التربية والقيم الإنسانية والنهضة المجتمعية (1)

profile
  • clock 4 مارس 2021, 12:24:04 ص
  • eye 1436
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01


كل العالم أدرك أن توطين القيم الإنسانية في الأطفال يصنع أجيالا تعي المسؤولية وتدرك الضوابط الأخلاقية فيما بينهم وتحترم العيش المشترك مع الآخر وترحب بالتباين الفكري والثقافي. هذا من شأنه يزيد من مساحة حرية الفكر وسلام النفس والتعاون في المجتمعات الإنسانية.

يحتاج التعليم أن يكون فاعلا بإيجابية من خلال تنمية المهارات والقيم الإنسانية ليحقق مبتغاه التنموي. عندما نتحدث عن التنمية لانقصد زيادة الثراء فقط، فالمال لا يصنع سعادة المجتمعات، بل نرمي إلي تنمية كل شيء للإنسان له حاجة فيه. والتعليم بضوابطه الإنسانية مفتاح هذه التنمية بكل تفاصيلها.

الأصل في التعليم الارتقاء بالذات، الارتقاء الذي يحول دون انزلاق الذات البشرية لأي إنسان في السلوك مع الآخر، وهذا الآخر يشمل الإنسان والحيوان والجماد أيضا، بما يفقده إنسانيته في المجتمع ويفقده احترام الغير له. ومن هنا كان مبتغى التعليم دعما واضحا للوجود الإنساني على مدي التاريخ، ولذلك جاهدت المجتمعات الإنسانية للحفاظ على هيبة المؤسسات التعليمية وهيبة المعلم. هذا الحفاظ يرقى بالمجتمع ومن هنا نشأت حكومات لها أُطر إنسانية وذات ضوابط أخلاقية داعمة لهذه الأُطر. فممارسة ضوابط القيم الإنسانية تصنع أجيالا بمعايير إنسانية رائعة.

فإذا كان التعليم مفتاح المجتمعات إلي التنمية فإن الطريق الي تحقيق ذلك تزداد تعقيدا مع الزمن. فالتقنية الحديثة وتسارع وتيرة تقدمها يضع المجتمعات الإنسانية تحت ضغوط مرهقة نفسيا مع زيادة تسارع حركة الحياة. فالدول الديمقراطية أو التي تحترم الحق الإنساني يُخشى ضعفها تحت ذلك الضغط النفسي فتتمزق معنويا من تقوقع الأعراق علي أرضها في ظل الصراع العالمي والذي لن يكتفي بالحدود السياسية بل يمتد الي صراعات عرقية وعقدية متنوعة، وقد بدأت أوروبا ولازالت تعيش الهواجس من صراعاتها الداخلية. علي الجانب المقابل، فإن الديكتاتوريات ستزداد شراسة ضد مواطنيها وعنفا ولا تطيق شعوبها ذلك الحرمان المتواصل من الحقوق الأولية مثل الحقوق السياسية والعيش الكريم، وقد رأينا التقصير الواضح للدول ذات الحكم غير الرشيد في حقوق مواطنيها للعناية بهم من فيروس كورونا وغيره من الأمراض علي الرغم من دفع الضرائب والتي يجب استعمالها في توفير الخدمات بدلا من اهدار المال في غير ذلك. لذلك، مستقبل الدول العربية علي المحك إن لم يبادر المجتمع بتوطين ممارسة القيم الإنسانية في مؤسسات التعليم.

علي النقيض من الحفاظ على هيبة مؤسسات التعليم وهيبة المعلم بزغت سقطات لا إنسانية تقود الي انحطاط التعليم وهذا هو المدخل الأوحد ليفقد المجتمع الإنساني، بتغييب هذه التربية، القدرة على استنباط المستقبليات لما هو آتٍ من أحداث.

مما سبق ذِكره، نقترب من المعني المقصود من التعليم ومن أهمية وجوده في المجتمع الإنساني، إنه تربية وتأهيل الإنسان في مجتمعه ليكون نافعا له وصالحا لخدمته ويدعم رعاية حقوق المنظومة الإنسانية المتناغمة فيه. وتأتي دراسة العلوم بمختلف تخصصاتها وامتهان المهن المتنوعة خطوة لاحقة. وبالتالي فإن البناء لا يستقيم إلا بوجود أساسه عميقا في الأرض لكي نُعلي من طوابقه واحدا بعد الآخر.


وللحديث بقية.

كلمات دليلية
التعليقات (0)