انتخابات ألمانيا: صعود اليمين المتطرف بدعم أمريكي، وتأثيره علينًا أفريقيًا

profile
  • clock 23 فبراير 2025, 9:45:52 م
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

انتخابات ألمانيا: صعود اليمين المتطرف بدعم أمريكي، وتأثيره علينًا أفريقيًا

نشرت الكاتب السياسي وخبير الدراسات الاستراتيجية والأمنية الأفريقية، إدريس آيات، تقريرًا عن تأثير الانتخابات الألمانية إفريقيا وخاصة بعد صعود اليمين المتطرف.

وذكر آيات، في الانتخابات الفيدرالية الألمانية التي جرت اليوم، حقق حزب “البديل من أجل ألمانيا” (AfD) اليميني المتطرف نتيجة تاريخية، بحصوله على حوالي 20% من الأصوات، مما جعله القوة السياسية الثانية في البلاد بعد تكتل الاتحاد الديمقراطي المسيحي/الاتحاد الاجتماعي المسيحي (CDU/CSU) الذي حصل على نحو 29% من الأصوات.

وأضاف هذا الصعود اللافت لحزب AfD يعكس تحولًا في المزاج السياسي الألماني، حيث استفاد الحزب من التحديات الاقتصادية المستمرة وقضايا الهجرة التي أثرت على البلاد. وقد تلقى الحزب دعمًا ملحوظًا من شخصيات دولية مثل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والملياردير إيلون ماسك، حيث وصف ترامب هذا اليوم بأنه “يوم عظيم لألمانيا والولايات المتحدة”، بينما اعتبر ماسك حزب AfD “آخر بصيص أمل” لألمانيا.

وعلى الصعيد الداخلي، يواجه المستشار المحتمل فريدريش ميرز من حزب CDU تحديات كبيرة في تشكيل ائتلاف حكومي مستقر، نظرًا لاستبعاد التعاون مع حزب AfD من قبل الأحزاب الرئيسية الأخرى. هذا التعقيد في المشهد السياسي قد يؤدي إلى فترة من عدم الاستقرار السياسي في ألمانيا، مما قد يؤثر على قدرتها على التعامل مع القضايا الداخلية والخارجية الملحة.

على الصعيد الدولي:

تتلاقى آراء إيلون ماسك وترامب وحزب “البديل من أجل ألمانيا” (AfD) في عدة نقاط، أبرزها:

 1الهجرة والهوية الثقافية: يدعم ماسك سياسات AfD المناهضة للهجرة، معربًا عن قلقه من تأثير التعددية الثقافية على الهوية الألمانية. في مقال رأي، وصف ماسك الحزب بأنه “الأمل الأخير لمستقبل ألمانيا”، مشيرًا إلى ضرورة الحفاظ على الثقافة والقيم الألمانية، ضد المهاجرين المسلمين.

2الانتقادات للبيروقراطية والتنظيم الحكومي.

 3 مناهضة الهجرة: معتبرين أنها تهدد الأمن القومي والهوية الثقافية.

 4 العداء تجاه الإسلام.

 5النزعة القومية.

مما يعنى أنّ دعم ترامب وماسك لحزب AfD يشير إلى تقارب أيديولوجي بين الحركات اليمينية في الولايات المتحدة وأوروبا، مما قد يؤدي إلى تعزيز التيارات الشعبوية واليمينية المتطرفة على المستوى العالمي. هذا التطور يثير قلقًا في الأوساط الديمقراطية الليبرالية، حيث يُنظر إليه كتهديد للقيم الديمقراطية والتعددية في أوروبا والعالم.

إضافيًا، وفيما يتعلق بالحرب الأوكرانية، يتبنى حزب AfD موقفًا مثيرًا للجدل، حيث يُعتبر مؤيدًا لروسيا ويدعو إلى إنهاء العقوبات المفروضة عليها، مما يتعارض مع الموقف الرسمي للحكومة الألمانية الحالية وحلفائها في الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي (الناتو). هذا الموقف قد سيؤدي حتمًا إلى توترات داخلية وخارجية، خاصة في ظل التزام ألمانيا بدعم أوكرانيا في مواجهة العدوان الروسي.

