- ℃ 11 تركيا
- 21 نوفمبر 2024
انشيل فيفر يكتب: الأنفاق تحت غزة.. وُجدت لتبقى
انشيل فيفر يكتب: الأنفاق تحت غزة.. وُجدت لتبقى
- 23 يناير 2024, 11:53:25 ص
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
في الأسابيع الأولى للحرب، نظر ضابط في الجيش الإسرائيلي بخيبة أمل في غرفة عمليات إلى خارطة الأنفاق في القطاع التي توجد تحت مسؤوليته وقال: "هذه لم تعد ذات صلة"، قال بامتعاض وألقاها جانبا، وهو يعرف أن قواته قد عثرت على عشرات فتحات الأنفاق والأنفاق في أماكن لم تظهر في الخارطة التي توجد أمامه، التي ارتكزت إلى تقديرات استخبارية. ومثل جهات أخرى في كل المستويات في الجيش الإسرائيلي فإنهم جميعا شركاء في الاعتقاد بأن شبكة الأنفاق في قطاع غزة اكبر بكثير مما قدروا في البداية ومتشعبة اكثر. إضافة إلى ذلك في أوساط كبار في الجيش يزداد الاعتقاد بأن القوات لم تدمر كل أنفاق "حماس" و"الجهاد الإسلامي" في القطاع، وكما يبدو أيضا ليس معظمها.
الجيش الإسرائيلي يقلص القوات في القطاع بعد حوالى ثلاثة اشهر من القتال بمشاعر مختلطة – من جهة، بسبب الإنجاز غير المسبوق لتدمير أنفاق وفتحات أنفاق. ومن جهة أخرى، خيبة أمل بسبب الكثير منها التي ما زالت متبقية، وكما يبدو أنها لن تدمر أيضا في المستقبل الكبير. الأنفاق تحت القطاع كانت قائمة حتى قبل إقامة "حماس" في 1987، والآن يتبين أن الكثير منها سيبقى هناك بعد الحرب الحالية.
منظومة تحت أرضية
الأنفاق الأولى في القطاع تم حفرها بعد احتلاله على يد إسرائيل في حرب الأيام الستة، عندما استخدمتها بشكل قليل التنظيمات "الإرهابية" لتخزين السلاح والذخيرة. الحفر الأول الكبير تم تنفيذه بعد التوقيع على اتفاق السلام بين إسرائيل ومصر. عندما تم تقسيم مدينة رفح إلى قسمين في أعقاب الانسحاب من شبه جزيرة سيناء. تنظيمات إرهابية ومنظمات جريمة وكبار رجال السلطة الفلسطينية وقبائل بدوية وسكان محليون، جميعهم استخدموا الأنفاق لتهريب البضائع والسلاح. في العام 1999 تم اكتشاف النفق الأول لـ"حماس" الذي عبره خططت "حماس" لاختطاف جندي من الجيش الإسرائيلي وتهريبه إلى خارج القطاع والمطالبة بإطلاق سراح مئات "المخربين" مقابله. من بين المخططين كان يحيى السنوار الذي كان في تلك الفترة موجودا في السجن.
منذ الانفصال في 2005 ازدادت الأنفاق وتوسعت، وآلاف سكان القطاع اعتاشوا من التهريب فيها. في عملية "الرصاص المصبوب" في نهاية 2008 تم تدمير الكثير من الأنفاق في القطاع، لكن المئات منها بقيت تعمل. حل الجيش الإسرائيلي الأول لهذه الظاهرة كان النشاطات في محور فيلادلفيا، وهو قاطع عازل قرب الحدود أقيم في 1982 بعد الانسحاب من شبه جزيرة سيناء. خلال عقدين استمرت في هذه المنطقة مواجهات تحت الأرض بين إسرائيل والفلسطينيين، وخلالها تم تفعيل أنفاق تفجير ومهاجمة مواقع الجيش الإسرائيلي وقتل الكثير من الجنود. الجيش من ناحيته قام بحفر واستخدام المواد المتفجرة لاكتشاف الأنفاق وتدميرها. الوسائل تطورت مع مرور الوقت، لكن تطورت أيضا قدرة الفلسطينيين، الذين في الكثير من المرات تفوقوا على الجيش في ذلك.
