- ℃ 11 تركيا
- 3 ديسمبر 2024
تحسين يقين يكتب: الصحافة بين المواطن والإدارات المحلية والحكومية
تحسين يقين يكتب: الصحافة بين المواطن والإدارات المحلية والحكومية
- 25 ديسمبر 2021, 9:52:40 ص
- 505
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
قد يكون عنواناً تقليدياً غير جاذب، لكن مضمونه مهم لنا جميعاً في تفاصيل حياتنا الخاصة والعامة.
على الرغم من اتساع نطاق السوشيال ميديا، واعتماد الجمهور عليها في التواصل والمعلومات، إلا أنه يبقى للصحافة دورها. تقوم محاججة المقال على المواطنة والصحافة، باتجاه تخفيف الفجوات بين الحاكم والمحكوم، أولاً بأول، قبل اتساع التراكمات السلبية التي تزيد حدة الشقاق والنفور.
يتذكر كثيرون دور الصحافة حين يقعون في مشكلة ما، خصوصاً تلك المشاكل الخاصة بتقديم الخدمات، فإذا لم يجدوا ما يريدون، انهالوا بالنقد على الصحافة، متهمينها بأنها لا تقوم بدورها، وتراهم يقولون لنا اكتبوا عن..، ولماذا لا تكتبوا عن..، وهكذا.
وعلى الرغم من أن الكتاب والصحافيين عموماً يستجيبون لحاجات المواطنين، سواء من داخل أنفسهم، أو بطلب من مؤسسات الإعلام العاملين فيها، فإن فهم المواطن لدور الصحافة يستحسن به أن يرتقي لما يتجاوز مشكلاته الخاصة، أو حتى التي لها صفة عامة يشترك مع آخرون في المعاناة منها.
أرى ككاتب وكمواطن أن المواطنين يعرفون وسائل الإعلام، ويدركون أدوارها، سواء أقامت بها أو لم تقم، وهذا أمر جيد، ومشجع، ويظهر وعي المجتمع على حقوقه، وعلى كيفية الدفاع عنها وتوضيحها، ومحاسبة المقصّرين.
لكنني لا أرى أن المجتمع يتآزر معاً في الدفاع عن الحقوق، وعن وسائل الإعلام والصحافيين الذين يساهمون في توعية الرأي العام وإعلامه بما هو ضروري ليعرفونه من معلومات، لها علاقة بالحقوق وتلبية الحاجات الشرعية، بل يمضي المجموع غير مكترث، تاركاً أمر الانفعال والتأثر بها، لفئة أو بعض فئات كأن هذه القضية لا تهمهم. وينطبق الشيء نفسه على قضايا أخرى تثار للتوعية، لكن يظل الرأي العام غير مثار كما ينبغي، وكما ينسجم مع أهمية ما يجد من طرح لهذه القضية أو تلك.
إن القضية تأخذ حقها حين يثار الرأي العام، وليس رأي قطاع معين، وعلى الرغم من أهمية استجابة القطاعات المتخصصة كونها الجهات المرجعية والمتخصصة والفنية والخبيرة، إلا أن الرأي العام يظل هو الركيزة والمستند لإحداث التغيير والضغط على متخذي القرارات وصانعيها والمراقبين على تنفيذها بأمانة ودقة.
إن الرأي العام في المجتمع غير متضامن مع نفسه، ولسان حاله يقول: هذا أهتم به، وهذا ليس في نطاق اهتماماتي، والحقيقة أن ذلك ربما يكون بشكل مؤقت، فما يهتم به المواطن الآن قد لا يظل محط اهتمامه، وما لا يهتم به الآن يصبح موضع اهتمامه المستقبلي، بمعنى أن منظور المواطن يظل أسيراً لحاجاته هو الآن، والمعول عليه، أن يستجيب ويتفاعل مع القضايا كلها، لأنها تؤثر على آخرين يهتم بهم، وآخرين ستؤثر عليهم تلك القضايا بعد حين، وبالطبع ستؤثر عليهم، وبالتالي فهو يقع وسيقع في دائرة التأثر في المستقبل القريب، وهذا يقود إلى هدف إستراتيجي في حياة الأفراد والشعوب، ألا وهو الارتقاء بالغد، والذي سيخلف الآن، وربما بعد قليل.
