- ℃ 11 تركيا
- 28 ديسمبر 2024
بيسان عدوان يكتب: في ذكرى النكبة الـ ٧٥ .. إشكالية الهوية الشتات الفلسطيني
بيسان عدوان يكتب: في ذكرى النكبة الـ ٧٥ .. إشكالية الهوية الشتات الفلسطيني
- 15 مايو 2023, 3:36:53 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
كل ذكرى للنكبة تطرح اشكاليات عدة أهمها الحديث عن اللاجئين الفلسطينيين في الخارج أو في الداخل من لاجئين ومهاجرين وعائدين، حقوقهم، عودتهم، وحق تقرير المصير لهم في الوقت الذي تشن دولة الاحتلال"إسرائيل " حملتها الشرسة سواء من دولة ومؤسسات الاحتلال أو من خلال اطلاق يد المستوطنين على السكان الأصليين في القدس والضفة الغربية والداخل الفلسطيني في مناطق ال٤٨، منتهكة كافة معايير الشرعية الدولية المتمثلة في القوانين والقرارات واتفاقيات حقوق الإنسان. لفرض مستوي من الصراع يختزل كل الشأن الفلسطيني للقضاء علي الإرهاب.
بعد إجهاض ثورات الربيع العربي التي نتج عنها تعقيد مشكلة اللاجئين الفلسطينيين وتهجيرهم مرة أخرى قسريا كما في سورية بعد تدمير المخيمات، أو طوعا كما في ليبيا بسبب الحرب الأهلية التي نشبت بين أطراف النزاع. أو كما في لبنان ومصر وقطاع غزة بسبب الأوضاع الاقتصادية والأمنية دوما يتم اعتزال مسألة اللاجئين إلي حقهم في العودة دون أي حديث عن التغييرات التي طرأت في أوضاعهم الاجتماعية والاقتصادية إو هوياتهم المتعددة والمكتسبة أو حتى الحديث عن كيفية العودة الفعلية. من هنا كان الحديث في المقال عن من هم اللاجئين الفلسطينيين وماهي مشكلاتهم الحقيقية.
تعتبر مشكلة اللاجئين الفلسطينيين إحدى محاور الصراع الفلسطيني/ العربي-الإسرائيلي/ الصهيوني ، الذي يتعلق بعدة مستويات مترابطة ولا يمكن فصل أيا منهم عن الآخر ذلك لطبيعة القضية ذات الأبعاد السياسية- الاجتماعية بالنسبة للفلسطينيين في داخل الأراضي المحتلة منذ عام 1948 وفي الشتات الفلسطيني بمختلف مستوياته فلا يشمل مفهوم اللاجئين الفلسطيني أولئك الذين اجبروا علي الخروج من الوطن عام 1948 وحطوا ضيوفا علي ما يسمي بدول الطوق ( الأردن – لبنان – سوريا – مصر ) ولكن يشمل هذا المفهوم اللاجئين الفلسطينيين باعتبارهم تجمعات سكانية اجبروا علي الرحيل من الوطن الأصل و وتواجدوا في بلدان مختلفة ، رغم حصر مفهوم اللاجئين الفلسطينيين في التعريف القانوني والذي تم الإجماع علية دوليا مع ما يعتريه من إشكاليات حول تطبيقه.
علينا أن نوضح بعض الإشكاليات في المفاهيم المستخدمة في توصيف الفلسطينيين
1- النزاع بين مفهومي اللاجئ والنازح علي المستوي السياسي والقانوني 2
2- هناك مفاهيم ذات دلالات اجتماعية إلا وهو موضوع الهوية وما يصاحبها من إشكاليات علي المستوي الاقتصادي – الاجتماعي – السياسي ، مثل اللاجئون – الشتات – المنصهر ون ( ساري حنفي –2001)
3- العلاقة بين التجمع الشتاتي الفلسطيني والوطن الأم والوطن السياسي ، أما فيما يختص بعلاقة اللاجئين بين الوطن الأم والبلد المستقبل فتلك إشكالية أخري يمكن طرحها في الاطار الاجتماعي – السياسي.
