- ℃ 11 تركيا
- 24 نوفمبر 2024
جيوبوليتكال: لهذه الأسباب لا تجد الديمقراطية طريقها إلى السودان
جيوبوليتكال: لهذه الأسباب لا تجد الديمقراطية طريقها إلى السودان
- 10 نوفمبر 2021, 8:23:01 ص
- 665
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
منذ حصول السودان على الاستقلال من بريطانيا عام 1956، لم تتمتع بالديمقراطية إلا فترات متقطعة فقط. وبالرغم أن بريطانيا شجعت صعود الأحزاب السياسية، فإن الحكومات الديمقراطية التي ظهرت بعد الاستقلال لم تدم طويلا وأطاحت بها الديكتاتوريات العسكرية.
وبالرغم أن الإطاحة بالرئيس "عمر البشير" في 2019 منحت الأمل للكثيرين بشأن الديمقراطية في السودان، لكن تعقيدات الواقع السوداني توفر الظروف المواتية للزعماء المستبدين للتشبث بالسلطة، ما يجعل إقامة دولة ديمقراطية مستقرة أمرا مستحيلا.
أساسات مضطربة
يعود تاريخ السودان الحديث إلى 1820 عندما أرسل الحاكم المصري "محمد علي" جيشا بقيادة ابنه "إسماعيل" لتوسيع مكاسبه من المناطق الخاضعة له في الجنوب، وتسببت سوء معاملة المصريين للسودان في ظهور حركة "الثورة المهدية" الدينية التي دمرت جيشًا مصريًا مكونًا من 10 آلاف جندي في عام 1883.
وبعد عامين، دخل المهديون الخرطوم وقتلوا ضابط الجيش البريطاني "تشارلز جوردون". وفي عام 1899، توجه جيش بريطاني مصري مشترك إلى الخرطوم وأقاموا الحكم الثنائي الإنجليزي المصري للسودان، والذي استمر حتى عام 1956 عندما أعلن رئيس الوزراء "إسماعيل الأزهري" زعيم "الحزب الاتحادي الديمقراطي" استقلال السودان.
وبعد أقل من 3 سنوات، قام الجنرال "إبراهيم عبود" بانقلاب عسكري وعلق الدستور وحل البرلمان وفكك الأحزاب السياسية اليسارية وتبنى سياسات إقصائية ضد جنوب السودان. لكن الفساد وضعف الأداء الاقتصادي (على الرغم من بعض النجاح الأولي) والغياب التام للشفافية المالية أجبروه على الاستقالة في عام 1964 عقب انتفاضة شعبية.
وفي عام 1969، أطاح العقيد "جعفر نميري" بالحكومة المدنية التي كان يرأسها "محمد أحمد محجوب"، زعيم "حزب الأمة القومي"، بعد عامين من اختيار البرلمان له لرئاسة الحكومة.
وكان "محجوب" قد خلف زعيمًا آخر من نفس الحزب وهو "الصادق المهدي" الذي استقال من منصبه، وأدت خيبة الأمل من نظامه الفاسد إلى تصاعد شعبية "الإخوان المسلمين".
ودفع ذلك الوضع "النميري" إلى العمل مع "حسن الترابي" من "الجبهة الإسلامية القومية". وأثر "الترابي" على "نميري" فانتهك شروط اتفاقية أديس أبابا 1972 مع الجنوب عن طريق إدخال الشريعة هناك وحظر استهلاك الكحول حتى بين غير المسلمين.
وتمت الإطاحة بـ"النميري" في انتفاضة شعبية عام 1985، وعين الجيش السوداني أعلى الضباط رتبة وهو المشير "عبدالرحمن سوار الذهب" لرئاسة المجلس الانتقالي قبل أن تعقد الانتخابات العامة وتنتخب حكومة جديدة.
وفي سابقة جديدة في السودان والسياسة العربية، تخلى "سوار الذهب" عن طيب خاطر عن السلطة بعد انتخابات عام 1986 التي انتخب فيها "المهدي" مرة أخرى رئيسا للوزراء، وشغل منصبه حتى عام 1989، عندما أطيح به في انقلاب قاده الجنرال "عمر البشير".
وفتح هذا الانقلاب صفحة 30 عاما كارثيا قضاها "البشير" في السلطة. ففي عام 2011 انفصل الجنوب وأعلن استقلاله، وأثار النزاع المسلح في دارفور بين عامي 2003 و2009 اضطرابات بين السكان المحليين. وكان "البشير" متحالفًا مع ميليشيا الجنجويد التي اتهمتها المحكمة الجنائية الدولية بارتكاب جرائم حرب. وبسبب التهميش الاقتصادي والسياسي المستمر، انتشر الصراع إلى ولايات أخرى، وهما النيل الأزرق وجنوب كردفان وكاسالا في شرق البلاد.
ودمرت سياسات "البشير" غير المسؤولة الاقتصاد، ما أدى إلى احتجاجات حاشدة في ديسمبر/كانون الأول 2018 بعد أن زادت الحكومة أسعار الخبز 3 مرات. وبعد 4 أشهر من الاضطرابات الواسعة، أطاح الجنرال "عبدالفتاح البرهان" بـ"البشير" وأمر باعتقاله. ومع ذلك، يبدو أن "البرهان" اتبع نهجًا مماثلًا لأسلافه فيما يتعلق بالقيم الديمقراطية.
