- ℃ 11 تركيا
- 22 نوفمبر 2024
جمال الجمل يكتب: عماد "ضد" العدوان.. وعباس مع رمضان
جمال الجمل يكتب: عماد "ضد" العدوان.. وعباس مع رمضان
- 18 مايو 2023, 5:29:43 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
(نمبر وان)
شغلتني قضية اعتقال إسرائيل لعضو مجلس النواب الأردني عماد العدوان، بتهمة تهريب أسلحة وأشياء أخرى للفلسطينيين في الضفة الغربية، وبينما أطارد الوقت للتعرف على تفاصيل القضية وردود الفعل الأردنية والفلسطينية، فوجئت بصورة للرئيس الفلسطيني محمود عباس هاشّاً باشّاً يعبر عن لهفته وأشواقه لرؤية الممثل المصري المثير للجدل محمد رمضان: "والله منيح اللي شوفناك أخيراً.. زمان إحنا بنسمع عنك كل الأخبار الطيبة والفن العظيم"..
لا عيب أن يلتقي سياسي بممثل، العيب أن يكون السياسي هو الرئيس الفلسطيني، وأن يكون الممثل من نوعية رمضان المتورط (عن جهل أو قصد) في عدة وقائع تشير إلى استعداده للتعامل مع الصهاينة، أو تكشف عن عدم تقديره خطورة تلك الحماقات التي ارتكبها بحجة أنه لم يكن يعرف هوية الشخصيات التي عانقها وتسامر معها. والمرير في هذا كله أن تنتشر صور اللقاء والتعليقات عليه في ذكرى النكبة العربية الكبرى، وتأسيس الكيان الصهيوني على حساب أرض وناس فلسطين!
(غموض واضح جدا)
مرت أسابيع ثلاثة ولم تتكشف بعد الحقائق الخفية في واقعة اعتقال إسرائيل للنائب الأردني، كل ما نعرفه معلومات مبتسرة تتحدث عن ضبط كمية من الأسلحة في سيارة النائب عند معبر "الكرامة" الرابط بين الأردن والضفة الغربية. المعتاد أن السيارات الدبلوماسية والشخصيات السياسية الرفيعة لا يتم توقيف سياراتها وتفتيشها، لكن وزير الخارجية الصهيونية إيلي كوهين ألمح إلى وجود معلومات مسبقة عن العملية ما أدى للتنبيه على سلطات المعبر بتوقيف سيارة النائب وتفتيشها.
ولم تقتصر نقطة التفتيش على وجود عناصر الأمن التقليدية وموظفي الجمارك، فقد كان بانتظار النائب فرقة من جهاز الأمن الداخلي المعروف اختصارا باسم "شين بيت" أو "شاباك"، وهو الجهاز المكلف بمطاردة المقاومة وصاحب اليد الطولى في الأجهزة الأمنية الإسرائيلية الثلاثة مع المخابرات العسكرية (أمان) وجهاز التجسس الخارجي (موساد)..
وجود الشين بيت في المشهد ينبهنا إلى احتمال "الخيانة" كأمر وارد في الإبلاغ عن النائب، والاحتمال الثاني هو مراقبة عناصر "الشين بيت" لزيارات النائب السابقة ما أدى إلى ارتياب استخباراتي انتهى بالإيقاع به (ولا نعرف إن كان متلبساً أم لا؟).
ما يعنينا هنا أن التوقيف لم يكن صدفة أو ضربة حظ لنقطة تفتيش، لكنه نتيجة لترصد يؤكد أن إسرائيل لا تؤمن ولا تأمن لفكرة السلام مع العرب، فكلا الاحتمالين (الخيانة والمراقبة) هما تعبير عن طبيعة الصراع. فبرغم معاهدات السلام الورقية لا تزال الحقيقة الواقعية تؤكد كل فترة أن الصراع ممتد في العمق والنفوس، وفي مقابل فريق "التطبيع والخيانة"، لا تزال "المقاومة" حية وفاعلة وقادرة على إحياء الأمل في تحرير كامل التراب الفلسطيني.
(سؤال)
لماذا يغامر نائب برلماني من عائلة كبيرة ويعيش حياة ناجحة بمثل هذا الفعل؟
التاريخ السياسي المعلن للنائب وقبيلته العربية (العَدوان) يشير إلى وجود رابط قوي بينهم وبين القضية الفلسطينية، فالقبيلة تسكن في منطقة هي الأقرب للضفة وترتبط بالقدس وجدانيا، وكتابات الشعراء والأدباء الذين عاصروا النكبة والنكسة ومراحل الصراع تشهد بأن الجسر الذي تم توقيف العدوان عليه أثناء عبوره، كان يئن وخشباته تهتز من تأثير زفرات اللاجئين الفلسطينيين الذين أجبرتهم هزيمة الجيوش النظامية على مغادرة منازلهم والخروج إلى الأردن بعد احتلال الضفة الغربية في السابع من حزيران/ يونيو عام 1967، فقد كان الأردن منذ النكبة وحتى النكسة هو الذي يدير شؤون الضفة الغربية ويضع لها القوانين والأنظمة.
وبرغم أن النائب الموقوف لم يكن قد وُلد في ذلك الحين (مواليد 1988)، إلا أنه تربى على مشاعر حب فلسطين والارتباط بقضيتها، وهي مشاعر واضحة بجلاء وشجاعة في البيان الذي أصدرته قبيلة العدوان؛ تؤكد فخرها بابنها واعتزازها بدعم النضال الفلسطيني ضد الاحتلال، كما تعبر عن ثقتها في اتخاذ الأردن القرار الصحيح باستعادة عماد من قبضة الاحتلال، حتى لو تعرض للمساءلة والسجن في بلاده..
هذه المشاعر التربوية التي نبتت في رحاب أهلي لا يفرق بين الأردن وفلسطين، أسفرت مع الزمن عن امتزاج لا يعترف بالحدود، فنهر الأرض يصل ولا يقطع بين الإخوة على الضفتين، وقد نشأت بعد كل من النكبة ثم النكسة أجيال يمكن تسميتها (أردني/ فلسطيني) أو (فلسطيني/أردني) كتجسيد بشري لحلم الوحدة العربية المتأخر عن التحقق بسبب أنظمة قُطرية انفصالية تخدم التمزق العربي، وتساعد على بقاء الاحتلال حاكما ومتحكماً في المنطقة كلها وليس في الفلسطينيين وحدهم..
وفي مقابل انبطاح الأنظمة توجد جماعات وأفراد متمسكة بحق المقاومة والدفاع عن الأرض العربية وقضية تحرير فلسطين، ومن هؤلاء الصامدين النائب عماد العدوان كما يبدو من تصريحاته ومواقفه السابقة، واهتمامه بعضوية لجنة فلسطين في البرلمان، وعلاقاته الطيبة مع شخصيات مقدرة في الداخل الفلسطيني، وإشادته بصمود المقاومة في صد العدوان الإسرائيلي المتكرر على غزة والضفة.
(تذكرة)
أتابع أخبار زيارة زيلينسكي لألمانيا، وتصريحات واشنطن وعواصم أوروبية التي تتحدث علنا عن حجم الدعم العسكري لأوكرانيا بحجة الدفاع عن نفسها ضد العدوان الروسي، وأتذكر حكاية القديس أوجستين التي نقلها عن محاكمة الإسكندر الأكبر لأحد القراصنة، فقد سأله الإسكندر بعظمة: كيف تجرؤ على تهديد أمن البحار؟.. إلخ.
فأجاب القرصان: مثلما تجرؤ على إزعاج العالم بأسره، ولكن لأنني أفعل ذلك بسفينة صغيرة فأُدعى لصاً، وأنت تفعل ذلك بأسطول ضخم فتدعى إمبراطوراً..
