- ℃ 11 تركيا
- 21 نوفمبر 2024
جلبير الاشقر يكتب: ماذا وراء الإغارة الأردنية داخل الأراضي السورية؟
جلبير الاشقر يكتب: ماذا وراء الإغارة الأردنية داخل الأراضي السورية؟
- 10 مايو 2023, 4:15:14 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
إن المشرق العربي أقل مناطق العالم احتراماً لمبدئي سيادة الدول وسلامة أراضيها. فالعلّة تبدأ مع وجود دولة قائمة بالأساس على الاحتلال، هي الدولة الصهيونية، سواء أكان الاحتلال الأصلي في عام 1948 أم الاحتلال الذي استكمله في عام 1967، والذي يُعدّ احتلالاً حتى في نظر الشرع الدولي كما نجم عن إجماع الدول الكبرى. وقد اعتدنا على اجتياح الدولة الصهيونية لأراض عربية فضلاً عن تلك التي احتلتها في عام 1967، وأهم حالة حتى الآن اجتياح قسم كبير من الأراضي اللبنانية في عام 1982 مع احتلال بعضها حتى نهاية القرن المنصرم. كما اعتدنا على الغارات الجوّية التي تشنّها الدولة الصهيونية داخل الأراضي العربية غير التي تحتلّها مباشرة، سواء طالت لبنان أو سوريا أو حتى العراق (تدمير المفاعل النووي العراقي في عام 1981) ناهيكم من غزّة الضحيّة.
وعلى المنوال ذاته، رأينا تعدّي إيران على الأراضي العربية، من احتلال حكم الشاه في عام 1971 لثلاث جزر في مياه الخليج كانت تابعة لإمارتي رأس الخيمة والشارقة (طنب الكبرى وطنب الصغرى وجزيرة أبو موسى) وقد احتفظت «الجمهورية الإسلامية» بها مصرّة على أنها إيرانية. كما بسطت إيران الملالي سيطرتها داخل الأراضي اللبنانية ومن بعدها العراقية ومن ثمّ السورية، بحيث أصبحت الساحات الثلاث في قلب المشرق العربي امتداداً عسكرياً لإيران حتى البحر الأبيض المتوسط، تسرح فيه وتمرح «قوات القدس» المتخصصة في العمليات الخارجية لدى «فيلق حرس الثورة الإسلامية» مع القوات المحلّية المعاونة لها.
وقد انتهز الحكم التركي تدمير العراق في عام 1991، ثم تفكّك سوريا بعد ذلك بعشرين عاماً، كي يشنّ غارات متكرّرة في شمال العراق على منوال الغارات الإسرائيلية على لبنان وسوريا، ثم يحتل قسماً من الأراضي السورية. وقد باتت سوريا، بعد أن وقع قسمٌ من أراضيها في هضبة الجولان تحت احتلال إسرائيلي منذ عام 1967، باتت ساحة تخيّم فيها قوات تابعة لأربع دول أخرى متنافسة، هي إيران وروسيا وتركيا وأمريكا، بحيث بلغ المجموع خمسة احتلالات، وهو رقم قياسي في تاريخ المنطقة.
إزاء هذا السجلّ الحافل بانتهاكات السيادة وسلامة الأراضي، فإن الغارتين اللتين نفّذهما يوم الإثنين الماضي الطيران الحربي الأردني داخل الأراضي السورية لجهة الشرق، وقد استهدفت إحداهما زعيم عصابة متخصّصة في تصنيع حبوب المخدّر الكيميائي المعروف بتسمية كبتاغون التجارية وفي تصديرها إلى بلدان الجوار الشرقي، ومنها الأردن والمملكة السعودية، وطالت الثانية مصنعاً للكبتاغون، إن تينك الغارتين قد تبدوان أمراً عادياً جداً في المشرق العربي. والحال أن الحكم الأردني سبق له أن شنّ غارة داخل الأراضي السورية، في منطقة الرقّة تحديداً. كان ذلك في عام 2015 وقد استهدفت الغارة تنظيم داعش، ثأراً للطيّار الأردني معاذ الكساسبة الذي أعدمه التنظيم حرقاً بطريقة فظيعة.
إن دلّت تلك الزيارة على شيء، فعلى أن طهران لم تعد ترى أن الحكم السوري مرتهن بها إلى حدّ أنها لا تحتاج لمسايرته مثلما كان الحال حتى الأمس القريب
بيد أن الغارة الأردنية تبقى خارجة عن المألوف مع ذلك، إذ إنها لم تطل تنظيماً إرهابياً فالتاً من سيطرة السلطات السورية كما قبل ثماني سنوات، بل مواطناً سورياً عُرف عنه أنه يتعاون مع وكلاء إيران الإقليميين، لاسيما «حزب الله» اللبناني، ومع بعض عصابات «الشبّيحة» التابعة للنظام السوري. وقد ظلّ الحكم الأردني حتى الآن شديد الحذر من التورّط المباشر في الصراع الدائر داخل الأراضي السورية، بما يجعل احتمال قيامه بإغارته بلا تبليغ الحكم السوري مسبقاً احتمالاً ضعيفاً. لا بل التزم الحكم السوري الصمت إزاء الإغارة الأردنية، بما يوحي بقوة أنها تمّت برضاه مع الاتفاق على عدم تبنّي الأردن لها رسمياً حفظاً لماء وجهه. طبعاً، لم يحل عدم تبنّي إسرائيل الرسمي لغاراتها المتكرّرة داخل الأراضي السورية دون استنكار دمشق لها، لكنّها لا تجري بالاتفاق معه، وهو بيت القصيد.
يُضاف إلى ما ذكرنا أن الإغارة الأردنية حصلت بعد أيام قليلة من اللقاء الخماسي الذي جمع في عمّان، في الفاتح من الشهر الجاري، وزراء خارجية الأردن وسوريا والعراق ومصر والسعودية، تمهيداً لإعادة الحكم السوري إلى جامعة الدول العربية، وقد اتفق المجتمعون على «تعزيز التعاون بين سوريا ودول الجوار والدول المتأثرة بعمليات الإتجار بالمخدرات وتهريبها عبر الحدود السورية». هذا وقد تمّت الغارة بعد ساعات من اجتماع وزراء الخارجية العرب في القاهرة يوم الأحد الماضي، الذي قرّر رسمياً إعادة الحكم السوري إلى الحظيرة. فإن كافة الدلائل تشير إلى أن الإغارة الأردنية إنما تمّت بعد تنبيه الحكم السوري إلى أنها ستقع، الأمر الذي يضفي مصداقية على التكهّنات بأن المسعى السعودي، الذي كان حاسماً في فك عزلة النظام السوري عن الجامعة العربية، مقترنٌ بمسعى سعودي آخر وراء دقّ أسفين بين دمشق وطهران، نظراً لعلاقة وكلاء إيران بما استهدفته الإغارة.
ويعزّز هذه الرواية قيام الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، بزيارة لدمشق هي الأولى منذ اشتعال الأوضاع في سوريا قبل ما يناهز ثلاثة عشر عاماً، وذلك في الثالث من الشهر الجاري، أي بعد الاجتماع الخماسي الذي انعقد في عمّان بيومين فقط. فإن دلّت تلك الزيارة على شيء، فعلى أن طهران لم تعد ترى أن الحكم السوري مرتهن بها إلى حدّ أنها لا تحتاج لمسايرته مثلما كان الحال حتى الأمس القريب. ويضاعف من خطورة ذلك أن روسيا كانت هي أيضاً، على الأرجح، على علم مسبق بالإغارة الأردنية إذ إنها تسيطر على الأجواء السورية بطيرانها وصواريخها أرض-جو وتجري الغارات داخل تلك الأجواء عادة بعد إعلامها، الأمر الذي ينطبق على الغارات الأمريكية على مواقع داعشية مثلما ينطبق على الغارات الإسرائيلية على مواقع تابعة لإيران