ولا يمكن الحديث عن هذه القضية إلا بعد التطرق لحق العودة والتعويض للفلسطينيين ضمن القرارات الدولية والتي اعترف بها المجتمع الدولي ،ثم فيما إذا كانت اتفاقات أوسلو قد أوجدت حلا لتلك المسألة أم لا ، وإذا ما كانت فهل تمت مراعاة أحكام القوانين والقرارات الدولية – ذات الصلة ؟
لدراسة فلسطينيو الخارج يمكن أن نصنفها وفق معطيات مميزة للتصنيف آخذين بعين الاعتبار الاختلافات بينهم حسب 1- وضعهم القانوني في بلد اللجوء /المستقبل وحقهم في العودة وهم فلسطينيو الشتات ، فلسطينيو الترانزيت ، الفلسطينيون المنصهرين ـ 2- إما التصنيف الثاني وفقا لسبب الخروج من فلسطين ، إما فلسطينيو الترانزيت فهم ذوي الأوضاع القانونية الهشة في بلدان اللجوء حيث أن لهم وضعا هشا ومؤقتا ، وتتصف تلك المجموعة بأنها تعيش حالة من الحدودية الدائمة أي سيكولوجية المؤقت والشعور الدائم بالانتظار ( الياس صنبر – 1989 ) وتظهر تلك الحدودية في طريقة حياتهم الاقتصادية والشبكات الاجتماعية التي ينسجونها بينهم وأغلب تلك المجموعات توجد في دول الخليج ومصر ولبنان وأولئك هجرات من عامي 1948- 1967 ويلاحظ في وضعهم الاقتصادي اتسامه بدرجة عالية من التنوع الاستثماري في قطاعات اقتصادية متعددة دون محاولة منهم لربط تلك الاستثمارات بالوطن السياسي ( أراضى السلطة الفلسطينية ) وذلك لهشاشة الاستثمارات غير المتطورة ولا تتسم بتقنيات عالية .
فلسطينيو الشتات : أولئك الذين يحملون أكثر من هوية ( مفهوم الهوية ) تعود واحدة منها إلي الوطن الأم والثانية إلي بلد الشتات دون أن تكون هناك بالضرورة علاقة هرمية بينهما ولا تقاس الهوية الوطنية بدرجة الارتباط بالأرض أو بالعودة ، أولئك لهم أوضاع قانونية دائمة إما بالجنسية أو بالإقامة الدائمة ( الأردن – الدول الغربية – سوري في دور التشتت ) وهم غالبا ما هجروا بعد أعوام 1948-1967 ومنهم من هجر قبل عام 1948 لأسباب اقتصادية مثل أبناء الخليل في كل من الأردن ومصر ، أولئك فقدوا حقهم بالعودة بعض الدول العربية التي منحوا جنسياتها والأمريكتين
إما المنصهرين .. أولئك الذين هجروا فلسطين في بدايات القرن التاسع عشر إلي الأمريكتين واستراليا وفيما حاول الجيل الأول من الهجرة الاندماج مع المجتمعات الهجرة حاول الجيل الثاني منهم الانصهار في تلك المجتمعات بينما يحاول الجيل الثالث مرة ثانية الرجوع إلي الجذور والهوية الأصلية دون أن يتسبب ذلك بإشكاليات مع الهوية المكتسبة .