إمبراطور العصر يهرب السلاح بكميات ضخمة إلى أوكرانيا علناً ويسمي ذلك: مقاومة شرعية للعدوان، بينما يفرض الحصار على الفلسطينيين ويعيّن الحكام العرب حراسا للمعابر في الشرق والغرب، وإذا سعى فرد لتخفيف الحصار عن إخوته و"توصيل الطعام لعمته" يستوقفه أبو جهل وجواسيسه.
الملاحظة الأخيرة قبل أن أختتم المقال، تتعلق بالوضع القانوني لتصرف عماد العدوان، وهو وضع لا ينفصل عن التذكير بالوضع القانوني للضفة الغربية في المواثيق الأممية والقوانين الدولية، فمنذ 1948 صارت ومعها القدس الشرقية تحت الحكم الأردني، بل تم توحيد الضفتين الغربية والشرقية لنهر الأردن رسميا منذ عام 1950، وكان يمثلهما عدد متساو من النواب في البرلمان الأردني حتى عام 1967 عندما حدثت النكسة، وتم اعتبار هذه المناطق أرضا محتلة، لها حق شرعي أصيل في الدفاع عن النفس والمقاومة كما تنص المادة (51) من ميثاق الأمم المتحدة، الذي يعتبر كل ممارسات المقاومة حقا طبيعيا للدول المحتلة (فرادى أو جماعات) لحين تدخل مجلس الأمن، وإذا فشل المجلس بإنهاء الاحتلال وإعادة الحق لأصحابه، يستمر حق الشعوب في المقاومة المسلحة حتى يتحقق التحرير. وهو أمر ينطبق على الضفة وغزة وكل الأراضي التي تعترف بها الأمم المتحدة كأرض احتلتها إسرائيل بدون شرعية وتعترف بها أمريكا وأوروبا ضمن اقتراح حل الدولتين الذي يستند على ضرورة إعادة إسرائيل لوضع الأرض قبل 5 حزيران/ يونيو 1967. وهذا يعني قانونا أن النائب الأردني كان يعبر جسرا في داخل بلده وتحت سلطات منزوعة غصبا من بلاده، ولا يجب أن يعترف بها.
وإذا وصلنا إلى وضعية الأرض الفلسطينية بعد اتفاقيتي أوسلو وغزة/ أريحا، فإن المنوط بالجسر على نهر الأردن هو السلطة الفلسطينية وليس قوات الاحتلال، وبالتالي فإن عملية توقيف النائب الأردني لا تكتسب أي صفة قانونية، لكنها نوع من القرصنة وممارسات القسر التي يمارسها الاحتلال بدون أي شرعية. وهو الموقف الذي بدا واضحا من أوروبا وأمريكا نفسها بعد إعلان حكومة الاحتلال ضم ثلث أراضي الضفة في عام 2020، واضطرت لتأجيل تنفيذ قرار الضم تحت ضغط المعارضة الدولية.
لكن الاحتلال يواصل فرض الأمر الواقع ويلتهم الأرض عن طريق بناء المزيد من المستوطنات وهدم منازل الفلسطينيين وتهجيرهم، وتكسير آلة المقاومة وحصارها حتى يتمكن من تمرير خطته خطوة بخطوة. ومن هنا تظهر أهمية المقاومة الفلسطينية، فما يفعله الغرب في أوكرانيا فرصة للمقارنة، وفرصة لتقديم القضية الفلسطينية للعالم على نطاق واسع كقضية حق مشروع ضد دولة مغتصبة، يجب على كل الدول والأفراد المؤمنين بحق الحياة الوقوف بصدق وشرف وشفافية ضد تجويع وحصار الفلسطينيين، ومساندة حقهم في حماية أراضيهم من وحش الأرض..
والخلاصة:
إما التمسك بالحق والسير في طريق المقاومة إلى آخره، مهما كانت العقبات والعقوبات..
وإما التفريط والانهزام والتسليم لعصابة بني صهيون بكل شيء..
لا عزاء للمنبطحين، ولا مساومة في قضايا الشرف