تكبير الخط تصغير الخط

كان لانغوا وسينيوبوس وهما مؤرخان فرنسييان يبحثان عما لاجدال فيه وهو الواقع ، هذه الكلمة كانا يستعملانها دون إنقطاع ، وكان يتحدان بفكر في البحث عن مصادرهما الكائنة في الوثيقة الخطية ، وعلى العكس تماما أن يحتفظ المؤرخ بأثر الحادثة وأن نستدعي الشهود فهذا مانستطيع أن نجعله واقعا تاريخيا.

نجح هولاكو في تحقيق أهدافه وهو القضاء على الخلافة العباسية، لم يكن يمزح عندما شن هجومه على الأراضي الإيرانية بكل وحشية مما إضطر أمراؤها الى مبايعة الدولة المغولية، وعندما أرسل رسائله للخليفة العباسي المستعصم بالله يخبر فيها في رغبته الإستيلاء على بغداد جاء رد الخليفة العباسي شديد اللهجة، ومن إن مرت الشهور حتى حصر بغداد فمنع عنها كل شيء قابل للحياة حتى سقطت فلم يسلم منه لاشيخ لا أطفال ولانساء من همجية هولاكوا ووحشيته.

وأما في تاريخنا المعاصر فلم نشهد عن مدينة يحاصر عنها الدواء والأكل والوقود إلا قطاع غزة ، هذا القطاع الذي يمتد  على مساحة 96كلم مربع ويبلغ طوله 41 كلم ، يفوق عدد سكانه المليون ونصف ويزيدون مليونان، معظهم من اللاجئين ، ويعتبر هذا القطاع اكثر المناطق كثافة سكانية في العالم ، تحيط بقطاع غزة سبعة محاور كلها يتحكم فيها الاحتلال الاسرائيلي والمعبر الوحيد الخارجي هو معبر رفح على الحدود مع مصر.

عدة مدن في قطاع غزة تحولت إلى حطام، جثث ملقاةهنا وهناك ، أحياء مهجورة ، وغياب مظاهر الحياة العادية ، اقتلاع الزرع والحرث ، الإبادة الجماعية لشعب يعاني الحصار لم يتبقى لهذا الكيان الإسرائيلي إلا إقتلاع اسلاك العامود الكهربائي كما قال مراسل القناة العبرية ، وكأنه يقول على لسان هتلر 
ديبلوماسية الجثث اكثر جدوى من ديبلوماسية الورود .

لقد كان فوز حماس في الانتخابات التشريعية في ينايرعام 2006بالامر الغيرمرغوب فيه على الكيان الاسرائيلي او بعض الأنظمة العربية والذي إعتبره معاديا ومنعت دخول البضائع والوقود مما تسبب بركود اقتصادي وتفشي الفقر والبطالة الى أن تدهور القطاع على جميع الأصعدة ومنهم القطاع الصحي واعتبرت الامم المتحدة قرار اسرائيل بحصار قطاع غزة  انتهاك سافر وخارج عن القانون الدولي  الذي أصبح غير مجدي إبان حربها 2023.

تختلف الحروب النازية عن باقي الحروب ، فثنائية الجوع والحرب أهم مايميزها وكان الألمان والى جانبهم فرنسا قد مارسوا هذه الثنائية على الجزائر والمغرب وسوريا ومصر، وكانت هذه الحروب تخوض الحروب على أشدها فهي تستنزف من ثروات البلاد المستعمرة.

منذ الحرب العالمية الثانية شهدت بعض حروبها إضافة الى القتل والتدمير ، المجاعة التي مافتئت الدول العضمى أن اتخذتها لعامل ضغط على الدول الصغيرة ، ولعل مثال ذلك مااقترفه الاحتلال الفرنسي عام 1932 احدى اقسى المجاعات التاريخية في المغرب  إبان الحرب العالمية الثانية حيث حول استنزاف ثورات المغرب لتوريد فرنسا وقسم البلاد الى منطقتين داخل االمغرب وخارجها نشرت جريدة la Dèpiche:"صار الغداء يتناقص يوما بعد يوم، غاب اللحم عن مائدتنا أولا وغابت الخضار بعده ، وبعذ ذلك صارت يتناقص الوجبات الى وجبة لينتهي الحال ببعض اللقيمات".

يعد حصار اسرائيل المدمر لغزة منذ انتخاب حماس عام  2006 مثالا قويا فهو حول ممرا حضريا كثيفا ينحصر فيه 1،5مليون نسمة منطقة في حجم جزيرة وايت، ليغدوا المخيم سجن كبير وضمن هذه الحدود يبقى موت الضعفاء وكبار السن والشباب والمرضى ، غير مرئي للعالم الخارجي ويجبر الاشخاص الاقوياء على العيش في ما  سماه جورجيو أغامين "الحياة العارية_وجود بيولو جي يمكنه التضحية به في أي وقت مع سلطة استعمارية تمسك بحق القتل مع افلات من العقوبة لكنها انتزعت المسؤوليات الاخلاقية والسياسية والإنسانية كلها من السكان" .

جاء في كتاب قيمة التاريخ لجوزف هورس:يصنع التاريخ من وثائق مخطوطة فكل مايكون الإنسان يتأثر بالإنسان ويستخدم في سبيل الإنسان ،ولم تكن المعرفة بالتاريخ قائمة في قص ماحدث نقلا عن وثائق مخطوطة ولكنها قائمة في مانريد ان نكتشفه.
 إن حرب غزة قد تعتبر كاشفة ، 15 الاف من المساعدات الإنسانية في معبر رفح لم تدخل إلا بأمر من الكيان المحتل و9 آلاف شخص فقدوا حياتهم لعدم توفر العلاج وهكذا نرى التاريخ سيكتب لأجيال قادمة ان حكومات عربية ساومت على بيع فلسطين والغرب والولايات المتحدة الامريكية ، شاركت هذا الكيان المحتل في تلك الإبادة ، وإذا كان الموت بالحصار والموت بالقصف والموت بالقتال فإن غزة قادرة على تبديل التاريخ من نكبة 48 الى نصر 7 من اكتوبر العظيم ولو أدى ذلك لفقدان تاريخ ماوقع قبل 7 من اكتوبر بشكل كاف.