- ℃ 11 تركيا
- 2 نوفمبر 2024
امير المفرجي يكتب: «طريق التنمية» وأزمة الحكم في العراق
امير المفرجي يكتب: «طريق التنمية» وأزمة الحكم في العراق
- 1 يونيو 2023, 4:11:23 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
لم يكن باستطاعة النظام السياسي العراقي من ضمان بقائه واستمراره في إدارة شؤون الدولة العراقية، نتيجة لتفاقم أزمة الحكم بسبب غياب الإرادة الوطنية كشرط لا غنى عنه في رسم الأسس التنموية، لو لم يكن في قدرة الدولة العراقية الاعتماد على مخزونها الهائل من النفط والاستمرار بالاعتماد على هذه الثروة كمصدر حيوي لاستمرار العملية السياسية، على الرغم من عوامل فشل تلك الدولة نتيجة غياب البوصلة الوطنية القادرة على جمع الأحزاب الحاكمة في مسار وطني وموضوعي يكفل للعراق تنفيذ مشاريعه التنموية. يأتي ذلك في وقت بدأت أنظار دول العالم تتجه إلى إعادة ترتيب جديد يضمن لها التحول نحو عصر ما بعد النفط قد يحرم البلدان المصدرة لهذه الثروة من هذا المورد المهم.
في المقابل، لا يزال صدى هذا التحول الاقتصادي والبيئي العالمي بعيدا عن هاجس النخبة السياسية العراقية، التي ظلت ترى في ثروة العراق والعراقيين من النفط عاملا حيويا مهما في استمرار تدفق العملة الصعبة، خلافا لسياسة الدول والأمم الأخرى، التي شرعت في تحقيق التنوع بين استثمار التقدم العلمي والاجتماعي والثروة النفطية، نتيجة للعوامل الجديدة بسبب التغير المناخي، التي باتت تؤثر بشكل كبير على دول العالم ومن ضمنها العراق، الذي وصفه تقرير الأمم المتحدة بأنه من بين الدول الخمس الأكثر تأثراً بالتغير المناخي في العالم. ناهيك من حجم الصعوبات المنبثقة عن اعتماد العراقيين حصريا على النفط، رغم مخاطر تراجع أسعاره بين الحين والآخر، وهذا ما قد يزيد ويفاقم من معدلات الفقر، إذا أخذنا بعين الاعتبار أهمية مكانة النفط في لائحة الاقتصاد العراقي الذي يشكل 90% من إيرادات البلد المالية.
يعاني العراق الغني بالنفط من تهالك بنيته التحتية نتيجة انتشار الفساد وذهاب المليارات من العملة الصعبة إلى جيوب أمراء الطوائف
وهذا ما يمكن اعتباره عائقا وعقبة لوعود التنمية المتعلقة بالقطاع الخاص، وارتفاع نسبة البطالة نتيجة لاستمرار سياسة الحكومات الشعبوية المتعاقبة من إهمال هذا القطاع من الشعب، من خلال زيادة نسبة التوظيف البيروقراطي لهذه الحكومات في القطاع العام، والتي تدخل دون أدنى شك ضمن العوامل المحفزة لارتفاع معدل البطالة، ما يعني أن هناك حاجة إلى تحول اقتصادي كبير لدعم القطاع الخاص من خلال مشاريع التنمية ودعوة الشركات الدولية للاستثمار في العراق.
وإذا كان احتضان العاصمة العراقية بغداد مؤخرا لمؤتمر طريق التنمية، وهو مشروع خط سكك حديد بري يربط دول الخليج العربي بالحدود التركية، وبمشاركة العديد من الدول الإقليمية، إضافة إلى ممثلين عن الاتحاد الأوروبي والبنك الدولي، قد يضمن للاقتصاد العراقي الالتحام بالتطور البنيوي واللوجستي مع دول المنطقة والعالم. بيد أنه لا يزال البعض يخشى من أن تعرقل الانقسامات السياسية والطائفية الحادة والمستمرة بين الطامعين في حكم العراق مسيرة هذا الطريق الشائك بأسلاك الفساد والمعرقل بمطبات الطائفية والحزبية، التي لم تنته بعد من التطبيل لمن له الأحقية في الحكم! والأفضلية في الاستحواذ على ثروة العراقيين، في بلد أضحت تصريحات مسؤوليه فيما يتعلق بمشاريع التنمية، ليست أكثر من وعود غرضها ذر الرماد في العيون.
وبغياب البنى التحتية والتي هي الأساس المهم في كل ما يتعلق برصانة أنظمة المجتمع مثل المياه والكهرباء والاتصالات والنقل حيث تشكل هذه الأنظمة استثمارات عالية التكاليف لكونها ركيزة أساسية لتحقيق النمو والازدهار الاقتصادي في أي بلد، يعاني العراق الغني بالنفط من تهالك في بنيته التحتية وطرقه بسبب الحروب السابقة والغزو الأمريكي لاحقا نتيجة انتشار الفساد وذهاب المليارات من العملة الصعبة إلى جيوب أمراء الطوائف من الأحزاب الشيعية والسنية.
لا شك أن استمرار هشاشة الوضع السياسي واحتمال استمرار أزمته السياسية ليس بالشيء الجديد الذي سيواجه وعود وطرق التنمية، فقد شهد العراق ثلاث حروب مدمرة خلال ثلاثة عقود طويلة، بالإضافة إلى العقوبات الدولية والحرب الطائفية والنفوذ الإيراني.
يبدو أن العقبة الأولى لمشاريع التنمية التي ستواجه العراقيين هي الفشل في وضع البلاد على المسار الصحيح من خلال مبدأ الإجماع الوطني، إذا أخذنا بعين الاهتمام إشكالية غياب الإجماع السياسي في العراق، بعد أن أصبح هكذا إجماع أمرا نادر الحدوث، نتيجة التأثير الكبير لشبكات رجال الأعمال والميليشيات المرتبطة بالسياسيين الذين يستفيدون من الفساد.
إن مشروع طريق التنمية، الذي تقدم به رئيس الوزراء العراقي، ووعوده على بناء الموانئ والمدن الصناعية والسكنية الجديدة، إضافة إلى المطارات، ودوره في استصلاح الأراضي للزراعة والصناعة والتجارة، على أنه من أهم المشاريع الإستراتيجية التي ستسمح أخيرا للعراق في استغلال موقعه الجغرافي وطاقته البشرية، والتحول إلى مركز مهم في الاقتصاد العالمي بين الشرق والغرب على الرغم من تداعي البنية التحتية نتيجة لأزمة الحكم، والاستمرار في الاعتماد على الثروة النفطية كمصدر وحيد لبقاء العملية السياسية، وغياب التحقيق بطرق صرف عائدات النفط وإعادة توزيعها بشكل لا يسمح بالاحتفاظ بها من قبل شبكات السلطة، في خضم هذه الفترة من الاستقرار النسبي التي تشهدها البلاد ودعم الأسرة الدولية ومباركتها لهذا المشروع.