- ℃ 11 تركيا
- 22 نوفمبر 2024
توفيق رباحي يكتب: 11 سبتمبر الإسرائيلي
توفيق رباحي يكتب: 11 سبتمبر الإسرائيلي
- 10 أكتوبر 2023, 1:13:53 ص
- 602
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
السبت 7/10/2023 في إسرائيل هو الثلاثاء 11/9/2001 في الولايات المتحدة. ما حدث في الولايات المتحدة في ذلك الثلاثاء غيّرها وغيّر معها العالم. وما حدث (ولا يزال) في إسرائيل في ذلك السبت سيغيّرها ومعها المنطقة برمتها.
يشترك الحدثان في أنهما أسقطا خرافة «المعجزة الاستخباراتية» التي بنى عليها البلَدان صورتيهما طيلة عقود.
«السبت الأسود» يطرح بإلحاح أسئلة عن الإخفاق الأمني الذي قاد إلى تلك الكارثة الإسرائيلية. وقبله طرح «الثلاثاء الأسود» في الولايات المتحدة الأسئلة ذاتها ولا يزال.
أما الأسئلة الأهم، فأحدها: هل حقا تعرف إسرائيل هذه المنطقة وطبيعتها وتعقيداتها السياسية والاجتماعية والبشرية بعد سبعة عقود من الوجود والصراع؟
تبدو الحالة الأمريكية قابلة للفهم إلى حد ما بحكم أن التدبير لهجمات 11 أيلول (سبتمبر) والتخطيط جرى في أرض بعيدة جغرافيا عن مسرح التنفيذ. لكن الذي حدث في إسرائيل إخفاق استخباراتي صادم فعلا لا عذر فيه للقائمين على أمن إسرائيل الذين يُفترض أن لا همّ لهم سوى حركة حماس والجهاد وأمن إسرائيل. وفي المحصلة نجحت حماس في العبث بأمن إسرائيل بطريقة تشبه ألعاب الفيديو.
كيف نجحت حماس في إخفاء عملية استغرقت بالتأكيد شهورا من التحضير اللوجستي بمشاركة مئات وربما آلاف المقاتلين في مساحة جغرافية صدّق العالم أن إسرائيل تراقب فيها حركة النمل قبل البشر؟
يبدو أن التعوُّد على وجود العدو بالقرب منك يُنمّي لديك شعورا زائفا بالثقة وبأنك عرفته ما يكفي فترخي احتياطاتك.
نحن أمام حالة قد تستعصي على خبراء علم النفس الحربي. لكن بالنسبة لإسرائيل هذا الذي حدث على الأرجح. اعتقدوا أنهم عرفوا الفلسطينيين وعرفهم الفلسطينيون. هو اعتقاد زائف تراكم مع الزمن بأن المؤسسة الأمنية في إسرائيل حفظت حماس والفصائل الأخرى عن ظهر قلب بحكم الحروب المتكررة والاحتكاك اليومي مع الناس والتعامل مع السجناء، والجواسيس الإسرائيليين والمخبرين المحليين والتصريحات السياسية السرية منها والعلنية وغير ذلك.
كل هذا انهار في لمح البصر عندما حان الحادي عشر من سبتمبر الإسرائيلي!
مع الوقت يتأكد أن الولايات المتحدة لم ترَ في هذه المنطقة منذ الحرب العالمية الثانية غير إسرائيل والنفط
المؤسسة الأمنية والسياسية في إسرائيل ضحية عامل آخر قادها إلى هذه الكارثة. اعتقاد (زائف مرة أخرى) بأن القضية الفلسطينية انتهت وبأنها تحوّلت إلى قضية شغب داخلي وراءه شبان مُحبَطون يكفي التغلب عليهم بالقمع والسجون. هذا الاستنتاج نابع من اعتقاد (زائف هو الآخر) بأن الفصائل الفلسطينية معزولة ومنهكة وبلا موارد، وبأن حماس وأخواتها في حاجة إلى التهدئة أكثر ما هي إسرائيل في حاجة إليها.