يخبرنا أحد الباحثين الفلسطينيين إن استخدام مفهوم الشتات (Diaspora) في الحديث عن فلسطيني الخارج أصبح أمرا مألوفا إلا أنه استخدام إشكالي لا ينضوي تحته فئات الفلسطينيين كافة بل هو أداة تحليلية لفلسطيني الخارج لا باعتبارهم مجموعة أجبرت علي الرحيل قسريا بالرغم ارتباط الكثيرين منهم بالوطن روحيا وماديا لكن باعتبار انهم مجموعة مرتبطة بالمجتمع المستقبلي بروابط لا يمكن أن نهملها ، ثم يأتينا بتعريف عن المشتت " هو الإنسان الذي ما يزال يرتبط بعلاقات اجتماعية بشعبه في بلاد المنافي وفي الأراضي الفلسطينية " الوطن السياسي " لكنه في الوقت نفسه هو الذي أتاحت له الدول التي يقيم بها -دولة المستقبل - إمكانية الإقامة الدائمة أو الحصول علي الجنسية الأمر الذي أوجد له بعض الاستقرار ( ساري حنفي ، 2000) وعليه فأن التعريف يخرج فلسطيني يمثل وضعهم في دول اللجوء / دول المستقبل ، وضع قانوني هش ومؤقت " الدول العربية " ، بما أن حنفي يعتبر أن مفهوم الشتات "مفهوم سوسيولوجي " لا مفهوم قانوني ومن ثم ليست له علاقة بكون فلسطيني الخارج لاجئين أم لا فيدخل ضمن مفهومه المهاجرون لأسباب اقتصادية واللاجئون ذوي الأوضاع الهشة والمؤقتة في دول اللجوء / دول المستقبل حيث ينظر إلي إشكاليات تتعلق بالعلاقة مع المجتمع المستقبلي ( اندماج بالرغم من إن الحديث عن الشتات الفلسطيني ( الخارج ) ينتمي إلي سوسيولوجيا الاستمرار والذاكرة .. استمرار اجتماعي حيث ينقل اللاجئ المهاجر عاداته وتقاليده وحتى طبقته الاجتماعية إلي بلاد اللجوء وتتحول معها المخيمات الفلسطينية إلي قري فلسطينية خارج حدود الوطن تعمل الذاكرة الجماعية عمل الحفاظ علي الهوية والبقاء في الوطن " الداخل التاريخي " لكنها أيضا توقف الزمن إلي ما قبل النكبة " لقد انتهيت من الحياة عام 1948 " قالها لاجئ فلسطيني في ريعان شبابه " فيما تخبرنا إحدى الكاتبات " بالنسبة لامي فأن الساعة قد توقفت في القدس عام 1948 " ( غادة الكرمي ، 2000) ، لا أحد ينكر دور الذاكرة الجماعية في الحفاظ علي الكينونة الفلسطينية ولكن هناك تأثيرات أخري تلقي بتبعيتها علي اللاجئ/ الإنسان منها العلاقات الاجتماعية والمهنية والاقتصادية في دول اللجؤء يجب دراستها . هناك انقطا عات عدة ما بين الوطن قبل اللجؤء والشتات الفلسطيني بل والداخل الحاضر الفلسطيني حيث قد ‘ملت النكبة علي تغييرات عدة فقد تأثرت الهوية الفلسطينية بهوايات أخري تبعا لمكان اللجوء / دول المستقبل بجانب الانقطاع العائلي والجهوي واستبدل بهوايات أخري تتعلق بالبنية الاجتماعية للاجئين في كل دولة وعلاقات الحدود في الدول ، هذا بجانب الانقطاع الطبقي حيث أثرت النكبة علي الحراك الطبقي فلم تستطع البرجوازية الفلسطينية الاستمرار أو البقاء علي حالها ولا اندثرت لتفسح الطريق للطبقات الناشئة المتوسطة الجديدة بل عملت علي خلق تشوهات في البنية الاقتصادية الفلسطينية التي افتقدت للاستقرار خاصة في الوطن العربي ، فيما خلق الشتات الغربي و دول الخليج أشكال جديدة لأرستقراطية خبراتية حديثة نتجت من لجوء الفلسطينيين بوجع أساسي إلي المناطق الحضرية منجذبين بذلك ألي المهن الجديدة والحديثة ( ساري حنفي ، مصدر سابق )
– انصهار – انعزال – اقتصاديات أثنيه ...الخ).
إن مفهوم الشتات هو الترجمة الأمينة للنكبة ولتدمير الهيكل الاقتصادي والاجتماعي للشعب الفلسطيني. ففي الواقع وجد الفلسطينيون أنفسهم بلا دولة وبلا هوية ولا جوازات سفر وخاضعين لشتى التقلبات السياسية والاقتصادية في الدول المضيفة بعد أن كانوا مواطنين كاملين في وطنهم فلسطين في ظل الانتداب البريطاني , ومواطنين عثمانيين قبل ذلك .وشكلت رغبة الفلسطينيين بالعودة إلى ديارهم أحد مكونات هويتهم لأنها جمعت بين ما جمعت من مكونات أخري ارتباطهم بوطن معنوي على الأقل وبهدف لنشاط اجتماعي سياسي استمر حتى اليوم وهانحن نرى في أتون المفاوضات وما رافقها ويرافقها من معارك أن حق العودة يحتل مكانة كبيرة في التسوية الراهنة لاقامة دولة فلسطينية ذات سيادة على ارض فلسطين
ويبدو أن هذا الحق سيكون له تأثيرات بعيدة المدى لجهة وزنه في تحديد هوية الدولة وهوية التجمعات الفلسطينية في الشتات مع التسوية المطروحة على بساط البحث كما أن مفاعلها قد تحدد مصير التسوية برمتها إذا ما تبين أن اللاجئين سيتركون لمصيرهم خارج حساب الهوية الفلسطينية وخارج الجغرافيا الفلسطينية الجديدة .
واستنادا إلى المقاييس التي تستعمل في الغالب لتعريف مجموعة أثنيه , وهي الثقافة واللغة والدين والعرق والأرض , فان الفلسطينيين يمثلون لغزا . لقد اصبحوا يعيشون في جميع دول المنطقة وسواها ولا يقطنون أرضا واحدة .وهم لا يتميزون ثقافيا تميزا بارزا عن المجتمعات الأخرى في المشرق ولعل العامل الأهم في تطور هوية وطنية مميزة لدى الفلسطينيين هو الخطر على طابع فلسطين العربي المتمثل في الصهيونية ومشروعها المتمثل بوطن يهودي قومي في فلسطين . وتضافرت عدة عوامل لربط الفلسطينيين بعضهم ببعض تمييزا لهم عن المجموعات الأخرى في دول الملجأ العربي ، ومن هذه العوامل فقدان الوطن و فقدان القدرة على ممارسة حق تقرير المصير , ومن هذه العوامل الجهود المبذولة للمحافظة على التقاليد والتاريخ وتعزيزهما على الرغم من التعثر في المنفى , والرغبة في العودة.
يحاول الإسرائيليون في موضوع اللاجئين الفلسطينيين خاصة فيما يتعلق بشان العودة إلي تبسيط تلك اللوحة المعقدة حتي في دراستها عن طرح أليات عدة لحل مشكلة اللاجئين الفلسطينيين ضمن أوهام سياسية وأكاديمية مختلفة وهي كالأتي : وهم متعلق بالحراك الجغرافي داخل الدولة القومية وخارج حدودها الإقليمية ، ووهم متعلق باعتبار أن الإبقاء علي المخيمات الفلسطينية هو قرار سياسي انتهجته الدول العربية لابتزاز الإسرائيليين والمجتمع الدولي ويزيد الأمور تعقيدا ، والوهم الثالث هو أن فلسطينيين الخارج لا يريدون العودة لذا يجب إيجاد حلول فردية إنسانية لهم ، فيما تخبرنا الأدبيات الإسرائيلية أن مع العولمة والانفتاحيات الاقتصادية والتطور الهائل في الوسائل الاتصالات والتقنية الحديثة جعل العالم قرية صغيرة جدا وتلاشت مع هذا التطور ما يسمي بالدولة القومية وعبر القومية -رغم الجهود الشوفنية الإسرائيلية - نفسها حيث لا معني للانتماء الوطني الضيق داخل حدود معينة وانتهي الربط بين الجنسية والمكان الذي يقيم فيه الإنسان حيث يمكن لشخص يعيش في إسرائيل ويحمل جنسية استراليا وولد في نيويورك ووطنه الأصلي روسيا دون أن يشكل ذلك أي عائق في الوصل إلي بلده الأصلي أو بلد ميلاده ... وهكذا إلا انه بالرغم مما سبق والذي يعتبر حقيقي نسبيا، ولكن عصر العولمة أيضا قد فرض الكثير من التعقيدات علي الفئات الاجتماعية الفقيرة أو المهمشة .. الخ فقد فرضت الدول القوانين الأكثر صرامة علي دخول الأجانب أراضيها بحجج أمنية – اقتصادية وغيرها انظر القوانين والشروط الصارمة للهجرة في البلدان التي تعتبر صالحة للهجرة ( الولايات المتحدة – كندا – استراليا ) لذا فأن مكان التنقل والإقامة والحصول علي الامتيازات العولمية لا تخص إلا شريحة نخبوية لا يمكن أن تمثل فئة اللاجئين عموما والفلسطينيين علي وجه الخصوص جزءا منها.