فالمواطن، كما تقتضي المواطنة، هو المنتمي لمحيطه ومكانه ومجتمعه وبيئته، فهو لا يعيش بمفرده، بل يعيش داخل مجتمع كبير، له حاجات متنوعة وقضايا متعددة ومستمرة في الظهور، ومشاكل تبرز كل حين، وهو رغم ضرورة أن يستجيب لحاجاته، وأن يطور واقعه كفرد، إلا أنه لن يحس بالانتماء الحقيقي لمجتمعه إلا إذا بدأ يخرج من دائرته الخاصة، ويتبنى مشاكل الآخرين وقضاياهم، والتي هي أصلاً ليست بعيدة عنه، بل إنها تؤثر عليه بشكل غير مباشر، ما تلبث أن تصبح مباشرة في التأثير حين تتغير الظروف بتغير الأحداث والأزمان، والأعمار، والحاجات، وتطور أفراد الأسرة الصغيرة التي يعيش وسطها، داخل المجتمع الكبير كأسرة أكبر.
شرط التغيير هو الوصول إلى الرأي العام وإثارته من الداخل، بإثارة إنسانية واعية لا ترتبط بالمواسم والمناسبات وحتى الأحداث، بحيث يظل أناس من هذا المجتمع يلحون ويذكّرون ويراقبون ويحاسبون، فبهذا الإلحاح والإصرار يضطر الحاكم والمسؤول ومقدم الخدمات على أنواعها إلى الاستجابة كي يخلص من ثائرة الرأي العام.
وحين يتعامل أفراد المجتمع مع قضايا الآخرين كأنها قضاياهم الفردية الخاصة، نكون قد وضعنا أرجلنا على أول درجات سلم التغيير، حيث سيشيع في المجتمع شعور التضامن، ولن يجد أصحاب قضية ما أنهم وحيدون، بل سيجدون أن قضيتهم الخاصة صارت قضية رأي عام، بدافع قيمي وإنساني، وبدافع مهم جداً وهو شعور المتضامنين أنهم معرضون لما يتعرض له أصحاب هذه القضية أو المشكلة.
في المجتمعات الراقية، ولدى الشخصيات التي تهتم بالقضايا العامة كقضايا الخاصة، غالباً ما تبادر هذه الشخصيات المجتمعية وليست الإعلامية فقط، إلى تبني مشاكل غيرها، والتي كانت مشاكلها فيما مضى، أو ستكون كذلك في مكان آخر وزمان قادم.
فحين تحدث قضية لها علاقة بالخدمة التعليمية، أو الصحية، أو غيرها من الخدمات، فمن المهم بمكان ألا يقتصر هم التناول والنقد والمحاسبة على جمهور تلك الخدمة والذي يكون ضيقاً، بل أن يتم تعميمه على طريق تبنيه، وحينها فقط يضطر المسؤول إلى الرد والاستجابة والمراقبة والمحاسبة واليقظة وأخذ الحيطة والحذر، وأخذ العبرة حتى لا يتكرر ما يحدث من تقصير.
نعم، نحن بحاجة أن نضع أنفسنا دائماً مكان الآخرين، من المواطنين الذين ننتمي إليهم، ومعهم ننتمي لهذا المجتمع والوطن، وهذا ما سيجعل مقدمي الخدمات بشكل خاص يحاذرون في عملهم، ويحسبون للمواطنين بشكل عام ألف حساب لا مئة!
كل مواطن هو عين أخيه المواطن، لا أخوه حقيقة أو في الرضاعة، عندها سيحس المواطن وإخوته نحن بأمان أكثر، ونحس أننا معاً متضامنون، ولسنا وحيدين!
أزعجني رد مقدمة خدمة في مستشفى على مواطن يحمل طفلاً صغيراً مصاباً، يسأل أهله عن طبيب كي يراه وهو المصاب في رأسه في حادث سير، فتتصرف بعدم اكتراث، وحينما يسألها المواطن قريب الطفل: افرضي أن هذا الطفل ابنك فهل ستتصرفين على هذا النحو؟ فتجيبه بإجابة احترنا بها طويلاً: الحمد لله أنه ليس ابني!