هذا الخطأ الفادح ترتب عن الجو العام السائد في منطقة الشرق الأوسط في العقدين الماضيين، وتكرّس أكثر منذ اتفاقات التطبيع في 2020 بين الإمارات والمغرب والبحرين من جهة وإسرائيل من جهة أخرى. ثم زادت ثقة الإسرائيليين لتقترب من الغرور عندما ثبت لديهم أن الجائزة الكبرى، التطبيع مع السعودية، في حكم المؤكد وأصبحت مسألة أسابيع لا غير. التطبيع مع السعودية كان سيشكّل ضربة شديدة وإحباطا كبيرا للفصائل الفلسطينية لأنه يجردها من عوامل معنوية ومن أسباب الاستمرار في المقاومة. لكن كان على الإسرائيليين انتظار أن يتحقق هذا التطبيع ثم استثماره، إلا أنهم اختاروا المسارعة إلى وضع العربة قبل الحصان.
الصورة الأكبر تشمل أسئلة لا تخص إسرائيل وحدها بل الغرب كله: هل يعرف هذا الغرب حقا هذه المنطقة وطبيعتها وتعقيداتها السياسية والاجتماعية والبشرية؟
غالبا لا. مع الوقت يتأكد أن الولايات المتحدة لم ترَ في هذه المنطقة منذ الحرب العالمية الثانية، غير إسرائيل والنفط. كل ما كان يهمها حماية أمن إسرائيل من خلال دعمها بكل ما يتطلبه ذلك، واستمرار تدفق النفط من خلال دفع المقابل للسعودية. وحديثا أُضيف للثنائي إسرائيل والنفط موضوع الإرهاب الذي شاركت واشنطن في إيجاده في أفغانستان وتمدده إلى خارجها.
لكن المنطقة تغيّرت بسرعة وعلى كل الأصعدة سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وديموغرافيا. ذهبت أجيال وجاءت أخرى، وقعت كوارث وأحداث وتبعتها أخرى، برزت تيارات سياسية وعقائدية لم تكن موجودة. والمشكلة أن الولايات المتحدة لم تتغيّر وتأخرت في اللحاق بالسرعة التي كان يتغيّر بها الشرق الأوسط في العمق. وسط التغييرات العميقة لم تنمحِ القضية الفلسطينية من وجدان الشعوب، والشعوب هي الأبقى. وهذا ما تجد الولايات المتحدة صعوبة في إدراكه فبقيت سجينة عبارات صدئت واهترأت مثل «نتفهم إسرائيل وندعم حقها في الدفاع عن نفسها» عندما تضرب إسرائيل، و«إرهابيون متوحشون» عندما يضرب الفلسطينيون.
العجز عن إدراك هذا الأمر قاد الأمريكيين والغرب إلى حالة من الإنكار لحقيقة أزلية هي أن الاستعمار والاستيطان، حيثما كانا، هما أعلى درجات العنف وما يأتي بعدهما تفاصيل حتمية، وأن الشعوب لا تملك أدوات وخيارات غير المقاومة حتى لو كان ذلك بالحجر والكلام. هذا هو الأصل، وهذه غريزة بشرية لا علاقة لها بحماس أو إسرائيل أو الإسلام أو الإرهاب أو معاداة السامية وغيره من الكلام المُعلَّب. لو احتلت المكسيك بنما اليوم سيقاتل البنميون إلى آخر رمق من أجل استرداد كرامتهم وأرضهم، فكيف إذا تعلق الأمر بإسرائيل ووحشيتها وعنصريتها النادرتين المستمرتين على مرأى ومسمع العالم، بل وتواطؤه.
هذا التأخر الأمريكي يُجسدّه كلام مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان أمام أعضاء المجلس الأطلسي الأسبوع الماضي عن أن الشرق الأوسط يعيش أفضل مرحلة هدوئه منذ عشرين سنة. المشكلة ليست في أمريكا وحدها. الغرب كله أعمى عن هذه المنطقة التي يضعها تحت راداراته على مدار الساعة.
كلام سوليفان يُذكّر بكلام وزيرة الخارجية الفرنسية، ميشيل آليو ماري، التي في ذروة الثورة التونسية في 2011 قالت إن نظام بن علي قوي ومستقر وأقنعت حكومتها بدعم الشرطة التونسية بعتاد أمني لقمع المتظاهرين، بينما كانت المياه تجري من تحت الجسور وسقط النظام بعد أيام معدودة. ويُذكّر بكلام الرئيس ساركوزي الذي اعترف بعد أسبوعين من سقوط بن علي بأن فرنسا قللت من أهمية ما كان يحدث في تونس. كلام سوليفان يحيل أيضا إلى عشرات الإخفاقات الاستخباراتية الأمريكية والأوروبية الأخرى التي يدعو بعضها للتندر.
كاتب صحافي جزائري