إما فيما يخص المخيمات الفلسطينية والتي تعتبر إحدى الترجمات الحية للمشكلات الاقتصادية التي تتعرض لها الدول التي تحتوي علي مخيمات فلسطينية سورية –لبنان –الأردن ، فليس توطين الفلسطينيين خارج مخيماتهم يلغي مشكلاتهم السياسية أو تحلها فالأمر أكثر تعقيدا فأن السكن خارج المخيمات يحتاج إلي رؤوس أموال كبيرة ليست في مقدور دول اللجوء والتي تعاني من مشكلات اقتصادية ضخمة بل إن الجسم المعني بتوفير المساعدات للاجئين الفلسطينيين" وكالة غوث للاجئين –الاونروا " عاجزة علي توفير المساعدات الأساسية في السنوات العشر الأخيرة ، والصحيح أن المخيمات الفلسطينية تزعج الإسرائيليين ونخبهم الحاكمة فهي تذكرهم بأنهم المسؤولين عن ما فعلوه بالفلسطينيين والذي يعني أن الفلسطينيين سيظلون علي وعد بعودتهم إلي ديارهم وأراضيهم .
والوهم الثالث هو عدم رغبة الفلسطينيين بالعودة كحل جماعي غير وارد في الأفق ويجب النظر في الحل من منظور فردي/ أنساني أي أن الإسرائيليين يتعاملون مع تلك المشكلة بتحويلها جذريا من حلول جماعية سياسية إلي مشكلات فردية إنسانية تتحمل إسرائيل كما المجتمع الدولي والبلدان العربية جزءا منها مما يساهم بتفتيت وتجزئة المشكلة .
إذا كانت الأوهام الإسرائيلية السالف ذكرها تزيد من تعقيد التعاطي مع اللاجئين الفلسطينيين في ضوء الحلول الجذرية للمشكلة فأن الطرف الأخر من الصراع ( العربي والفلسطيني ) لديه من الأوهام التي تزيد المشكلة تعقيدا علي مستوي أخر وصعوبة تحقيق حل جذري (العودة ) ذاته حيث يتم طرح المشكلة ضمن ثنائية ضيقة العودة أو التوطين والذي يختزل المسؤولية الكاملة علي الجانب الإسرائيلي المتسبب الرئيسي للمشكلة وذلك بسبب عدم التمييز بين مسؤولية نشوء المشكلة " إسرائيلية بحتة " وبين وضع اللاجئين الحالي وهي مسؤولية مشتركة بين إسرائيل والبلاد العربية والمنظمة التحرير الفلسطينية أي بين منع إسرائيل لعودتهم وفق الشرعية الدولية والقرارات الدولية وبين دفعهم من قبل دول اللجوء إلي العزلة والتمييز بينهم وبين مواطني تلك الدول . وتكون المعضلة في أن المخيمات تعبر عن التمسك بشكل من أشكال الهوية الفلسطينية حيث يمثل الفضاء الخارجي عن المخيمات تبخر الوعد بالعودة ، فالمخيمات تحمل نوستالجيا البلاد والقري والمدن والعادات والتقاليد والهوية الفلسطينية الأصلية دون أية تأثيرات أخري ، صحيح أن تجارب الخروج عن المخيمات لم تعني ذوبان الهوية الفلسطينية في المجتمعات الأخرى ولعل تجربة الأردن من حيث التوطين أو خلق أوضاع قانونية غير هشة للفلسطينيين خارج تلك المخيمات لم يؤثر في العودة إلى الوطن السياسي " أراضي السلطة الفلسطينية " أو الوطن الأم " فلسطين التاريخية " ولم تخلق القوانين الجيدة التي شرعتها الدولة السورية لصالح اللاجئين الفلسطينيين نوعا من الإشكاليات التي تتعلق بالهوية الفلسطينية بينما خلق الوضع القانوني الهش للفلسطينيين في مصر والخليج العربي انعزالية من نوع أخر زادت من الإشكاليات التي تواجه الفلسطينيين في الشتات .
