوير القدرات العسكرية لكتائب القسام، وخاصة في مجال تصنيع العبوات الناسفة والصواريخ. وفي عام 1995، أصبح واحدًا من أبرز المطلوبين للاحتلال، الذي حاول اغتياله مرارًا، لكنه كان دائمًا ينجو، بفضل الله، ثم بحنكته وأسلوب حياته السري.
محاولات الاغتيال المتكررة
الاحتلال الإسرائيلي رأى في محمد الضيف خطرًا وجوديًا، فحاول اغتياله مرارًا، لكنه كان كطائر العنقاء، يخرج من بين الرماد أشد بأسًا. في إحدى المحاولات فقد زوجته وابنه، لكنه لم يتراجع، بل قال بلسان حاله "حسبنا الله ونعم الوكيل.. إنا لله وإنا إليه راجعون.. والله لن نتراجع".
أي روح هذه؟ وأي صبر هذا؟! إنها نفسٌ باعها صاحبها لله، فكان الله لها خير وكيل.
لم يدّخر الاحتلال جهدًا في محاولة تصفية محمد الضيف، فقد استُهدف خمس مرات على الأقل، لكنه كان يخرج من كل محاولةٍ أشد قوة وصلابة، وكأن الله قد كتب له عمرًا جديدًا بعد كل محاولة.
ومن أبرز تلك المحاولات:
1. عام 2001: استهدف الاحتلال سيارته بصاروخ، لكنه نجا بأعجوبة.
2. عام 2002: تعرض لمحاولة اغتيال ثانية، لكنه نجا، رغم إصابته بجروح.
3. عام 2003: قصف الاحتلال سيارة كان يعتقد أنه بداخلها، لكنه لم يكن موجودًا فيها.
4. عام 2006: أصيب بجروح خطيرة خلال غارة جوية، وأدى ذلك إلى فقدانه إحدى عينيه وإصابته بإعاقة جسدية، لكن ذلك لم يمنعه من مواصلة الجهاد.
5. عام 2014: خلال العدوان على غزة، شن الاحتلال غارة جوية على منزله، استشهدت فيها زوجته وابنه الرضيع، لكنه نجا مرة أخرى.
كان محمد الضيف كالطود الشامخ، لا تهزه العواصف، ولا تنال منه المحن، وكان يعلم أن طريق الجهاد محفوف بالمخاطر، لكنه لم يكن يومًا ممن يتراجعون.
قيادة المقاومة والتخطيط للمعارك الكبرى
لم يكن محمد الضيف قائدًا عسكريًا فحسب، بل كان عقلًا استراتيجيًا، خطط لعدد من العمليات النوعية التي هزت كيان الاحتلال، وكان له دور بارز في الحروب التي خاضتها المقاومة ضد الاحتلال، ومن أبرز إنجازاته:
الإشراف على عمليات المقاومة الفدائية في التسعينيات، التي وجهت ضربات موجعة للعدو.
تطوير القدرات العسكرية لكتائب القسام، سواءً في التصنيع العسكري أو التخطيط العملياتي.
قيادة معركة العصف المأكول (2014)، حيث أبدعت المقاومة في تكتيكاتها وألحقت خسائر فادحة بالعدو.
إطلاق معركة سيف القدس (2021)، التي أثبتت قدرة المقاومة على فرض معادلات جديدة في الصراع.
إدارة معركة طوفان الأقصى (2023)، التي شكّلت تحولًا استراتيجيًا في ميزان القوى، ووجهت ضربة قاسية للكيان الصهيوني.
"طوفان الأقصى".. الزلزال الموعود
في السابع من أكتوبر 2023، وفي لحظة تاريخية، ظهر صوت محمد الضيف عبر الأثير، ليعلن انطلاق "طوفان الأقصى"، فارتجّت الأرض تحت أقدام الصهاينة، وتغيرت معادلات القوة، وسقطت أسطورة الجيش الذي لا يُقهر.
قال في كلمته المشهودة: "يا أهلنا في الضفة، يا رجال الأمة، اليوم يومكم، من كان عنده بندقية فليخرجها، ومن لم يجد فليبحث عن حجر.. قد آن أوانها".
كانت كلماته كالسهم، أصابت قلوب الأحرار، وأيقظت فيهم معنى العزة والكرامة.
الرحيل إلى الله.. ولكن بقي الأثر
في 30 يناير 2025، وبعد سنواتٍ من الجهاد والصبر،أعلنت كتائب عز الدين القسام عن استشهاده في معركة طوفان الأقصى ترجل الفارس، وارتقى الأسد الجريح إلى ربه شهيدًا، بعد أن أذاق الاحتلال كؤوس الذل والهزيمة.
لكنه لم يمت، بل حُفر اسمه في ذاكرة الأمة، وبقيت روحه تلهب العزائم، وتوقد جذوة الجهاد، وتثبت للمؤمنين أن طريق النصر محفوفٌ بالتضحيات، لكن عاقبته فوزٌ وخلود.
الدروس والعبر: كيف نكون مثل محمد الضيف؟
- الإيمان يصنع الرجال: كان محمد الضيف مثالًا حيًا لقوله تعالى: ﴿إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ﴾ [محمد: 7].
الصبر والثبات سلاح الأبطال: لم يلن، لم يتراجع، لم ينكسر، رغم الألم والمحن، فكان كالجبل الذي لا تهزه الرياح.
الجهاد طريق النصر: أدرك أن فلسطين لا تعود بالمفاوضات ولا بالمجاملات، وإنما بالمقاومة والبذل والتضحية.
البذل حتى النفس الأخير: لم يعرف حياة الدعة والراحة، بل كان شعاره "أما النصر وأما الشهادة".
رسالة إلى الأمة
أيها المسلمون، أيها الأحرار، إن محمد الضيف لم يكن فردًا، بل كان مدرسةً في الصبر والجهاد، مدرسةً يجب أن يتخرج منها جيلٌ يحمل الراية، ويرفع اللواء، ولا يسقط في وحل الهوان والاستسلام.
إن القدس تنادينا، والمسجد الأقصى يستغيث بنا، والدماء الطاهرة التي سُفكت على أرض فلسطين تسأل: "هل منكم من يواصل الطريق؟!".
فيا أيها الغافلون، عودوا إلى الله، ويا أيها المتخاذلون، لا تبيعوا دينكم بدنيا زائلة، ويا أيها الصادقون، اثبتوا على العهد، حتى يحقق الله وعده، وتُشرق شمس النصر من جديد.
اللهم ارحم شهداءنا، وبارك في مجاهدينا، وانصر أمتنا، وأقر أعيننا بزوال الاحتلال، واجعلنا من جندك الذين لا يخافون فيك لومة لائم. آمين. واخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين .