العراق على مفترق طرق مع تصاعد المواجهة بين الفصائل الشيعية

profile
  • clock 4 أغسطس 2022, 5:44:40 ص
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

بعد أيام من التوتر، رفع زعيم التيار الصدري في العراق "مقتدى الصدر" الرهان يوم الإثنين الماضي من خلال دعوة أنصاره في المحافظات الجنوبية والوسطى إلى النزول إلى الشوارع. ومع بدء الاحتجاجات المضادة مساء الإثنين تزايد خطر اندلاع أعمال عنف في العراق بشكل كبير.

وكان أنصار رجل الدين الشيعي المؤثر توافدوا يوم السبت إلى المنطقة الخضراء المحصنة في بغداد واعتصموا في مبنى البرلمان للاحتجاج على منافسي "الصدر" المدعومين من إيران الذين عرقلوا تشكيل الحكومة. ودعا "الصدر" العشائر العراقية والقوى السياسية الأخرى للانضمام إلى ما أسماه "ثورة" مما فاقم التوترات.

وقال "الصدر" إن أنصاره "حرروا" المنطقة الخضراء استعدادا "تغيير جذري في النظام السياسي والدستور".

ورداً على ذلك، دعا الإطار التنسيقي الشيعي المدعوم من إيران، والذي أحبط محاولات "الصدر" لتشكيل الحكومة بعد فوز التيار الصدري في انتخابات أكتوبر/تشرين الأول الماضي، إلى حراك جماهيري "دعماً للشرعية ومن أجل الحفاظ على مؤسسات الدولة".

وهدد معارضو "الصدر" بالاستيلاء على مطار بغداد ومنزل رئيس الوزراء "مصطفى الكاظمي" واتهموه بتسهيل سيطرة التيار الصدري على المنطقة الخضراء.

وفي الساعات الأولى من صباح يوم الإثنين، انتشرت قوات الأمن في أنحاء بغداد، خاصة في المطار والمنطقة الخضراء. ثم نشر "الصدر" القوات التابعة له في الشوارع المؤدية إلى الحي المحصن الذي يضم معظم المباني الحكومية والسفارات.

وبحلول مساء الإثنين، بدأ بعض أنصار الإطار التنسيقي بالتوجه إلى المنطقة الخضراء، بالرغم من تلقيهم أوامر بتجنب المواجهات مع الصدريين.

وقال قادة في التيار الصدري إن العديد من القادة السياسيين والدبلوماسيين الغربيين حاولوا التواصل مع "الصدر" لتهدئة الموقف وفتح قنوات للحوار بين الطرفين، لكنه يرفض استقبال أي زوار أو مكالمات من غير الصدريين.

وقال "محمد صالح العراقي"، الذي يعتقد على نطاق واسع أنه الناطق بلسان "الصدر"، إن "هادي العامري"، رئيس كتلة الفتح البرلمانية وأحد قادة الإطار التنسيقي، كرر محاولاته للاتصال بـ"الصدر" لبدء حوار بين المعسكرين المتناحرين.

وقال "العراقي" إن الصدر لن ينخرط في حوار إلا بعد أن يغادر "العامري" الإطار التنسيقي وتندد الأحزاب المتحالفة معه بالتعليقات المنسوبة إلى "نوري المالكي" والتي ظهرت في تسجيلات صوتية مسربة. وقال أيضا إنه يجب أن يكون هناك ضامن موثوق للمحادثات.

ولم يكشف "العامري" بعد عن رده على الشروط، لكن التطورات السريعة الأخيرة ضاعفت مخاوف الجميع من احتمال اندلاع صدام بين الفصائل السيعية المتناحرة. ولا يبدو أحد واثقا من مدى جدية "الصدر" في هدفه المتمثل في إسقاط النظام السياسي العراقي، أو ما إذا كانت قواته يمكن أن تخرج منتصرة إذا استخدم الجيش أو خصومه العنف لطرد أنصاره من المنطقة الخضراء.

ويقول القادة السياسيون والعسكريون في التيار الصدري، إنهم يدركون تمامًا أن خصومهم لن يلتزموا الصمت وأن المواجهة العسكرية مرجحة جدًا. ويقول هؤلاء القادة إنهم يتوقعون العنف ومستعدون لهذا السيناريو. وقال أحد قادة التيار الصدري إن "الصدر" مستعد للذهاب حتى النهاية مهما كانت السيناريوهات"، واصفًا "الصدر" بأنه غاضب من خصومه لدرجة الكراهية".

وأضاف أن " الصدر لن يتوقف حتى يرضخ خصومه. بمعنى أنه سيواصل التصعيد حتى يعترفوا بخطئهم ويدكوا مكانته في العملية السياسية والعراق ككل". وتابع: "لن نهاجم أحدا ولن نبدأ قتالا. أوامرنا واضحة في هذا الصدد لكن الأمر سيتغير تماما في حال الدفاع عن النفس. لن نقف مكتوفي الأيدي إذا اعتدى علينا أحد".

