- ℃ 11 تركيا
- 22 نوفمبر 2024
انتفاضة شمال أفريقيا في فرنسا.. الشرطة والمهاجرون وجها لوجه
انتفاضة شمال أفريقيا في فرنسا.. الشرطة والمهاجرون وجها لوجه
- 8 يوليو 2023, 12:57:32 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
"بدون معالجة قضايا التمييز العنصري ودمج المهاجرين في المجتمع وقبوله بالهوية الوطنية، ستستمر فرنسا في رؤية المزيد من موجات الاضطرابات".. هكذا يتحدث تحليل لمجلة "جيوبوليتيكال فيوتشرز" حول الاضطرابات الأخيرة في فرنسا، وربطها بالمهاجرين من شمال قارة أفريقيا.
وشهدت فرنسا أعمال شغب عنيفة الأسبوع الماضي، بعد أن قتلت الشرطة بالرصاص شابا من أصل جزائري في ضاحية نانتير بباريس.
وبعد وفاته، طالبت الأمم المتحدة فرنسا بالتصدي للتمييز العنصري في البلاد، ووصفت المشكلة بأنها متجذرة في صفوف قوات الأمن.
ففي عام 2005، اندلعت أعمال شغب مماثلة في أعقاب مقتل شابين من شمال أفريقيا تعرضا للصعق بالكهرباء في محطة كهرباء فرعية أثناء الاختباء من الشرطة.
وحينها، وصف وزير الداخلية نيكولا ساركوزي، المتظاهرين بأنهم "حثالة"، مما أثار المزيد من الغضب بين المتظاهرين في الأجهزة الأمنية.
ولاحقا، أعلنت السلطات الفرنسية حالة الطوارئ لمدة 3 أشهر، قبل أن تهدأ أعمال الشغب بعد أيام قليلة، لكن حصيلة الخسائر المذهلة شملت عشرات المتاجر والمطاعم والمباني العامة التي تعرضت للتخريب، فضلا عن مهاجمة أكثر من 150 مركزًا للشرطة، وحرق آلاف المركبات، وإصابة المئات من ضباط إنفاذ القانون، فضلا عن اعتقال الآلاف.
ووفق تحليل لمجلة "جيوبوليتيكال فيوتشرز" فإن تكرار الاحتجاجات العنيفة التي يقودها أشخاص من أصل شمال أفريقي، يشير إلى انقسام أساسي بين المجتمع الفرنسي ومجتمع المهاجرين في البلاد الذي يزيد عن 5 ملايين.
وشهدت فرنسا موجات متعددة من الهجرة الجماعية منذ عام 1945، بدأت الأولى في سنوات الازدهار عندما تم تشجيع الهجرة إلى فرنسا لسد فجوات العمالة.
وبعد استقلال الجزائر في عام 1962، كان هناك ارتفاع آخر في الهجرة، مما أدى إلى بناء أحياء سيئة التخطيط ومعزولة اجتماعيا مع ارتفاع معدلات الفقر.
وكانت العمالة المهاجرة مطلوبة في المناجم وصناعة السيارات والأشغال العامة وغيرها من الصناعات الملوثة عالية الخطورة، والتي لم ترق لسكان فرنسا.
ومنذ عام 1974، ساهمت برامج لم شمل الأسرة في زيادة أعداد المهاجرين وتسريع أزمة الإسكان الهائلة، كما تزامن تزايد عدد المهاجرين مع ارتفاع معدلات البطالة.
وكان لإغلاق المناجم وتسريح العمال في صناعة السيارات خسائر فادحة في مجتمع المهاجرين من شمال أفريقيا.
بالإضافة إلى ذلك، أدى فرض الحكومة لضرائب أعلى على أصحاب الدخل المرتفع إلى دفع العديد من المواطنين الفرنسيين إلى الانتقال إلى أماكن أخرى، مما أدى إلى تحول ديموغرافي في الضواحي الفرنسية، والتي كانت حتى أواخر السبعينيات تفاخر بتكوين متعدد الثقافات من المهاجرين والمقيمين من أصل فرنسي.