هناك إشكاليات تتعلق بفلسطيني الخارج أو اللاجئون الفلسطينيون خارج فلسطين التاريخية أو فلسطيني الشتات ، عدة مسميات يتبعها إشكاليات لتلك المسميات ، فيما يعرف الكثير الخارج الفلسطيني باعتباره ملجأ مؤقت يلقي بظلاله علي مجمل الفعل اليومي الفلسطيني في تلك الشتات دون النظر إلي الاعتبارات الزمنية والمحددات المكانية التي تعيد تشكيل الذات / الهوية الفلسطينية ، علاقة الذاكرة الجماعية في مجتمعات اللجؤء " دول المستقبل – بتسكين القاف وكسر الباء " مع الوطن الأم " فلسطين التاريخية أو فلسطين السياسية " ضمن مؤثرات اجتماعية –اقتصادية – سياسية وأيضا ثقافية .
بينت دراسات التهجير القسري التي تبحث في شأن المهاجرين في دول الملجأ / الاستقبال أن هناك أكثر من محور يمكن دراستهم من خلاله ، منها من يدرس المهاجر/اللاجئ علي انه عنصر غريب وعليه أما أن يندمج ويتأقلم ثقافيا في تلك المجتمعات الجديدة مقابل التسامح التي تمنحه تلك المجتمعات المستقبلة أو أن يقاوم ذلك الاندماج فيصير منبوذا وانطوائي وبالتالي سيمارس عليه أنواع من التمييز السلبي أقله تهميشه اقتصاديا ، فيما يحيل بعض الدارسين أن الاندماج المطلوب من المهاجر / اللاجئ يرادف الانصهار في المجتمع المستقبل مقابل التسامح الذي يبقي في إطار الثقافة الغربية علي انهها العادية التي يقاس علي أساسها درجة التسامح الحضاري والتي تسمح للاقليات في تلك المجتمعات أن تكون مرئية فيضوء ما توجده من خصوصيات للمهاجرين / اللاجئين في المجال الخاص ( للمزيد انظر، ميشيل فيفيوركا ، 1998) بالإضافة ألا أن بعض الدراسات قد أحالت أن هذا التسامح يستخدم لفرض الثقافة والهيمنة والقوانين بدعوة أنها الأكثر حضارية وذلك ما استخدمته الدول الاستعمارية لفرض هيمنتها الثقافية والقانونية والاقتصادية علي الدول المستعمرة (بضم الميم وفتح العين ) (للمزيد أنظر ، ديفيد ثيوجولدبرج، 1998).
