- ℃ 11 تركيا
- 21 نوفمبر 2024
بيسان عدوان تكتب: فيلادلفيا على صفيح ساخن.. بين تهاون مصر وتمسك المقاومة الفلسطينية
بيسان عدوان تكتب: فيلادلفيا على صفيح ساخن.. بين تهاون مصر وتمسك المقاومة الفلسطينية
- 23 أغسطس 2024, 6:03:39 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
في خضم التعقيدات السياسية والميدانية التي تتشكل في منطقة الشرق الأوسط، يعود محور فيلادلفيا ليبرز كقضية مركزية تحمل أبعاداً تتجاوز الصراع الإسرائيلي الفلسطيني المعتاد. هذا المحور، الذي يفصل بين قطاع غزة والأراضي المصرية على طول الحدود الجنوبية للقطاع، يمثل رمزية معقدة لتشابك المصالح الإقليمية والدولية، ويعكس طبيعة الهيمنة الاستعمارية الجديدة التي تفرضها القوى الكبرى في المنطقة.
في ظل التصعيد المستمر والتوترات المتزايدة في منطقة الشرق الأوسط، ألقى الرئيس الأمريكي جو بايدن مؤخرًا كلمة تتناول الأوضاع الأمنية في المنطقة، شملت محور فيلادلفيا كجزء من مناقشة أوسع حول استقرار الحدود المصرية مع قطاع غزة.
تصريحات بايدن أضافت بعدًا جديدًا للنقاش حول محور فيلادلفيا، حيث إنها تعكس الاهتمام الأمريكي بتثبيت الوضع الراهن وضمان عدم تغير التوازنات الأمنية في المنطقة، وهو ما يضع تحديات جديدة أمام مصر والمقاومة الفلسطينية في التعامل مع هذا الملف الحساس.
محور فيلادلفيا، الذي يمتد لمسافة حوالي 14 كيلومترًا، كان ولا يزال محط جدل كبير بين الأطراف المختلفة. ورغم وقوعه جغرافيًا ضمن الحدود المصرية المعترف بها دوليًا، إلا أنه خضع لمراقبة وسيطرة مشددة من قبل الاحتلال الإسرائيلي منذ انسحابها من قطاع غزة في عام 2005. وفقًا لاتفاقية كامب ديفيد، كان من المفترض أن يبقى هذا المحور منطقة منزوعة السلاح، مع السماح بتواجد محدود للقوات المصرية. لكن الواقع على الأرض يظهر استمرار الاحتلال الإسرائيلي في فرض نفوذه الأمني على هذا المحور، مما أضاف طبقة جديدة من التوترات الإقليمية.
الملفت للنظر هو التهاون المصري في تعزيز سيطرته على المحور، مما يثير تساؤلات حول دوافع هذا الموقف. هل تخشى مصر من تداعيات تعزيز سيطرتها على المحور وما قد يجلبه ذلك من مواجهات محتملة مع إسرائيل؟ أم أن هناك تفاهمات غير معلنة بين القاهرة وتل أبيب تضمن استمرار الوضع الراهن مقابل مكاسب سياسية أو اقتصادية؟
بالنظر إلى موقف المقاومة الفلسطينية، نجد أنها تدرك تمامًا الأهمية الاستراتيجية لمحور فيلادلفيا. فهو ليس مجرد شريط حدودي بل يمثل شريان حياة للإمدادات العسكرية واللوجستية الضرورية لاستمرار المقاومة في الدفاع عن غزة ضد العدوان الإسرائيلي. كذلك، يعزز هذا المحور حرية حركة المقاومة ويحول دون تشديد الحصار الإسرائيلي على القطاع، مما يفسر تمسكها القوي به كجزء من استراتيجيتها الأوسع لكسر الحصار وتوسيع دائرة المواجهة.
لكن المستقبل يحمل سيناريوهات متعددة لمحور فيلادلفيا. مع استمرار الصراع في غزة والضغوط الدولية الرامية إلى تهدئة الأوضاع، يلوح في الأفق احتمال فرض قوات دولية لمراقبة المحور تحت ذريعة حفظ الأمن ومنع تهريب الأسلحة. هذا السيناريو سيعني فعليًا حرمان المقاومة من خط إمدادها الحيوي ويقوض قدرتها على الصمود، وهو ما تسعى إسرائيل لتحقيقه بدعم من حلفائها الغربيين.
في هذا السياق، لا يمكن تجاهل دور القبائل المحلية في سيناء، وخاصة اتحاد القبائل وقبيلة العرجاني، الذين يمثلون عوامل محلية مؤثرة في المشهد الجيوسياسي. هذه القبائل التي تملك معرفة جغرافية دقيقة للمنطقة وتأثيرًا كبيرًا على الأرض، كانت تاريخيًا متورطة في تهريب السلع وتوفير الملاذات الآمنة للفصائل الفلسطينية. ومع تصاعد العمليات العسكرية المصرية في سيناء ضد الجماعات المسلحة، تحولت هذه القبائل لتصبح لاعبًا رئيسيًا في تعزيز الأمن على الحدود بالتعاون مع الحكومة المصرية.
لكن هذا التعاون ليس بسيطًا، إذ يعتمد على قدرة الحكومة المصرية في تلبية مطالب القبائل وضمان مصالحهم، سواء كانت تتعلق بالتنمية المحلية أو بالحماية من الجماعات المسلحة. في هذا الصدد، يبدو أن مصر تحاول التوازن بين تعزيز سيادتها على محور فيلادلفيا وبين تجنب التوترات غير المرغوبة مع إسرائيل أو حتى مع الفصائل الفلسطينية.
ما يزيد الأمور تعقيدًا هو العامل الإسرائيلي، الذي يراقب عن كثب أي تغير في توازن القوى على محور فيلادلفيا. ولا شك أن إسرائيل قد تحاول التأثير على القبائل المحلية بشكل مباشر أو عبر قنوات أخرى لضمان استمرار سيطرتها الأمنية على المنطقة وعدم حدوث أي تغيرات قد تعيد فتح قنوات الدعم للمقاومة الفلسطينية.
في النهاية، يبقى محور فيلادلفيا نقطة توتر تعكس تداخل المصالح الإقليمية والدولية في القضية الفلسطينية. وموقف مصر من هذه القضية يتطلب اتخاذ قرارات حاسمة توازن بين سيادتها الوطنية ومسؤوليتها الإقليمية. إذا ما استطاعت مصر تعزيز سيطرتها على المحور بالتعاون مع القبائل المحلية، فقد تشكل ذلك خطوة نحو تقليص النفوذ الإسرائيلي في المنطقة ودعم حقوق الشعب الفلسطيني. ولكن إذا استمر التهاون، فإن ذلك سيعمق من تبعات الصراع ويزيد من معاناة الفلسطينيين في غزة، ويعزز من استمرار حالة الهيمنة الاستعمارية الجديدة في المنطقة.