ويقول التحليل: "أدت هذه الظروف إلى اتهامات بالتمييز ضد الجاليات الفرنسية المهاجرة، ولا سيما من شمال أفريقيا، والتي شملت أحيانًا الشرطة وقوات الأمن في البلاد".
وقبل 3 سنوات، رفضت الشرطة منح تصريح للمتظاهرين للتقدم في مسيرة إلى دار الأوبرا في باريس في إطار الاحتجاجات ضد مقتل جورج فلويد على يد شرطة مينيابوليس.
ودعا أنصار أداما تراوري، وهو رجل أسود توفي عام 2016 أثناء احتجازه لدى الشرطة بالقرب من باريس، إلى الاحتجاجات.
ودفع رفض التصريح، ببعض المتظاهرين إلى إلقاء الزجاجات والحجارة وإطارات الدراجات على الشرطة.
وفي ذلك الوقت، اعترف وزير الداخلية الفرنسي كريستوف كاستانير، بوجود "حالات عنصرية" داخل الشرطة والدرك.
في الواقع، والحديث لـ"جيوبوليتيكال فيوتشرز"، هناك أدلة كثيرة على أن الشرطة الفرنسية أبدت عنصرية.
ويدلل التحليل على ذلك بالقول: قبل 3 سنوات، قام ضباط بضرب منتج موسيقى أسود لعدم ارتدائه قناع الوجه.
كما اتُهمت الشرطة بالفشل في الحفاظ على النظام العام، بما في ذلك أثناء أعمال الشغب التي أعقبت نهائي دوري أبطال أوروبا الذي أقيم في باريس العام الماضي.
ويقول الخبراء إن الشرطة الفرنسية تعاني من نقص الموارد والتدريب بشكل سيئ، وأن العديد من الضباط يدعمون اليمين المتطرف.
وفي أحدث موجة من الاضطرابات الأسبوع الماضي، امتدت الاشتباكات مع قوات الأمن حتى الآن إلى حوالي 100 مدينة في جميع أنحاء فرنسا.
ووفق التحليل، كشفت هذه الاحتجاجات عن التوترات الاجتماعية الحادة في البلاد، في وقت تزايد الاستقطاب السياسي، مما أدى إلى إبراز المشاكل الاجتماعية والاقتصادية العميقة الجذور في الضواحي والإرث الطويل من الإهمال الحكومي.
ونشرت الحكومة 45 ألف عنصر أمني لمواجهة الاحتجاجات.
وما يميز هذه الاشتباكات عن سابقاتها أن العديد من المتهمين بالعنف والتخريب كانوا حسب السلطات، من الشباب.
وكان نحو ثلث الذين اعتقلتهم قوات الأمن تحت سن 18 عاما، وقد عبّروا عن غضبهم من خلال تدمير الممتلكات العامة وحرق السيارات ونهب المحلات والاشتباك مع الشرطة.
وبرر العديد من هؤلاء أفعالهم على أنها رد فعل على الظلم الاجتماعي، قال بعضهم إن ظروفهم المعيشية ومطالبهم بالعدالة والمساواة قد تم تجاهلها.
كما أنهم يجادلون بأن أعمال الشغب قد تجبر الحكومة على إدراك أخطائها ومحاولة إصلاحها.
في غضون ذلك، أدت التغطية الإعلامية والجناح اليميني المتطرف المناهض للهجرة، والذي تصاعد منذ عام 2005، إلى تفاقم التوتر.
لكن هذه المرة، سعى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وحكومته إلى نزع فتيل التوترات بدلاً من تأجيجها، كما فعل ساركوزي عام 2005.
ووصف ماكرون حادث وفاة الشاب بأنه "خطأ لا يغتفر"، قبل أن توقف المديرية العامة للشرطة الوطنية الضابط المتهم، ووجهت إليه الاتهام بالقتل العمد مع سبق الإصرار.
وأمام ذلك، اتهمت الأحزاب اليمينية واتحادات الشرطة ماكرون بخيانة الشرطة، على الرغم من أن مقطع فيديو للحادث يتناقض مع قصة الضابط أنه أطلق النار من بندقيته، لأن حياته كانت في خطر.