منذ العام 2005 بدأ الجيش الإسرائيلي في تفجير أنفاق بواسطة القصف في جولات القتال، وفي أوقات التهدئة اعتمد على مصر كي تعمل ضد هذه الأنفاق. ورغم هذه الجهود إلا أن الأنفاق ازدادت وتطورت وتعمقت على يد "حماس" والقبائل البدوية وتمدد "داعش" في شبه جزيرة سيناء، وفيها تم تهريب بالأساس السلاح وأعضاء لتنظيمات إرهابية، الذين خرجوا من اجل إجراء لقاءات تنسيق والتدرب خارج القطاع. بعد ذلك الشبكة تحت الأرض انتقلت من فيلادلفيا إلى محور هوبرز الذي يوجد على الحدود بين إسرائيل وغزة. وبعد اربعة اشهر على الانفصال تم اكتشاف النفق الأول قرب معبر "إيريز". في حزيران 2006 تم اختطاف جلعاد شاليت في العملية الأولى التحت أرضية التي اجتازت الحدود بعد الانفصال، التي نفذتها "حماس" وتنظيمات إرهابية أخرى. المهاجمون دخلوا عبر نفق اخترق 100 متر للحدود تقريبا في منطقة كرم أبو سالم وعادوا مع شاليت في فتحة قاموا بفتحها في الجدار على الحدود.
منذ سيطرت "حماس" على القطاع في 2007 قامت بتوسيع الأنفاق الهجومية المخترقة للحدود بشكل كبير. في العقد التالي، ركز جهاز الأمن الجهود من اجل تدميرها، لكن النجاح كان جزئيا، وفي عملية "الجرف الصامد" في 2014 اجتاز "مخربون" بواسطة اربعة أنفاق خارقة للحدود وقتلوا 11 جنديا إسرائيليا. تحقيق "هآرتس" بعد العملية كشف عن أن القوات التي دخلت إلى مدخل غزة لم تأت مستعدة لمعالجة الأنفاق ولم تكن لديها الوسائل والتدريب المناسبين. تقارير مراقب الدولة في 2007 وفي 2017 أشارت إلى إخفاقات شديدة في استعداد الجيش الإسرائيلي والمستوى السياسي أمام تهديد الأنفاق.
لقد مر عقد تقريبا منذ اكتشاف النفق الأول في معبر "إيريز" في العام 2005 حتى بدأت وزارة الدفاع في الأعمال لهذا العائق التحت ارضي، الذي يشمل جدرانا إسمنتية عميقة ومجسات جيوفونية. إقامة هذا العائق استكملت في نهاية 2021 مع وعود كبيرة، وفي القيادة العليا الأمنية كانوا على ثقة بأنه سيحبط أي هجوم واسع في أراضي إسرائيل، لذلك لم يشعروا بإلحاحية العمل ضد الأنفاق التي توجد داخل القطاع. "العائق أدى إلى انخفاض الاهتمام بموضوع الأنفاق في القطاع بشكل كبير على مستوى الإشارة إلى الأخبار المهمة"، قال مصدر استخباري يتابع منذ سنوات "حماس" بالإشارة إلى سلم الأولويات للأجهزة الاستخبارية. "هذا ليس لأننا لم ننشغل بهذا الأمر، لكن كان هناك شعور في الجهاز بأنه طالما أن هذه الأنفاق لا تجتاز الحدود فإنها اقل تهديدا لنا". العائق لم ينجح في اختبار الواقع في 7 تشرين الأول. فالجدار الذي يوجد فوق الأرض تم إهماله، واكثر من 250 مخطوفا ابتلعتهم الأنفاق التي توجد في القطاع.
مسألة وقت – ثمن
في عملية "حارس الأسوار" في 2021 شن الجيش الإسرائيلي عملية "جنوب ازرق"، التي سميت أيضا عملية "المترو". الخطة كانت جعل رجال "حماس" يعتقدون أن الجيش الإسرائيلي سيهاجم كي يختبئوا في الأنفاق. عندها يتم تفجيرها بالقصف، وهكذا سيقتل مئات وربما آلاف المخربين تحت الأرض. عمليا قتل عدد قليل من المخربين، ومحاولة التمويه فشلت. لكن حتى لو نجحت هذه العملية فإنه في هذه الحرب تبين أن الجيش لم يعرف في حينه جميع أماكن الأنفاق، وهكذا فإن "حماس" كان يمكنها نشر رجالها في نقاط كثيرة تحت الأرض.
الافتراض العملياتي للجيش الإسرائيلي في بداية الحرب الحالية هو أن التهديد الأساسي من الأنفاق هو أنها ستستخدم كنقطة خروج لكمائن ضد قواته. وكما كان الأمر في عملية الجرف الصامد في بداية العملية البرية في المعركة في الشجاعية، وبعد ذلك في الحادثة في رفح التي قتل فيها ثلاثة جنود من "غفعاتي"، وجثة الملازم هدار غولدن تم اختطافها في أحد الأنفاق. لكن الكمائن في الأنفاق في العملية البرية الحالية قليلة نسبيا. "حسب معرفتنا عن تشكيلة قوات (حماس) أنا اعتقدت أننا سنشاهد المزيد من الكمائن من الأنفاق"، قال أحد ضباط الألوية المقاتلة.