واقع غير مبشر
ابتُليت السياسة السودانية بالانقسامات التي تشمل التنافسات داخل الجيش، والتفتت المدني السياسي، والشقاق العسكري المدني.
وفي مظاهرات 2019 التي تركزت بشكل كبير عند مقرات قيادة الجيش، طالب المحتجون بتسليم السلطة للمدنيين، وفرقت قوات الدعم السريع شبه العسكرية المحتجين باستخدام الذخيرة الحية، مما أسفر عن مقتل العشرات من المتظاهرين.
وبعد مفاوضات شاقة بين الجيش والتحالف الذي يمثل المتظاهرين والذي يُدعى بـ"قوى إعلان الحرية والتغيير"، وقع الجانبان في يوليو/تموز 2019 اتفاقية لتقاسم السلطة كجزء من فترة انتقالية لمدة 3 سنوات، وتضمنت الاتفاقية تأسيس مجلس سيادة بقيادة "البرهان" ومجلس وزراء برئاسة التكنوقراط "عبدالله حمدوك".
لكن السياسات الاقتصادية التقشفية لـ"حمدوك" لم تحظ بشعبية في بلد يتجاوز التضخم فيه 360% ووصل إجمالي ديونه 56 مليار دولار أو 260% من الناتج المحلي الإجمالي. وفشلت الحكومة أيضا في محاسبة المسؤولين عن قتل الناشطين خلال حكم "البشير" وانتفاضة 2019. وأدى تدهور شعبية حكومة "حمدوك" إلى تشجيع "البرهان" على تنفيذ انقلاب الشهر الماضي.
دولة متشظية
ترددت القوات المسلحة السودانية في التصريح بانتخابات برلمانية انتقالية خوفا من أن يحاسب الجيش على تصرفاته أمام الهيئة التشريعية، وفشل اتفاق تقاسم السلطة لأن الجيش رفض السماح للحكومة المدنية بالإشراف على الإصلاحات الأمنية وكسر سيطرته على الأعمال التجارية المربحة في مجالات الزراعة والدواجن والبنية التحتية.
وألقت عقود من سوء الإدارة المالية وسط عدم الاستقرار السياسي بظلالها على الاقتصاد. وفي العام الماضي، أعلنت الحكومة حالة طوارئ اقتصادية بعد انهيار قيمة الجنيه السوداني.
وبالإضافة إلى ذلك، رفض الجيش دمج الجماعات شبه العسكرية والميليشيات في الجيش النظامي وأصر على أن يكون له اليد العليا في السياسة الخارجية للسودان، بما في ذلك توقيع معاهدة سلام مع إسرائيل رغم تحفظات "حمدوك".
وخلال المفاوضات بين الجيش و"قوى إعلان الحرية والتغيير"، قام "البرهان" بزيارة مصر والسعودية والإمارات لمعرفة رأيهم في الاتفاقية المتفاوض عليها، خاصة أن الرياض وأبوظبي هي الجهات الأجنبية الرئيسية المانحة للسودان.
وعلى مدى العقود الأربعة الماضية، نمت منظمات المجتمع المدني في السودان بشكل ملحوظ بسبب النزاعات المستمرة في البلاد وانسحاب الحكومة من المجال العام. وبالرغم أن ذلك سهل الإطاحة بـ"البشير"، إلا أن المجتمع المدني فشل في تهيئة الظروف لظهور دولة حديثة بسبب مطالبه المتناقضة وافتقاره إلى التماسك.
ويمكن القول إن معظم منظمات المجتمع المدني السوداني هي جماعات ضغط لا تفهم أن التغيير السياسي والانتقال الديمقراطي هو أفضل وسيلة لتلبية أهدافها. ومما يفاقم الأمر أن المجتمع المدني يفتقر إلى القدرات التنظيمية ويعاني من الانقسامات الإثنية والقبلية والإقليمية والسياسية.
كما أن النظام السياسي للسودان مفتت أيضا حيث يغير الـ42 حزبا سياسيا تحالفاتهم باستمرار، ومن الطبيعي في السودان أن نرى أحزابًا يسارية تنضم إلى الأحزاب المحافظة والعكس صحيح. ولا تعبر الأحزاب عادة عن أيديولوجيات سياسية أو تظهر مهارات تنظيمية واضحة أو تقدم مطالب سياسة متماسكة، بل إنها انتهازية وتظهر عدم القدرة على توصيل الاحتياجات الجماعية.
كما أن سلوكهم أقرب إلى البدوية السياسية، وتعد القوتان السياسيتان الرئيسيتان في السودان (حزب الأمة القومي والحزب الاتحادي الديمقراطي) طائفيتين، وهما تمجدان زعيم الحزب وتروجان لتعزيز الهوية العربية، في تجاهل للفسيفساء الثقافية والعرقية السودانية.
كما أن تورط الجهات الخارجية مثل السعودية والإمارات أتى بنتائج عكسية. ويعتقد معظم السودانيين أن هذين البلدين لا يريدان أن يتمتع السودان بالديمقراطية.
ومع وجود 570 قبيلة، و57 مجموعة عرقية و114 لغة محكية ومكتوبة، تعد السودان دولة معقدة ومتشظية، ما يجعل من الصعب إرساء نظام ديمقراطي حقيقي.
المصدر | هلال خاشان | جيوبوليتيكال فيوتشرز