يشار إلى أنه منذ وصول ماكرون إلى السلطة في عام 2017، حققت فرنسا العديد من الإنجازات الاقتصادية والاجتماعية، بما في ذلك خفض معدل بطالة الشباب.
ومع ذلك، لا يزال الفقر والجريمة والتمييز العنصري وسوء الأداء التعليمي متفشياً في مجتمعات المهاجرين الفقيرة.
كما أن خطة ماكرون "فرنسا 2030"، التي وعدت بتطوير هذه الأحياء، فشلت حتى الآن في إحداث أي تغييرات ملحوظة.
وخلال عطلة نهاية الأسبوع، أصدر أبرز نقابتين للشرطة في فرنسا بيانًا ناريًا حول الاحتجاجات، قال: "نحن في حالة حرب" مع "جحافل الحشرات".
جاء ذلك بعد أن دعا زعيم اليمين المتطرف إريك زمور، السلطات إلى قمع المتظاهرين.
وتبرز اللغة المستخدمة في البيان، مدى خطاب الكراهية والعنصرية الذي أبداه ضباط الشرطة الفرنسية ضد أولئك المنحدرين من أصل أفريقي، والذين يعتبرهم اليمين المتطرف الفرنسي والعديد من السياسيين الفرنسيين سببًا لمشاكل البلاد.
وجمعت حملة أطلقها سياسي يميني لدعم أسرة الشرطي المتورط في إطلاق النار أكثر من مليون يورو في 3 أيام، فيما جمعت حملة مماثلة لدعم والدة الضحية أقل من خمس هذا المبلغ.
ولا تزال شريحة كبيرة من المجتمع الفرنسي متحيزة ضد أولئك الذين يعيشون في الضواحي الفقيرة بفرنسا، معتبرين أنهم غير متعلمين ويتعاطون المخدرات.
حتى مع أوراق الاعتماد التنافسية، يواجه المتقدمون للوظائف من أصل شمال أفريقي تمييزًا واسع النطاق.
ويعلق تحليل "جيوبوليتيكال فيوتشرز" على ذلك بالقول إن "النظام السياسي الفرنسي مجزأ للغاية بسبب الاستقطاب الأيديولوجي في البلاد، وعدم الثقة في الحكومة واللامبالاة".
يشار إلى أن الرئيس الفرنسي الراحل شارل ديغول تحدث ذات مرة متسائلا: "كيف يمكن أن تحكم بلدًا به 246 نوعًا من الجبن؟"، في إشارة إلى التحدي الذي يعرفه رؤساء فرنسا جيدًا.
ويتابع التحليل: "أحد التحديات الرئيسية التي تواجه المهاجرين من شمال أفريقيا، وخاصة الفقراء وغير المتعلمين، هو أنهم لا يتماهون مع الأيديولوجية الجمهورية الفرنسية المتمحورة حول العرق".
تقوم الجمهورية الفرنسية على مفهوم القومية، والمركز الرئيسي في وظيفتها هو الرموز التي انبثقت عن الثورة الفرنسية عام 1789، بما في ذلك La Marseillaise (النشيد الوطني للجمهورية)، واقتحام الباستيل، والقيم العالمية للحرية والمساواة والأخوة.
القيمة الفرنسية الرئيسية الأخرى التي واجه العرب والمسلمون المقيمون في فرنسا صعوبة في قبولها هي العلمانية.
يشار إلى أن أيا من المتظاهرين لم يفقد حياته على الرغم من مشاركته في أعمال شغب دمرت الممتلكات الخاصة والعامة، ولو أنهم شاركوا في أعمال مماثلة في مدينة عربية، لكانت قوات الأمن قد اتخذت إجراءات صارمة للغاية.
ويلفت التحليل بالقول: "بسبب إحجامهم عن دمج القيم الفرنسية وتبنيها، أصبح هذا المجتمع عرضة للتمييز العنصري، مما أدى إلى تفاقم الحواجز التي تحول دون العثور على عمل وعزز تكوين هوية وطنية وثقافية ودينية موازية".
ويختتم: "بدون معالجة هذه القضايا، ستستمر البلاد في رؤية المزيد من موجات الاضطرابات".