ومنظور أخر يتعلق بتعامل دول الاستقبال من المجموعات المهجرة ضمن التعددية الثقافية وهي تحاول الحفاظ علي التنوع الثقافي وحمايته كالحفاظ علي لغات الأقلية واقامة الاحتفاليات الخاصة بهم والاعتراف الرسمي بتلك المجموعات والكثير من الإجراءات التميزية الإيجابية لكنها في الوقت نفسه تركز علي العلاقات غير المتكافئة بين الأقلية وثقافات الأكثرية ( حنفي ، مصدر سابق ) ويعلق أحد الباحثين في هذا المجال أنه بالرغم من أن منظور التعددية الثقافية له دور إيجابي في طريقة التعامل مع الاقليات العرقية والثقافية حيث تحد جزئيا الثقافة المهيمنة في بلدان اللجوء ذوي التنوع الثقافي كالولايات المتحدة وكندا واستراليا ، وقد تحول إلي مجرد مفهوم للتوجيه السياسي إلى يحاول أن يعدل في هامشية الاقليات وذلك باختزاله إلي فعل التمييز الإيجابي ( شارلز تيلور ، 1992 ) وقد أوجدت دراسات التعددية الثقافية أثناء تطبيقها العملي نوعان ،التعددية الثقافية الاندماجية بمعني أنه لا يوجد فصل بين المسألة الثقافية والمسألة الاقتصادية والثانية التعددية الثقافية التفتيتية حيث لم يعد الاعتراف هو المشكلة إنما المشكلة هي بالفعل التي تتبني لمحاربة الهوة الاجتماعية التي بنيت علي التمييز العرقي (ناثان كلارز ، 1997).
هناك منظور أخر يقوم بدراسة ظاهرة الهجرة في سياق يتسم بانتشار وسائط النقل والاتصالات بصورة متسارعة مما ساهم في قدرة المهاجر علي المشاركة والمساهمة في الحياة السياسية والثقافية والاقتصادية والاجتماعية في كلا البلدين ( المستقبل والمرسل / بلد اللجوء والبلد الأصل ) وقد ساهمت الدراسات عبر القومية في إظهار سلوك يتعلق بالمهاجر / العائد حيث يتم الحفاظ علي كافة العلاقات في كافة المجالات مع المجتمع الذي عاد منه ولعل تجربة عبر القومية والتي راجت في المجال السياسي علي الأغلب هي تجربة اجتماعية وعلاقات اقتصادية أيضا غالبا ما يتم دفع القضايا الوطنية من قبل المهاجر إلي داخل دولة الهجرة ( حنفي ، مصدر سابق ) لكنها تتسم بنزعة تعميمية حيث لا يري المنظور عبر القومي من الهجرة غير المستحقات السياسية والاقتصادية أما الجانب الاجتماعي فيهمل تماما .
أهملت الدراسات التي تهتم بشؤون الهجرة مفهوم ذات المهاجر حيث اعتبرت الكثير من تلك الدراسات أن هناك تضاربا ونزاعا دائما بين المهاجر عندما يكون مختلفا ثقافيا وعرقيا وبين مجتمع الأكثرية وأن هناك معادلة صعبة لدي المهاجر لا يمكن حلها ألا بانصهاره في هذه المجتمعات أو بالانطواء ضمن أثنيه معينة بطواعية أو يفرض عليه ذلك ، إما من أثار أهمية موضوع الذات في حل تلك المعادلة هما عالمي الاجتماع الفرنسيين الآن تورين ميشيل فيفيوركا في كثير من دراساتهما (للمزيد – الآن تورين ،1992 / ميشيل فيفيوركا ، 1997) حيث أكدا علي أن مهمة "الذات " أحد عناصر الأساسية للحركة الاجتماعية ، هي إعادة تكوين ما فرقه لقاء الهوية في المجتمعات المستقبلة والمعاصرة حيث تقوم بالمزاوجة بين الحداثة والعقلانية المفترضة للسوق والعلم وحقوق الإنسان ومن جهة والهوية والمشاعر والانتماء من جهة أخري (حنفي ، مصدر سابق ) وعليه فأن من الأهمية أن يتم دراسة الديناميات التي تخلقها الشبكات التي ينتمي لها المهاجر /اللاجئ والتي تحدد هويته والتي هي محصلة لمرجعيات مختلفة .
إن موضوع الهوية مرتبط أولا بوعي الذات بأنه ينتمي لها فلا يكفي الحديث عن الوراثة "أبوه وأمه فلسطينيان فهو طبيعي فلسطيني " ولكن يتعلق بالتكوينات الهوياتية التي نسجها المهاجر /اللاجئ في المجتمعات المستقبلة والتي تعتبر متغيرة ومتقلبة ولا يمكن إعطائها ماهية واحدة.