أفريقياً لماذا تهمنّا هذه المسألة؟

صعود الأحزاب اليمينية المتطرفة، مثل “البديل من أجل ألمانيا” (AfD) وغيرها في أوروبا، لا يشكل مجرد تحدٍ سياسي داخلي لكل دولة على حدة، بل يمثل تهديدًا وجوديًا لمستقبل الاتحاد الأوروبي ذاته، نظرًا لتأثيره العميق على البنية السياسية، الاقتصادية، والاجتماعية للقارة الأوروبية، وكلما ضعفت أوروبا ككتلة كلما كان ذلك في صالحنا. دعنا نستكشف ذلك من زوايا غير مطروقة بعمق كافٍ.

تدعو زعيمة الحزب "أليس فايديل" إلى ترحيل المهاجرين غير النظاميين من البلاد، وإلى زيادة كبيرة في الإنفاق العام، فضلا عن انسحاب ألمانيا من الاتحاد الأوروبي واتفاق العملة الموحدة (اليورو).

وهذا من شأنه؛ أن يؤدي إلى عدة نقاط:

صعود الأحزاب اليمينية المتطرفة، مثل “البديل من أجل ألمانيا” (AfD) وغيرها في أوروبا، لا يشكل مجرد تحدٍ سياسي داخلي لكل دولة على حدة، بل يمثل تهديدًا وجوديًا لمستقبل الاتحاد الأوروبي ذاته، نظرًا لتأثيره العميق على البنية السياسية، الاقتصادية، والاجتماعية للقارة. دعنا نستكشف ذلك من زوايا غير مطروقة بعمق كافٍ.

1 تفكك منهجي بدلًا من صدمة مفاجئة

عادةً ما يتم تصور انهيار الاتحاد الأوروبي على أنه حدث مفاجئ، كخروج دولة رئيسية مثل ألمانيا أو فرنسا. لكن الصعود المتزايد لهذه الأحزاب يطرح سيناريو أكثر خطورة: تفكك بطيء ومنهجي. إذا تمكنت أحزاب كـ AfD من الوصول إلى السلطة أو التأثير بشكل حاسم على الحكومات، فقد تعمل على تعطيل مؤسسات الاتحاد من الداخل، وليس بالضرورة عبر خروج رسمي مباشر، بل بتقويض عمليات صنع القرار وتعطيل آليات التكامل الأوروبي؛ مثل:

٠رفض المساهمة في ميزانيات الاتحاد.

٠عرقلة السياسات التوافقية، مثل السياسة الدفاعية المشتركة أو العقوبات الاقتصادية.

٠دعم الحكومات الشعبوية في دول أخرى لتقويض الالتزامات الأوروبية المشتركة.

2  حرب العملات والتفكك المالي: إذا دفعت هذه الأحزاب نحو الانسحاب من اليورو، فإن التداعيات لن تكون اقتصادية فقط، بل جيوسياسية أيضًا. خروج دولة ذات اقتصاد ضخم مثل ألمانيا من اليورو سيؤدي إلى:

٠ انهيار الثقة في العملة الموحدة، مما يدفع المستثمرين إلى التخلي عنها لصالح الدولار أو اليوان الصيني.

٠صعود اقتصاديات وطنية غير متكافئة، مما يؤدي إلى تفاوتات اقتصادية داخل القارة قد تجعل الدول الأقل قوة عرضة للتدخلات الخارجية.

٠تحالفات مالية جديدة قد تنشأ بين دول أوروبية خارج العملة الموحدة، مثل بريطانيا، ودول أخرى قد تسعى إلى نماذج اقتصادية جديدة بعيدًا عن الهيمنة الألمانية أو الفرنسية.

 3 صراع على النفوذ بين ألمانيا وفرنسا: الاتحاد الأوروبي يقوم على التوازن الدقيق بين ألمانيا وفرنسا. لكن إذا تصاعد نفوذ الأحزاب اليمينية في ألمانيا، فسيؤدي ذلك إلى تغير استراتيجي في العلاقة بين البلدين. ألمانيا، بدلاً من كونها قائدة التكامل الأوروبي، قد تتبنى سياسة “ألمانيا أولًا”، مما سيدفع فرنسا إما إلى قيادة الاتحاد بشكل منفرد (وهو ما قد يكون مستحيلًا اقتصاديًا وعسكريًا) لكن براغماتيًا، سيكون ذلك في صالح قوى خصمة خارجية كالصين أو روسيا بل حتى القارة السمراء.