تحمد الموظفة الله أن هذا الطفل البريء ابن الأربع سنوات ليس ابنها..!
فهل من الضرورة فقط أن تقدم الخدمة للمواطنين حين يكونون أقرباء أو ذوي صلة معها ومع باقي مقدمي الخدمة؟
نحن لا نريد من وراء هذا المثال تعميم سوء الحال، ولا نريد بالطبع التشهير، لكن من يتعرض للخدمات على أنواعها، الحكومية والخاصة على حد سواء، يكتشف كم من المشاكل نعاني، وكم نحن بحاجة لتضامن الرأي العام للمحاسبة على التقصير، حتى نجفف منابع عدم الاكتراث، ونزيد من منابع الاكتراث.
أصدق الاستجابات هي ما كانت نابعة من الإنسانية ومن الإحساس بالمواطنة العامة، لا من خصوصية ما نصاب به أو نتعرض له من أحداث. بل إن هناك من يتطرف فيعتصم أو يتظاهر تعبيراً عن تضامنه مع هذه الفئة أو تلك، بل وهناك من يعرّض نفسه للإيذاء كالإضراب عن الطعام، أو عن العمل، أو تقييد نفسه، أو غير ذلك فيما يخص قضايا الحرية لشعب آخر غير شعبه، محققاً اختراقاً للرأي العام، يؤثر في الجمهور ومتخذي القرارات.
في قضايانا الاجتماعية والمجتمعية والخدمات نحن بحاجة للتضامن معاً ومع ما يثار من قضايا رأي عام، كما أننا لخصوصية وقوع شعبنا تحت الاحتلال أيضاً مطالبون بتضامننا المشترك ضد إجراءات الاحتلال، وأن ننظر إلى كل مشكلة أو مصيبة تحدث هنا أو هناك في هذا الوطن الغالي والمجروح أنها مشكلتنا وأنها أصابتنا، لا أن ننتظر قدومها إلى مكاننا الصغير حتى ننفعل بها ونحس بها!
سأكون سعيداً ككاتب أن يطلب مني مواطن مثلي أن أكتب عن قضية لا تمسه هو بشكل شخصي، بل تمس آخرين بات يهتم بهم ويعي قضاياهم، عندها سأرى وأحس أن كتابتنا عن هذه القضية أو تلك ستصل الرأي العام وسيتأثر بها، لا فئة بعينها تتابع زمناً صغيراً ثم يتلاشى الاهتمام تحت هاجس إحساس الوحدة والإحباط واليأس.
علينا كإعلاميين أن ننسجم مع مجتمعنا وقضيتنا الفلسطينية العادلة والنبيلة، وعلى المجتمع أن يتضامن مع نفسه، وأن يحقق المواطنة والانتماء بالإحساس بما يقع على هذه الشريحة من ظلم أو اضطهاد أو نفي.
على وسائل الإعلام الواعية ودور التربية والتعليم العام والعالي، ومؤسسات الاتصال الجماهيري كالمسجد والكنيسة ومراكز الثقافة والفنون أن تربي النشء بشكل خاص والمواطنين بشكل عام على الانسجام مع قضايا المجتمع العامة وعدم التقوقع داخل الذات أو الفئة أو الجماعة أو الحزب.
الضرورة الإنسانية وضرورة المواطنة والضرورة الوطنية والقومية تقتضي إيلاء هذا الموضوع حيزاً كافياً بما يعمق من تنشئة المجتمع على التضامن مع الرأي العام، عن طريق توعية الأفراد بأهمية ما يطرح من قضايا، في سبيل إثارة الرأي العام بعد التوعية، باتجاه واحد وحيد وهو التغيير والإصلاح.
حين يتضامن الإعلامي مع زميله، والمواطن مع أخيه في المواطنة، والإعلاميون مع المواطنين، تترسخ المواطنة الصالحة، ويتفعّل دور الصحافة والإعلام، ويزداد الأمل بحياة فضلى غداً وبعد غد.