الصدر.. المشكلة والحال في ذات الوقت

لدى "الصدر" ملايين من الأتباع، ويسيطر على واحدة من أكبر الفصائل الشيعية المسلحة، وله إمبراطورية مالية تتجاوز إيراداتها السنوية ميزانيات العديد من الدول المجاورة الصغيرة. ويعد "الصدر" واحدا من رجلين في العراق قادرين على جلب الملايين إلى الشارع بكلمة واحدة، إلى جانب المرجع الشيعي "علي السيستاني".

ومنذ 10 أشهر، يشهد العراق حالة من عدم اليقين حيث يتصارع "الصدر" وخصومه حول ما يجب أن يكون عليه المستقبل السياسي للبلاد. وبعد حصول تياره على 74 مقعدًا في انتخابات أكتوبر/تشرين الأول، وهو أكبر عدد من المقاعد يفوز بها حزب، أقام "الصدر" تحالفاً مع الأحزاب السنية والكردية بهدف تغيير النظام التقليدي لتقاسم السلطة في العراق.

لكن خصومه المدعومين من إيران تمكنوا من منعه من تشكيل الحكومة واستخدموا كافة الوسائل بدءا من الأدوات القانونية والدستورية إلى الهجمات الصاروخية. ودفع ذلك "الصدر" لإصدار أومار لنوابه بالاستقالة من البرلمان، مما تسبب في أزمة سياسية جديدة وسمح لأحزاب الإطار التنسيقي أن تكون الكتلة الأكبر في البرلمان.

ومنذ ذلك الحين، بدأ قادة الإطار التنسيقي العمل على تشكيل حكومتهم الخاصة، وقاموا الأسبوع الماضي بتسمية "محمد شياع السوداني"، المقرب من "المالكي"، كمرشحهم لرئاسة الوزراء. ورأى "الصدر" في ذلك تحديًا له ومحاولة لاستفزازه.

وكان ترشيح "السوداني" هو الذي دفع "الصدر" إلى إرسال أتباعه إلى المنطقة الخضراء ومنع البرلمان من الانعقاد. وقال مسؤول حكومي كبير: "تحول الصدر إلى مشكلة فريدة لخصومه سنوات. فوجوده مشكلة وغيابه مشكلة. وهو يمتلك رجالًا وأسلحة وأموالًا، بالإضافة إلى تهوره الذي لا مثيل له، وهذا مخيف".

ويريد "الصدر" حاليا أن يقول للجميع إنه رغم عدم تمكنه من تحقيق هدفه في البرلمان وفق معاييرهم، فإنه سيصل إليه من خلال نفوذه في الشارع ومعاييره الخاصة.

وبحسب المسؤول الحكومي، فإن خصوم "الصدر" مرتبكون وغير واثقين من كيفية التعامل معه. وأضاف: "إذا لجأوا إلى القوة فلن يتردد في اللجوء إليها، وإذا لجأوا إلى الهدنة والتسوية فسيسعى للقضاء عليهم. لذلك تجاهلوه، والآن يدفع الجميع الثمن".

تدخل "السيستاني"

يعد القتال بين الشيعة والشيعة أكثر الخطوط الحمراء حساسية منذ عام 2003. ويعد عبور هذه الخطوط تحديا لـ"السيستاني" الذي يتزعم الطائفة الشيعية.

وتدرك جميع الأطراف الشيعية، بما في ذلك إيران ووكلائها، عواقب تدخل "السيستاني" ضدهم. وقال قادة شيعة وقادة في الفصائل المسلحة إنه إذا تم النظر إلى أي فصيل على أنه يشجع على القتال أو يدعمه، فيمكن لـ"السيستاني" إنهاء وجوده بفتوى أو بيان.

وسيكون أي قتال وحشيًا حيث أن معظم الفصائل الشيعية لها أجنحة مسلحة. وبالرغم أن "سرايا السلام" التابعة لـ"للصدر" قد تكون الأكبر من حيث العدد، إلا الفصائل الأخرى قد تتفوق في المعدات الحديثة التي تمتلكها بما في ذلك الفصائل المرتبطة بـ"السيستاني" خاصة "فرقة العباس القتالية"، والفصائل المرتبطة بإيران خاصة "عصائب أهل الحق" و"كتائب حزب الله". وقال قادة منهم، إنَّهم سينهون أي معركة لصالحهم.

وقال قائد مقرب من "السيستاني": "نحن قلقون بشأن ما يحدث الآن، ونخشى تهور الصدر وغطرسة خصومه، لكننا لا نرى ضرورة لتدخلنا الآن". وأضاف: "في المعارك الحديثة، لم يعد العنصر البشري هو العامل الحاسم، بل التكنولوجيا. وبالفعل، تمتلك العديد من الفصائل المسلحة تقنيات حديثة يمكنها إنهاء أي معركة لصالحها. ولكن السؤال هو: هل سيسمح أي من صناع القرار للأمور بالانزلاق إلى قتال؟".

واختتم كلامه قائلا: "بالنسبة لنا نحن نراقب الأمور وننتظر الأوامر ولن نتدخل في هذه المرحلة لصالح أي طرف لكننا لن نتردد في الدفاع عن أنفسنا ومواقفنا.. كل ما نحتاجه هو كلمة من "السيستاني" للتدخل.

 

المصدر |  سؤدد الصالحي / ميدل إيست آي

التعليقات (0)