4  حالة “بريكست داخلي” وانعزال أوروبي: حتى إذا لم تخرج ألمانيا أو دول أخرى رسميًا من الاتحاد، فإنها قد تدخل في “بريكست داخلي”، أي أنها تبقى جزءًا من المنظومة ولكن دون مشاركة فعلية في سياساتها. يمكن أن نشهد:

٠رفض الالتزام بالاتفاقيات الأوروبية المتعلقة باللاجئين أو بالمعايير البيئية.

٠انسحاب من التعاون الأمني والاستخباراتي الأوروبي، مما يفتح المجال أمام تدخل قوى مثل الصين وروسيا في الفجوات الأمنية.

٠تقارب منفصل بين بعض الدول القومية الجديدة بعيدًا عن الاتحاد، مثل تحالفات ألمانية-سويسرية-نمساوية بديلة.

 5 ديموغرافيا مضادة وانقلاب ثقافي: إذا تمكنت هذه الأحزاب من فرض سياسات طرد واسعة النطاق للمهاجرين والمسلمين، فسنشهد تغييرات ديموغرافية غير مسبوقة. الدول التي كانت تعتمد على الهجرة للحفاظ على نموها الاقتصادي قد تدخل في أزمات ديموغرافية حادة:

٠ارتفاع نسبة كبار السن مقارنة بالشباب، مما يجعل أنظمة التقاعد والضمان الاجتماعي غير مستدامة.

٠نقص حاد في اليد العاملة في القطاعات الحيوية مثل الصناعة والرعاية الصحية.

٠انزلاق أوروبا إلى مرحلة من الركود الثقافي بسبب نقص التنوع الفكري والإبداعي الناتج عن سياسات العزل القومي.

 6  انهيار الثقة في المشروع الأوروبي دوليًا: الاتحاد الأوروبي ليس مجرد كيان جغرافي، بل هو مشروع سياسي يتم مراقبته عن كثب من قبل القوى العالمية. إذا ضعفت أوروبا بسبب سياسات اليمين الشعبوي، فسيفقد العالم ثقته بها كقوة اقتصادية وسياسية قادرة على التأثير. هذا سيؤدي إلى: تقليل النفوذ الأوروبي في المؤسسات العالمية، مثل الأمم المتحدة وصندوق النقد الدولي. تراجع اليورو أمام العملات الأخرى، مما يعزز سيطرة الدولار الأمريكي واليوان الصيني على الاقتصاد العالمي. إضعاف حلف الناتو، حيث ستتجه بعض الدول إلى بناء سياسات دفاعية مستقلة بدلًا من التعاون الأوروبي.

7 نهاية الديمقراطية كما نعرفها في أوروبا: مع صعود هذه الأحزاب، هناك احتمال كبير أن الديمقراطية الليبرالية نفسها تصبح مهددة. السياسات الشعبوية غالبًا ما تبدأ بنقد النظام الديمقراطي، ثم تتحول إلى تقويض الحريات الأساسية: ومن بينها فرض قيود على الإعلام الحر. التلاعب بالانتخابات وإضعاف المؤسسات الرقابية. وتعزيز سياسات أمنية مشددة تحت ذريعة “حماية الهوية القومية”.

في الختام، لا يمكن للأفارقة أن يغفلوا عمّا يجري في أوروبا، فهذه القارة لم تكن يومًا بعيدة عن مصائرنا، بل كانت القوة التي استعمرت أراضينا، وزرعت بذور الصراعات التي لا تزال تحرق مجتمعاتنا، وتنهب مواردنا تحت مسميات مختلفة. لا تزال بعض دولها، كما هو الحال مع فرنسا، تفرض علينا هيمنتها النقدية عبر الفرنك الأفريقي في دول غرب ووسط أفريقيا، فيما تواصل شركاتها العابرة للقارات استنزاف ثرواتنا بسياسات نيوليبرالية متوحشة. لذلك، فإن أي تطور يضعف هذه المنظومة ليس مجرد شأن أوروبي، بل هو مسألة وجودية لأفريقيا بأسرها.

التعليقات (0)