في البداية، اعتبروا ذلك في الجيش الإسرائيلي أفضلية. والفرق تحركت من خط شاطئ غزة نحو الشرق بقوات مدرعة. "بدلا من التوقف عند الأنفاق نحن نمر فوق الأنفاق"، قال جنرال إسرائيلي في تلك الفترة. ولكن بالتدريج تسرب الإدراك في الجيش بأن شبكة الأنفاق هي اكبر ومتشعبة اكثر مما تم التقدير، وأن استخدامها الرئيس من قبل "حماس" ليس لمهاجمة الجيش الإسرائيلي بل حماية قواتها.
أيضا الافتراض أنه كان يكفي "احتلال" الأراضي التي توجد فوق الأنفاق لبضعة أسابيع من اجل إجبار رجال "حماس"، بسبب نقص الأكسجين والطعام والمياه، على الخروج إلى الخارج تبين أنه افتراض خاطئ؛ ليس فقط لأن الأنفاق كانت مزودة جيدا للمكوث فترة طويلة، بل هي أيضا سمحت بالانتقال بين عدة مناطق في المدينة وفي القطاع. خلال القتال، اعلن الجيش الإسرائيلي عن تدمير كتائب لـ"حماس" واحدة تلو الأخرى في شمال القطاع، لكنه وجد نفسه يقاتل بقايا هذه الكتائب في قطاعات مختلفة، وعندما وجدت علامات على وجود مخطوفين في أنفاق، كان قد تم نقل هؤلاء المخطوفين منذ فترة طويلة إلى نفق آخر.
في صالح سلاح البر، بالأساس سلاح الهندسة، يجب القول، إنهم أخذوا تحدي الأنفاق في السنوات الأخيرة على محمل الجد. الطواقم في وحدة "يهلوم" ومعداتهم التكنولوجية للتحقيق في الأنفاق تم توسيعها. الوحدات الخاصة، من بينها "عوكتس"، تدربت في المدى التحت ارضي وتم تشكيل طواقم خاصة لتدمير الأنفاق الأكبر، وقوات الهندسة الأخرى حسنت قدراتها التحت أرضية وتم تطوير مواد متفجرة جديدة من اجل مكافحة الأنفاق.
لكن كل ذلك لم يكن كافيا. قادة في الميدان كشفوا عن أنه في بعض الأحيان احتاجت الكتائب إلى بضعة أيام وحتى أسابيع للعثور على الأنفاق وتدمير المئات منها. في هذه الأثناء مئات الجنود يجب عليهم التواجد في ساحة المعركة والدفاع عن انفسهم وتأمين قوات الهندسة. أيضا في المحيط المدني الذي لا توجد فيه كمائن أو صواريخ مضادة للدروع، فإن تدمير مئات الكيلومترات من الأنفاق هي عملية هندسية معقدة وواسعة وتحتاج إلى اشهر طويلة. حسب منشورات في وسائل الإعلام الأجنبية فإن الجيش علق الآمال على مشروع باسم "اطلانتس"، الذي في إطاره سيتم ضخ مياه البحر إلى داخل الأنفاق على أمل إغراقها. في هيئة "كان 11" نشر أن هذا المشروع الريادي كان ناجحا. عمليا، هناك شك في أنه تم تسجيل إضرار ملموس كنتيجة لهذه العملية، وربما أن الهدف من نشرها كان جعل المقاتلين في الأنفاق يهربون إلى فوق سطح الأرض.
في الأسبوع الماضي، اقتبس ضباط كبار في "نيويورك تايمز" حيث قدروا بأن طول شبكة الأنفاق في القطاع هي تقريبا 700 كم، هذا كان خلافا للتقديرات الاستخبارية التي كانت في البداية تبلغ 400 كم. أحد قادة الألوية الذي عمل ضد الأنفاق في مدينة غزة قال في الشهر الماضي، "الأمر يتعلق بمسألة الوقت المتاح لنا هنا والثمن الذي نحن مستعدون لدفعه". بعد ذلك لواء هذا القائد غادر القطاع، في حين أن جزءا من الأنفاق فقط تم تدميره.
في جهاز الأمن، سيضطرون إلى الاعتراف بأن تدمير الأنفاق كان من البداية هدفا غير واقعي، وأن الجيش الإسرائيلي ربما يمكنه التعامل معها كتهديد عسكري، لكنها ستبقى تحت غزة. وكما قال المهندس يئير رماتي، الذي لم يتعامل في أي يوم مع الأنفاق لكنه يعتبر أحد الآباء لخطة الدفاع الإسرائيلية ضد الصواريخ، "في السماء دائما سيكون لإسرائيل التفوق التكنولوجي، لذلك، (حماس) دائما ستحاول جرنا إلى تحت الأرض".
* انشيل فيفر صحفى إسرائيلي بريطاني. وهو مراسل كبير وكاتب عمود في صحيفة هآرتس، ويغطي الشؤون العسكرية واليهودية والدولية، ومراسل إسرائيل لصحيفة الإيكونوميست.
المصدر: "هآرتس"